|
وجد إسلاماً و لم يجد مسلمين ، ياللهول !
أمجد المصرى
الحوار المتمدن-العدد: 6425 - 2019 / 12 / 1 - 05:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من المأثور عن الإمام محمد عبده أنـــه عندما ذهب إلى مؤتمر باريس عام ١٨٨١ ثم عاد من هناك إلى مصر، قال قولته الشهيرة " `هبت للغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين ، ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكننى لم أجد إسلامًا " .
هذه المقولة انتشرت وشاعت وصارت ترددها الألسنة كما تردد المرويات عن الصحابة و التابعين ، و ذلك دون أن يتوقف أحد عند هذه العبارة لمحاولة مراجعـة معناها ومغزاها و أثرها على سامعها و قارئها . الأرجح أن الإمام محمد عبده كان يقصد أن الفرنسيين كعينة ممثلة لشعوب أوروبا غير المسلمة تحكم سلوكياتهم قيم أخلاقية رفيعة كالصدق و الأمانة و النظام و النظافة و الإخلاص والإتقان في العمل وقبول الآخر .. إلخ . لكنه عندما عاد إلى مصر وزار غيرها من بلاد العرب ، فقد لاحظ إنتشار القيم السلبية المناقضة لتلك القيم الرفيعة و التى كان قد رصدها بأوروبا ، ومن ثمًّ عقد محمد عبده تلك المقارنة بين أخلاق الأوروبيين وأخلاق المسلمين ، فـأعلـن وفق إنبهاره كشيخ أزهرى ريفى بما رآه من نهضة و تنمية و حضارة بأن الأوروبيين قد تخلّقوا بأخلاق الإسلام فى معاملاتهم وأعمالهم فأفلحوا على حين ظل المسلمون بعيدين عن أخلاق دينهم ففشلوا و تخلفوا
و لنطرح هنا بعض الأسئلة عن مقولة الشيخ لعل الصورة تتضح
أى إسلام ذلك الذي وجده هناك ؟ هل وجد أربع زوجات لكل رجل ؟ هل وجد المرأة هناك بنصف إرث و نصف شهادة ؟ هل وجد من يعطل مصالح الناس بترك عمله يومياً خلال الدوام من أجل الوضوء و الصلاة ؟ هل وجد في الغرب من يحرِّم فوائد البنوك و يعتبرها ربا ؟ ، الناس ههنا و بعد مرور 140 سنة على مقولته الشهيرة مازالوا يسألون نفس السؤال و يتوجسون نفس التوجس ، و ها هو مفتى الديار المصرية الحالي يجيز للمصريين المسلمين إيداع أموالهم بالبنوك و الحصول على فوائدها الحلال ، و لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
https://www.elwatannews.com/news/details/4428730#hpchoice
إذا صح أن الشيخ محمد عبده قد قال هذه العبارة فنكون أمام خطأ كبير أوقع نفسه فيه و أوقع الكثيرين معه ، فهو بالتأكيد قد أخطأ التفسير و أساء التأويل ، فتغافل - عن أن الذى وجده من صلاح حال الأوروبيين لم يكن الإسلام مصدره ، كما لم يكن فشل المسلمين لغياب تطبيق تعاليم الإسلام الحنيف
لم يدرك الإمام محمد عبده أن سبب رقى أخلاق الأوروبيين و تفانيهم فى العمل قد كان مرجعه حرصهم على إحترام القانون الذي يخضع له الوزير والخفير على السواء ، لذلك فلم تطغى المصلحة الشخصية على المصلحة العامة للمجتمع ، و لم تضع الحقوق
كما فاته أيضاً أن الإسلام مطبق بحذافيره بمصر وبلاد العرب ترعاه الدول و تصونه على خير وجه بموجب دساتيرها وقوانينها و برلمانها و إعلامها و مؤسساتها الدينية كالأزهر بمصر . كما لا يخلو شارع بإتساع الأمة العربية من مسجد يرتفع به صوت الأذان و خطب الجمعة بفعل مكبرات الصوت ، كل مسلم فى بلاد العرب يصلي ويصوم ويزكي ويحج و ينطق الشهادتين إذا ما دعا الداعى ، و تنطلق تكبيرات بعض الجماعات والميليشيات المتطرفة أثناء ذبح و قتل و تفجير مَن يحسبونهم ظُلماً من الكفّار كما فى حالة داعش و القاعدة و النصرة و طالبان و بوكو حرام و باقى جماعات الإرهاب . لم يقصر أحد فى أداء الفريضة و معها السنن والنوافل ما استطاع إليها سبيلا
إن الظاهر للعيان بمعظم الدول و المجتمعات الغربية غير الخاضعة للشريعة الإسلامية هو أن الجهد البشري قد أنتج عبر تارخه أنساق فكرية و أخلاقية منضبطة متحضرة ، قد هيأت مناخا صالحا و بيئـة حاضنة للنمو و التطور ، و أفرزت آليات حديثة متطورة لإدارة شؤون الحياة ، و كفالة الحقوق و الحريات للبشر التزمت بها الحكومات و عملت على صونها بمســـــــاواة وعدالة وكرامة و تكافؤ للفرص ، بما أنتج مجتمعات بشرية سوية قادرة على الإنتاج والإبداع والابتكار ، فتوالت النظريات والاكتشافات والاختراعات العلمية المبهرة النافعة للبشرية . و ما صاحب ذلك من إبداعات فى مجالات الآداب والفنون
بينما ظل العقل المسلم أسيراً لانتصار فقهاء المسلمين للنقل على العقل و تقديس النصوص البشرية التي تكتظ بها كتب الحديث ، و الظن بعصمة بعض مشاهير الشيوخ الذين لا يصح الإقتراب من كتبهم و تفسيراتهم و فتاويهم و مواقفهم السياسية بالنقد و التفنيد . لقد صار المسلم العربى مقيداً بأغلال الطاعة والولاء لرجال الدين رغم أحكامهم وفتاويهم الشاذة و دورهم المشبوه فى خدمة الحاكم المستبد
كما لم تحقق المجتمعات المحكومة بشريعة الإسلام إنجازاً علمياً يذكر ، و لم يعد مسموحاً العودة للماضي بغزو المسلمين للبلاد و سبيهم للنساء و استرقاقهم للرجال ، ثم العودة الظافرة بالغنائم والسبايا ، و ذلك بعد إقرار المواثيق الدولية التى تلجم الفاتحين المسلمين عن السطو على منجزات الأمم الأخرى والتكسب بالعنف والعدوان
أما التشدق بعبارة : "إسلام بلا مسلمين ، ومسلمون بلا إسلام" فذلك مما لا يختلف عن مزاعم الإخوان المسلمين و الجماعات التكفيرية بأن تطبيق الشريعة هو شرط صلاح المجتمع ، و ما في ذلك من تزييف واضح لوعى الناس
إذا كان الإمام محمد عبده قد رأى أن مبادئ وتعاليم الإسلام مطبقة بواسطة غير المسلمين، و على العكس من ذلك فى بلاد الإسلام . إذا كان هذا مفهومه وما أراد أن ينقله إلى المسلمين ، فهذا فهم مضلل يؤدى إلى تزييف الوعي ، فيوقع الناس فى اعتقاد واهم بأن الحلول الدينية هى أقصر الطرق واصوبها لإصلاح المجتمعات
لست هنا بصدد التهوين من أهمية الدين ، و لكنى أؤكد على انتفاء العلاقة بين الدين والتدين من ناحية ، و الرقى و حُسن
#أمجد_المصرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإفتاء فى شئون الإطفاء
-
فقه الكراهية
-
الغزوة التركية لأكراد سوريا
-
فى ذكرى نجيب محفوظ
-
صرخة صاحب الزنج
-
صفقة إبليس
-
الأزمة و المأزوم
-
قراءة فى كتاب القوة الناعمة
-
البخارى تحت المجهر
-
فى مثل تلك الأيام منذ ثمانى سنوات
-
العبودية باقية !
-
تاريخنا الذى نباهى به الأمم
-
( الإنسانيون )
-
فى المسألة الانتخابية
-
الحالة المصرية : مخاوف مشروعة
-
حزب مصر الحضارة
-
على هامش غزوة العمرانية - 1
-
نحو دولة مدنية تسمح بالزواج المدنى
-
أين الدولة المدنية ؟
-
مرة أخرى
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|