|
الشكل وحدود النص الشعري
عادل بدر
الحوار المتمدن-العدد: 1562 - 2006 / 5 / 26 - 10:26
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ليست القصيدة العربية القديمة مفككة كما قد تبدومتعددة الأغراض بل شغل العربي بموسيقاها واصبح ينفعل لكل بيت ، ويستجيب لوزنه وإيقاعه ، فالشاعر لشدة اعتزازه بموسيقاها قد أحلّ نفسه من وحدة المعنى فيها ، مكتفياً بوحدة الوزن والقافية (وهذا يدل على اهتمامه الموسيقي ) . وإن تحديد الشعر بالوزن والقافية اخذ يضطرب وقد نشأ ميل إلى التشكيك في أن يكون مجرد الوزن والقافية مقياس للتمييز بين الشعر والنثر ، فهو عنصر من عناصر متعددة0 غير أن هذا لا يعني رفض الوزن والقافية أو التخلي عنهما إنما يعني أنهما لا يمثلان وحدهما حصراً للشعرية ولا يستنفدانها وأن هناك عناصراً شعرية غيرهما ، و أصبحت المسالة شعراً أو لا شعراً . وقد تنبه الفلاسفة المسلمون إلى دور الوزن الشعري ،فهو عندهم ليس الذي يميز جوهرياً بين الشعر والنثر ، وحجتهم في ذلك ان هناك أقوالاً موزونة ولا تعد شعراً فليس للوزن نفس القيمة التي تتمتع بها المحاكاة ( التخييل ) وفاعلية التخييل لا تنفصل عن البنية الإيقاعية فلا قاعدية للوزن و شعرية النثر لا تجئ من الوزن والقافية بالضرورة ، وإنما تجئ من النظم ، ويعني النسق الذي تأخذه الكلمات . وهذا ما يطلق عليه طريقة الأداء . وهناك ملاحظة و هى أن المحدثين قد اتخذوا من عيوب " علم العروض" وقصور مقاييسه عن الكشف عن أسرار الشعر الموسيقية ،عيوباً للنظام الموسيقي للشعر القديم نفسه ، في أقوال كثيرة ومتنوعة .ووفق هذا المنظور تصبح مسألة الوزن والقافية ،مسألة تاريخية ومسألة ترتبط بجانب محدود من الإبداع الشعري ،لا بشموليته أو به كرؤيا كلية . إذن من البداهة والصحة ،القول إن بإمكان اللسان العربي أن يتجسد شعراً في بنية كلامية غير بنية الوزن والقافية ،أو إلى جانبها ؛"وهذا مما يوسع في الممارسة ،حدود الشعر في اللسان العربي ،وحدود الحساسية الشعرية ،وحدود الشعرية 0 والواقع أن الوزن في الشعر لا يمس الشكلية فحسب ،ولكنه يمس كذلك جوهره ويرتبط بمضمونه ،كما يرتبط بشكله . وفي رأي الدكتور "محمد النويهي " إن القصائد الجيدة يجب أن يحكم عليها بمقاييس شكلية جديدة تستمد من القصائد نفسها ،وتراعي ما يستهدفه منشئها " و على هذا المقياس يستخدم الإيقاع فى الشكل الجديد من حيث مدلوله العروضى ، لا من حيث شموليته ، و من هنا فقد اهتم الشعر بالوزن دون الإيقاع ؛ و ساعد على ذلك أن طبيعة اللغة العربية ذاتها ساعدت على ذلك الفهم ، فالأساس فى البناء الموسيقى للكلمة على المقاطع دون الالتفات الى الصفات الخاصة التى تميز الحركات بعضها عن بعض . إن الإيقاع هو النظام الذى يتناوب بموجبه مؤثر ما ( صوتى أو شكلى ) أو جو ما ( فكرى أو روحى ) ، ( حسى أو سحرى ) و هو كذلك صيغة لعلاقات ( التناغم ، التعارض ، التوازى ، التداخل ) فهو – إذن – نظام أمواج صوتية و معنوية و شكلية ، ذلك أن للصورة إيقاعها كما للقصيدة – بصفة عامة ايقاعها " فإن القيمة الجوهرية لمفهوم الإيقاع أنه ليس ملزما على نحو أقنومى ، بل هو عنصر دلالى بالغ الإتساع ، بحيث يمنح الشاعر أكبر مساحة ممكنة من الحركة و الفعل الشعريين غير متقيد بكيان شكلى معد سلفا " . و الحق أن أنه واحد من تلك الظواهر التى يصعب تعريفها لا لشىء إلا لكونها مألوفة ، ولأن تأثيرها فيا ملموس بلا انقطاع .إن لغة الشعر تنظيم اللغة العادية على المستوى الصوتى للغة و الصرفى و النحوى و الدلالى . فالعلاقات داخل النص الشعرى عقلية حسية و لا تكفى الحواس لإدراكها ، بل تحتاج كذلك إلى الفكر فالكلمات نفسها مبنية بناءا مزدوجا " إنها أصوات تعتبر رموزا للمعانى ، و هى أيضا تعتبر أصواتا " و تنظيم هذه الأصوات بمعانيها بطريقة غير عادية هو ما يقدم لنا الشعر ، و فى داخل النظام ( الإيقاع ) ليس هناك اتجاه ثابت بل أكثر من اتجاه ، اتجاه يحفظ على أسس النظام و يدعمه ، و اتجاه يثور على هذا التدعيم و يحطمه ،فجوهر النظام الشعرى هو الصراع بين عناصر الثبات و التغير ؛ فهناك تأسيس لنمط ايقاعى ثم ثورة و انتهاك لهذا النمط . إن البنية الشعرية لاتبدو في بساطة تلك الظلال الجديدة لدلالات الألفاظ ،بل إنها تكشف الطبيعة الجدلية لهذه الدلالات ،وتجلو خاصية التناقض الداخلي في ظواهر الحياة واللغة الأمر الذي تعجز وسائل اللغة العادية عن التعبير عنه،والشعر العربي يجمع بين النسق والخروج على النسق ،وهي سمة مشتركة في الشعر على مختلف أنواعه ،بل لعل لها نظائر في غير الشعر من الفنون ،فالفنون التعبيرية تحاكي الحياة الإنسانية،وهي ليست انتظاما خالصا ،بل تجمع بين الانتظام والاضطراب . فالخروج على النسق له وظائف في الشعر وفي غيره من الفنون ، فهو يقاوم ذلك الخدر الناشىء من التكرار المنتظم "؛فيثير الانتباه واليقظة ،ويدعم الجانب الفكري في مواجهة الجانب الحسي ،ويجعل العمل الفني أقدر على التعبير "
#عادل_بدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإيقاع : بنية الاختلاف بين النظام واللانظام
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|