سفيان جناتي
الحوار المتمدن-العدد: 6424 - 2019 / 11 / 30 - 19:06
المحور:
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية
في الحقيقة ما دفعني الى كتابة هذه السطور هو سذاجة بعض المواقف والنقاشات تجاه انتفاضات الشعوب في المنطقة فالكثير من الرفاق لا يعيرون اهتمام الى كل ما يقع في المنطقة ,أو يتهمون الانتفاضات الشعبية بقصر مطالبها او شيطنتها بمؤامرة من الدعم الامريكي على المقاومة .
يدور حوار صاخب حول الحالة العراقية واللبنانية بين النخب والقوى السياسية داخل العراق وفي المنطقة بشكل عام وفي اغلب النقاشات تحيد عن الجوهر وتتجه صوب الشكل مما يجعل اي نتيجة مشبوهة، وفيها يتم طمس الهدف أو العمل المطلوب وهو العمل وجود شرائح مثقفة تكون قادرة على استثمار اللحظة التارخية لطرح مشروعها الوطني.
والمشكل الأكثر تعقيداً يظهر في غياب العقل الوطني الثوري القادر على احداث النقلة النوعية وطرح متلازمات التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي وسط هذا الغليان الشعبي الغير المسبوق (بدل المشاريع الليبرالية من قبيل المدنية )،فلستم اكثر وطنية من الشهداء والمختطفين والمعتقلين.
ستكون هذه المقالة عبارة عن سرد لأسباب هذه الانتفاضات ,خاصة العراق في افق التممة حول الجزائر ولبنان , والحديث عن العراق لا يستقيم إلا بالعودة إلى فهم ما تعيشه المعاقل التاريخية للرأسمالية .
في كل بنية إجتماعية عبر العصور التاريخية تتعارك وتتشابك مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية في المحاولة الى الظفر بالسُلطة، وليست الحياة الاجتماعية سوى تناقضات أساسها اقتصادي مهما تمظهر شكلها، فالحروالعبد والاقطاع والاقنان والعمال والبرجوازية كانوا في تعارض دائم وحرب مستمرة تارة ظاهرة وتارة مستترة. لا جدال حول أن الصراع الطبقي هو محرك التاريخ، وتخطي البنية لا يكون دون هذا الصراع مهما تمظهر في أشكاله العرقية والطائفية فالأساس يوجد بين القلة القليلة التي تمتلك وسائل الإنتاج وكل مقدرات المجتمع, وطبقات اجتماعية لا تمتلك سوى قوة عملها للبيع وثروتهم نتيجة لبيع هذه السلعة. وعلى أمتداد التاريخ الطويل شهد الإنسان قفزات نوعية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، فالصراع الطبقي جوهره صراعا سياسيا يعبر عن نزوع الطبقات الاجتماعية نحوالسيطرة , لكن هذا لا ياتي فجاة او في هبة واحدة بل هي مراحل مستمرة تساهم في إنضاج الشروط للحظة التاريخية و لكل مرحلة تميزها وأزماتها و مهما كانت التراجعات تكون الأزمات الاقتصادية مقدمات حقيقية للانتفاضات والثورات، والدليل يوجد في أخر أزمة (سنة 2008 ) ,التي حصدت نتائجها أكثر الأنظمة في إفريقيا وامريكا اللاتينية كنتيجة موضوعية لانعكاس المركز على الأطراف انضباطا لقانون التبعية وتحويل الثروة المنتجة من قوة العمل المحلية إلى المركز, وعلى كاهل الأطراف يتم حل الأزمة في المراكز هذا من جهة، ومن جهة أخرى رأى الكل كيف هلل الاقتصاديون بتخطي الرأسمالية لأزماتها, لكن سرعان ما تحطمت وتتحطم كل تصوراتهم فالازمة التي سميت"الرهن العقاري " لم تستطيع الطغمة المالية العالمية تخطيها الى اليوم ببساطة لانها ازمة بنيوية تعششت في البيت العتيق للراسمال فالازمة القائمة والذي ينتظر الكل إعلانها، لا يعرفون البلد فقط من ( هونكونغ، أمريكا،البريكست،الارجنتين وأندونيسيا) هذا حسب مُنظريهم الاقتصاديين وحتى صندوقهم الدولي الذي يتنبأ بتباطؤ النمو الاقتصادي ويتوقع ان سنة 2020 اسوأ مرحلة سيعيشها الإنسان في الألفية الأخيرة . فإستمرار الركود في الاقتصاديات التي قادت العالم في المراحل السابقة تعيش اليوم ركودا اشد عنفا (من 2008), فالاقتصاد الألماني مثلا في تراجع مهول في الربع الأول والثاتي وهم في انتظار الربع الثالث فتسريح العمال في ألمانيا يصل إلى أعداد لم تصل لها الشركات حتى في 2008 فولكسفاغن الألمانية ,قررت في أواخر 2017 تسريح 30000 عامل مع حلول 2020 فيما يتعرض اكبر مصارفها دوتشه بنك إلى تراجعات أدى لتسريح ما يقارب 18000 موظف, أما في اليابان يزداد الركود استفحالا ناهيك عن ايطاليا والتي لم تتخط العجز للسنة الثالثة على التوالي ولم تتعافى من أزمة الديون, أما البر كست فبمجرد الإعلان عن الخروج من الاتحاد الاروبي فهو يعبر عن فشل النظام السياسي في بريطانيا وفي نفس الوقت يضع الاتحاد الأوروبي والاقتصاد الاوروبي كقنبلة التي لا نعرف عنها شيئ, إلى جانب كل هذا تتضخم ديون الشركات الكبرى وأي ركود سيكون كارثة على الاقتصاد الرأسمالي حسب النخب البرجوازية, إضافة إلى الصراعات التي تقع بين الصين وامريكا وكذلك في فرنسا والمانيا وإيطاليا . فالحرب التجارية بين الصين وأمريكا تزيد من تعميق الصراع حتى من داخل البيت البيض, والذي تمثل في حلف ترامب والمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهذا الصراع هو جزء من الأزمة القائمة المتمثل في جوهره بين مشروع مشروع الصين الذي ينافس المشروع الأمريكي ,وله وزره في هذه الأزمة الذي يتوقع الخبراء تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي الى 3.6 في الربع الثالث والرابع من 2019.
أما الصين بدورها تعيش تباطؤ النمو الاقتصادي الى 6.2 وهو اضعف رقم منذ 28 سنة تحديداً، والديون العالمية في العشر سنوات الاخيرة تسجل زيادة %50، ووصل الى 100 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى له في التاريخ, فحجم الدين العالمي يعادل حسب إحصاءات العام 2017 225% من الناتج الإجمالي , فالناتج الإجمالي حوالي 75 ونصف تريليون دولار، والشركات الكبرى عينها مدانة ب 68 تريليون دولار اما الشركات المالية فعليها 58 تريليون دولار.مما يجعل المركز الرأسمالي أكثر وحشية في استغلال مقدرات الأطراف , وهذا ما يجعل المنطقة تعيش انتفاضات مستمرة. أليست هذه الظروف كافية لتجعل المنطقة الصفيح الساخن من الجزائر إلى السودان إلى لبنان والعراق ( مع الاختلافات ) ؟ هل هذه الانتفاضات انفجار موضوعي للتناقضات الداخلية ونتيجة انعكاس ازمة المركز في الاطراف، أم هي مؤامرة من الصهيوأمريكية من جديد ؟.
فالسؤال أعلاه يعود بنا للماضي القريب حينما كانت العراق على ابواب البناء الوطني وكانت فعلا محاولة جادة لبناء مشروع وطني قومي يكون له اثر على المنطقة جمعاء, حيث كانت العراق متقدمة في العديد من المجالات سرعان ما تحولت الى بلد منقسم على 100 شعاب حسب مصالح كل الأطراف الداخلية والخارجية, حتى مناطق النفط وابار النفط مقسمة حسب الطوائف والنصيب الاكبر للولايات المتحدة الأمريكية، العدو التاريخي للمنطقة ,تم وأد مشروع العراق كما تم وأد مشروع مصر فكان الغزو الامريكي سنة 2003 نتيجة للعديد من المحاولات, والبداية كانت في التسعينات فكان الغزو تحت شعارات التحرير ونشر الديمقراطية, إلا أننا لم نرى غير التدمير والقتل والمجازر بعناوين تختلف حسب الازمان تارة باسم دواعش وتارة باسم المندسين والعملاء الأنطمة مثل تركيا والسعودية دون ان ننسى الصهيوامريكا التي تحرك هذه الانظمة لقتل شعوب المنطقة ومنها الشعب العراقي انها ادوات عميلة في يد البنك الدولي وصندوق النقد الولي الواجهات الأمامية للاستعمار .
فالانتفاضة العراقية بدأت فعليا في (شباط )فبراير 2011 وقد مرت 8 سنوات مثقلة بالالم والمعاناة وانعدام الافق والحروب الطائفية وتجويع وبطالة إلى تهجير جماعي, وسيادة جماعة الإسلام السياسي على ارض الرافدين مما ادى الى تدهور شامل من حقوق الطفل الى قطاعات التعليم والصحة وتراجع مهول في وضع النساء، أدى الوضع الى بناء مليشيات ارهابية مارست كل جرائمها من 2011 الى اليوم ابرزها اغتيال معارضين وقتل النساء في وضح النهار, وإعدام شاعر عراقي صاحب قصيدة " نحن شعب لا يستحي" وتدمير حياة الفتيات القاصرات بتزويجهن قصرا, وساد الفكر الديني والعصابات الاسلاموية, فالدولة التي شكلتها امريكا في 2003 نموذج حقير رجعي, قسم المجتمع على أسس الدين والطائفة والعرقية.فاستفحلت شروط هذا النظام فبات من الغير الممكن ترميم النظام السياسي مع الجماهير في العراق, فتراكمات الأخطاء الكارثية لوصفة امريكا التي حاولت بناء نظام يضرب قوة العراق وضرب لحمته الوطنية ليسهل ترويضه, ومن ثم السيطرة على مقدراته وما كانت 2011 الا محطة نضالية في تاريخ الشعب العراقي راكمت الى ما تعيشه العراق اليوم ,ووصفها النظام المالكي بالعبثية والارهابية قد تم قمعها ومن تم جاءت مظاهرة سنة العراق والتي طالبت باطلاق السجناء وعدم التهميش وجاءت مظاهرة البصرة عام 2018 لتدق ناقوس الخطر على أمراء الطوائف ومن يمسك بزمام السلطة. فتم وأدها وماكانت أحداث مظاهرة اكتوبر سوى نتيجة لزمن طويل من التفقير والاستعمار المباشر, فلقد فتحت هذه الانتفاضة صفحة جديدة في تاريخ الشعب العراقي ومنذ البداية كانت الشعارات واضحة اجتماعية وسياسية منها بحيث تمحورت حول اسقاط السلطة الطائفية والأحزاب السياسية الموالية لها, قبلت بأبشع أنواع القمع والإبادة الجماهرية مما جعل السلطة عارية وتبين للجماهير وللعالم ان السلطة الطائفية عميلة امريكا وإيران ولا علاقة لها بالوطنية لا من قريب ولا من بعيد فكانت نتيجة القمع والبطش استشهاد ما يزيد عن 445 شهيد و6000 جريح والمئات من المعتقلين وتم حجب شبكة الانترنيت بهدف اخفاء الجريمة .
ففي الأصل تشكلت الطغمة الحاكمة في العراق مأزومة فنهبت وسرقت المال العام وثروات العراق، إن حجم الفساد وصل الى أرقام قياسية (13000 ملف فساد بدون أي محاسبة اوعقاب حسب إحصائيات هيئة النزاهة) ولم تستطع حكومة عبد المهدي السفاح فتح هذه الملفات لانها غارقة في الفساد هي وكل النخب السياسية حليفتها فقد اعلنت من قبل نائبة في البرلمان العراقي أن مجموع الاموال المسروقة من الميزانية حتى 2016 لتصل الى 312 مليار الدولار هذا فقط ما هو ظاهر وناهيك عن السنوات التي تلت 2016 .
فالنسب وحدها تبين ما آلت أليه العراق، حيث تخطت البطالة نسبة 41% حسب لجنة الاقتصاد والاستثمارات النيابية اما نسبة الفقر حسب الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمان المشهداني أكثر من 7 ملايين ونصف تحت خط الفقر, وقد يصل الى 8 ملايين نسمة اما مؤشرات المديونية فهي تزداد وتضاعفت لتصل الى 85 مليار دولار هذا ما يضع الإقتصاد العراقي امام تحديات لم يشهدها العراق من قبل وتم تخصيص 15 مليار الدولار لتسديد مستحقات وفوائد الدين خلال 2019 والخطير في الامر ان هذا الدين يعود بالربح والفوائد على اصحاب السلطة والعصابة الطائفية التي تشكلت نتيجة لمؤامرة حقيقية علي العراق .
فالعراق مدين الى 18 دولة ناهيك عن الدين الداخلي وهذه المعطيات وفقا للجهاز المركزي للاحصاء من وزارة التخطيط العراقية, فامام كل هذه العوامل المجتمعة لم يكن للشعب العراقي في البداية غير التعبيرعن الرفض باشكال مختلفة غير الاحتجاج، كمقاطعة الانتخابات السابقة والتي وصلت نسبتها بين 70 و80 في المئة وهو تعبير عن اجماع وطني رافض للقوى السياسية وللخيارات الطائفية, ونتيجة لكل هذا ولدت الانتفاضة الشعبية بمطالب اجتماعية ووعي عفوي كالتي انطلقت منه السودان من قبل , فالجماهير العراقية تعاني من التهميش والبطالة والفقر والتشرد والترحيل وفي نفس الوقت ترى بعينها الفساد وضخامة السرقة، هذا كان كفيلاً لولادة هذه الحركات الاحتجاجية والمطالب التي جمعت الشعب بكل اطيافه تبين طبيعة هذا الحراك , والعزم والارادة للاطاحة بالسلطة الطائفية وتمحورت اهم شعاراتهم (نازل آخذ حقي , كل السلطة للجماهير المنتفضة , نريد بناء وطن ...) دون إغفال شعارات ضد الطائفية والبنك الدولي و أمريكا وإيران والكيان الاسرائلي .
لقد نجح هذا الحراك في تكوين لحمة وطنية غابت عن العراق لزمن طويل وهي تخطي كامل لكل الاحتجاجات 2011 و2015 و2018 وهذا لتميُز القاعدة المشاركة فيها رغم كل المحاولات لتهميشها واتهامها بالتمويل الخارجي عن طريق السفارات الاجنبية فالمشاركة الواسعة للشباب والمرأة في الانتفاضة جعلوها أكثر صلابة, فدور المرأة وحده يحتاج دراسة معمقة في السودان وفي الجزائر وفي العراق وفي لبنان، فمساهمة المراة العراقية يعد ولا يحصى وتلعب دور جبار وشجاع منقطع النظير . بحيث توجد في الصفوف الامامية في كافة المستويات من الطب والمساعدات الطبية الى الشعارات الى الرسم الى الغناء ومنهم من عاد من أمريكا وأوروبا, ليكون إلى جانب شعبه منهم معتقلة حاليا دون إغفال دور أصحاب التكتك, ولهم ادوار مثيرة للاهتمام (الاسعاف والمواصلات وطلبات الثوار) وهذا التلاحم داخل الميادين أدى ضمنيا الى انفجار طاقات ابداعية للجماهير من الغناء إلى الفن التشكيلي ونقاشات واسعة ،وتوجد خيمة للعاطلين عن العمل وكورسات للفكر، ولم ينسو فلسطين والقدس من رسوماتهم . فالمواجهات التي دارت اقل ما يمكن القول عنها هي الإبادة الجماعية للجماهير المنتفضة فالصدور العارية في مواجهة الرصاص اسم هذه الانتفاضة , قدم لنا الشباب العراقي ارقى اشكال التضحية في سبيل بناء وطن حر, كل هذا الصمود وهذه الدروس كان في غياب كل الجماعات الدينية والقوى السياسية لأنها مرفوضة أصلا وتم حرق وأغلاق مقراتها حتى اليسارية منها, فالحزب الشيوعي يعاني كثيرا نتيجة الأخطاء التاريخية فرغم وجود اغلب قياداته وقواعده في الميدان ودعمهم للجماهير منذ البداية, إلا انه غير قادر على اثبات وجوده وقيادة الجماهير، كما حدث مع نظيره في السودان فكل بياناته تدعم الحراك وحتى الكثير من الشيوعيين لا ينتمون للحزب لكن وجودهم مساهم عبر خطابات جماهرية والمساهمة في رفع المزاج الثوري داخل المعتصمات ( كالرفيق محمد الاسمر وصفاء علي مروان الاشتراكي وحسام الوطني ) وتوجد فيديوهات لكل مساهمتهم على الانترنيت دون ان ننسى تيارات ثقافية وشرائح مثقفة. أما عن الاحزاب الموالية للحكومة تنشر سمومها من البداية فحزب الدعوة وحزب منظمة بدر الاسلامية وكتلة سائرون التابعة الى التيار الصدري الاكبر وكذلك المنظمات والشخصيات التابعة الى الرأسمالية . المميز في الانتفاضة العراقية هو طول نفسها حيث تزداد الاعداد يوميا والكثير منهم يعود من أوروبا وامريكا واسيا للوقوف الى جانب شعبهم اما صمودهم فلا قياس له في التاريخ الحديث للعراق رغم القتل والابادة الجماعية والتضحيات والصمود ظل شعارهم الى حد كتابة هذه السطور, فهذا الصمود تصلب وسط الميادين حتى افكارهم وتقافتثهم تنمو في ذات السياق والمميز اكثر هو عدم تصديقهم للحوار المطروح من امريكا وايران ناهيك عن تميز الخطاب اتجاه الفكر الطائفي فهو تخطي لم ينعم به العراق من مدة طويلة والمطالبة بالحكم المدني وهذا هو شعار الانتفاضات الجديدة في المنطقة, وهي ورقة ثانية للنخب الليبرالية بعد الجماعات الاسلاموية . وهذا التقدم في الوعي يجب الإشادة به , أنها تعبيرات عن قفزات ثقافية التي تحصل في معمعان المعارك( وهذه ميزة كل الانتفاضات القائمة ). وبمجرد الجمع بين المنظومة الدينية والطائفية والسلطة هو تعبير عن نمو ثقافي هائل ,كل هذا لم ياتي من الاحزاب أوالتنظيمات أو السفارات كما يقول الكثير من الرفاق بل هو حصيلة لكل ما سبق ذكره من اوضاع اجتماعية لا إنسانية، أن شروط الانتفاضة وزخمها الجماهري متوفر في العراق وما ينقص هذه الاخيرة هو تحويل ردات الفعل الى فعل منظم وهذه مهمات تنظيمات بعينها وهنا تميزت السودان عن غيرها فلجان المقاومة في السودان ضمنيا هي القيادة لمستقبل الشعب السوداني قامت بتنظيم الجماهير وتفرض اليوم كلجان قاعدية توصيات على الحكومة والمجلس ، وكانت هي الادوات المعرفية للجماهير فوجود نخبة منظمة لعبت دور كبير في السودان رغم لبرلتها لو كانت النخب التي قادت السودان ثورية لكان هو النمودج الأمثل للثورة الوطنية ,هذا ما ينقص انتفاضة العراق ولبنان والجزائر، حيث لم تتشبع الجماهير بعد في العراق بالفكر التنظيمي واهميته في التغيير، كل هذا لا يعني اطلاقا ان الانتفاضة لن ولم تحقق أهداف معينة ,بل هي مقدمة حقيقية للثورة الوطنية فحركة التحرر الوطني والجزر التي عاشته يستحيل أن تنهض فجأة بل ذلك يتحقق عبر التراكم وادراك واسع من الجماهير وطلائعها, فأحداث 2011 النخب الليبرالية التي تخطط للانظمة خداع الجماهير بورقة الجماعات الاسلامية وهاهي اليوم تخدعهم بورقة المدنية لكن الشعوب ستتخطى هذا الفخ وفي القريب العاجل، فإستناداً الى المعطيات العيانية تتضح لنا معالم مشروع حركة التحرر الوطني فالمطلوب اليوم هو الوقوف والانطلاق في تاهيل نوعية من الطلائع (الانتليجنسية ), تكون قادرة على ضخ الوعي الوطني والتحرري في اوسع القواعد الجماهيرية،فما غياب المشروع الوطني الملازم للمشروع التحرري عن الانتفاضات الشعبية إلا تعبيراً عن غياب تلك الشرائح الحاملة لهذا المشروع، فخلق العقل الجدلي في المنطقة كفيل بنقل ردة الفعل إلى فعل منظم .فصمود الجماهير العراقية استطاع أطاحت بعبد المهدي الذي قدم استقالته اليوم 29 اكتوبر 2019 , وهي ماضية في الإطاحة بهياكل الحكم الطائفية ومع كل انتصار تنتظم الجماهير أكثر.
أما عن الرفاق الذين يتهمون الجماهير أينما تعالت أصواتها فهؤلاء قاصرين الفهم والقول الذي ينطبق على المالكي ينطبق على البعض منهم .انها انتفاضة عفوية هذا صحيح وغير منظمة صحيح ايضا وستدخل عليها كل القوى محليا واقليميا ودوليا , فكيف لا تتدخل ونجاح الانتفاضة يقضي على مصالحها فمن السذاجة أن يعتقد البعض أن الثورة ليس لها ثورة مضادة فكل هذا صحيح لكن ليس مبرر لاتهام الجماهير بالخيانة والعمالة، إلا إذا كنا نرى انفسنا اساتذة وكل هذه الحشود أغبياء فالدفاع عن إيران والمقاومة لشيطنة الانتفاضات , هو وقاحة ما وصلت إليه النخب في المنطقة،فالمقاومة (رغم أنها طائفية تضل مهمة وطنية إلى اليوم، لكن هذا لا يعني اطلاقا انها ارقى من مقاومة الشعوب ففلسطين والعراق و لبنان ....) لم تعد بحاجة الى الفصائل وحدها من اجل تحريرها بل هي بحاجة الى تجييش الجماهير لهذه المهمة التاريخية.
(قد يكون لنا مقال حول لبنان وحينها سنتحدث جيدا عن المقاومة ومستقبل الشعوب ) .وللخروج من دائرة الاتهام للجماهير وطبيعة نضالاتها واتهامها بالمؤامرة يتطلب الأمر تتبع كل تفاصيل الشعوب كشرط لفتح المجال امام التحليل العقلاني والموضوعي للمساهمة الجادة في ايصال هذا الفعل الى خواتمه.
في الحقيقة لا يمكن الحديث وايجاز صورة شاملة عن الانتفاضة العراقية وتضحيات أبنائها في مثل هكذا, فدور المرأة والشباب وحدهم يستحقون أكثر من هذه الأوراق لكنها محاولة على درب التحدي للقلم، ونأمل ان يكون التفاعل مع هذا الرأي او نقده، وتستطيع هذه الورقة ان تعطي اشارات للمهتمين بالوضع العراقي والانتفاضات في المنطقة .
#سفيان_جناتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟