|
آليات تعديل الدستور العراقي في ضوء احكامه النافذة
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 6436 - 2019 / 12 / 13 - 19:40
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
آليات تعديل الدستور العراقي
في ضوء أحكامه النافذة
المقدمة
في ظل الاحتجاجات التي ظهرت مؤخرا في العراق حاولت المؤسسات الدستورية بامتصاص غضب الجماهير من خلال تسريع وتيرة التشريع وتفعيل عمل اللجان التي كانت معطلة، ومنها لجنة التعديلات الدستورية وظهرت الآراء المتباينة تجاه هذه اللجنة من حيث تكوينها وأعضائها واليات عملها ومن أهم هذه الآراء المتباينة تلك التي كانت تتعلق بطريقة عمل اللجنة وكيفية اعتماد توصياتها، فيما إذا لو تمكنت من الوصول إلى اتفاق لتعديل بعض النصوص الدستورية، وأكاد اجزم بان تلك الآراء كانت في صنفين الأول يرى بوجوب مراعاة شروط المادة (142) من الدستور في عمل اللجنة التي تتضمن حق الفيتو لثلاث محافظات، والرأي الآخر يرى بان المادة (142) من الدستور أصبحت معطلة لانقضاء المدة الدستورية التي حددتها المادة ذاتها في الدستور ويجب العودة إلى الآليات التي وردة في المادة (126) من الدستور، التي لا تتضمن حق الفيتو المشار إليه في المادة (142) من الدستور، وارى بان كلا الرأيين جانبا الصواب لأسباب سأذكرها لاحقا مع بيان الرأي الذي اعتقد برجحانه تجاه ما تقدم ذكره وسأعرض للموضوع على وفق الفروع الآتية :
الفرع الأول
هل الدستور العراقي جامد أم مرن؟
قبل الخوض في موضوع تعديل الدستور لابد من الوقوف على طبيعة هذا الدستور هل هو مرن أم جامد ، حيث يشير فقه القانون الدستوري بان الدستور المرن هو الدستور الذي يجوز تعديل أحكامه بالطريقة التي تعدل فيها القوانين، وبمعنى آخر إن الجهة التي تعدل قانون معين هي ذاتها التي تعدل الدستور، ويكون التعديل بموجب قانون اعتيادي[1]، أما الدستور الجامد فهو الدستور الذي لا يجوز تعديله مطلقاً أو الذي يجوز تعديله ولكن بإتباع إجراءات وأشكال خاصة اشد وأكثر تعقيداً من الإجراءات والأشكال المتطلبة لتعديل القوانين الاعتيادية[2]، إلا إن جمود الدستور يختلف شدةً وضعفاً تبعاً للتعقيد أو للسهولة التي يتميز بها في إجراءات التعديل، ويرى أنصار جمود الدستور بأنه يؤدي إلى الاستقرار والثبات وبعيدة نسبياً عن التعديلات الكيفية والمرتجلة، لكن احد المختصين في القانون الدستوري يرى بان استقراء التاريخ الدستوري لمختلف البلدان أعطانا نتيجة بان هذه الغاية وهذا الهدف من الصعب تحقيقه ما لم يكن الدستور ملائم ومنسجم مع ظروف المجتمع بشكل يبعث على تمسك الشعب به وحرصه عليه[3] ، ومن خلال قراءة نصوص الدستور العراقي النافذ التي تتعلق بتعديله نجد انه من الدساتير الجامدة لأنه اشترط لتعديله شروط تختلف عن تعديل القوانين الاعتيادية وعلى وفق ما ورد في المواد (126) والمادة (142) لكن هذا الجمود على نوعين نوع شديد جداً وهو الوارد في المادة (142) التي تضمنت حق الفيتو لثلاث محافظات، بينما المادة (126) كانت اخف من حيث الجمود لان شروطها لم تتضمن ذلك الحق، وبهذا المعنى فان دستورنا قد رسم عدة طرق لتعديله ولم يقتصر على آلية واحدة.
الفرع الثاني
هل آليات التعديل دائمية آم مؤقتة؟
إن الدستور العراقي قد نص على كيفية وآلية تعديله في المادتين (126) التي وضعها في صلب الدستور وجعلها من المواد الختامية ، بينما في المادة (142) قد وضع آلية أخرى مؤقتة ومحدد بزمن وبشرط انجاز محدد تنتهي بانقضائهما وانجازهما وكانت موضوعة في المواد الانتقالية، وهذا منح الدستور النافذ سمة الآخذ بالآليات الدائمة والمؤقتة في آن واحد، لكن الآليات الدائمة وهي المشار إليها في المادة (126) وضعها في صلب الدستور وهي جزء من كيانه الدستوري تحيا بحياته وتموت بموته، بينما الآلية المرسومة في المادة (142) تنتهي وتموت حال انجازها زمنياً أو موضوعيا عند تقديم توصيات التعديل والأخذ بها بينما الدستور يبقى قائم ومستمر في نفاذه وحياته.
الفرع الثالث
تعديل الدستور أم تغيير الدستور؟
يشير فقهاء القانون الدستوري إلى إن تعديل الدستور هو تغير أحكامه ونصوصه بأحكام جديدة مع بقائه قائماً بينما تغيير الدستور تكون بإلغائه تماما بجميع أحكامه ونصوصه واستبداله بدستور جديد والفرق بين التعديل وانتهاء الدستور كما يلي :
1. إن التعديل يكون على وفق الآليات التي رسمتها مواد الدستور في المادة (126) ، بينما إلغاء ونهاية الدستور يكون بطرق واليات منصوص عليها في الدستور مثلما موجود في دستورنا الحالي وعلى وفق ما سأشير إليه لاحقا حول المادة (142) من الدستور النافذ ويسمى بالأسلوب العادي لإنهاء الدساتير، وكذلك عن طريق خارج الدستور ويسمى بالأسلوب غير العادي مثل الانقلاب والثورة وتغيير النظام السياسي[4]، وخير مثال على الدستور الذي كان نافذاً قبل أحداث عام 2003 وهو دستور جمهورية العراق المؤقت لسنة 1970 فانه عطل وتم إلغائه بالكامل بواسطة سلطة الائتلاف المنحلة التي شكلتها القوات المحتلة للعراق.
2. إن الدستور العراقي النافذ اخذ بأسلوب تعديل الدستور وإنهاء الدستور فانه في المادة (126) قد حدد مسار تعديل الدستور ولم يتطرق لإلغائه بمجمله لأنه وضع قيود على بعض النصوص الواردة فيه منها مؤقتة مثل الحقوق والحريات الأساسية ومنها دائمة مثل صلاحيات الأقاليم التي لا تدخل في اختصاص السلطات الاتحادية ، بينما في المادة (142) جاء مطلق ولم يتقيد بمحدد موضوعي تجاه الأحكام الواردة فيه حيث يجوز للجنة المشكلة بموجب تلك المادة ان تغير الدستور وتنهيه وتحل محله مسودة دستور جديد كليا لعدم وجود قيود على بعض النصوص الواردة فيه، مثل التي موجودة في المادة (126) ، لذلك فان الدستور العراقي اخذ بأسلوب تعديل الدستور وبأسلوب تغيير الدستور ولكن الطريق الاعتيادي.
الفرع الرابع
هل يوجد تعارض بين المادتين (126 و 142) من الدستور ؟
كُتِب الكثير عن الدستور النافذ وعلى وجه الخصوص في الفترة التي تفعل فيها اللجنة المكلفة بالتعديلات الوارد ذكرها في المادة (142) من الدستور، وذهب بعض الكتاب إلى اعتبار إن نص المادة (142) من الدستور يعطل نص المادة (126) من الدستور ولا يجوز العمل بالمادة (126) إلا بعد انجاز التعديلات بموجب المادة (142) من الدستور. وارى إن هذا القول يوجد ما يخالفه حيث لا تعارض بين نص المادتين (126) و(142) من الدستور، لان كلاهما تنظم أعمال واليات تعديل الدستور بشكل مختلف عن الآخر وكل واحدة من تلك المواد لها إحكامها الخاصة بها ولأسباب عديدة منها الآتي :
1. ان المادة (126) من الدستور هي من المواد الأصلية في الدستور بمعنى إنها ليس انتقالية محددة بزمن وتنتهي بعد ذلك، وكل الدساتير تضع في نصوصها ما يضمن آليات التعديل وهذا متفق عليه من جميع فقهاء القانون الدستوري، لان عدم قابلية الدستور للتعديل هو بمثابة تقييد للأجيال القادمة لا يقره العقل ولا المنطق ولا يجيزه مبدأ سيادة الأمة، لان حق الأمة يبقى قائماً في تعديل دستورها وحرمانها من هذا الحق هو حرمانها من المظهر الأول والأساسي لسيادتها[5]، لذلك أصل التعديل يكون على وفق المادة (126) من الدستور والاستثناء هو التعديل على وفق المادة (142) من الدستور لأنها انتقالية ومؤقتة ومصيرها الزوال بعد انجاز المهمة الموكلة فيها.
2. إن المادة (126) من الدستور فيها محظور دستوري يمنع تعديل بعض أحكامه إما لقيد زمني مثل عدم تعديل الحقوق والحريات الواردة فيه إلا بعد انقضاء دورتين، أو حظر وقيد موضوعي ويتعلق بصلاحيات الأقاليم، بينما التعديل على وفق المادة (142) من الدستور لا محظور دستوري فيه ولها ان تعدل أي من أحكامه من الديباجة وحتى أخر حرف في مادته الأخيرة.
الفرع الخامس
آلية التعديل على وفق أحكام المادة (126) من الدستور
إن المادة (126) من الدستور رسمت طريق محدد ومقيد للتعديلات وبترتيب زمني وموضوعي وشكلي لإجراء أي تعديل فمن حيث الزمن وجود فترة زمنية تتمثل بانقضاء دورتين انتخابيتين متعاقبتين، ومن حيث الموضوع منعت التعديل في بعض النصوص المتعلقة بصلاحيات الأقاليم أما من حيث الشكل فإنها رسمت شكلية لحالتين من حيث جهة اقتراح التعديل وسأعرض لها على وفق الآتي :
1. نص المادة (126) من الدستور (أولاً: لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين، أو لخُمس (5/1) أعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور، ثانياً: لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور،إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناءاً على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. ثالثاً: لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند (ثانياً) من هذه المادة، إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. رابعاً: لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه ان ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلةً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاءٍ عام. خامساً: أ- يُعدُ التعديل مصادقاً عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء المدة المنصوص عليها في البند (ثانياً) و(ثالثاً) من هذه المادة، في حالة عدم تصديقه. ب - يُعدُ التعديل نافذاً، من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية)
2. المحظور الزمني تمثل في نص الفقرة (ثانياً) من المادة (126) من الدستور التي جاء فيها الآتي لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين) حيث اشترط لهذا النوع من التعديل انقضاء ثمان سنوات وهي المدة تعادل عمر الدورتين الانتخابيتين واعتبارا من تاريخ أول دورة انتخابية التي انعقدت في عام 2006 وبذلك فان المدة قد انتهت في عام 2014 وأصبح هذا النص مطلق والقيد الوارد فيه منتهي حكماً، لان عمر كل دورة انتخابية أربع سنوات على وفق أحكام المادة (56/أولا) من الدستور التي جاء فيها الآتي (تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنواتٍ تقويمية، تبدأ بأول جلسةٍ له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة)
3. المحظور الموضوعي : إن الدستور وضع قيد على تعديل النصوص الدستورية التي تتعلق بصلاحيات الأقاليم حيث لم يجعلها بذات الآلية المتبعة في التعديلات وإنما اقرن ذلك التعديل بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم فقط وموافقة أغلبية سكانه وباستفتاء عام، والسبب في ذلك إن هذا التعديل لا يؤثر في حقوق سائر الشعب وإنما يؤثر فقط في حقوق سكان الإقليم ولابد من موافقتهم عليه، وبذلك تم إبعاد تصويت الشعب بأكمله على هذا النوع من التعديل وعلى وفق ما ورد في الفقرة (رابعاً) من الدستور التي جاء فيها الآتي ( لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه ان ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلةً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاءٍ عام) وإنما حصر التصويت والاستفتاء بسكان الإقليم فقط
4. الجهة التي تقدم مقترح التعديل: إن المادة (126) قد بينت بان من يقترح التعديل هما السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا المبدأ معمول به في اغلب دساتير العالم الحديثة والنافذة، على وفق مبدأ التوازن بين تلك السلطات[6]، ورسمت وسيلتين لعرض مقترح التعديل (الأول) يقدم من السلطة التنفيذية على أن يكون بجناحيها مجلس الوزراء مجتمعاً ورئيس الجمهورية وعلى وفق ما ورد في نص المادة ( 126/أولا) التي جاء فيها الآتي (لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين). و(الثاني) 5/1 خمس عدد أعضاء مجلس النواب أي أن يكون المقترح مقدم من عدد لا يقل عن (66) نائب.
5. في حال تقديم المقترح عن طريق السلطة التنفيذية أو التشريعية فلابد من نيل هذا المقترح على موافقة ثلثي أعضاء المجلس أي بقبول عدد لا يقل عن (110) عضو من أعضائه،
6. إذا كان المقترح يتعلق بصلاحيات الأقاليم فانه لا يعرض على التصويت وإنما بعد تحقق إجماع جناحي السلطة التنفيذية أو خمس عدد أعضاء مجلس النواب فانه يرسل إلى السلطة التشريعية في الإقليم او الأقاليم ان استحدثت لاحقاً، فإذا حظي بالقبول ولم يتطرق الدستور إلى أي عدد من أعضاء المجلس التشريعي للإقليم وإنما تركها للقواعد العامة والرأي الراجح بذلك هو الأغلبية البسيطة للعدد الذي بموجبه تنعقد جلسة المجلس النيابي للإقليم. وهذا يختص به الإقليم حصراً أما المحافظات غير المنتظمة بإقليم فان الدستور أعطاها حق تفويض صلاحياتها إلى الحكومة الاتحادية أو قبول صلاحيات الحكومة الاتحادية إليها إذا ما فوضت إليها ودون أي استفتاء او اقتراح من أي جهة كانت وإنما فقط بالاتفاق بين حكومة المحافظة المحلية والحكومة الاتحادية وعلى وفق نص المادة (123) من الدستور التي جاء فيها الآتي (يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات، أو بالعكس، بموافقة الطرفين، وينظم ذلك بقانون)
7. بعد نيل المقترح على ثقة ثلثي أعضاء مجلس النواب يتم اتخاذ الإجراءات التنفيذية ومنها الاستفتاء ومصادقة رئيس الجمهورية والنشر في الجريدة الرسمية.
الفرع السادس
آلية التعديل على وفق أحكام المادة (142) من الدستور:
1. إن الدستور تضمن آلية أخرى في المادة (142) من الدستور غير التي ورد ذكرها في (126) من الدستور التي تقدم عرضها، وهذه الآلية تعد مؤقتة وغير دائمية وتنتهي بأجل محدد في نص المادة (142) أعلاه والتي جاء فيها الآتي (أولاً: يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنةً من أعضائه تكون ممثلةً للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقريرٍ الى مجلس النواب، خلال مدةٍ لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصيةً بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور، وتُحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها. ثانياً: تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعةً واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، وتُعد مقرةً بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس. ثالثاً: تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب وفقاً لما ورد في البند (ثانياً( من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها، خلال مدةٍ لا تزيد على شهرين من تأريخ إقرار التعديل في مجلس النواب. رابعاً: يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً، بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر، خامساً: يستثنى ما ورد في هذه المادة من أحكام المادة) ١٢٦) المتعلقة بتعديل الدستور، إلى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة(
2. هذه المادة خلقت جدلا كثيرا على مستوى الفقه الدستوري أو العمل التشريعي والسياسي، لان البعض يرى إنها عطلت كل آلية لتغيير الدستور عندما وضعت فيتو رفض ثلاث محافظات أو أكثر، ففي هذه الحالة تعتبر التعديلات غير سارية، ويرى البعض إن الواقع الفعلي يمنع من تعديل الدستور لان الانقسام الطائفي أو ألاثني مازال قائماً، ولا يمكن أن يتفق العراقيون على تعديل يمس أي من الحقوق المقررة للمكونات والمثال الأقرب هو محافظات إقليم كردستان فإنها تمثل العائق الأكبر في حال وجود ميل لتعديل بعض الأحكام التي ما انفك يطالب بها العراقيون في الوسط والجنوب والمحافظات الغربية بان يكون النظام رئاسي أو شبه رئاسي حيث إن الأكراد لا يرون في ذلك مصلحة لهم ومن الممكن أن تعطل كل التعديلات بفيتو محافظات الإقليم.
3. من بين المختصين في الفقه الدستوري وحتى بعض السياسيين يعتبرون إن هذه المادة تتعارض مع نص المادة (126) من الدستور لأنها عطلتها ولا يجوز أن نعمل بالآليات التي وردت في المادة (126) من الدستور ويتعللون بنص الشق الأخير من الفقرة (خامساً) من المادة (142) التي جاء فيها الآتي يستثنى ما ورد في هذه المادة من أحكام المادة) ١٢٦) المتعلقة بتعديل الدستور، إلى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة) .
4. أرى إن هذا التوجس والرأي المشار إليه في أعلاه في غير محله لان هذا النص لا يعطل العمل بنص المادة (126) من الدستور إطلاقا، وإنما عطل سريان الآليات المقترحة في تلك المادة التي تختلف عما ورد في المادة (142) من الدستور، وان النص وضعه كاتب الدستور لإزالة الغموض فيما لو سكت عن ذلك، فانه منع إتباع آليات أغلبية الثلثين أو أن يكون المقترح مقدم من أي من السلطتين التشريعية او التنفيذية ومن حيث النصاب المطلوب تحققه لعرض الاقتراح ونيله الثقة ، لان هذه المادة (142) لها آلياتها الخاصة التي تختلف عن تلك الواردة في المادة (126) من الدستور.
5. إن الآلية المقترحة في هذه المادة تتمثل بتشكيل لجنة في مجلس النواب لم يحدد عدد اعضائها، وإنما لابد أن تكون ممثله من جميع المكونات الرئيسية للمجتمع العراقي ويقصد بها ( الشيعة والسنة واالمسيحيون والازيديون والصابئة كما يقصد بها العرب والاكراد والتركمان) ثم حدد النص الدستوري مهام هذه اللجنة بان مهمتها تقديم تقريرٍ إلى مجلس النواب ، ثم تعرض التوصيات الوارد في تقريها على المجلس وتعد مصادق عليها عند نيل ثقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب بمعنى النصف زائد واحد أي بما لا يقل عن (165) نائب كما أنها اشترطت أن تقدم المقترحات بدفعة واحدة اي لا يجوز تجزئتها بأكثر من مقترح واحد، ثم بعد ذلك تتخذ الإجراءات التنفيذية من حيث الاستفتاء عليها خلال مدة شهرين من تاريخ مصادقة مجلس النواب عليها وعلى وفق ما ورد في نص الفقرة (ثالثاً) من المادة (142) التي جاء فيها الآتي (تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب وفقاً لما ورد في البند (ثانياً) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها، خلال مدةٍ لا تزيد على شهرين من تأريخ إقرار التعديل في مجلس النواب.) ثم يعتبر الاستفتاء ناجح إذا ما صوت عليه نصف عدد المصوتين زائد واحد ولم يتم نقضه أو رفضه من ثلثي عدد المصوتين في ثلاث محافظات وعلى وفق نص الفقرة (رابعا) من المادة (142) من الدستور التي جاء فيها الآتي ( يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً، بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر)
الفرع السابع
أوجه الاختلاف بين المادتين (126) و (142) من الدستور:
إن أوجه الاختلاف بين المادتين تجعل منهما كيانين دستوريين مستقلين عن بعضهما ولا تقاطع بينهما ولا يعطل احدهم الآخر وهذه الاختلافات على وفق الآتي :
1. إن آلية اقتراح التعديل في المادة (126) تكون إما بمقترح من السلطة التنفيذية بإجماع رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء أو من السلطة التشريعية بمقترح من خمس الأعضاء بينما تختلف في المادة (142) لان المقترح لا يكون من السلطة التنفيذية أو التشريعية وإنما من لجنة تتكون من المكونات الممثلة في مجلس النواب ولا يقيدها العدد سواء كان بأقل من خمس الأعضاء أو بأكثر من ذلك.
2. إن المقترح بموجب المادة (126) يقدم من جهتين الأولى التنفيذية والثانية التشريعية ويعرض على شكل مقترح لمادة أو مادتين أو أكثر بينما في المادة (142) من الدستور لابد وان تكون التعديلات دفعة واحدة وبمقترح من اللجنة المشكلة لهذا الغرض ولا يجوز تجزئة تلك المقترحات
3. إن التصويت على المقترحات المقدمة وفق المادة (126) من الدستور يحتاج إلى ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب بينما في المادة (142) الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب.
4. إن المقترحات على وفق المادة (126) من الدستور وردت عليها قيود منها المتعلقة بانقضاء دورتين انتخابيتين أو المتعلقة بصلاحيات الأقاليم بينما في المادة (142) من الدستور لا يوجد أي قيد على اللجنة المشكلة لتقديم مقترحات التعديل وإنما لها مطلق الحرية بتعديل الدستور أو حتى تغييره برمته وعلى وفق صراحة النص بعدم ذكره أي قيد.
5. إن المقترحات على وفق المادة (126) من الدستور يجوز فيها لأعضاء مجلس النواب أو رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين ممارستها وتقديمها في أي وقت و لأكثر من مرة متى وجدوا الحاجة قائمة، بينما المقترحات على وفق المادة (142) من الدستور محدد بفترة زمنية أمدها أربعة أشهر من تاريخ عقد أول جلسة لمجلس النواب، وان هذه المهلة الدستورية انتهت دون تحقيق مهامها لذلك فإن أحكام المادة (142) من الدستور تبقى فاعلة لحين انجاز مهمتها ومن ثم تعتبر هذه المادة قد انتهت بتحقيق غاية تشريعها ولا يجوز الرجوع إليها مطلقاً.
6. إن تجاوز المهلة الدستورية المحددة للمادة (142) من الدستور لا يمكن اعتبارها منتهية أو غير سارية المفعول دون تحقيق المهام التي من اجلها شرعت، وهذا ما قررته المحكمة الاتحادية العليا في قرارها التفسيري المتعلق بالمدة الدستورية الوارد في المادة (140) من الدستور العدد قراراها العدد 71/اتحادية/2019 في 28/7/2019 بحيث جاء فيه أن الهدف من وضع وتشريع المادة (140) من الدستور مطلوباً وواجب التنفيذ من الكافة كما أكدت على ان التاريخ المحدد في تنفيذ المادة (140) من الدستور قد وضع لأمور تنظيمية لغرض حث المعنيين والمكلفين بتنفيذها وهم أعضاء السلطة التنفيذية (الحكومة) على انجازها وان هذا التاريخ لا يمس جوهر تلك المادة أو يعارض تحقيق هدفها، ويذكر ان الفقه الدستوري قد أكد على ذلك ومنهم الفقيه الفرنسي سييز Seyes الذي أكد على عدم جواز تقييد سلطة الأمة بالتعديل[7] لان ما ورد في المادة (142) من الدستور هو مبدأ عبرت عنه الأمة في الدستور وهي الرغبة بمراجعة كافة أحكامه نظرا للظروف التي أحاطت به عند كتابته ومنها عدم مشاركة مكون مهم من مكونات المجتمع العراقي وهذا ما التفتت إليه المحكمة الاتحادية العليا بقرارها الملمع عنه، عندما أوضحت فيه بان نص المادة (140) يبقى نافذا لحين تحقيق الأهداف التي رسمتها تلك المادة، وهذا جعل المادة (142) من أهم أسباب اختلافها عن المادة (126) من الدستور لأنه أبقى على وجوب تحقيق الأهداف الواردة في المادة (142) وتنتهي بمجرد إتمام العمل المكلف به مجلس النواب بهذا الصدد.
7. لم يرد في المادة (142) من الدستور أي ينص يتعلق بوجوب مصادقة رئيس الجمهورية على نتيجة الاستفتاء وإنما يعتبر نافذ اعتبارا من تاريخ نجاحه في التصويت وهذا ما أشارت إليه الفقرة (رابعاً) من المادة (142) من الدستور التي جاء فيها الآتي (يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً، بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر) كما لم تشترط لتاريخ نفاذ التعديلات النشر في الجريدة الرسمية، وانما تعتبر نافذة اعتبارا من تاريخ نجاح الاستفتاء عليها، بينما التعديلات المقترحة بموجب المادة (126) من الدستور تستوجب مصادقة رئيس الجمهورية خلال مدة سبعة أيام وان تعدت المدة ولم يصادق عليها تعتبر مصادق عليها بحكم الدستور وعلى وفق البند (آ) من الفقرة (خامساً) من المادة أعلاه، ومن ثم تنشر في الجريدة الرسمية وتعتبر نافذة اعتبارا من تاريخ النشر وعلى وفق ما جاء في البند (ب) من الفقرة (خامسا) من المادة أعلاه .
الخاتمة
من خلال العرض المتقدم أرى بان وجود لجنة التعديلات الدستورية وممارستها لعملها في الوقت الحاضر فإنما تمارسه على وفق أحكام المادة (142) من الدستور التي تتضمن حق الفيتو لثلاث محافظات ، وهذا العمل لا يمنع مجلس النواب أو رئيس الجمهورية مع مجلس الوزراء مجتمعا على تقديم المقترحات للتعديلات التي يرونها مناسبة ولازمة لمعالجة الأوضاع التي تأثرت بغموض أو النقص في النصوص الدستورية، وتكون هذه المقترحات على وفق أحكام المادة (126) من الدستور ولا ضير من تزامن عمل اللجنة مع أي عرض لمقترح بالتعديل يكون على وفق المادة (126) من الدستور وتسير الاجراءات بشكل منعزل عن الاخر، لان لا يوجد تعطيل لأي منهما وما ورد في الفقرة (خامساً) من المادة (142) من الدستور التي جاء فيها الآتي (يستثنى ما ورد في هذه المادة من أحكام المادة (١٢٦) المتعلقة بتعديل الدستور، الى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة) ليس لتعطيل العمل بالمادة (126) من الدستور وإنما لاستثناء العمل على وفق هذه المادة من الآليات التي وردت في المادة (126) ويتعلق بالأمور الإجرائية وليس الموضوعية وعلى وفق ما تم ذكره سلفاً لان هذه المادة (142) قد وضعت في الدستور بعد انتهاء لجنة كتابة الدستور من أعمالها، حيث كان ممثلوا المكون السني يعارضون كتابة أي دستور في ظل الاحتلال حتى تم إقناعهم بالمشاركة على التصويت بعد أن حدد له وتاريخ في حينه ، وكان من الشروط التي فرضها هؤلاء أن يحفظ حق المكون في إجراء أي تعديل على الدستور الذي لم يشتركوا في كتابته، فعلى اثر ذلك تمت صياغة هذه المادة (142) من الدستور كما ضمنت حق الأكراد والشيعة في ذات الوقت في نقض أي تعديل يتعلق بالمكاسب التي حصلوا عليها فوضعت لهم صلاحية النقض (الفيتو) لثلاث محافظات. لذلك أرى على أعضاء مجلس النواب أو جناحي السلطة التنفيذية أن يقترحوا مواد تعديل الدستور على وفق الآلية التي رسمتها المادة (126) من الدستور والتي لا تتضمن أي فيتو من أي محافظة من محافظات العراق ومن الممكن معالجة الآثار السلبية التي ظهرت من خلال تطبيق الدستور والعمل به منذ عام 2005 ولغاية الآن إذا كانت الطبقة السياسية جادة في الاستجابة لحاجة الجماهير المحتجة والمعتصمة في ساحات الاعتصام.
القاضي
سالم روضان الموسوي
الهوامش
[1] اوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ المعجم الدستوري ـ ترجمة منصور القاضي ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الأولى عام 1996ـ ص 1044
[2] الدكتور محمد مجذوب ـ القانون الدستوري والنظام السياسي ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ الطبعة الرابعة عام 2002 ـ ص225
[3] الدكتور محمد علي آل ياسين ـ القانون الدستوري والنظم السياسية ـ مطبعة المعارف في بغداد طبعة اولى عام 1964 ـ ص47
[4] الدكتور سعيد بو شعير ـ القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ـ الجزء الأول ـ منشورات ديوان المطبوعات الجامعية ـ الجزائر الطبعة الثالثة عام 1986 ـ ص 161 .
[5] الدكتور محمد علي آل ياسين ـ مرجع سابق ـ ص47
[6] الدكتور محمد مجذوب ـ مرجع سابق ـ ص225
[7] الدكتور محمد علي آل ياسين ـ مرجع سابق ـ ص55
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آليات تفسير نصوص الدستور العراقي والجهة المختصة بذلك
-
الإقالة والاستقالة وأثرها في خلو منصب رئيس مجلس الوزراء في ض
...
-
إسقاط عقوبة السجن في حالة التنازل والتراضي في ضوء قانون المر
...
-
قانون الانتخابات حجر الزاوية في الإصلاح
-
الدستور والمسؤولية التضامنية للحكومة عن اعمالها
-
مجلس النواب لا يملك صلاحية إصدار القرارات التشريعية
-
حظر التجوال الكلي أو الجزئي والموقف الدستوري
-
ماذا سيحصل لو أُعتُبِرتْ الحكومة مستقيلة؟
-
القيمة القانونية لقرارات اللجان التحقيقية التي تشكلها الحكوم
...
-
حجب مواقع التواصل الاجتماعي والحقوق الدستورية
-
الدستور وثلاثية ( الفقر والجهل والفوضى)
-
رسالة إلى رئيس الجمهورية قانون الانتخابات والاستفتاء الشعبي
-
تعديل الدستور أصبح مطلباً شعبياً
-
تقصير الأجهزة الحكومية تجاه التجاوز على الأملاك العامة
-
مجلس الاتحاد المغيب المفقود
-
هل يجوز الاستثمار في المقابر؟ تعليق في ضوء القانون والشريعة
...
-
طرق الطعن بعدم دستورية القوانين أمام المحكمة الاتحادية العلي
...
-
معاناة استحصال الزوجة لنفقتها مع وجود الحلول القانونية
-
القانون هل يمثل وجهة نظر من اقترحه أم من شرعه؟
-
مفهوم المدد في الدستور العراقي والآثار المترتبة عنها في ضوء
...
المزيد.....
-
هل سيتم اعتقال بنيامين نتنياهو إذا قدم إلى فرنسا؟
-
السعودية.. الداخلية تصدر بيانين بشأن إعدام مصري وبنغلادشي وت
...
-
المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية يطلب إصدار مذكرة ا
...
-
نتنياهو وغالانت في قفص اتهام جرائم الحرب
-
إسرائيل تقدم طلب استئناف إلى -الجنائية الدولية- وتطلب تأجيل
...
-
خبير عسكري يعدد تحديات ومعوقات اتفاق وقف إطلاق النار بلبنان
...
-
تشكيل فريق حكومي لمكافحة الفساد في دول منظمة التعاون الإسلام
...
-
الأمم المتحدة: 64 ألف طفل يمني يعانون سوء التغذية الحاد
-
نتنياهو يُعلن عزمه الاستئناف ضد مذكرتي الاعتقال بحقه ووزير د
...
-
الامم المتحدة: برنامج الاغذية العالمي اعلن اغلاق جميع المخاب
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|