محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6426 - 2019 / 12 / 2 - 15:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاطار القانوني لحكومة تصريف الأعمال
في ضوء استقالة الحكومة العراقية
في التاسع والعشرون من تشرين الثاني لعام 2008، أعلن السيد عادل عبد المهدي رئيس مجلس الوزراء العراقي استقالة حكومته من خلال رسالته التي قرئها في اجتماع مجلس الوزراء العراقي في اليوم الثلاثين من نفس الشهر، ونشرتها وسائل الاعلام المختلفة، وفقاً للاسباب والمبررات التي وردت فيها، حيث قدمت الى مجلس النواب العراقي وليس رئيس الجمهورية باعتبارها السلطة التشريعية التي كلفته بهذه المهمة التنفيذية، وقد صادق مجلس النواب في اليوم الاول من كانون الاول على قبول الاستقالة.
أن الدستور العراقي لم ينظم موضوع في استقالة رئيس مجلس الوزراء، لذلك يجب الرجوع إلى القوانين واللوائح التنظيمية الأخرى، حيث بين الدستور في المادة 85 أنه “يضع مجلس الوزراء نظامًا داخليًا، لتنظيم سير العمل فيه”، وبالرجوع إلى النظام الداخلي لمجلس الوزراء، رقم 2 لسنة 2019، فإن المادة 18 منه تنص على أنه “يقدم رئيس الحكومة طلباً بإعفائه من منصبه إلى رئيس الجمهورية”. ويعتبر رئيس مجلس الوزراء مستقيلًا، وكذلك تشكيلته الوزارية، وهذا يعني قبول استقالته بمجرد أن يقدم طلبًا مكتوبًا إلى رئيس الجمهورية، ولا يحتاج إلى موافقة الأخير، لكن الذي حصل حالياً هو ان تقدم رئيس الحكومة إلى مجلس النواب، لتقديم استقالته، وهنا لايجوز للبرلمان قبول استقالة عبد المهدي، وإنما سحب الثقة منه، بموجب البند الثامن من المادة 61 من الدستور، والتي تنص على:
1- لرئيس الجمهورية تقديم طلب إلى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
2- لمجلس النواب، بناءً على طلب خُمس (1/5) أعضائه، سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولا يجوز أن يقدم هذا الطلب إلا بعد استجواب موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، وبعد سبعة أيام على الأقل من تقديم الطلب.
3- يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، وتُعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية، لمدة لا تزيد عن ثلاثين يومًا، إلى حين تشكيل مجلس الوزراء الجديد، وفقًا لأحكام المادة (76) من هذا الدستور.
في ضوء ماورد من نصوص دستورية، فقد أصبحت الحكومة العراقية الان حكومة تصريف أعمال أو حكومة تسيير الأعمال، كما تسمى في الاعراف القانونية الدولية، وهي حكومة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف الأمور في بعض الأوقات قد تكون مرحلة انتقالية أو انتخابات أو ظرف طاريء حال دون تاسيس حكومة جديدة أو تأخرها ولا يحق لهذه الحكومة البت بالامور المهمة والمصيرية، أو تعرف حكومة تصريف الاعمال بانها تلك الحكومة المتحولة من حكومة طبيعية بكامل الصلاحيات, الى حكومة محدودة بصلاحياتها، ذلك الامر بسبب ممارسة دستورية ناجمة عن واقع سياسي جديد يتمثل اما باستقالة الحكومة او باعتبارها بحكم المستقيلة بتوافر لاحدى شروط الاستقالة والمنصوص عنها في الدستور العراقي.
هناك مبدأ دستوري هام جدا يقضي بضرورة استمرار الادارة والمرافق العامة في الدولة والذي يعد مبدا مؤسس وأساسي لنظرية تصريف الاعمال هذه الحالة الواقعية , حيث انه لا فراغ في السلطة .
وبين اصحاب الشأن القانوني، بإن وزارة تصريف الأعمال هي وزارة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف الأمور لمدة محددة من الوقت ، لفترة ما بعد سحب الثقة من الوزارة أو بعد إنتهاء الوجود القانوني للبرلمان والقيام بالانتخابات أو ظرف طارئ حال دون تشكيل الوزارة الجديدة أو تأخرها، ولا يحق لهذه الوزارة البت في الأمور ذات الطبيعة المستقبلية والمصيرية، ويقتصر عملها في العاجل من شؤون الوزارة، واختصاصاتها محدودة، فلا يحق لها القيام بمبادرات وأعمال ذات نتائج سياسية، وأبرز مهامها تصريف أمور الوزارات المختلفة بالحد الأدنى من الاستمرارية الإدارية ، ولتسيير مصالح المواطنين.
لقد تبنى المشرع العراقي مصطلح وزارة تصريف الامور اليومية بدلاً من حكومة تصريف أعمال بإعتبار الحكومة تتكون من رئيس الدولة والوزارة في النظام البرلماني التقليدي والمقصود في هذا النص هو الوزارة التي تتكون من رئيس مجلس الوزراء والوزراء، واستخدم المشرع مصطلح "تصريف الامور اليومية" والذي يعكس توجهاً يميل بإنتقاص واضح وصريح من صلاحيات هذه الوزارة ، أي إن الوزارة معنية في تمشية الأمور اليومية فقط ، وبما يؤمن السير المنتظم للمرافق العامة لمؤسسات الدولة، وليس لها إختصاصات في الامور ذات الطابع المستقبلي والمصيري وبهذا ميز الدستور بين الوزارة كاملة الصلاحيات التي حدد اختصاصاتها ووزارة تصريف الامور اليومية ذات الاختصاصات المحدودة.
تطرق الدستور العراقي لعام 2005 الى وزارة تصريف الامور اليومية في مادتين مستقلتين، وهما:
1- المادة 61، ثامناً د : ( في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله ، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية لمدة لاتزيد على ثلاثين يوما الى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة(76) من هذا الدستور).
أن هذا النص يتضح عند حالة سحب الثقة من الوزارة تتحول الى وزارة تصريف الامور اليومية حتى تشكيل الوزارة الجديدة، وبالعودة الى المادة 76 من الدستور ان المهلة الزمنية لترشيح رئيس مجلس وزراء جديد وتسمية الوزراء، هي خمسة وأربعين يوما، وهذه مدة وزارة تصريف الامور اليومية، تكون هذه الوزارة عمليا غير خاضعة لمراقبة مجلس النواب.
2. المادة 81 ، اولاً : يقوم رئيس الجمهورية ، مقام رئيس مجلس الوزراء ، عند خلو المنصب لأي سببٍ كان.
منح الدستور العراقي رئيس الجمهورية الحلول محل رئيس مجلس الوزراء عند شغور المنصب لأي سبب كان( الاستقالة ، العجز، الوفاة) ، ليقوم بعدها بتكليف مرشح اخر بتشكيل الوزارة.
في هذا الشأن، بين د. محي الدين الشحيمي، وهو استاذ في جامعة السوربون - باري دو، دراسة شاملة، حول مفهوم حكومة تصريف الأعمال، وحول نموذج استقالة الحكومة اللبنانية، وممكن تكييفها على الحكومة العراقية المستقيلة لتقارب النظام السياسي للحكم في الدولتين أي النظام البرلماني.
بني النظام البرلماني العراقي على ركيزة محورية مفادها مسؤولية السلطة التنفيذية أمام مجلس النواب العراقي أي لعملية ربط ممارسة الحكومة لصلاحياتها بحصولها على ثقة مجلس النواب ولما كانت هذه الثقة لا تتجسد فقط عند منحها هي , بل انها تمتد بمفاعيلها لتشمل عمر الحكومة برمته, فلابد أذن تترافق ممارسة السلطة هذه الحكومة بدوام مسؤوليتها أمام السلطة التشريعية. لذلك عند استقالة الحكومة, أو إعتبارها مستقيلة تضمحل هذه المسؤولية وتنتفي وتنتهي حكما هذه الرقابة , حيث تصبح الحكومة خارج الرقابة السياسية للسلطة التشريعية ويفقد البرلمان قدرته على سحب الثقة من الحكومة , اذ ان الحكومة هي مستقيلة أو معتبرة كذلك ، ندخل هنا عندئذ بالمرحلة الانتقالية والواقعة بين استقالة الحكومة وتأليف الحكومة الجديدة ومنحها الثقة, والتي تعرف بحكومة تصريف الأعمال أو بمعنى آخر تصريف الامور الجارية .
أن مبدأ تصريف الاعمال هو نتيجة لمبدأ دستوري , وهو استمرارية المرفق العام ,والذي يجب أن لا يتوقف عن العمل لارتباطه بتسيير المصالح العامة للمواطنين, وأحوال المجتمع وهذا هو حق مكتسب, حيث بين الدستور العراقي على إنه في حالة إستقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة , تستمر في تصريف الاعمال, ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة , لان الحكومة في مرحلة تصريف الاعمال لا تعود مسؤولة سياسياً امام مجلس النواب , وعلى الوزارات ممارسة النشاط الذي يدخل في مفهوم تسيير الشؤون الضرورية ذات الصلة بالمصلحة العامة , وذلك من دون اتخاذ قرارات من شأنها تحميل الحكومة مسؤولية سياسية اي اتخاذ اية قرارات مبدئية تؤثر بالمالية العامة, وتستثنى من ذلك حكماً الاعمال والتي تدخل في مفهوم الضرورة , او في حصول تطورات وظروف استثنائية , عند ذلك تستطيع الحكومة اتخاذ اجراءات وقرارات لمواجهة تلك الظروف حصرا ولمعالجة حالات الضرورة .
وقد بين النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم 2 لسنة 2019 الصادر بقرار مجلس الوراء رقم 83 لسنة 2019 ، على مايلي:
المادة - ٤٢ - أولاً: يستمر مجلس الوزراء في تصريف الأمور اليومية للدولة الى حين تشكيل
الحكومة الجديدة في الحالات الاتية :
أ. انتهاء الدورة الانتخابية لمجلس النواب .
ب. سحب الثقة من مجلس الوزراء أو رئيسه .
ج. حل مجلس النواب .
ثانياً: يقصد بتصريف الأمور اليومية : إتخاذ القرارات والإجراءات غير القابلة للتأجيل التي من شأنها استمرار عمل مؤسسات الدولة والمرافق العامة بانتظام واضطراد ، ولا يدخل من ضمنها مثلاً اقتراح مشروعات القوانين أو عقد القروض أو التعيين في المناصب العليا في الدولة والإعفاء منها أو إعادة هيكلة الوزارات والدوائر .
#محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟