محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 6440 - 2019 / 12 / 17 - 22:02
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تحتفي بعض إصدارات سنة 2019 التي نقدم لها هنا بالإنتاجية الإبداعية للعلامات النصية، ووفرتها التكوينية الجمالية، ومدلولها الاحتمالي الواسع في التلقي، وعمليات القراءة في بنى السرد القصصي، والروائي، وفي النص الشعري، والخطاب النقدي؛ فساردة رواية الوصايا لمارجريت آتوود تعاين الحضور النصي المضاعف للبطلة، واتصالها بأزمنة متباينة تقع بين الماضي، والمسقبل، كما تحتفي بفضاء جلعاد الشعري الفانتازي الذي يذكرنا بالرعب، والقسوة في تاريخ الرواية، والمسرح، والفن، بينما تمارس ساردة رواية بط للوسي إلمان نوعا من التجريب في تقنية تيار الوعي؛ فقد يتصل الوعي نفسه بما يتجاوزه من عوالم كونية، وفنية، وطيفية، تتداخل مع ذاكرة الشخصية، وأحلامها، وخصوصيتها الأنثوية، دون مركزية، وتطرح زادي سميث إشكالية الهوية ضمن أخيلة الشخصيات الفنية، وسياقها الحضاري المضطرب بين الآلية، وحضور الكينونة، وتشكلها الآني في الوعي في مجموعة الاتحاد العظيم؛ ويعيد خطاب ماري روفل الشعري – في ديوان أحمق – طرح الأسئلة الأولى عن الوجود، والأخيلة الأنثوية، والإيماءات الكونية، والجسدية، وتعددية دلالاتها، وصيرورتها الإبداعية، واستبدالاتها في القصيدة، وتنسج جوليا كريستيفا الروابط التفسيرية النقدية، والثقافية بين نموذج الأمومة، وحالات التجسد، وتشكل الهوية الفردية الملتبس بين الموت، والولادة، والعالم الافتراضي الراهن في دراساتها الثقافية التي ترجمت هذا العام إلى الإنجليزية، والمعنونة ب الانفعالات العميقة لعصرنا.
وأرى أن مثل هذه الأعمال التي اخترتها بين الأدب، والدراسات النقدية، والثقافية، تعزز من الإنتاجية الإبداعية، والتفسيرية المحتملة للوجود من داخل وفرة العلامات، والأسئلة، والإيماءات، واتصال الحقب الزمنية المتباينة في شعرية العلامة، وأثرها التوليدي في عمليات القراءة، واتصالها بما يتجاوز مركزيات النص، والذات، والوجود.
أولا: رواية الوصايا لمارجريت آتوود:
الفضاء في رواية الوصايا لمارجريت آتوود تفسيري، وفانتازي تجريبي؛ فالبطلة / الساردة تصف جلعاد بأنه رعب محض؛ وتشكل صورة الخادمة كجثة لها بطن منفوخ، وترتدي فستانا أحمر، وقبعة بيضاء تخفي وجهها، وتمزج في سردها بين ذكريات الطفولة، والانطباعات عن الخادمات (1)، وتجدد تلك الانطباعات في تلك الصورة الشيئية التشبيهية المرعبة في الفضاء الروائي، كما يصل السرد لحظة الحكي الفانتازية الحلمية باستعادة الخطيئة الأولى من اللاوعي الجمعي، وبالمستقبل في آن؛ فالرواية تقوم على سرد ذاتي ينطوي على التداخل بين الماضي، والنبوءات المحتملة التي ينسجها النص في شاعرية السرد، والتشكيل السيميائي للفضاء، وللشخصيات الفنية، أو التكوينات الجمالية التي تشبه الوجود، والعدم معا؛ وهو ما يمنح النص خصوصية سردية عابرة للزمكانية، وتمزج بين إيماءات اللحظة الحضارية المتخيلة، وصيرورة العلامات الجمالية المتعلقة بالشخصية، ووعيها بذكريات الطفولة، وبأخيلة الفضاء الحلمية، كما يكشف السرد الروائي عن الحضور النصي المضاعف للبطلة / العمة ليديا التي كانت ضمن شخصيات رواية آتوود حكاية الخادمة؛ والتي كتبتها سنة 1985؛ وهو ما يؤكد المزج ما بعد الحداثي بين النص، ووجود الشخصية في فضاء تمثيلي مغاير للواقع، وتفكك بنيتها المركزية الأولى باتجاه الاستبدال العلاماتي الذي يشير إلى الماضي، بينما يقع ضمن صيرورة جمالية، ونصية، وثقافية تأويلية مختلفة في الحاضر، والمستقبل.
وتذكرنا البنية السيميائية لصورة الخادمة – في الوصايا - بتصور بودريار عن الاختفاء الذي يشير إلى الوجود بصورة لامركزية، وتشبيهية؛ وكأن فضاء جلعاد الحلمي يعيد إنتاج الوجود انطلاقا من رعب الاختفاء التأويلي في وعي الساردة؛ مثلما يشير إلى تناقضات اللعب بالدمى في طفولتها؛ وكأن الدمى تؤول وجود الخادمة الآخر، بينما يحتفي سرد آتوود الروائي بالتشكيل السيميائي لألوان الملبس، وتكوين الشيء / الشخصية؛ وكأنه لوحة قيد التشكل في وجود تصويري مغاير، ينطوي على حياة جمالية خفية للشيء، أو التكوين؛ وقد حاز عمل آتوود تقديرا واسعا في حصولها على البوكر 2019؛ وأرى أنه عمل تجريبي يمنح الشخصية انفتاحا بين الداخل، والخارج / الفانتازي في سياق تأويل الوعي للذات، والعالم، والفضاء، ولذاكرة الشخصية نفسها، وحضورها الجمالي الذي يقع بين النص، والتخييل المحتمل للواقع، وصيرورة السرد.
ثانيا: رواية بط للوسي إلمان:
تطور لوسي إلمان من تقنية تيار الوعي في الرواية في عملها الروائي بط؛ ففضلا عن استخدامها للتداعيات الحرة في صيرورة السرد الروائي، وولوجها لمستوى ما قبل الكلام في العالم الداخلي للساردة / البطلة، والذي يذكرنا بتصور روبرت همفري عن رواية تيار الوعي، واستبطانها للصور الحلمية المقطعة قبل انتظامها في الكلام الواعي، نجدها أيضا تحيلنا إلى ثورة الميديا، والتفاصيل اليومية، والانطباعات النسوية أحيانا حين تجمع بين إشكالية الأمومة والاتساع الكوني لدرب التبانة؛ وأرى أن عمل لوسي إلمان يؤكد قابلية تيار الوعي للتجدد في سياقات فنية، وثقافية جديدة فيما بعد جويس، وولف، وفوكنر؛ فلوسي إلمان تلتقط التناقضات، واللمحات السردية الشعرية الكثيفة المحيطة بوعي ولاوعي الشخصية، وتسجلها في نسيج سردي تصويري، يتجاوز مركزية الشخصية؛ فالوعي يموج بالذكريات، وأصوات الذاكرة الجمعية الخفية، وشخصيات الفن، وإيماءات الموسيقى التي تمتزج أحيانا بصرخات الألم القديمة.
إن الساردة هنا لها حضور تجريبي ما بعد حداثي؛ فهي تكثر من الأسئلة، والاحتمالات، وتمزج بين الأزمنة، وتنتقل من اللذة الجمالية إلى مرض الأم، ثم تاريخ الألم البشري؛ ومن ثم فهي تومئ إلى التعددية الاحتمالية اللانهائية التي يمكن أن تتشكل في وعي، ولاوعي المروي عليه من جهة، والقارئ النموذجي وفق تصور أمبيرتو إيكو من جهة أخرى؛ فتيار الوعي – لدى إلمان - لا يرتكز على التخييل، والأحلام، والذكريات فقط؛ وإنما يقوم على مزج الصور، والتواريخ، والتكوينات، والكواكب، والتفاصيل النسوية اليومية، ونتاج الميديا في معزوفات مقطعة، واحتمالية، وتؤسس لروابط جديدة لامركزية في التلقي.
وقد أشارت لوسي إلمان إلى توظيفها التجريبي لذاكرة الساردة في حديثها مع شيرين قدري ، والذي نشر بمجلة ذا بانش، أو الأزميل بعنوان لوسي إلمان، وجمهورية الوعي؛ فذكرت أن الساردة – في روايتها – تمثل الوعي بكامله، وتجمع بين فعل التخييل، والتقاط بعض التفاصيل بصورة نقية(2).
يومئ خطاب لوسي إلمان – إذا- إلى الاتساع، والصفاء في وعي الساردة؛ ومن ثم فهي تشبه ذاكرة السيدة بلوم؛ وبخاصة في مونولوجها الأنثوي الأخير في رواية عوليس لجيمس جويس، ولكنني أرى أن الاتساع الذي أشارت إليه لوسي إلمان قد يتجاوز مركزية بنية العالم الداخلي للشخصية؛ لوجود انتقالات، وطفرات جمالية مفاجئة في روايتها، وروابط تصل الشخصية بالكون، والتاريخ، وأعمال الميديا الوفيرة؛ فتيار الوعي هنا يتصل بشخصية مختلفة تتميز بالصفاء كما أشارت إلمان، وكذلك تمثل مجموعة من البنى الثقافية، والحضارية المختلفة التي تتجاور فيها الصور، والأصوات بكثافة شديدة، واحتمالية دلالية واسعة بين الإنتاجية الإبداعية للعلامات، وعمليات التلقي في المستقبل.
تجمع ساردة لوسي إلمان – في مقطع من النص الروائي – بين أثر الاتساع الكوني الهائل على الوعي؛ فثمة ستون مليون كوكب، يماثل الأرض في درب التبانة، وتتساءل عن إشكالية وجود الأمومة، أو اليابسة فيها، ثم تتداعى في وعيها صور الدببة القطبية، وجبل الجليد، وتنتقل منه إلى كارثة سفينة تايتانيك، ثم كارثة بورغون التي كانت أسوأ، ثم تحيلنا إلى الأثر النفسي المأساوي لحطام تايتانيك، وتتلاحق إيماءات بعض العلامات، والتفاصيل الصغيرة؛ مثل المكرونة؛ ثم تستعيد بعض الأطياف من التاريخ، وأعمال الفن؛ مثل هملت، وكازانوفا، ومغنية البوب الأمريكية مايلي سايرس(3).
تؤول الساردة حالة الاتساع الكوني – إذا – من داخل نماذج اللاوعي الجمعي، وعالمها الداخلي الأنثوي؛ وكأنها تعبر المجال الإنساني من داخله، وتنتقل إلى كارثة تايتنك بينما تعيد تشكيلها في الإنتاجية الإبداعية للسرد الروائي الذي يضع الحادث في حالة تصعيد تشبه الكريشندو؛ فكارثة بورغون الأسبق منها زمنيا تفوقها، بينما يظل حطام تايتنك كنغمة أنثوية داخلية خفية في بنية الصوت السردي، وقد استدعت الساردة أطياف هملت، وكازانوفا، ومايلي سايرس في سياق تذكرها لعلامات الطبيعة، وإمكانية النسيان أثناء الكتابة؛ وهي تذكرنا هنا بتيار الوعي في كتابة فرجينيا وولف؛ فقد استدعت طيف شكسبير في روايتها أورلاندو، وكانت تستدعي أيضا شبح الشاعر الروماني فرجيل، وقد استدعت لوسي إلمان شخصيات مثل كازانوفا الذي انتقل من التاريخ للصور والتأويلات الفنية، واستدعت صورت المغنية الأمريكية مايلي سايرس؛ لتومئ إلى وفرة الأطياف في الوسائط التكنولوجية الحديثة، وفي صفاء الوعي، واتساعه، وقد أشار جاك دريدا أيضا في كتابه حمى الأرشيف الفرويدي إلى إمكانية استعادة طيف فرويد في الخطاب، وإمكانية تحرر صوره الأخرى؛ فساردة لوسي إلمان هنا تحرر الأطياف التاريخية، والفنية عبر وفرة السياقات النصية، والثقافية المنتجة في تداعيات الوعي، واحتمالاته، وأسئلته الإشكالية.
ونعاين بعض التناقضات الإبداعية، وبعض الصور، والعلامات المستمدة من مستوى ما قبل الكلام في مقطع آخر من الرواية تشير فيه ساردة لوسي إلمان إلى أن الدجاج يعشقها، بينما تذكر بوفرة عمليات ذبح الدجاج المتكررة؛ وكانها تومئ إلى تكرار حالات العدوان، والحروب البشرية بصورة خفية، بينما تمزج بين عزف البيانو، وذكرى مرض الأم، وحالات تعالي الذات الشعري، والشعور بأنها مأزومة؛ ومن ثم نعاين التداخل الإبداعي بين الأصوات، والصور، والأزمنة في الصور الكثيفة المتناقضة، والوحدات السردية، والوظائف، والوسائط التي تتضمن علاقات تأويلية لانهائية ممكنة في السرد؛ وهو ما يؤكد نزوع لوسي إلمان التجريبي في سياق التطور الجمالي لرواية تيار الوعي، واتساع مدلول بنية الوعي نفسها طبقا للتداعيات النصية، ولتصور لوسي إلمان عن عملها الروائي.
ثالثا: الاتحاد العظيم؛ مجموعة قصصية لزادي سميث:
السرد القصصي في مجموعة الاتحاد العظيم لزادي سميث يعبر الأزمنة، ويكشف عن العالم الداخلي للشخصيات، والإيماءات التعبيرية الأدائية للجسد في علاقته بالتحولات الثقافية، والحضارية الراهنة، كما تحتفي الساردة بالتعددية في رؤى العالم، والمنظور، وبالحس النسوي، وإشكاليات الهوية الفردية، وجدل الذات، والآخر، وشعرية الفضاء، والعلاقة الملتبسة بالحيوان.
ترصد الساردة مشهد السأم الداخلي، والذهول، والتمرد في إيماءات الجسد، والتطلع للمجهول، ومعاينة أحاسيس الحنين ضمن سياق المدينة، وعلاقتها التأويلية بالفضاء الطبيعي، وبمسيرة التنوير في قصة حالة / وقت(4)؛ والسرد الكثيف في المتواليات التي تشكل النص القصصي، يكشف عن التحول الثقافي، وإيماءات العالم الداخلي للشخصية، بينما يومئ ضمنيا إلى متواليات تؤكد الآلية، والتناقض، ودمج الأزمنة النسبية التي تقع في تلك الحالة الملتبسة من التعددية ما بعد الحداثية الكامنة في عتبة العنوان، وفي سياق من التجاور بين البنى الثقافية والشعورية التي يمكن للمروي عليه تأويل الحالة من داخلها.
ترصد ساردة زادي سميث – إذا – علامات الوجوه، والأرجل في النص؛ لتوحي بالآلية الميكانيكية العبثية التي يجاورها سؤال التنوير المتجدد، وكذلك سؤال الهوية الذاتية الذي سنعاينه بشكل أكبر في قصتها المعنونة ب الجدل؛ فهي تضعنا أمام عالمين داخليين، ومنظورين مختلفين للأم، والابنة باتجاه الواقع، والفضاء / المنتجع الذي يقع على المحيط، والتفاصيل الصغيرة، والنظرة إلى الطيور، والحيوانات، وعناصر الطبيعة؛ وسنلاحظ تواتر ارتباط الهوية الفردية بالفضاء الطبيعي أو الكوني في مجموعة زادي سميث.
تبحث شخصية الأم عن الهوية في الفضاء الطبيعي، والبعد عن القسوة الآلية بالخارج، وفي تفاصيل الواقع؛ وسنلاحظ نوعا من الخدر الأنثوي في تأملات الأم، وتخييلها للفضاء، يذكرنا بمدلول الأنيما أو الطاقة الأنثوية في تصور باشلار في كتابه شاعرية أحلام اليقظة، كما تقاوم الأم بنية الصراعات انطلاقا من تأملاتها، وأخيلتها الأنثوية، واللغة التعبيرية لجسدها على الشاطئ أما الابنة فتحب التعامل مع التفاصيل الوفيرة الواقعية، والبهيجة؛ وسنجد أن هذه التفاصيل نفسها تقع بين الوعي، واللاوعي في خطاب الساردة عن شخصية الأم التي تعبث بأجنحة الطيور على الشاطئ في مشهد يقع بين الآلية، والأخيلة الحلمية، والتناقض إزاء العلامات الطبيعية؛ وهو ما يكسب السرد دلالات ذاتية تأويلية، وشعرية، يؤكدها مزج الساردة بين سرد الانطباعات، والأخيلة، والذكريات، والحوارات الكثيفة الموحية في النص.
رابعا: ديوان أحمق لماري روفيل:
الإنتاجية الإبداعية للعلامة في كتابة ماري روفل الشعرية (5) تقوم هنا على التشكيل السيميائي للروائح، والأصوات، والألوان، ومزجها بأخيلة صوت الذات المتكلمة / الأنثى؛ فهي تعيد التساؤل حول الكلام، والعلاقة بين الألم، والغناء، والنزعة الإبداعية، وتومئ المتكلمة إلى أخيلة اليقظة، وعلاقتها باللون، وديناميكية التكوين في الوعي المبدع في علامات مثل البقعة الحمراء، وأثرها الداخلي في الوعي، وكذلك السحابة البيضاء الطويلة، وأخيلة الأمواج في علاقتها بصراخ النوارس؛ لتعيد التفكير الجمالي في لحظات النشوء، والتجدد، وشعرية التكوينات الأولى في الوجود.
خامسا: الانفعالات العميقة لعصرنا، دراسة نقدية ثقافية لجوليا كريستيفا:
تنتقل جوليا كريستيفا من الذاتي إلى الثقافي، والنقدي في كتابها الانفعالات العميقة لعصرنا، وتناقش علاقة نموذج الأمومة بالتجسد، والموت عبر تأويل الرسوم الجدارية القديمة، وأعمال الفن، والممارسات الثقافية المعاصرة، وبعض المقطوعات الموسيقية، وتعيد كريستيفا قراءة إشكالية الهوية الفردية، وتشكيل لغة إبداعية من داخل الإيقاعات الزمنية، والحضارية المتباينة؛ فهي تعيد تأويل صور فينوس الجدارية (6) انطلاقا من غلبة إيماءات الأمومة على تكوينها التشكيلي، ثم تقرأ الهوية مرة أخرى في سياق العوالم الافتراضية، ومواقع التواصل من داخل الإنتاجية الفردية للغة، وعلاقتها بالبنى المهيمنة المحتملة.
وتومئ كريستيفا – بصورة فلسفية نقدية شعرية – إلى مراحل الغياب التي تسبق الهوية الفردية، وتجليتها في الجسد، واقترانها بالأمومة أو بالموت في مراحل أخرى من تطور الشخصية؛ إذ تبدو الشخصية كتشبيه،أو كمادة قيد التشكل في الصرخات، وإيماءات الجسد، وخطواته.
تحاول كريستيفا – إذا – تلمس الإيماءات الاستعارية الأولى للوجود الشخصي، وعلاقته بنموذج الأم في الوعي، واللاوعي، ثم تتوسع في أشكال الهوية، وعلاقتها بالجسد، والتحولات الحضارية، والسلطة؛ وكأن نشوء الهوية يخفي طبقات من الإيماءات التي تشبه الحلم، والغياب، والموت في خطاب كريستيفا، وقد أكدت أيضا البحث المستمر عن المرجعيات الجمالية واللغوية الجديدة في صيرورة تشكيل الهوية.
هكذا ينطوي خطاب كريستيفا النقدي، والثقافي على قراءة الهوية الفردية، وتطورها من داخل الصورة، وتمثيلاتها لحالات الوجود، وتجلياته السيميائية، ودلالاتها الثقافية، والفنية التي توحي بشعرية خطاب كريستيفا نفسه في تأويلاتها المحتملة لعلاقة الأمومة بالموت، والتجسد، وتاريخ الفن، والعالم الافتراضي في لحظتنا الحضارية الراهنة.
وتمثل كريستيفا – في كتابها – للنشوء المجازي للتجسد، وتشكل الهوية الفردية، أو علاقتها الملتبسة بالموت، والحياة، والوعي واللاوعي في لوحتي الميلاد، والموت للفنان الألماني ماكس بكمان(7)؛ فالتعددية في المنظور، وفي بنى الشخصيات، وتمركزها حول الأم، والطفل، أو حول الميت، توحي بالإعلاء المجازي للصوت، واحتمالية الغياب ضمن حالات التجسد، وشعريتها في وعي المتلقي معا؛ وكأن خطاب كريستيفا يحتفي بالإنتاجية التي قد تتصل بالهوية، أو حالات تجاوزها في العوالم التصويرية، وفي حالات حضورها الفائق في النسق السيميائي التشكيلي أو الموسيقي، وفي عمليات التفسير، والقراءة.
*هوامش:
(1) Read, Margaret Atwood, The Testaments, O.W. Toad, Ltd, New York, 2019, p-p 15, 16.
(2) Read, Shireen Quadri, and Lucy Ellmann, Lucy Ellmann: Republic of Consciousness at:
http://thepunchmagazine.com/the-byword/interviews/lucy-ellmann-republic-of-consciousness?fbclid=IwAR3cwJeLLGX0bcdqxSDfzLC1z_g25x_LQSXv9IO8hBuG_-sM18Bg99WVxys
(3) Read, Lucy Ellmann, Ducks, Newburyport, an extract at:
https://www.galleybeggar.co.uk/extract-ducks
(4) Read, Zadie Smith, Grand -union-, Penguin press, UK 2019, at:
https://books.google.com.eg/books?id=WYODDwAAQBAJ&-print-sec=frontcover&dq=zadie+smith+grand&h
(5) Read, Mary Ruefle, Dunce, Wave Books 2019, U.S.A, p-p 4, 5.
(6) Read, Julia Kristeva, Passions of Our Time, Edited with a foreword by: Lawrence Z. Kritzman, Translated by: Constance Borde, and Sheila Malovany-Chevallier , Colombia University Press, p-p 11, 12, and p-p 19-20.
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟