|
بين ابتزاز النظام واستغلال الدين: قراءة في موقف بن كيران من تشكيلة لجنة النموذج التنموي المغربية
نورالدين الطويليع
الحوار المتمدن-العدد: 6440 - 2019 / 12 / 17 - 05:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عبر رئيس الحكومة السابق عن عدم رضاه عن تشكيلة اللجنة المكلفة بصياغة النموذج التنموي الجديد التي نصب الملك محمد السادس أعضاءها الخميس 12 دجنبر2019، وعزا الأمر إلى أن أعضاء هذه اللجنة متخصصون في التشكيك في الدين، قبل أن يميل إلى العزف على وتر العودة إلى المعارضة، في رسالة مشفرة تتجاوز نطاق الإخبار، وتنحو منحى التهديد والوعيد للنظام. لطالما حارب ابن كيران خصومه السياسيين بسيف الملكية حينما كان رئيسا للحكومة، وكثيرا ما كان يضعهم وجها لوجه أمام المؤسسة الملكية حينما كانوا يعترضون على قرار من قرارات الحكومة، ويعمد إلى توريطهم والزج بهم في دائرة معاكسة الإرادة الملكية، بذريعة أن القرار المُعْترَض عليه قرار الملك، وأنه مجرد منفذ، وبهذا أفحمهم في مواقف كثيرة، واضطرهم إلى التراجع إلى الوراء حتى لا يُؤْخَذُوا بجريرة معاداة الملكية. استخدم ابن كيران هذا السلاح كذلك مع عموم المغاربة حينما استنكروا عليه اغتراف ريع سبعة ملايين السنتيمات شهريا باسم التقاعد، ورد عليهم أن قرار معاشه أَشَّرَ عليه الملك، وأنهم يعبرون، باعتراضهم على استفادته من هذا المعاش، عن عدم احترام الملك، وخاطبهم قائلا: "إلى ما احْشْمْتُوشْ مني احْشْمُوا من جلالة الملك"، ونتساءل هنا هل هذا ديدن بن كيران؟ وهل احترامه لقرارات الملك دائم ومستمر في جميع الأحوال والظروف، أم هو موقف براغماتي قابل للتغير حسب مصلحة الذات؟ بن كيران من سلطة الملك إلى سلطة الدين من يستمع لتصريحات بن كيران يعتقد أن الرجل ملكي حتى النخاع، لاسيما أنه يضع نفسه أثناء الهجوم على خصومه في كنف الملكية، ويلقي بهم في أتون معاداتها، إلى درجة جعلتهم يعبرون بصريح العبارة عن تذمرهم من هذا التمترس، ويطالبونه بالكف عن الزج بالملك في صراعاته السياسية التي تروم إسكاتهم والتخلص من إزعاجهم له، ولحكومته التي كرر في كثير من الأحيان لازمة تعيينها من لدن الملك، وتحدث غير ما مرة عن لا شرعية الطعن في وزرائها لأنهم، حسب تصوره، لقوا الرضى من الملك، ومن يعبر عن العكس فهو يعاكس الملك ويخالفه. وبهذا المنطق ربح الكثير من المعارك، وتأتى له تمرير الكثير من القرارات أثناء ولايته الحكومية. بعد خرجته الأخيرة حول "لا دينية" أعضاء لجنة النموذج التنموي سقط بن كيران في شَرَك التناقض الصارخ الذي يدعو إلى السخرية، ويكشف حقيقة شخصيته الانتهازية التي لا تتورع عن الإتيان بالشيء ونقيضه، وعن استبدال ذخيرتها حسب ظروف المعركة وماجرياتها، فبعدما كانت الملكية حجة سلطة تُسْتثمَرُ بمكانتها وهيبتها لفرض القرارات ودعوة الآخر إلى تبني دعوات الذات البنكيرانية التي كانت تتدثر بهذه السلطة أمام ضعف حجتها، بعدما كانت كذلك، ارتأت هذه الذات أن تتكئ على سلطة أعلى هي سلطة الدين، فَنَحَتْ إلى إخراج أعضاء اللجنة من عباءته، رغم أن تنصيبها كان على يد الملك. سنعمد هنا إلى تطبيق المقارنة البنكيرانية على خرجة ابن كيران هذه التي لم يفرمل لسانَهُ عن الإسدار فيها وقوفُ الملك وراء تنصيب أعضائها، فبمنطق الشيء بالشيء يُذكر، نستطيع أن نخلص، بارتياح، إلى اتهامه بمعاداة الملكية اعتمادا على القياس الآتي: أعضاء اللجنة نصبهم الملك ــ ابن كيران يعترض على أعضاء اللجنة ــ إذن ابن كيران يعترض على الملك، وإذا تمادينا في الأخذ بمنهجه سنقول: إذن ابن كيران يعاكس الإرادة الملكية، و "ما كيحشمش من جلالة الملك". يضعنا هذا الموقف أمام شخصية براغماتية حربائية تغازل وقت ما تشاء، وتنقض غزلها حينما لا يكون الموقف خادما لها، فالقرار الملكي، إذا كان في صالح الذات يُستغل لتوجيه مدفعية الانتقاد اللاذع إلى المعارضين، وحتى لو لم يكن صادرا عن الملك، تُوظف الحِيَلِ لتسويقه على أنه كذلك من أجل ضمان إسكات المعارضين والمنتقدين، أما إن لم يستجب هذا القرار لتطلعات هذه الذات فلا حرج في إظهار معارضته، والإفصاح عن عدم الرضى عليه، والتحايل في انتقاده اتكاء على السلطة الدينية. الذات البنكيرانية والتكيف الانتهازي مع مُسْتَمِعِهَا "يعتبر بيرلمان أن القاعدة العامة والمبدأ الأساس للتأثير في المستمع، هو تكيف الخطيب مع مستمِعِه، وأن الوسيلة الرئيسة لتحقيق هذا التكيف هو أن لا يختار الخطيب نقطة انطلاق حجاجه إلا من مقدمات مقبولة ومُسَلَّمٍ بها من قِبَلِ من يُوَجَّهُ إليهم الخطاب" ، اشتغل بن كيران بقاعدة التكيف هذه في انتقاد تشكيلة اللجنة، فقد استدعى الدين الذي يحظى، ليس فقط بالقبول، بل يعد أداة فعالة لإثارة عاطفة المستمع واستقطابه، فعمد إلى "تكفير" هؤلاء الأعضاء تكفيرا بَوَّأَ فيه نفسه وضع حارس بوابة الإسلام، والمنافح عن حياضه، يقول بهذا الصدد: "إن تشكيلة اللجنة ما عجباتنيش، فهي تضم رموز تيار واحد، لأن أعضاءها كلهم متخصصون في التشكيك في الدين"، يوهم بن كيران هنا مستمعيه أنه يتحدث من باب الغيرة على الدين، ليضمن استمرار ولاء مستمعيه، ويُسَوِّقُ لموقف عقدي يتأسس على ثنائية الكفر والإيمان، وطبعي، والحالة هذه، أن يجد المناصرة والدعم من أتباع عقديين لم يترددوا في التصفيق تعبيرا منهم عن امتنانهم على غيرته الدينية، وهنا نتساءل: هل كان بن كيران سَيَزِنُ أعضاء اللجنة بميزان الدين لو وقع عليه الاختيار ليكون عضوا فيها إلى جانبهم؟. طبعا، وبكل تأكيد، كان سيلجأ إلى الدفاع عنها، ولن يأتي اسم الدين والتشكيك فيه من قِبَلِهِم على لسانه، وكان سيقارع كل منتقد لتشكيلتها بحجة السلطة الملكية، وبوقوف الملك وراء تنصيبها، لأنه اشتغل إلى جانب وزراء كانت لهم مواقف واضحة وصريحة مما يسميه ثوابت دينية، ولم يُظهر تجاههم أي تبرم، ولم ينتقد مواقفهم المعلنة، وهنا يتضح أن بن كيران كان يدافع عن ذاته، وليس عن الدين، ويحتج على إقصائه من تشكيلتها، وقد عبر عن ذلك بشكل ضمني، حينما قال واصفا تشكيلتها:" مافيها توازن"، وكأننا بصدد محاصصة دينية يجب أن تعطى فيها الفرصة ل "المؤمنين" كما أعطيت الفرصة ل "الكفار"، والتوازن المفقود كان سيتحقق بإلحاقه باللجنة، وقد توارى خلف الدين، وتحاشى الاحتجاج بإقصاء شخصه منها حتى لا يقع في المصادرة على المطلوب الذي يعد خطأ جسيما في الحجاج، كما يرى بيرلمان، فلأن ذاته ضعيفة مثقلة بفشل التدبير الحكومي، وتفاديا لما قد يطرحه المستمع من أسئلة داخلية حول ما يمكن أن يقدمه في هذه اللجنة، وهو الذي أمضى ولاية سوداء على جميع المستويات والأصعدة، لكل هذا أزاح ذاته وركب موجة الدين ركوبا كشف شخصيته البراغماتية المتناقضة التي تتطرف في الدفاع عن المؤسسات، وتتطرف كذلك في انتقادها وهدم أساسها، وفي كلا الحالتين تحضر المصلحة الشخصية التي تُغلَّفُ بقيم دينية ووطنية وأخلاقية، تُستغل حججا براغماتية في مواجهة الخصوم، وفي ابتزاز النظام.
#نورالدين_الطويليع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البلاغي محمد الولي في لقاء بكلية الآداب والعلوم الإنسانية با
...
-
حزب التقدم والاشتراكية المغربي وسفسطة رجل القش، قراءة حجاجية
...
-
الزجال المغربي إدريس الزاوي في يوم دراسي بكلية الآداب والعلو
...
-
في محاضرة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، الباحث ال
...
-
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالمغرب تح
...
-
كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة شعيب الدكالي با
...
-
في لقاء مفتوح بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، الشاع
...
-
الخبير اللساني عبد القادر الفاسي الفهري يحاضر عن اللغة العرب
...
-
قراءة في كتاب التحليل اللساني المقارن تطبيق على الأسماء المم
...
-
من بركات الشيخ علولة قصة قصيرة
-
القاضي والذبابات الخمس
-
البناية التي تعد آيلة للسقوط بمدينة اليوسفية!
-
المستشار والموظفة الجماعية
-
ملاحظات على هامش زيارة وزير الاتصال المثيرة للجدل لمدينة الي
...
-
إلى الرفيقة شرفات أفيلال الوزيرة التقدمية في حكومة بنكيران ا
...
-
يوسفية المغرب، وحلم التنمية المنفلت
-
هل أفلحت أحزاب المعارضة المغربية في كشف ازدواجية الخطاب لدى
...
-
هل ستزحزح جمعيات المجتمع المدني باليوسفية جبل جليد التهميش و
...
-
من يقف وراء تحريض شباب اليوسفية العاطل على الخروج إلى الشارع
...
-
إلى رئيس المجلس الحضري لمدينة اليوسفية المغربية: سئمنا من تد
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|