|
النظام السياسي الفلسطيني ،من الأزمة إلى الانهيار
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 6429 - 2019 / 12 / 5 - 15:23
المحور:
القضية الفلسطينية
النظام السياسي الفلسطيني بمؤسساته ونخبه ،والذي ظهر مع السلطة الفلسطينية وارتبط بها ،وصل إلى حافة الانهيار الكامل ،سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ،وهي نفس الحالة التي وصل إليها ما يسمى (مشروع المقاومة) الذي تبنته حركة حماس وأحزاب أخرى كبديل للنظام الأول ونهجه . وقبل الاستطراد يجب التمييز بين المشروع الوطني والنظام السياسي .المشروع الوطني تعبير عن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وهو تجسيد للمرجعيات والثوابت المستمدة من العلاقة التاريخية بين الشعب الفلسطيني وأرضه وهي علاقة أكدتها المواثيق والقرارات الدولية كحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه وحقه بدولة مستقلة ،كما أن المشروع الوطني مشروع الكل الفلسطيني والتوافق الوطني وليس مشروع حزب بعينه ولا يجوز أن يكون لكل حزب مشروعه الوطني ،أما النظام السياسي ،سواء كان منظمة التحرير أو السلطة ،فهو أداة مؤسساتية لتحقيق هذا المشروع ،وأي خلل في الأداة قد يُعيق انجاز المشروع الوطني ولكنه لا يلغيه . وعليه فإن الخلل يكمن في النظام السياسي بمؤسساته ونخبه الحاكمه وليس في المشروع الوطني مشروع كل الشعب الفلسطيني . فكيف نتحدث عن نظام سياسي عندما : تستسلم مكونات النظام السياسي الفلسطيني لواقع الانقسام بل وتقبل بتقاسم جغرافي بينها ،تغيب استراتيجية وطنية لمقاومة الاحتلال بل ويتم التخلي عنها عملياً باتفاقات هدنة أو بالتنسيق الأمني ،عندما تتآكل منظمة التحرير وتموت ببطء و يتم تهميش وتجاهل نصف الشعب في الشتات ،عندما يتم حل المجلس التشريعي ،عندما يتم محاصرة السلطة الوطنية وتجريدها من مهامها الوطنية وتحويلها لمجرد مؤسسة تتكفل بتدبير أمور الحياة المعيشية اليومية للشعب في ظل الاحتلال ودون أن تستطيع منع إسرائيل من هدم منزل أو إقامة مستوطنة أو مصادرة بيت أو اعتقال مواطن حتى داخل مناطق نفوذها ،وعندما يصبح مقاتلو حركة حماس حرس حدود للحفاظ على بقاء سلطة حركة حماس في قطاع غزة الذي خرجت منه إسرائيل وفصلته عن بقية مناطق السلطة خدمة لمصالحها الاستراتيجية ؟ . وكيف نتحدث عن نظام سياسي عندما :تتفكك المنظومة القيمية وتتضعضع الهوية الوطنية الجامعة ،وينهار النظام الاقتصادي وتصبح الحكومة مفلسة وأوشكت أن تفلس معها البنوك الوطنية ،وعندما يصبح الاهتمام الشعبي منصباً على قضايا ثانوية مثل رواتب الموظفين ونسبتها ورواتب الوزراء وفضائحها ،المساعدات القطرية كم قيمتها ومتى تصل وما مقابلها ،مخصصات الشؤون الاجتماعية ،هجرة الشباب وحديث التهجير الجماعي ،أموال المقاصة مع إسرائيل ،حالات الفقر والتسول في قطاع غزة ؟ . وكيف نتحدث عن نظام سياسي مع تراجع وضعف مؤسسة القيادة بحيث لم يعد احد يعرف مَن يتخذ القرار وكيف يتم اتخاذه ،وهل مرجعيته وموئله منظمة التحرير أم السلطة أم حركة فتح أم نخبة خفية تعمل بصمت وكل المؤسسات السابقة فقط للتغرير والخداع وإيهام الشعب بوجود نظام سياسي وقرار وطني ؟وهل القرار الوطني ما زال وطنيا ؟. وكيف نتحدث عن نظام سياسي هدفه إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة عاصمتها القدس بينما أراضي الضفة تُهود وتُزرع بالمستوطنات كل يوم والقدس أصبحت خارج إشراف السلطة الوطنية وصيرتها إسرائيل عاصمة لها وواشنطن تشرعن الاستيطان دون أن يستطيع النظام السياسي الرد إلا ببيانات التنديد والاستنكار ،أما غزة فأصبحت كيانا ونظاما سياسيا قائما بذاته خاضع لتوازنات وأجندة إسرائيلية وإقليمية ودولية ؟ . عندما تصل الأمور إلى هذا الحد فعن أي نظام سياسي نتحدث ؟ وعن أية حركة تحرر وطني أو مقاومة إسلامية نتحدث ؟ . الأمور تجاوزت مرحلة الحديث عن أزمة النظام السياسي وأصبحنا أمام انهيار للنظام السياسي . إن كل ما يتواجد الآن في الساحة الفلسطينية من أحزاب وحركات ونخب سياسية ،بما فيها منظمة التحرير بكل فصائلها وحركتي حماس والجهاد الإسلامي ، وصلت لطريق مسدود من حيث برامجها وشخوصها ومؤسساتها ، بحيث أصبح عاجزاً عن الفعل بل حتى عن ردة الفعل التي أصبحت تقتصر على بيانات تنديد واستنكار ممجوجة وسخيفة ردا على كل جريمة صهيونية أو مناشدة العالم بالتدخل لوقف إسرائيل عن غيها أو اتخاذ قرارات لا تُنفذ ؟. صحيح ،إن طول عمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وسرعة التحولات والأحداث العربية والإقليمية والدولية انعكست سلباً على مجمل القضية الفلسطينية وعلى النظام السياسي ،ولكن هذا لا يبرر استكانة الطبقة السياسية واستسلام النظام السياسي لهذه المتغيرات السلبية . علينا الاعتراف ،بدون مجاملات أو حسابات تعودنا لسنوات أن نأخذها بعين الاعتبار مثل عدم الترويج لليأس والإحباط وأن هناك انجازات دبلوماسية للقيادة والسلطة وانتصارات تحققها المقاومة المسلحة يجب عدم نكرانها الخ ،يجب الاعتراف بأن النظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته وصل لطريق مسدود بل نقول قد فشل ،واستمراره حتى الآن لا يعود لأنه يحقق انجازات أو يمكنه تحقيقها أو لأن الشعب قابل وراض عنه بل لأن إسرائيل وأطراف أخرى مستفيدة من استمراره بالحالة التي هو عليها ،ولأن النخب الحاكمة والنخب الهامشية التابعة لها في الضفة وغزة مستفيدة من بقاء الأمور على حالها ولو على حساب المصلحة الوطنية . ولأن فشل النظام السياسي لا يعني بأي شكل من الأشكال بأن القضية الفلسطينية غير عادلة أو أن الشعب تخلى عن حقوقه الوطنية المشروعة حيث غالبية دول العالم تقر بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه وحقه بدولة مستقلة ،كما أن الشعوب العربية ما زالت تؤيد عدالة القضية وإلا كانت كل الدول العربية طبعت علاقتها رسميا وعلنا مع إسرائيل ،كما أن فشل النظام السياسي لا يعني فشل المشروع الوطني التحرري وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره السياسي على أرضه ... فإن المطلوب إعادة بناء وتأسيس نظام سياسي بنهج جديد وعقلية جديدة وشخوص جُدد ،وهذا لن يتم على أيدي أحزاب وقوى النظام السياسي الراهن ،وإن كان لهؤلاء دور أو يريدوا أن يلعبوا دوراً وطنيا فهو ألا يكونوا عائقاً أمام استنهاض المشروع الوطني وولادة نظام سياسي جديد وأن يساعدوا على ذلك من خلال انتخابات شاملة لا تقتصر على منافسة بين حركتي وفتح وبقية الفصائل المتواجدة لأنه إن حدث ذلك فلن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الفشل سواء فازت حركة فتح أو حركة حماس . إن لم يتم إعادة بناء النظام السياسي جذريا سيظل الشعب الفلسطيني في حالة تيه وضياع ،حتى ما تم إنجازه تاريخياً بدماء الشهداء ومعاناة الأسرى والجرحى سيتبدد مع مرور الوقت ،وقد تنجح تل أبيب وواشنطن في تنفيذ مخططاتهم المعادية سواء من خلال صفقة القرن أو غيرها من التسويات أو من خلال استمرار سياسة فرض الأمر الواقع كما جرى ويجري بقضايا القدس والاستيطان واللاجئين والانقسام .
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أفول نظرية القيادة الكاريزمية
-
استشهاد أبو دياك وتراجيديا الأسر والشهادة
-
حركة فتح وتحدي الانتخابات العامة
-
شرعنة الاستيطان شرعنة للاحتلال وانقلاب على الشرعية الدولية
-
غزة لا تحتمل كل هذا العبث المميت باسم المقاومة
-
في ذكرى وفاة أبو عمار ،من يجرؤ على الكلام ؟
-
الانتخابات والمصالحة والدوران في حلقة مفرغة
-
لا قيمة لانتخابات إن لم تُجدِّد الطبقة السياسية
-
السيبرانية السياسية :علم السياسة في زمن الثورة المعلوماتية
-
مقاربة سسيوتاريخية للحراك الشعبي في لبنان
-
الانتخابات وحدها لا تكفي
-
الانتخابات الفلسطينية :الشعب يريدها والأحزاب تتهرب منها
-
حول المسألة الانتخابية في فلسطين
-
الوجه الآخر لتركيا
-
ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس
-
كيف ومن أين أتى محمد دحلان بأنصاره ومؤيديه ؟
-
المثقفون الفلسطينيون بين اكراهات المكان وواجب الإنتماء ( ادو
...
-
التضليل في مصطلح المشروع الاسلامي
-
النخب السياسية الفلسطينية ما بين الجهل والتواطؤ
-
قراءة تفكيكية لمصطلح (المقاومة) وعلاقته بالممارسة
المزيد.....
-
فيديو مراسم ومن استقبل أحمد الشرع عند سلّم الطائرة يثير تفاع
...
-
نانسي عجرم وزوجها يحتفلان بعيد ميلاد ابنتهما..-عائلة واحدة إ
...
-
-غيّرت قراراتنا في الحرب وجه الشرق الأوسط-.. شاهد ما قاله نت
...
-
ماذا نعلم عن الفلسطيني المقتول بالضربة الإسرائيلية في الضفة
...
-
باكستان: مقتل 18 جنديا و23 مسلحا في معركة بإقليم بلوشستان
-
واشنطن بوست: إسرائيل تبني قواعد عسكرية في المنطقة منزوعة الس
...
-
قتلى وجرحى في غارات جوية إسرائيلية في الضفة الغربية
-
أحمد الشرع إلى السعودية في أول زيارة له خارج البلاد
-
ترامب يشعل حربا تجارية بفرض رسوم تجارية على كندا والمكسيك وا
...
-
-الناتو- يطالب ألمانيا بزيادة الإنفاق على الدفاع
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|