|
الإقتصاد المُقاوِم والإقتصاد المأزوم ، في موازنتنا والموازنة العامّة الإيرانيّة، للسنة الماليّة 2020
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 6434 - 2019 / 12 / 10 - 00:41
المحور:
الادارة و الاقتصاد
قامتْ جمهورية إيران الإسلاميّة بإعداد الموازنة العامة للدولة للسنة الماليّة القادمة التي ستبدأ في 21 آذار / مارس/ 2020، وتنتهي في 20/ آذار/ مارس/2021 . وتأتي هذه الموازنة في سياق بناء سياسات الاقتصاد "المُقاوِم" ، بهدف رفع قدرة هذا الإقتصاد على "الصمود والتصدي" في مواجهة العقوبات الأمريكيّة. - ويبلغ حجم الموازنة 5638.290 ترليون ريال إيراني(ما يقرب من 134 مليار دولار أمريكي ، بسعر الصرف الرسمي للريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي ، والبالغ 42.150 ألف ريال لكل دولار). أمّا بالسعر الموازي(سعر السوق) للدولار مقابل الريال( حيث كُل دولار يُساوي 124 ألف ريال تقريباً) ،فإنّ حجم الموازنة سيكون في حدود 45.470 مليار دولار. - وهذه الموازنة هي الأقلّ إعتماداً على النفط ، على مدى التاريخ الإقتصادي لإيران الحديثة. ومع أنّ عوائد الصادرات النفطية قد قُدّرَتْ بـ 980 ترليون ريال للسنة المالية القادمة (23 مليار دولار تقريباً بالسعر الرسمي للريال مقابل الدولار) ، إلاّ أنّ هذه العائدات لم يتم تخصيصها للإنفاق العام في الموازنة ، بل تمّ تخصيصها للإنفاق على المشاريع العمرانية"الإنمائيّة" فقط. - لهذا لم تُحدّد إيران سعراً للنفط في الموازنة العامة ، كما لم تُحدّد كميات التصدير المُستخدمة في التقديرات. ويعود ذلك للصعوبات التي تُعيق القيام بتقديراتٍ كهذه ، والصعوبات في تحصيل العوائد المُخمّنة منها ، بسبب تشديد العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني. - وبما أنّ الموازنة القادمة "غير نفطيّة" (إنْ صحّ هذا التعبير) ،فإنّ مصادر تمويلها الرئيسة هي: عوائد بيع الأصول الإستثماريّة ، وعوائد الأصول الماليّة ، والإيرادات الضريبية والجمركَيّة ، والإيرادات التي سيتم تحصيلها من خلال الإستغلال الأمثل لموارد وممتلكات الدولة. وبحسب مشروع الموازنة ستقوم الحكومة بطرح صكوك إسلاميّة ، كما ستُقدّم روسيا قرضاً إستثمارياً بقيمة 5 مليار دولار. - من جانبِ آخر ستتم الإستفادة من فروقات تقليل الدعم الحكومي(وبالذات في مجال دعم الطاقة والمحروقات) ، حيث تُعَدْ إيران من بين الدول الأكثر دعماً لمواطنيها في هذا المجال ، وبواقع 69 مليار دولار(خلال السنة المالية 2018 ). - وأطلقتْ إيران عملية إعداد موازنتها للسنة المالية القادمة ، بعد إنْ أقرّ "المجلس الأعلى للتنسيق الإقتصادي" مشروع إصلاح هيكلية الموازنة العامة للدولة ، الذي صادق عليه البرلمان الإيراني في كانون الثاني/يناير/2019. -إنّ اتجاهات الموازنة الجديدة هي : دعم النمو الإقتصادي على المدى الطويل ، وتحقيق الإستقرار الإقتصادي في الأمد القصير، وتحقيق التنمية المتوازنة والشاملة ، وإصلاح هيكليّة الحكومة. - بالإضافة لذلك فقد كان هناك تأكيد من أعلى المستويات في الدولة على ضرورة الإنضباط المالي،وإلغاء التكاليف الإضافية(غير الضرورية)، والنهوض بالإنتاجية، والحدّ من أثر العوامل المُعيقة للنمو الإقتصادي ، وتحسين بيئة العمل والتجارة، والبحث باستمرار عن وسائل لزيادة الموارد العامة(غير النفطية). - وتُركّز الموازنة الإيرانية على تحقيق أهداف مُحدّدة من خلال تنفيذ برامج مُعيّنة لمؤسسات وأجهزة الدولة(على المديين القصير والمتوسط) ، وتقليل عدد هذه الأجهزة والمؤسسات من خلال تقسيمها إلى أجهزة ومؤسسات صانعة للقرار في العاصمة ، وأخرى مُنفّذة للقرار في المحافظات. - يبلغ معدل البطالة(العام) 12.1 % . ومعدل البطالة بين الشباب(15 -24 سنة) 28.3 % . ومعدل التضخّم 24%(وجميع هذه المؤشّرات خاصّة بعام 2018). - ومع ذلك تسعى الحكومة الإيرانية إلى ترشيد الدعم النقدي الشهري المُقدّم للمواطنين من خلال إلغاء هذا الدعم لذوي الدخل المرتفع نسبيّاً من المواطنين. ويتلقّى ما يقرب من 78 مليون إيراني(من مجموع 82.4 مليون إيراني ،هم عدد سكان البلاد) دعماً مالياً(نقديّا) منذ العام 2010 قدرهُ 45 ألف تومان شهرياً. ويصل هذا المبلغ للإيرانيّين المُتلقّين للمعونات من "لُجنة الإمام الخميني للإغاثة" إلى أكثر من 100 ألف تومان شهرياً لكل شخص. - كان النفط (حتّى وقتٍ قريب) ، يُشكّل المصدر الرئيس لتمويل الموازنة العامة ، قبل أنْ يَتُم تقليل الإعتماد عليه تدريجيّاَ خلال السنوات الأخيرة . - ففي عام 2017 تمّ إعداد تقديرات الموازنة على أساس تصدير 2.6 مليون برميل يومياً . بعدها تمّ تخفيض حجم الصادرات النفطية إلى 1.5 مليون برميل يومياً في موازنة 2018. وفي عام 2019 قُدّرت الصادرات النفطية بحدود 300 ألف برميل يوميا فقط . - وتراجعت حصّة النفط في الناتج المحلي الإجمالي من 25 % في عام 2011 ، إلى 15 % فقط في عام 2017 . ولا تتوفر لدينا بيانات عن نسبة مساهمة النفط في الناتج المحلّي الإجمالي للسنوات اللاحقة ، إلاّ أنّ من المؤكّد أنها لم ترتفِع عن معدلاتها السابقة (إنْ لم تكن قد تراجعت أكثر) بسبب العقوبات الأمريكية. وهذا يعني أنّ الدولة الإيرانيّة قد قرّرتْ بذلك إنهاء عهد "الإقتصاد الريعي" في إيران، والتخلّص منه ، ومن تبعاته السلبية على الإقتصاد الإيراني. كما أنّ هذا يعني أنّ العقوبات الأمريكية ، رغم ضغوطها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الهائلة ، هي بمثابة "نعمة" للبلاد ، لأنّها منحتْ إيران فرصةً تاريخية لإصلاح الإختلالات الهيكلية، ومعالجة المشاكل البنيوية الداخلية في الإقتصاد ، والتي أدّتْ بدورها إلى أنْ يكون هذا الإقتصاد(في مراحل سابقة)، هو من بين أكثر الإقتصادات إنفتاحاً على الخارج ، والأكثر تعرُّ ضاً للصدمات الخارجية، والأكثرُ تضرّراً من تأثيراتها السلبية على الإستقرار الإقتصادي والمجتمعي في إيران، لعقودٍ طويلة. هذه هي إيران ، الدولة - الأُمّة .. تقومُ بإعداد موازنةٍ عامّةٍ دون نفط ، وعائدات نفطيّة .. فماذا كانَ بوسع "دولتنا" الحاليّةِ أنْ تفعلَ في ظروفٍ مماثلةٍ لظروفها(أو في ظروفٍ مُماثلةٍ لظروفنا الحاليّة) .. لو لم يكُن لدينا نفطٌ أصلاً ؟؟ من المؤكّدِ أنّنا سنأكلُ بعضنا بعضا آنذاك. إنّ النفطَ في محنة العراق الراهنة يُمارِسُ دوراً "مُعَطِّلاً" لتنمية مصادر النمو "الحقيقية" للناتج المحلي الإجمالي ، من جهة .. ودوراً "مُسَكِّناً" للصراعات والإضطرابات الناجمة عن عدم الإستقرار السياسي والمُجتمَعي ، من جهةٍ أخرى. و "دولتنا" الراهنة ، بحكم سماتها وخصائصها الرئيسة، وبفعل الظروف المُلتبِسة لتكوينها، هي "دولة" "مُوَزِّعة" للريع .. وحتّى هذا التوزيع هو توزيع غيرعادل وغير كفوء .. وهي دولة غير مُنتِجة أيضاً لهذا الريع .. وبالتالي فهي غير مؤهلّة لوضع برامج وسياسات، وبناء موازنات عامّة، يمكن لها أنْ تُشكّلَ حافزاً على استغلال الفرص التاريخيةِ المُتاحةِ لها الآن. إنّ علينا أن نُدرِك (ولو بعد فوات الأوان) ، أنّ الموازنة العامة ليستْ "فُرصةً" لتسقيط الخصوم، و ليست أداة للتخادُم الزبائني - المصلحي ، وتقاسم المغانم ، وتصفية الحسابات .. وليست أيضاً مَنفذاً يتمّ من خلاله تبرير تقاسم "الحُصص" ، على أساس التصنيفات القومية والمذهبية والمناطقية .. وليست أخيراً ، وسيلةً لتعزيز بُنية الفساد الراسخة، المتعددة الأبعاد. إنّها .. والآن بالذات .. هي الفرصةُ (ربّما الأخيرة) ، للحفاظ على ما تبقّى من "وجود" العراق المُهدّدِ بالزوال . وهي فرصةٌ للتنمية والعمران . وفُرصةٌ لترميم مُجتَمَعٍ مُنقَسِم ، وبناء اقتصادٍ غير مأزوم. و هذه هي إيران .. الدولةُ - الأُمّة ، و"القُدوَة" والنموذج .. تُعيدُ بناء اقتصادها ، و تعملُ على تعزيز تماسك مُجتمعها ، وترسيخ مصادر القوة في نظامها السياسي ، من خلال إعدادٍ جيّدٍ ومهنيٍّ وواقعيّ للموازنة العامة.. فقلّدوها ... إنْ إستطعتُم إلى ذلكَ سبيلا.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كُلُّ شيءٍ سوفَ يسقُط .. ويبقى النظام
-
آخرُ شهرٍ في هذا العامِ .. لروحي
-
للناصِريّة .. للناصِريّة
-
فنطازيا التقاعد وفنطازيا البطالة في العراقِ الفنطازيّ
-
امتحانات العراق العصيبة
-
العصافيرُ تُغَنّي ، وتنامُ على ظهرها .. وتموت
-
الأغلبيّةُ الغاضبة، والأقلّياتُ الخائفة، في احتجاجات العراق
-
اُمّي وأنا وانتفاضة تشرين العظيمة
-
تقييم بيئة الأعمال في العراق: تقريرالبنك الدولي عن ممارسة أن
...
-
عرَبةٌ سومريّة .. لجواد سليم
-
أنا لا أريدُ أنْ أموت .. والعراقُ لا يريدُ أن يبكي
-
العراق .. إنتفاضةُ البسطيّة والعشوائيّة والتكتك ، وعربات الج
...
-
الوجعُ الذي يجعل الناس ، تخرجُ إلى الشارع
-
لماذا تحدثُ الأشياءُ السيّئة
-
العراقُ الآن.. وهذا النظامُ الذي..لا نظام
-
يعودُ القَطا إلى الشارعِ .. في الشتاءِ الطويل
-
العراق والجغرافيا .. وما وراء الأفق
-
تلكَ التي لا تُحِبُّك
-
إلى أينَ نُوَلّي وجوهنا.. إلى أينَ نذهب؟
-
ملوكُ الفيسبوك وكُتّابهِ الكبار
المزيد.....
-
زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
-
-الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج
...
-
إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
-
عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس
...
-
الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول
...
-
نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته
-
بعد فوز ترامب.. الاهتمام بـ-التأشيرات الذهبية- بين المواطنين
...
-
الأخضر اتجنن.. سعر الدولار اليوم الخميس 11-11-2024 في البنوك
...
-
عملة -البيتكوين- تبلغ ذروة جديدة
-
الذهب يواصل رحلة الصعود وسط التوترات الجيوسياسية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|