ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 1561 - 2006 / 5 / 25 - 11:51
المحور:
المجتمع المدني
هاجس الإصلاح صار حاليا الشغل الشاغل الذي يقض مضجع العرب على ضوء التغيرات والتبدلات الحاصلة في الشرق الأوسط عموما والمنطقة العربية خصوصا, جراء تصاعد الضغوطات الدولية على مجمل السياسات المنتهجة في المنطقة, سواء كانت متماشية مع مجرى التيار العام أو متعاكسة معه إيمانا من الحرص الشديد على تدعيم أواصر العلاقات الاقتصادية بمنظومة الدول الغربية, سعيا للتقليل من حجم الضغوطات المتزايدة التي تحمل بين ثنايا طياتها نداءات مطالبة بتنفيذ الإصلاح الذي بات يشكل العنصر الأهم على جدول الأجندة العربية بعد أن أدركت ماهية الإصلاح وأهميته في دفع عجلات التنمية السياسية والإدارية والاقتصادية نحو بلوغ الأهداف المرسومة, بعيدا عن أي منغصات أو معيقات قد تظهر مستقبلا , ما يؤدي إلى قلب الأمور رأسا على عقب .
أسعار النفط تنعش النهوض الاقتصادي بيد انه لابد من الاعتراف أن بعض الدول العربية استطاعت أن تحقق قفزة نوعية على صعيد الإصلاح الاقتصادي والبنيوي,من خلال الاستفادة من إمكانياتها النفطية الهائلة وتوظيفها في مشاريع استثمارية ضخمة, أدت في نهاية المطاف إلى نهوض اقتصادي هو الأول من نوعه في المنطقة بمنأى عن الإصلاح السياسي , وتجلى ذلك بانتعاش السياسة النقدية والبنى التحتية وغيرها من القطاعات الخدمية.
ولعل السبب الرئيسي لهذا الانتعاش الاقتصادي الذي يعتبر مفصلا هاما لا يمكن فصله عن آليات العمل الإصلاحي قلبا وقالبا إنما يعود إلى ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع عوائده في الدرجة الأولى , ولرغبة هذه الدول بمحاكاة الغرب شكليا, لأن الإصلاح في الدول الغربية يحكمه طابع الديناميكية والاستمرارية, فالمجتمع الغربي مجتمع حيوي يتحرك دوما نحو إصلاح نفسه دون أن يتأثر بالعقبات التي تعترضه بين الحين والآخر انطلاقا من إيمانه الراسخ بالإصلاح, سيما بعد الأزمات الاقتصادية الحادة التي حلت به واكتنفت سيره في فترة الحربين العالميتين وما بعدهما, الأمر الذي شكل القاعدة الثابتة للإصلاح , وما استتبع ذلك من ثورات متلاحقة في المجالات الحياتية كافة, فأين العرب من كل هذا الإصلاح ؟ وهل اكتفوا بعمليات التجميل المؤقتة دون اللجوء إلى عمليات الإصلاح الشامل ؟ العرب في الحقيقة منقسمون على أمرهم في موضوع الإصلاح بين متحفز وخجول ومتذبذب النوايا في خوض هذا الغمار ولكن تتوفر لديه الرغبة الجادة لاعتبارات تتعلق بالسعي الحثيث لامتلاك أدوات الإصلاح المعهود أملا بتحقيق ولو جزء بسيط من طموحات الشعوب التي تنظر إلى الإصلاح نظرة تفاؤلية بالمستقبل , وهناك البعض الذي ينتظر قدوم الفرصة المواتية على عصا سحرية للإعلان الصريح عن القيام بالإصلاحات كجزء من البرنامج الذي يتبناه العرب في خطابهم السياسي الذي حل مكان الخطاب القديم فصار بعد التعديل ( لا صوت يعلو فوق صوت الإصلاح) عبر مختلف الحملات الانتخابية الموجهة للفئات والشرائح المتطلعة نحو بلوغ الإصلاحات أسوة بغيرها من الدول التي قطعت شوطا كبيرا في مسيرة الإصلاح الشامل .
على أي حال لرب ضارة نافعة ,بمعنى آخر, انه قد يأتي الإصلاح نتيجة للتدخلات الخارجية أو المتغلغلة وسط المنطقة حرصا منها لإنقاذ ماء الوجه وبالتالي الظهور بمظهر المتلهف والحريص على تنفيذ الإصلاح. أما البعض الآخر فيرى أنه لا فائدة من الإصلاح في الوقت الحالي لأنه يمكن أن يأتي من تلقاء نفسه ولا يخرج عن الإطار الروتيني العام لمظاهر الحياة كافة نظرا لأنه يحتاج إلى إمكانيات مادية ونخبوية الكبيرة, وهم غير قادرين على تحملها, لذا فإنهم يكتفون بالأسلوب التجميلي, ومع إدراكهم التام بسرعة زواله وتلاشيه , لكنهم ماضون بالسير فيه قدما لإدمانهم عليه كنتيجة للقنا عات المتجذرة في اعتقادهم أن في ذلك تسكينا لشعوبهم وإيهامها بأنهم جادون في مسعاهم .
ويبدو أن تفعيل العمل الإصلاحي في الدول العربية يحتاج إلى صيغ واضحة تتفق حولها جميع الأطراف الساعية للإصلاح وذلك باندماج مفردات الإصلاح مع رغبات الشارع العربي المتطلع للإصلاحات لكنه غافل عنها لأنه يعوم على بحر من القضايا العالقة في وجه الإصلاح , غير أن هناك الكثير من القضايا والمشاكل تحدث لدى الآخرين باستمرار دون أن يترددوا في متابعة الإصلاح أو يتناسوه إلى أجل غير مسمى لحين حلحلة تلك القضايا المستعصية التي يستندون عليها كدافع لتصويب ما هو مطلوب إصلاحه .
وليس بمقدور الإصلاح التجميلي المؤقت أن يصلح ما أفسده الدهر بين ليلة وضحاها . والإصلاح لا يأتي من فراغ ,ومن دون أدنى شك أن هذه الاتجاهات ليست جزءا من الحل النهائي لموضوع الإصلاح برمته لأنه يحتاج إلى مناخات صالحة تهيئ له الظروف الملائمة لتأسيس بيئة إصلاحية سليمة بعيدا عن آي شروط تفرض من الخارج ,فالإصلاح مطلب شعبي وإرادة جماعية لا يأتي من فراغ , وهو ذو اتجاه أفقي يتناول مؤسسات المجتمع بالمستوى دون الانحياز والتواطؤ لطرف على حساب طرف آخر , كما يتصاعد بشكل دائري متجها لأعلى المستويات , مما يوجد المناخ الإصلاحي المعتدل الضروري للنهوض بالواقع . ولابد من ذكر أن إصلاح مؤسسات البلاد يتقاطع بالتوازي مع إصلاح الجامعة العربية عبر مسارات التعددية والديموقراطية , بما يشكل اللبنة الأساسية في التصدي للتحديات التي تتربص المنطقة. فهل تشهد البلاد العربية ثقافة إصلاحية حقيقة من شانها إعادة تكوين التصورات والانطباعات بلورتها في تفكير الآخرين عن صورة الإصلاح في العالم العربي ؟ أم أن الإصلاح يسير خطوات متأرجحة ومتقلبة حسبما تدفعها الظروف الراهنة ؟ فليس كل ما يتمناه المرء يناله عن طريق الإصلاح ما لم تقترن الأمنيات بالأفعال , فان الحديث عن الإصلاح في الدول العربية يبقى مجرد أقاويل تترد على مرمى مسامع الآخرين بلا جدوى .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟