سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6438 - 2019 / 12 / 15 - 18:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هذا البحث يتناول الحب ليأتى فى جزأين , الجزء الأول يتناول موضوع الحب بمفهوم فلسفى نفسى تحليلى وأثر الثقافة المجتمعية فى تشكيل مفاهيم الحب ورسم ملامحه , والجزء الثانى يتناول الحب بعيداً عن الحالة الوجدانية التى نُسجت حوله , فالحب فى النهاية هرمونات تنتج السلوك والأداء والحراك وليس مشاعر وجدانية مستقلة بذاتها فالحب منتج كيميائى فى الجسد .. أى أن الحب منتج مادى وليس كما نتصور حالة ميتافزيقية للروح .
* الجزء الأول : الحب كمفهوم نفسى فلسفى .
- الحياة مرايا .. مرايا نرى فيها ذواتنا لنرى أنفسنا فى مرايا الآخرين , ليكون الحب هو المرآة التى ترى فيها وجودنا وذواتنا من خلال حكمنا وتقييمنا لأنفسنا , لتتفاوت أشكال المرايا فمنها ما تكون محدبة أو مقعرة او باهتة ضائعة الملامح , أما المرايا التى نرى أنفسنا فى الآخرين فهى لتحقيق وجودنا , فنحن بدون ان ندرك جعلنا الآخرين مرايا لنرى وجودنا فيهم لذا نحزن على فقد قريب أو حبيب فهم مرايا كبيرة -لنحقق وجودنا فى النظر فيها .
- من هذا المنظور فالحب أجمل وأهم شئ فى الوجود وتبرز أهميته فى أنه المرآة التى نرى بها تحقيق وجودنا وفعاليته , كما يكتسب الحب تمظهرات نفسية أخرى وهى الرغبة فى الإكتمال بالبحث عن النصف المفقود والمُبتغى , وما الجنس إلا التعبير العملى لهذا الإكتمال .
- الحب هو مشروع حياة ..هو محاولة خلق معنى لوجود عبثى بلا معنى ..هو خلق غاية نتماهى فيها لعالم بلا هدف ولا غاية .. نحن نحب لكى نخلق قضية نتماهى فيها فتجعل لوجودنا معنى وقيمة وتخلصنا من عبثية وعدمية الوجود .. الحب هو حالة بحث عن إيمان ويقين فى عالم مادى يفتقد لليقين .
- لن يوجد حب تتخلله حسابات المكسب والخسارة ..لا يوجد حب يدرس ويتعامل مع كراسة مواصفات .. إنه بالأحرى صفقة .
- أجمل ما فى الحب أنه غير منطقى وغير عقلانى ليجعلنا نحطم نمط الحياة الخاضع للمنطق الصارم ونتحرر من هذه الصرامة .
- العُهر ليس عهر جسد بقدر ما هو عهر عقل يعرف كيف يُفرط بمقابل , فألم تتحول علاقات الزواج فى عالمنا إلا عُهر يُقدم فيه الجسد لمن يستطيع دفع ثمن الإعاشة المستمرة.
- عندما تمتلك يمكنك أن تحظى على مثنى وثلاث ورباع .. وعندما لا تمتلك إلا قروش قليلة فستفتح لك البرجوازية بابا ً جانبيا ً لتفرغ حاجتك فى إمرأة تستأجرها حتى ولو لساعة ,ولكن عندما تمتلك نقوداً كثيرة فيمكنك أن تمتلكها العمر كله بورقة إسمها زواج.
- لقد شط المثاليون والرومانسيون عندما روجوا للحب الحقيقى كتحرر الإنسان من هموم العقل وإحتياجات الجسد , ولكن ما قيمة وما معنى الحب بدون إحتياجات جسد وعقل .؟!
- من الميديا المثالية القول بالحب العذرى ولكنه وهم يعبر عن خوف من فوبيا الجسد وخوف الإنسان من الرغبات المجنونة المُحرمة بخلق حلم يجد فيه العاشق لذته فى الإمتداد وبتخطى لحظة واحدة ليعيش فى أطياف سعادة دائمة .. هم أذكياء فى النهاية فالمهم هى السعادة بأى شكل كان .
- هل الحب هو سعينا الحثيث وراء الجنس ..هل الحب هو الجنس فقط ؟ ..هل الغزل هو مناورات للوصول للجنس ؟ للأسف هو صار معنا هكذا .. فصرنا عندما نشبع نقف عرايا بدون حب ..لأننا فهمنا الحب هكذا .
- الحب فى ثقافتنا هو السعى نحو الجنس فقط لذا نفقد حماسنا للمرأة بعد الزواج لتتساقط كل كلمات الحب ..لأن حبنا كان رغبة فى الإستحواذ والإمتلاك والإعتلاء ..وعندما إمتلكناه إنضم إلى قوائم حيازتنا ففقدنا البريق وضاع ما كنا نتصوره حبا ً.. حبنا كان مناورات عديدة لنيل الجسد .. ما أقبح الملكية لقد تسللت إلى مشاعرنا وإنسانيتنا فشوهتها .
- الحب فى أعماقنا هو حب إمتلاك وحيازة وإستحواذ لجسد وعقل وإرادة إنسان بضمه إلى أملاكنا وحيازتنا .. لقد تسللت الملكية البغيضة إلى مشاعرنا وأحاسيسنا .. لا تكتفى الأمور بحيازة إمرأة لتمتد لأبناءنا ففيها الكثير من منظور الملكية والحيازة والعزوة .
- الكثيرون من الرجال يحبون المرأة فى أعماقهم رغبة فى إعتلائها , فلا يفهمون أن الحب عاطفة يمكن تفعيلها بدون إعتلاء ..لا أحد يستطيع أن ينفى أهمية الإعتلاء ولكن لا يمكن أن يكون كل بند من بنود القائمة .
- الحب الزائف هو أن لا نقتنع بالمرأة من خلال عقلها وقلبها وفكرها وإبداعها بل نقتنع بها من خلال تضاريس جسدها وهذا يفسر لنا لماذا كل البنات الجميلات هن الفائزات بالكثير من قصص الحب فى مجتمعاتنا .
- نحن ضحايا أفكار متصلدة عفنة مابين فكر دينى يجتاحه تحريم وفوبيا الجسد لمن يستطيع أن يدفع , وبرجوازية تستثمر الجسد وتروج له بقدرتك على الشراء ولو بقروش قليلة , فالبرجوازية القذرة تُمارس إستثماراتها فى بيع المرأة جسدا ًوإستثماره وتسويقه فى سوق النخاسة كسلعة .. بالطبع لن نتحدث عن مجتمع العبودية والإقطاع فالامور أكثر دونية .
- المرأة فى سوق الزواج هى سلعة للبيع فلن تعتليها إلا بمهر من المال والذهب وبتعبير مهذب لن تُكوْن أسرة إلا عندما تمتلك مصاريف الزواج , فلن يستطيع أحد أن ينالها مالم يدفع .. قد يُدفع فيها كثير من مال وذهب وأرصدة بنكية ..وقد تكتفى الأمور بمطرح للمضاجعة وقطع من الخبز .
- من الفنتازيا الطريفة أننا نحتفل ونحتفى بالعلاقة الجنسية بين رجل وإمرأة فى مؤسسة الزواج لنقيم الأفراح بالرغم أنها حاجة طبيعية !! فلماذا لانحتفى بالطفل عندما يغادر الفطام ويعرف طريقه للطعام والحمام .. هل هو هوس الإنسان بالجنس أم إحتفاله بكسر طوطم التحريم .
- الغريزة الجنسية يمكن أن تقهرها وتعيش ولكنها لن تترك تعيش هانئا ً , فستخرب فيك أشياء كثيرة وستبلغ من جبروتها أن تخلق أفكار وفلسفات .. الجنس حاجة وغريزة إنسانية لا سبيل الإستغناء عنها فيُمكن تحجيمها وحجبها وسيعيش الإنسان بعدها ولكنها لن تتركه إلا وإنتقمت لذاتها بممارسة التخريب والتدمير فستنتج شخصية متوترة , عصبية , متزمتة , عنيفة , متعصبة , مستهلكة .
- خطورة الفكر الدينى أنه يمرر رغباتنا الجنسية المريضة والشاذة ويجعلها مقبولة وطبيعية وغير مستهجنة ..فالبيدوفيليا هى التلذذ بممارسة الجنس مع البنات الصغيرات ستجد حضوراً ومباركة ليصبح الزواج من الصغيرات وجوداً .!!
- أندهش من حال الرجل الذى يُضاجع إمرأته بعد أن يشبعها ضرباً وإهانة وإذلال ..وأندهش أيضا ً من حال المرأة التى تقبل هذه الممارسة وهى مهانة ومتوجسة من لعنات الملائكة التى تسب وتلعن حالها إن إمتنعت .. وأندهش من رجل يمارس الجنس بعد غضبه وإستياءه من إمرأته .. الزواج يتيح ذلك ولكن الحب الحر لا يسمح بذلك .. نحن نقترب من البوهيمية أحياناً , لتصبح البوهيمية لذة يشعر فيها الرجل بقوة افتراسه وتستمتع المرأة بالإغتصاب واللذة فى الإنسحاق .
- هل يمكن أن نتصور بالمتزوج من أربع أنه يحبهم أو أحب واحدة منهن .. يستحيل .
هو أحبهم كتضاريس جسد وأوانى جنسية مختلفة المذاق وقد يميل لآنية عن أخرى ليس حبا ولكن متعة الإعتلاء .. قد يتسرب بعض الود والعشرة ولكن من المؤكد ان الحب لا يدخل فى هذه المعادلة .
- للأسف من الهيمنة الذكورية نجد بعض الرجال يستمتعون بالجنس السادى عندما يجدوا المرأة تتألم تحتهم ..وللأسف هناك نساء تسللت لهن هذه المتعة المازوخية .. بل يصير مفهوم الرجولة هى القدرة على الإيلام ومفهوم الأنوثة القدرة على التعبير عن الألم .
- شاعت في الثقافة العربية الذكورية مقولة : يتمنعن وهن الراغبات... وأيا يكن مصدرها وقائلها فإنها عبارة عن كلام انشائي ليس له علاقة بالتحليل النفسي للمرأة وفيه اهانة لعقلها وارادتها , والخطير في مضمونها أنها تنفي عن المرأة صفات تمتعها بالقيم الأخلاقية كالكرامة واحترام الذات والاخلاص للحياة الزوجية , كما تصور كل إمرأة على انها تحمل في داخلها عاهرة ولكنها تتظاهر بالعفة والشرف .!
للأسف لقد تركت ثقافة يتمنعن وهن الراغبات , مردودها السلبى داخل المرأة لتدنى وتنسحق أمام رغبات الرجل ولتجد صداها فى المجتمعات المقهورة التى تكون إمتداد للمجتمعات الإنسانية القديمة عندما كان الفوز بالنساء وفق معايير القوة ولتتصور المرأة انها عندما تتمنع فهى تزيد الرغبة عند الرجل للإقتراب منها .
- إياك أن تتصور بأن الحجاب هو لعفة المرأة فأصولها ليست كذلك فقد كانت وسيلة للتمايز بين الحرائر والأماء , ليتأصل الحجاب من خلال حيازة الملكية للرجل , وعبقرية الرجل وشبقه الذى جعله يغطى المرأة ليخلق فى داخله حالة من الشبق والشهوة المستمرة المتلهفة لتخيل ماوراء الرداء .
كانت هذه تأملاتى فى الحب كتبتها منذ أكثر من ثلاثين سنه لأعبر فيها عن موقفى من نظرة المجتمع للحب والجنس وكيف أن الثقافة المجتمعية الذكوربة صاغت مفاهيم الحب فى هذا المضمار .. يتبقى ان نتناول الحب برؤية علمية مادية ككيمياء فى الجسد لاعلاقة بوجدان وأحلام وردية وزقزقة عصافير وهذا ما سأتناوله فى مقالى القادم .
دمتم بخير وإلى الجزء الثانى من الحب ككيمياء جسد .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.
#سامى_لبيب (هاشتاغ)