|
هل ستحضر اسئلة العدالة في الذكرى الأولى للثورة السودانية أو فلنخرج في نزهة؟
إبراهيم الريح العوض
الحوار المتمدن-العدد: 6436 - 2019 / 12 / 13 - 23:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
...أن وضع اليد على الذاكرة ليس من اختصاص الأنظمة التوتاليتارية(الشمولية) وحدها، بل هو ميدان كل المتعطشين إلى المجد. تزفيتان تودورف
في كتابه صياد القصص يورد الروائي والصحفي الأروغوائي إدواردو غاليانو قصة كلأتي: في أواخر القرن التاسع عشر، كان كثيرون من أهالي مونتيفيديو يخصصون أيام الآحاد لنزهة مفضلة؛ زيارة السجن ومشفى المجانين. ويتأملون السجناء والمجانين. وكان اولئك الزوار يشعرون أنهم احرار جداً وعاقلون جداً. بعد اسبوع من هذا اليوم أي في يوم الخميس 19 ديسمبر 2019 يحتفل السودانيين بالذكرى الأولى للثورة(نستخدمها مجاز) التي اطاحت بنظام الإنقاذ الذي كان يترأسه الدكتاتور عمر البشير. وكان شعار الثورة حرية، سلام، وعدالة. ونتيجة للثورة تشكلت فترة دمقرطة مخنثة، تفاصيل عنوانها، الشراكة بين العسكر وقوى الحرية والتغيير، وكان من نصيب العسكر اجهزة الدولة القمعية(الدفاع والأمن والداخلية)، ومناصفة المجلس السيادي على أن تكون رئاسته الاطول ومدتها 21 شهر من نصيبهم أي من نصيب العسكر، والأجهزة الاخرى من نصيب الحرية والتغيير، حسب نص الوثيقة الدستورية. وبالتالي من كانوا جلادين أو مجرمين الأمس و اليد الباطشة التي يستخدمها النظام السابق في القمع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبعد عزله لم تتوقف انتهاكاتهم والتي كان اخرها هو فض الاعتصام، بصورة وحشية واكثر دموية هم اليوم طُلَقَاء أو شُركاء في الحكم مع قوى الحرية والتغيير. ويبقى السؤال في ذكرى الثورة كالأتي: هل ستحضر اسئلة الثورة المتولدة من شعارها حرية سلام وعدالة، اسئلة من جنس ما مصير العدالة الانتقالية التي نصت عليها الوثيقة الدستورية؟ هل ستبقى على الورق لأنه ليس ثمة هنالك شيء على أرض الواقع يوحي بأنه توجد تحركات أو فعل نحو تهيئة وتأسيس مؤسسات لها؟ ما الذي يحدث الأن من محاكمات انتقائية هل هي مسرحية لامتصاص غضب الشارع أم هي صورة العدالة التي تنشدها الثورة ورفع شعارها الثوار في مساحة السودان الجديد؟ وتتوارد الأسئلة وتتقاطع واحيانا تصل مرحلة الصدام والمنازعة حول الفترة التاريخية التي من المفترض أن تغطيها العدالة الانتقالية مع نص الوثيقة الدستورية(قد يكون الذين صاغوها ووقعوا عليها كان هاجسهم أن تتم إزاحة الإنقاذ لا غير) الذي ينص على أن تبدأ فترة العدالة الانتقالية 1989 أي من تاريخ انقلاب حكومة البشير. والسؤال الذي لم يستصحبه من صاغوا الوثيقة بما انه العدالة مهمتها تنحصر في معالجة انتهاكات الماضي، هل ماضي انتهاكات حقوق الإنسان والفساد كانت بدايتها مع هذا التاريخ أم هي سابقة له منذ الاستقلال وكان انقلاب 1989م هو مرحلة التعفن لا غير؟ لماذا لم تكن ثمة جدية والتعامل بسطحية و انتقائية مع مطلب العدالة الانتقالية، هل لأن معظم الاحزاب السياسية والزعماء السياسيين متورطين تاريخيا في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان سوا كانت حقوق اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، لذا تحاشوا فترة التاريخ السابق 1989م وعدم تضمينه في الوثيقة الدستورية؟ كل هذه الاسئلة وغيرها في ما يختص بالعدالة تدور في اذهان كثير من السودانيين وإذ لم توضع في الاعتبار مع العمل على مطلب العدالة ستكون لها نتائج وخيمة ولا احد يتكهن بمألاتها، أو بلغة تزفتان تودورف إن الحفاظ على ذكرى الألم الذي لحق بنا قد يقودنا إلى ردود افعال إنتقامية؛ وكذلك النسيان يمكن أن يولد نتائج وخيمة. فمرحلة تأسيس العدالة هي المرحلة التي تبدأ منها ملامح دولة الحق والاعتراف. لأن في مرحلة العدالة يتم ترميم للذاكرة وإعادة الذاكرة المختطفة ومعالجة الجراح التاريخية التي تسببت فيها الأنظمة المتعاقبة (مدنية/عسكرية).ولكي يتم إصلاح العلاقة بين الدولة والمواطن/ة يجب أن يتم الشروع بإصلاح المؤسسات تمهيداً لكشف الحقيقة وجبر الضرر وإعادة التأهيل ورد الاعتبار وغيرها من مهام العدالة، وإلا سنظل في نفس الدائرة الشريرة. فلا ضمان للانتقال من الدمقرطة إلى الديمقراطية وإن جاز الانتقال ليس ثمة ضمانات إلى فترة الترسيخ الديمقراطي، طالما يحرك الفاعلين السياسيين هو تصفية الحسابات والمكايدات وتقاطع المصالح أو كما قال بول ريكور الاحداث تعني للبعض المجد في حين انها تعني للبعض الآخر المذلة، الاحتفال من جهة تقابله الكراهية من الجهة الاخرى، وهكذا تخزن في ارشيف الذاكرة الجماعية جروح حقيقية ورمزية.فمطلب العدالة هو ترياق وليس انتقام و عندما يوضع في الاعتبار والكل يعمل من اجله، بعد ذلك من الممكن أن نقول ثمة أمل لمعانقة المستقبل و من غير ذلك تبقى ثورة ملامحها مثل قصة الخروج في نزهة غاليانو.
ود الريح إبراهيم كاتب سوداني
#إبراهيم_الريح_العوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف والديمقراطية في السودان مابعد الكولنيالي من المثقف ال
...
-
خاتمة الحداثات وحداثة الأخر المخالف:الإعتراف المعلن والنفي ا
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|