|
ألعاب الصدر وملهاة الفوضى العراقية المأساوية
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 6433 - 2019 / 12 / 9 - 15:19
المحور:
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية
"إذا كان الصدر يرفض ما هو قائم دون أن يكون لديه خطة عقلانية للتغيير فقد يكون الحصاد النهائي لغضب الشارع هو العنف والفوضى التي لن تؤدي إلا إلى المزيد من الضعف والتفسخ والدمار" عاش العراق طوال العصر الحديث ضمن جدل معقد ينبع من انقسامه الديني المذهبي إلى شيعة وسنة، وانقسامه "القومي" إلى عرب وأكراد، إضافة إلى مئات الديانات والطوائف والإثنيات داخل هذه القسمة المبدئية وخارجها. بعد احتلال أمريكا للعراق برز اسم مقتدى الصدر بسرعة بوصفه واحداً من أن أهم القيادات الشيعية المقاومة للاحتلال. وقد اضطر في هذا السياق أن يقضي معظم وقته منذ العام 2004 في إيران خوفاً من قيام الأمريكيين بتدبير اغتياله.
فاز حزب مقتدى الصدر في الانتخابات الأخيرة بأكبر حصة في "البرلمان". ولكنه بسبب حسابات الهيمنة الأمريكية من ناحية، والإيرانية من ناحية أخرى لم يأخذ حقه "الطبيعي" في تشكيل الحكومة أو رئاستها. أو هذا على الأقل هو ما يظهر في بداية التحليل. وهكذا وافق الصدر على رئاسة عادل عبد المهدي للوزارة، مع الموافقة على طلب السيستاني بمنح الرجل مهلة سنة لكي يحاول إصلاح ما أفسده الدهر الأمريكي. لكن السنة الموعودة لم تكن قد اكتملت بعد عندما انطلق الحراك العراقي العنيف منذ أسابيع. كان يجب أن نتوقع أن الصدر لم يكن المبادر إلى "تفجير" الشارع. لكن من الملاحظ من خلال الاستهداف المزعوم الذي تعرض له مقتدى منذ يومين أن القوى المناوئة للحراك العراقي تعده الفاعل الأكبر في الشارع. ويبدو أن إشارة من أصبعه كفيلة بتوجيه المتظاهرين ناحية السلم أو العنف. كان الصدر فعلياً أول من دعا إلى استقالة الحكومة على نحو حاسم، وهو من عارض دائماً على نحو صريح الوجود الأمريكي والإيراني على السواء. ويحسب للرجل أنه يعارض إيران على الرغم من وجوده على أرضها. لكن أعمال العنف التي وقعت ضد القنصلية الإيرانية في النجف لم ينفذها، وإنما تم تنفيذها على ما يبدو من قبل أنصار عدنان الزرفي الذي كان بول بريمر قد عينه محافظا للنجف، وهؤلاء بالذات هم من أحرق قبر السيد محمد باقر الحكيم الذي قتل في العام 2003 على يد الزرقاوي. لكن الملاحظ في هذا السياق أن أنصار مقتدى الصدر لم يحركوا ساكناً لحماية الموقع على الرغم من أنهم يشكلون غالبية الجمهور في الشارع النجفي. يشير ذلك بالطبع إلى وجود نزاع شيعي/شيعي في هذه اللحظة، وهو أمر يجب أن لا يغيب عن البال عند قراءة المظاهرات العراقية. يصعب علينا بالطبع أن نجد أية صلة بين استفزاز عمار الحكيم عن طريق إحراق قبر عمه، وبين المطالبة بإصلاح البلد ومحاربة الفساد وتحسين الأوضاع البائسة لملايين العراقيين. لكن الشارع الذي يهدر في العراق ليس كله مدركاً لطبيعة النزاعات شبه المستترة التي يتم توظيفه فيها بما في ذلك رغبة الأمريكيين في محاصرة الوجود الإيراني التي تتقاطع هذه المرة مع رغبة عدوها الصريح مقتدى الصدر بالذات. يظهر مقتدى تحدياً واضحاً للقوى والأذرع الشيعية المختلفة بما فيها الحشد الشعبي وعصائب الحق المدعومة إيرانياً وتعاديها الولايات المتحدة. ومن الواضح أنه لا يتجنب فكرة مواجهة الحشد والعصائب إذا لزم الأمر. من ناحية أخرى هناك ما يكفي من مؤشرات للقول إن الاحتجاجات في العراق يمكن أن تتوقف أو تتقلص بشكل حاسم فيما لو لم قرر الصدر ذلك. لكن ذلك هو بيت القصيد الذي يثير الرعب: إذا كان مقتدى الصدر لا يمتلك بضاعة إلا رفض ما هو قائم دون أن يكون لديه خطة عقلانية للتغيير فقد يكون الحصاد النهائي لغضب الشارع هو إدخال العراق في حلقة جديدة من العنف والفوضى التي لن تؤدي إلا إلى المزيد من الضعف والتفسخ والدمار. ومن المعلوم أن الصدر لا يبدي أي تساهل بخصوص "حصته" من الكعكعة السياسية وربما نتذكر قصة الانتخابات الأخيرة عندما حصل احتجاج حول أعمال بالتزوير تتصل بعدد من المقاعد التي ربحها نواب موالون للصدر: تم إحراق الأوراق مع صناديقها لمنع إعادة العد، وعندما أعلنت لجنة الانتخابات أن لديها سجلات إلكترونية، تم الهجوم على مقر اللجنة وإحراق أجهزة الحاسوب كلها. وهكذا لم يعد هناك أية فرصة إلا التسليم بالنتائج التي تعطي الصدر التفوق الذي يزعمه. قبل أربعة أشهر وفي خطوة متحدية واضحة أعلن الصدر من مقر إقامته في إيران عن نيته إزاحة عادل عبد المهدي من رئاسة الوزراء. لكن الصدر في الوقت ذاته يخرج علينا ليقول إنه لا يريد الوزارة ولا يريد المشاركة في اختيار رئيس الورزاء الجديد. فماذا يريد إذن؟ أن يطلب بعد بضعة أشهر من رئيس الورزاء الجديد أن يستقيل؟ بالطبع ينفي الصدر أية صلة له بإحراق القنصلة الإيرانية في النجف، مبيناً أنه لم يقم حتى بإحراق القنصلية الأمريكية ذاتها فكيف يحرق القنصلية الإيرانية! وهكذا يمارس الرجل مبدأ "التقية" الراسخ في العقيدة الشيعية على أكمل وجه ممكن. ومثلما أسلفنا القول كان الصدر قد أعطى عادل عبد المهدي مهلة سنة لمحاربة الفساد وإصلاح الأوضاع لكنه بعد أربعة أشهر لا غير نظم المظاهرات في بغداد وعلى مقربة من "المنطقة الخضراء". كما أن أتباعه اليوم يسيطرون على ما يبدو على الشارع بدرجة كبيرة. لكن هذه السيطرة مخيفة بالفعل: إننا في سياق يشي وكأن الصدر يريد الفوضى بذاتها ولذاتها، وأنه لا يمتلك مشروعاً سياسياً واضح المعالم. في أحسن الأحوال قد يكون هدف الصدر المضمر هو زلزلة الأرض تحت أقدام السيستاني والحكيم والحشد الشعبي وعصائب الحق في سياق محاولة الهيمنة على الشارع الشيعي كله. لكن هذه خطة حمقاء لن يكتب لها النجاح بسهولة. وقد يكون خطر انزلاق العراق إلى التقسيم أو الفوضى الشاملة هو ما ستقود إليه ألعاب الصدر الشعبيية البهلوانية. حاشية: تجنبنا في التحليل التفكير في فرضية أن يكون جهد الصدر منسقاً مع الأمريكيين. لم نرد أن نلجأ لنظرية "المؤامرة" بدون معطيات كافية على الرغم من أن الحراك الشعبي "الصدري" إن جاز أن نسميه كذلك يثير الحيرة والبلبلة التي تسمح للتحليل بالذهاب في أي اتجاه.
. . .
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نفهم ما يجري في بلادنا؟
-
الجزيرة والتحول الديمقراطي العربي
-
من بوليفيا إلى إيران وصولاً إلى فلسطين ولبنان
-
لبنان بين التحركات الغاضبة وفرص الثورة الفعلية
-
موراليس/بوليفيا وأكذوبة الديمقراطية
-
انتهينا من احتفالية وعد بلفور
-
ماهية الثورة الممكنة في لبنان
-
بين حزب الله الرجعي واليسار التقدمي
-
فساد حزب الله
-
حماس تضع بيضها في سلة اردوغان
-
قراءة في الغزو التركي لشمال سوريا
-
أمريكا وزمن الهبوط
-
لماذا فشلت أنظمة الدفاع في حماية السعودية؟
-
ما الذي يحدث في مصر الآن؟
-
الصراع الإيراني/الأمريكي في الساحات العربية
-
فضفضة في مسوغات الانتحار
-
الفراغ والبحث عن العجائب
-
المغرب يطلق العربية والعروبة
-
دردشة في الفيتشية وفي سحر المطبوع
-
أكذوبة القرن
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين الشبابية العراقية: جذورها والى أين؟
/ رياض عبد
-
تحديد طبيعة المرحلة بإستخدام المنهج الماركسى المادى الجدلى
/ سعيد صلاح الدين النشائى
-
كَيْف نُقَوِّي اليَسَار؟
/ عبد الرحمان النوضة
-
انتفاضة تشرين الأول الشبابية السلمية والآفاق المستقبلية للعر
...
/ كاظم حبيب
-
لبنان: لا نَدَعَنَّ المارد المندفع في لبنان يعود إلى القمقم
/ كميل داغر
-
الجيش قوة منظمة بيد الرأسماليين لإخماد الحراك الشعبي، والإجه
...
/ طه محمد فاضل
المزيد.....
|