فواز محمود الفواز
الحوار المتمدن-العدد: 1561 - 2006 / 5 / 25 - 12:07
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
قراءة في إعلان دمشق بيروت - بيروت دمشق
شنت الأجهزة الأمنية مؤخرا ,حملة اعتقالات لنا شطين سياسيين ارتباطا بإعلان دمشق بيروت الذي وقعته شخصيات سورية ولبنانية , تنشط في مجالات العمل العام - أكاديمية وسياسية وفنية وصحفية وغيرها - انطلاقا من شعورها بالقلق الشديد من التهور الخطير المتسارع الذي تشهده العلاقات السورية اللبنانية والذي بات يهدد بتكريس شرخ عميق بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين , والذي تهدف من ورائه الى التصحيح الجذري للعلاقات السورية اللبنانية بما يلبي التطلعات المشتركة للشعبين في السيادة والحرية والكرامة والرفاه والعدالة والتقدم .
ولست أشك ولا أعتقد بأن أحدا يشك في مشروعية هذا القلق ولا في صوابية الهدف من ورائه إلا أن قراءة متأنية لهذا الإعلان أثارت لدي تساؤلات اعتقد إن طرحها يفيد في اغناء العمل من أجل هذا التصحيح .
أنطلق من ملاحظة أولى فأقرأ في الإعلان مايلي : ( لسنا بغافلين أن العلاقات بين سوريا ولبنان محملة بعدد من المشكلات تراكمت مفاعيلها عبر عقود منذ قيام الكيانين في عام 1920) إلا أن الإعلان لا يذكر من هذه المشكلات إلا تدخل النظام السوري في الحروب اللبنانية 75-90 والوصاية التي مارسها النظام وتحكمه الأمني بقرار لبنان السياسي والاقتصادي الذي زاد تلك المشكلات حدة وتعقيدا .
إذن فالإعلان يقفز فوق المشكلات المتراكمة من العام 1920 وحتى العام 1975فلايذكرها مع أنه يدعو الى ( وقفة تأمل ونقاش ومراجعة نقدية مشتركة على شتى الصعد ) ويعلن الموقعون استعدادهم في الاضطلاع بتلك المهمة .
وبغض النظر عمن سقف تلك الوقفة وعن طبيعته وصلاحياته , وبغض النظر عن طبيعة هذه المساهمة أيضا وهل ستأتي بناء على طلب من جهة ما , أو بناء على مبادرة منهم , ألا يعتقد الموقعون أنه كان من الأجدى أن تسبق هذه الو قفة ومساهمتهم بها صدور الإعلان ؟.
وان صدوره( تأسيسا على علاقات محملة بعدد من المشكلات التي تراكمت مفاعيلها ولم تراجع ولم توضع تحت مجهر التأمل والنقاش والمراجعة النقدية) يجعله مهتزا ولا يقف على أرض صلبة ؟.
وملاحظة ثانية , من بين الموقعين على هذا الإعلان الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي والمراقب العام للإخوان المسلمين , وأكتفي بذكر هما مع كامـل التقدير لجميع الموقعين الآخرين وأقول : في الفقرة المتعلق بمهامنا العربية من البرنامج السياسي لحزب الشعب الديمقراطي السوري المقدم لمؤتمره السادس في أواخر نيسان 2005 صفحة 38 نقرأ في البند (1) : ( ونحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري على رغم كل التردي الذي أوصل الوضع العربي الى التمزق والتفكك , ورغم كل ما يهدد من انفراط نظل نتمسك بالوحدة العربية كمبدأ وهدف نسعى إليه) وفي البند (2) نقرأ ( التعاون الاقتصادي والعمل المشترك الهادف هو أساس المسار نحو الوحدة في عالم اليوم ) وفي البند ( 4) نقرأ ( .. التوجه في عملية التعاون والتكامل في إطار الأقاليم الطبيعية العربية أولا , لسهولتها وواقعيتها , ولتوفر أسباب نجاحها ) .
وفي مشروع ميثاق الشرف الوطني للعمل السياسي الذي قدمه الأخوان المسلمون في سوريا في 3-5- 2001
نقرأ تحت الهدف الرابع : ( إن السعي لتحقيق الوحدة العربية على أسس متينة من الروابط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية واجب شرعي وضرورة قومية ) .
ثم أتساءل : لماذا حزب الشعب الديمقراطي السوري بشخص أمينة الأول و بشخص مناضله الكبير رياض الترك وارتضى الأخوان المسلمون بشخص المراقب العام ألا يرد أي ذكر للوحدة أو الاتحاد أو التكافل أو التضامن أو أي من المفردات التي يمكن أن تشي بأن الحزب - وكذلك الجماعة - يدعو في كل مناسبة لتنفيذ برنامجه السياسي وان بالأقوال , بين التطلعات المشتركة للشعبين ؟ أم أن اقتصار هذه التطلعات على السيادة والحرية والكرامة والرفاه والعدالة والقدم التي يمكن ألا تكون مشتركة , كما يمكن أن تكون مشتركة بين جميع شعوب العالم , ولكنها بالتأكيد لا توحي بأن علاقة متميزة يطالب بها السوريون واللبنانيون كافة تربط بين الشعبين اللبناني والسوري , يرضي فريقا في الجانب اللبناني يتحسس من ذكر تلك المفردات , وأن إرضاءه يتقدم على مبادئنا التي نتمسك بها , وأهدافنا التي نسعى إليها ؟.
وملاحظة ثالثة , أقرأ بالبيان أن الموقعين توقفوا ( أمام المسؤولية الكبرى التي تتحملها الطبقات الحاكمة في البلدين في الدفع نحو القطيعة الاقتصادية في العام 1950) , ولست أشك في أنه لوبقي المجلس الأعلى للمصالح المشتركة قائما أو أن لبنان لم يقدم على فصم عرى الوحدة النقدية بتوقيعه منفردا الاتفاق النقدي مع فرنسا أو أن لبنان قبل بمبدأ الوحدة الاقتصادية التامة , الذي تقدمت به سوريا , لكانت العلاقات بين البلدين على غير ما آلت إليه ,إلا أن صياغة العبارة توضح أن الطبقات الحاكمة في البلدين تتساوى في المسؤولية عن القطيعة الاقتصادية, في حين أن قراءة محايدة لوقائع التاريخ القريب المتعلقة بهذا الشأن لايمكن الا أن تضع على عاتق الطبقة الحاكمة في لبنان نسبة اكبر بكثير من تلك التي تقع على عاتق مثيلتها في سوريا في ما ما صارت إليه الأمور , وهنا أيضا هل يجوز لي عنق الوقائع التاريخية محاباة لجهة ما , وهي هنا الجهة اللبنانية وما الغاية من ذلك ؟.
وملاحظة رابعة : في نهاية الفقرة أولا من الإعلان , يطالب المشاركون السوريون بضرورة الاعتراف النهائي باستقلال لبنان وغادرة كل تحفظ ومواربة في هذا المجال ويرون معا أن الخطوات الأولى في هذا الاتجاه تتمثل بترسيم الحدود نهائيا وبالتبادل الدبلوماسي بين البلدين .
لعلي أعتقد كما أظن أن الكثيرين مثلي يعتقدون أن هذه الفقرة هي من أكثر فقرات هذا الإعلان أهمية وخطرا , وإذا ما التمسنا العذر للأشقاء اللبنانيين الموقعين على البيان في ربطهم بين هذه المطالب وتدخل النظام السوري في الحروب اللبنانية , والوصاية التي مارسها على لبنان في فترة ما بعد الحرب وتحكمه بقرار لبنان السياسي والاقتصادي لأنها ربما نفخت في جمر المخاوف والهواجس التي كان فريق من اللبنانيين يخشى منها ويتوجس في نهايات عهد الانتداب وبدايات الاستقلال, فتحت أي لافتة نضع مطالب السوريين بها ؟ مع أن تصريحات المسئولين السوريين على أرفع المستويات في تلك الفترة تكرر الاعتراف بلبنان في حدوده الحالية
وبغض النظر عن وجود صفة النهائي أو عدم وجودها في القانون الدولي فكيف يكون الاعتراف نهائيا ؟
وكيف يكون بلا تحفظ ولا مواربة ؟ وهل إقامة تمثيل دبلوماسي بين البلدين أو بين أي بلدين شرط لابد منه للاعتراف ؟ وإذا كانت هذه هي الخطوات الأولى فماهي الخطوات اللاحقة ؟
ولا تقل أهمية الفقرة رابعا ,وفيما عدا عبارة وحدة الدولة وبسط سلطتها على كامل ترابها الوطني التي نعتقد أنها موجهة الى الداخل اللبناني - مع حساسية ما يعنيه ذلك للنظام السوري - فان كل ما ورد فيها وجل ما ورد في الفقرتين خامسا وسادسا لا يتجاوز ما كانت تتضمنه دائما بيانات قوى المعارضة السورية في مطالبها من النظام .
ويمكن التوقف عند ملاحظات أخرى من الإعلان منها غياب أي ذكر للسجناء والمعتقلين السوريين في السجون والمعتقلات السورية , وغياب المطالبة بإطلاق سراحهم والكشف النهائي - وهذه الصفة هنا في موضعها الصحيح - عن مصير المفقودين السوريين أيضا إلا إذا كان ذلك ناجما عن قناعة الموقعين اللبنانيين أن ذكر أولئك يعد تدخلا في الشؤون الداخلية السورية لا يريدونه .
ليست غاية هذه السطور بعد سرد بعض الملاحظات على بعض فقرات الإعلان - ولعلي أعود الى قراءة أخرى له في مقال آخر يبحث في ردة فعل النظام حوله - أن تقول للمعارضة السورية ماكان يجب أن تفعله أو أن لا تفعله في هذا الأمر من أمور سجالاتها مع النظام في سوريا , ولكن لابد من الاعتراف بأن شعورا من الاستغراب هاجمني حين قرأت بعض أسماء الموقعين عليه سوريين ولبنانيين ممن أسمع عنهم أو أقرأ لهم بإعجاب ولابد من الاعتراف أيضا بأن الانطباع الغالب الذي خرجت به بعد قراءته هو أنه مغمور بروح المناكفة فهل تكفي المناكفة سلاحا في معركة المعارضة ضد النظام ؟
فواز محمود الفواز
#فواز_محمود_الفواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟