هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 6431 - 2019 / 12 / 7 - 19:29
المحور:
سيرة ذاتية
مذكرات ديناصور والروايات والمرض – و حديث كيف تنجو
تناثرت حبات المسبحة السوداء من يدي على ارض المطبخ ,حبة تلو حبة ولم استطع أن اوقف نزيف سقوطها المتدحرج النهائي ولكني وبصعوبة بالغة استطعت أن انحني واجثو على قدمي لأجمع خرزاتها الثلاثين
واضعهم في سلة الرمي لئلا اجدهم تحت قدمي في كل مرة ازور فيها مطبخي المريض هو الآخر .
فأن اجثو واتمطى وانزل للأسفل , كان ذلك من المستحيلات قبل شهر من وجع الورك الذي لازمني لثلاثين يوما , هم عدد حبات المسبحة المفقودة –السوداء اللامعة التي كنت ادعو فيها دعاء عميق المغزى " اللهم أني اعوذ بك من حلول البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء " .
فقد بت اعرج في مشيتي مثل عجوز اكل منها الدهر وشرب ,وكانت صورة عمتي المبتورة القدم تلازمني ,لتزيد من وجعي .
وكل فلسفة ادارة الازمات لن تنفعني , أنا نجمة المدينة التي لا تتعب سقطت من علوها وترنحت وتساقطت شظايا وغبار مثل شهاب اعرج ظهر في السماء الملبدة الغيوم وهوى على الأرض شظايا تجرح .
فمنذ كتبت تلك القصيدة اللامعة ولم اجد خبرا إلآ و اتعبني
وكان آخرها ليلة أمس حيث استيقظت في منتصف الليل على صوت شخير الحياة المزعج كان ذلك صوت قلبي يدق بعنف ويطرق جدران عزلتي ليوقظني على وتر حساس اسمه نبض - من ينبض
فإذا به خفقان و رجيف لا ينكتم
يا الهي , ما الذي حدث ؟
لأول مرة من خمسين سنة اسمعه وادرك حقيقة وجوده في صدري
ولطالما المتني اشياء وبكيت ولكني لم احس به كما احسست به ليلة أمس
يا ترى هل كان هذا اشارة لآقتراب خريفي من الذبول
هل هرمت أخيرا, رغم شباب جسدي الرياضي الذي ازهو به
كان خفقانه يتكسر مثل مجذاف في خضم عاصفة هوجاء ,كانت ضلوعي لا تحتمل وقع ضرباته وشعرت أن جدار قلبي بدأ يتهاوى ويتكسر
فتملكني الخوف وأنا في خضم عاصفته اتلوى واشعر أن شيخوخة عمري تأكل من نسغ عظامي بشهوة الموت الأبدي
وأن لا سبيل للنجاة من ذلك الحتمي الذي لا ننتظره .
يا ترى ما الذي حدث! ما الجديد الذي طرأ ؟ و ما هذا الاستفزاز الليلي لنومتي الهادئة
كنت قد التهمت لفائف السوشي في المساء بلذة وحشية , وقد شاركتني صديقة قديمة طعمه لأول مرة في حياتها, وكنت اريد ان اتصل فيها لأطمئن أن قلبها لم يزعجه ذلك الطنين ,وهي ذات القلب الخافق دوما على عكسي .ولكنه الحظ القليل لكلانا جعلنا نعيش بلا قلب .
وتذكرت إني اكلت السوشي نفسه قبل اسبوع ولم يحدث أن تذمر قلبي منها
ولكني تذكرت إني اكلتها بدون طهي هذه المرة , فهل هذا هو السبب
أم أن ثمرة ( KUMQUAT) اللاذعة والتي أكلتها امس و لأول مرة في حياتي هي السبب .
أم أن اوميغا 3 في السوشي لم ينسجم مع فيتامين c في تلك الثمرة
(كيمكوات )التي لا اعرف من أين لها بهذا الأسم الغريب - العجمي
وتذكرت ثمرة الدراغون الزهرية التي اكلتها من ثلاجة فندق فخم في اقصى شرق اسيا ,ولم يخفق قلبي بعدها ابدا
فما الذي حدث !
في الحقيقة ,كانت الثلاثين يوما الماضية ,قد تحولت حياتي الى عناصر غذائية من حصص اوميغا 3 والفيتامينات وحصص متساوية من البروتين و البوتاسوم وعلب التونا الرخمة والسردين المنفلت .
عالم من اوميجا الزفر ,لم يكن يمحيه سوى طبق العدس الساخن اللذيذ الفاخر الذي كنت التهمه مع الخبز المحمص مع حزمة من الجرجير والفجل والبصل
والجأ الى سريري مثل الاطفال لأنام على الوجع واصحو على التعب .
كان الطعام قد اصبح لدي حصص وغرامات من البروتين والكالسيوم لأن عظامي واهنة وضعيفة ومجموعة الالياف المغذية من الشوفان قد تعيدني الى الصحو .
صرت مثل عجوز تصف ادوية لنفسها وبت احفظ اسماء الادوية الغير الستيرودية, واقرأ مضاعفات المرض ومسباته وعرفت أن السلمون لا يناسب معدتي الارستقراطية ولكنه زيت الزيتون المعصور حديثا.
والتزمت بتمارين اليوغا وحركات الاستطالة كأحد انواع العلاجات ,واكل مني الكركم ما أكل, حتى اصبحت سيدة صفراء تمشي بعرج خفيف وخجول.
وكرهت الاطباء وخطوطهم المتعجرفة التي تحاول ان تصنع لها درجة طبقية عرجاء في سلم الحياة اللاهث , ان سماع عجرفتهم وهم يتحدثون بلغة طبية رقيعة وكأنهم يلقون علينا قنابل ذرية على هيروشيما ,مثل قناصين على سطح بيت مثل باخرة عابرة للقارات لا تأبه لزورق يتيم في عرض البحر يعاملوننا . ان عجرفة الاطباء تكمن في خطوطهم
هل يمكن ان تحب شخصا لأن خطه جميل
زهرة فعلت ذلك احبت عبدالله الديناصور بسبب خطه والديناصور المنقرض لم يكن طبيبا لحسن الحظ والا لما تعاطفت معه ومعها .
ولكنها اقصد زهرة - لم تعترف انها احبت كيمياء الشاعر في ثورته واشتراكيته و قوميته و ناصريته قبل ان يقشعر بدنها لملمس خطه الجميل الذي ذكرها بالمحيط الميت والخليج الصامت بعد انقشاع ثورة الجيش الاحمر ولينين ومؤامرة غورباتشوف العميل الامريكي في تفتيت روسيا والقضاء على البروليتاريا المزعومة- الرثة .
كنت ما ازال في سريري. واشعر بموجة حرارة في جبيني, انها الحمى .ولم اقو على النهوض لكي لا يقال انها خافت من نبض عروقها .
كنت اصغي للهاثه الرجيف بلذة وحشية تعانق السماء كما في قصيدة السياب ولكن السماء لم تكن تمطر في تلك الليلة , ولكنه الظلام والظلمة والرهبة والعتمة السوداء تجعل حدقتي تدوران في المكان اتلمس سره .
وسر هذا العصيان المدني الذي انفلت عقاله في قفص صدري لأول مرة منذ خمسين سنة ,مما جعلني مع خوفي منه ان اصغي لسمعه الرتيب وكأنه يحتج لأول مرة في حياته بصوت مسموع .
لقد اصبحت في الخمسين وهذا سن الحكمة والارتجاع وسن اليأس والتقدم وسن الرجوع للخلف من اجل الذكريات , وتذكرت أني في أسؤأ ايامي لم يشاركني هذا العزف المنفرد ,فلماذا صرخ هكذا بعد كل ذلك الخرس الطويل !
الغرفة الباردة , المعتمة . والاغطية الدافئة والنبض المسموع والقدم التي ماتزال رخوة ومتصدعة . والخوف من مستقبل اعرج جعلني ارى كل من يعانون من امراض القدم, وعرق النسا والديسك وبت اردد بخشوع الراهب "اللهم اني اعوذ بك من حلول البلاء وحلول الدسك وعرق النسا والسكري والسرطان ووووو ودعاء طويل لا ينتهي والحمى ترتفع .
ادعية تذكرنا برب العباد واننا في هذا الكون عبارة عن كيانات هشة يسقطها شريان حردان أو فقرة ظهر مزعجة تحركت من مكانها أو خثرة دم سدت مجرى اوردة وشرايين نزقة . وتذكرت عمتي وهي تمسك رجلها المقطوعة وتبكي من مرض السكري
وحتى عندما صادفت صديقة قديمة وأنا اتمشى من اجل العلاج
كانت الفتاة من عائلة ابو عكاز, مما تسبب في تدميري لهذه الصدفة القاتلة .
صرخت : تبا للهوس الجسدي كلنا مهووسين بصحتنا الجسدية
اقصد بمنظرنا الخارجي . ما هذه الحرائق التي في جبيني
لماذا يومض النور في قلبي
هل بدأ خريف عمري ينهار
هل بت على وشك الانهيار هل ثمة خطأ كوني اصابني
هل ستريني الحياة وجهها القاتم منذ الآن
هل سأصارع لكي انجو في آخر الزمان ولكني سمعت الجدران الصماء تتكلم
سمعتها تقول : الجميع يمرض
ولكني جعلتها تتوقف مثل حركة "غاتسبي العظيم" بحركة من اليد ان تتوقف وان لا يتجاوزوا حدودهم معي
لا اريد المزيد من المهاترات
هل بقي علي ان استمع للجدران وهي تتكلم
خرجت من اغطيتي , التهمت حبة دواء مسكن مع ماء قليل فأنا لا احب الماء
وعدت للنوم ,وكلي ثقة ان غدا سيكون اليوم الأخير .
في الصباح , اكملت رواية مذكرات ديناصور ,وبت أمضغ تلك اللغة الجميلة المنبعثة من ركام العادي المنفلت و التي يكتب بها مؤنس بلذة ارتشاف مطر السماء .
هل فكرت يوما بارتشاف مطر السماء أن تفتح فمك لالتقاط مطر السماء ان ينزل جوفك
ياله من متعة ,جربوها أن كنتم لا تعلمون .
في قراءته ,تشعر انك مجبر للعودة لقراءة السطر مرتين المرة الأولى لتستكمل المعنى وفي الثانية لتستمتع بما في من منكهات لغوية جميلة واستعارات مبجلة .
جلست ست ساعات تحت الشمس ,اقرأ واستمتع ونسيت الحمى والمرض وعرجتي وبقي طعم السوشي و الديناصور وزهرة يلاحقني
ووجدت أن اعظم هدية للمرضى أن يجدوا شيئا جيدا يقرؤونه فيخففون على المرض اوجاعه ويجعلونه يستسلم لفاكهة اللغة بطعم تلك الثمرة اللاذعة وشرائح السلمون الملفوف بالرز أو ما يسمى بالسوشي تجعلك تكركر وتضحك من بطل عجوز اخرق يشبه دينكشوت وهو يحارب طاحونة الهواء بسيف من خشب لكي تعترف سرا ان الله جعلنا نكتب الروايات ونقراها كجزء من العلاج النفسي للعصب الملتوي –الحردان
وانه سيفوتك الكثير ان مت ولم تقرأ كل الروايات في عالمك ولأن
قرطبة نائية ووحيدة وتعرج وترتشف دموع السماء
كتعويذة للعلاج والشفاء
وزاد تعبي , فقد تذكرت الاكس الذي تزوجته في مدينة الابراج
وكان يقول لي على مدار سنتين
لماذا لا تمرضين
هل أنت جنّيّة !
وكنت احب عالم الجنيات وقصص المغامرات السحرية وروايات العالم الناطقة
وعندما كتبت قصيدتي
"نجمة المدينة التي لا تتعب " شعرت أن التعويذة التي حمتني كل تلك السنوات
غادرتني للأبد
وان القلب الذي لم اسمع صوته منذ سنوات ,بات يحتج ويصرخ من الوجع ز
حدثت نفسي في الصباح وتحت شمس خفيفة والقهوة التي شربتها لأول مرة من ثلاثين يوما
وانا احدق في الفضاء المتسع واشعته تغمر كياني بنور الهي
وابعث له برسالة كونية ان كان خفقان قلبي في خطر فقد جعلني ابتسم لأنه موجود
موجود وينبض بالألم
وهذا ما قضيت عمري كله
ابحث عنه طيلة خمسين عاما من النكبة
نكبة وجودي في هذا الكون
المترامي الاطراف
والأطياف
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟