أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالحميد برتو - إنشودة للإنعتاق .. تغريدة لأفق مفتوح 2 من 10















المزيد.....

إنشودة للإنعتاق .. تغريدة لأفق مفتوح 2 من 10


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 6420 - 2019 / 11 / 26 - 20:36
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


رواية وليست مجرد نصوص

أَرْبَكَ الكاتبُ قراءَهُ ونقادَهُ على حد سواء بقوله: "هي بالتالي ليست كتابةً نادمة على ما فات، بل نَصوصاً مفتوحةٌ، صَبَبْتُ فيها شيئاً من نزيف الروح وما جفَّ من حبال الحنجرة.. عُصارة ما جَنيتُه من خِبرةٍ حياتية متواضعةٍ.. أصبتُ فيها حيناً، وأَخطأتُ أحياناً.. لا هي رواية ولا هي قصة، لا هي نصٌّ علميٍّ.. بمعنى لا مكانَ فيه للإستدلال أو التوثيق.. بلْ هي نصوص أدبية تَعرض لـ جانبٍ فقط من تجربةً شخصية، لا تنفي غيرها.. تُحاولُ إستقراءَ التجربة في جانبها "الفرداني" بعلاقاته مع "الآخر" قصدَ التكامل معه، وما يرشح منها في الوعي والذاكرة، لتكونَ زُوّادةً لما بقي من فُضلَةِ العمر.. !" (الرواية ص 26 ـ 27)

هذه النصوص المفتوحة رواية جميلة متكاملة الأركان، في البناء والسرد والمحتوى والإلتماعات الإبداعية والفنية. هي سيرة شعورية ذاتية ضمن جماعة ومجتمعات أيضاً. وفي أجواء مختلفة من الإسترجاعات القريبة والبعيدة. أليس السيرة عملية خلق لها ملموسية ذاتية ومجتمعية. تتراوح بين التجسيد الجزئي والكلي، والخلق في الحالتين، أو بجمع أطرافهما معاً. تتنوع الروايات ومصادر خلقها، من الخلق الكامل مروراً بالخلق الجزئي والخلق بالإستعارة التامة أو الجزئية. وبديهي أن تتدرج السير من الذاتية، مروراً بشخص واحد آخر، الى أشخاص آخرين. وقد تكون بين أقل المراتب هي تلك التي يرويها مجرد سياسي. وبين الأرفع شأناً، تلك التي يرويها مبدع ضليع في ميدان إختصاصه: شاعر؛ كاتب؛ عازف؛ رسام؛ ... وغير ذلك. ومن القيم الجميلة للعمل الأدبي الرصين والسلس، أنه يَفْتَحُ باباً واسعاً أمام القارئ، ليحلق في فضاء الكاتب نفسه. بل يوسع فضاءآت أخرى.

لا يمكن تحويل الرواية الى مجرد نصوص منعزلة عن بعضها البعض. كما لا يمكن تحويل نصوص متفرقة الى رواية. وإن إمتلكت النصوص لغة نثرية غاية في الرقة والجمال. وإقتربت من لغة الشعر في الحرفة والفن والعذوبة. حملت رواية المُطارد مجموعة من القصص التي يمكن إعتبار كل واحدة منها قائمة بذات. ولكنها مجتمعة إرتبطت بعقدة واحدة. وفيها بطل الرواية الذي شد جميع خيوط تلك القصص لتتكامل الرواية بخصائها المميزة.

إنَّ فهمَ وتجسيدَ و روايةَ الأحداثِ، في الإتجاهات المشار إليها تتطلب شجاعة، من نوع آخر. ومن أبرز مقوماتها أن الأهداف الشخصية لا تأخذ أو تحتل المقام الأول. دون منافسات في زوايا أو حالات أو مواقف معينة. أي أن البطل في الرواية لا ينفرد بتجسيد المعايير والقيم العليا بمفرده. وكذلك تجسيد النقيض النوعي.

تلامس الرواية النجاح، حين تَحْمِلُ سِيَرُ شخوصِها مقومات تبعدهم عن الضغينة أو السلوك التعسفي، الذي ينطوي على خلل في تكوين مَنْ يُمارسه. وأحياناً بسبب ثقل ما يعرفه من نقاط ضعف تكوينه. وكذلك طريقة التعبير عن الإستثناء الإيجابي المحبب. يكون نجاح الكاتب وسطوع براعته الفنية في الحالتين السالفتين أو من خلال دمجهما معاً، حين يشعر القارئ بصدق الحالة الإنسانية المعبر عنها. يبدو أن تشخيصَ مثل هذه الحالاتِ النفسيةِ والسلوكية صعب للغاية، وإن كان أحياناً يبدو عكس ذلك. كما أن وصف الجسد وطريقة الكلام يشيان بالكثير من الحقائق عن الكاتب نفسه وعن الآخر. هذا إذا تعاملنا بشيء من القبول بفكرة أن كُلَّ إنسانٍ عالم نفس بطبيعته. أجادت الرواية في وصف وتحليل وتقريب شخوصها.


لا يستطيع أي عمل إبداعي أن يتحرر من عوامل إنتاجه. ولكي يُضمن نجاحُ العمل، يكون من المناسب أن يُعطي خالقُ النصِ فرصَاً متكافئةً للأحداث ودورها الإجتماعي والإختصاصي. وأحدى أكبر الخصائص الإيجابية في ظرفنا الملموس القدرة على التعامل مع المقدس كما هو. خاصة في الحالات التي يتحول فيها المقدس الى أداة عرقلة وشلل فكري وإجتماعي وسياسي. وقد تبلغ أوهام التقديس أحياناً درجة تحول المقدس الى أداة قمع شريرة وفاسدة ورثة. إن جماليات النص تحافظ على أصالتها حين يَصِفُ المبدعُ كل ما يحمل الجمال والقبح في ذاته: معركة أو عرس، إنتصار أو هزيمة، ساحل بحر تحرسه حدائق مورقة وجبال ترفة أو صحراء موحشة مقفرة. وتتقلص المسافة في النص الجميل حين ينظر إليه من داخله أو خارجه بتكافئ من حيث التقنيات والعناية. لا يحتمل النص الروائي المغالبة في النظر إليه من خارجه أو من داخله، ولا ضير في جَمْعِ ميزاتِ الحالتين.

لا تترك مسألة الدعوة الى وحدة العقل الجمعي مجالاً للتفرد الخاص. تمتعض منه وأحياناً تحاربه بطريقة سافرة. وهي حالة أشد تعقيداً وأكثر مخاطرة من التفرد الضروري والبناء. وإن قالوا: إن إختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية. وفي الواقع الملموس لا يتواكب الإرتقاء بالعقل الفردي مع العقل الجمعي بسهولة. تربض قيمة العقل الجمعي في السلوك الداخلي والخارجي الفعلي للجماعة. وفي شكل التطبيقات لما يطرح كنماذج للسلوك المقبول ضمن الجماعة. ففي كل جمعية، أو حزب، أو عائلة، على الرغم من كل الفكر المعلن، تكتنف السلوك الفعلي في بعض الأحيان حالات مثيرة للأسى. وغالباً ما يبرر الحال بالقول: هذه الجمعية أو المنظمة أو الحزب من هذا المجتمع.

يَسُودُ في فترات الصعود الواعدة نقاءٌ أكبر في صفوف الجماعات المنظمة. ويتضعضع ذلك النقاءُ عند الإنكسارات والفترات الخالية من الإختبار. فالإختبار الذي يفرضه العدو مصفاة دقيقة في عمليات رص الصفوف. يُعمق التعاون والحس بالأمن المشترك، والسعي للحفاظ عليه. تُصيب الخسائرُ الجماعةَ بالتراجع في التعامل صوب أعضائها والعكس أيضاً. ومن مسببات مثل هذا الوضع هو أن الجماعة والأفراد خارج دائرة تسلط وقمع الخصوم ترتخي الأواصر. ولحد ما تسود بعض الأنماط التي تحتاج الى مراجعة، خاصة في السجون والمنافي وفي المناطق المنعزلة نسبياً أو كلياً. إن الإضطرار للعيش خارج بلاد ـ المنبت، يُظْهِرُ مبكراً بأن الجماعات الطاهرة لا تخلو من الضباع. وهنا تكفي الإشارة الى أن بعض مناضلينا تعرضوا في الخارج الى أضرار فادحة. وكلما كان الفرد أكثر صلابة وإعتداداً بالنفس، كلما كان خطر الضباع عليه داهماً. وتشير الكثير من أوجه التجارب في الدول الإشتراكية السابقة، الى أن المصاعنة والمداهنة والميل الى الحلول السهلة كانت من أخطر كوابح التطور في الجماعة أو في تجربة الإشتراكية العالمية، خاصة في دول شرق ووسط أوروبا والإتحاد السوفيتي. إن التوقف بدقة عند الظواهر السلبية ضروري للبناء. لأن الكثير من تلك العوامل السلبية تنبع من رحم التجربة نفسها، وهي ليست أكبر من الطاقات الداخلية إذا توفرت الإرادة والعزم والنية للمعالجة.

تتناول الرواية مسيرة فيها من عناصر الجمال والفرح ما يُطرب. كما فيها من الألم والقهر والمخاطرة والعذاب ما يستثير مكامن الحزن. وفي كل الحالات ظلت لغة العمل تتسم بالرشاقة ومنحوتة بحس مرهف، حيث ينساب إيقاعها بنعومة ورقة دون تقطع أو وجل. ومن جانب آخر تتطور لغة العمل وفقاً لطبيعة الأحداث إذ سرعان ما تهتاج، كما يهتاج الماء الرقراق عند إصطدامه بصخرة، أو حين يفاجئه منحدر أو منخفص. ولا أظن أن السرد لا يحتاج الى إستراحات، مثل حاجة أي محارب الى زاد، الى رشفة ماء. فتحضر الوقفات التي تتغنى بشاعرية ملهمة حيناً وملتاعة أحياناً. وفي ذلك الجو بكل ما فيه وما عليه. تأتي عمليات إمعان النظر بكل ما مر، وما جرى، وحتى محاذير القادم والمحتمل.

وجدت في العمل كل مقومات الرواية. على الرغم من تجنب الكاتب إستخدام مثل هذا الوصف. وجدت أحداثاً تتعلق ببعض سنوات من عمرنا المشترك أقلة في حدثين إثنين. أتوقف عندهما من أكثر من زاوية في مواقع أخرى من هذه المادة.

عَرَضَت الرواية صوراً عن حياة الإنسان في محيطه. أبرزت التأثيرات المتبادلة بين الفرد والجماعة. وفي داخل الجماعة المعنية نفسها. أكتفي هنا بالقول: أليس تلك العلاقة من مواصفات الرواية. كما يوجد إقرار بأن الرواية تُعنى بالصلات المتينة بينها وبين السيرة الذاتية. أسعى هنا الى معرفة أسباب الكاتب نفسه، وليس النقاد، في الإكتفاء بوصف العمل ـ الرواية بأنها نصوص. ربما يكمن السبب برغبة الكاتب بأن يأتي الوصف من الآخرين. وفي نهاية المطاف لا أشارك الرأي القائل، بأن التوسع في عملية تحديد الصنف الإبداعي، الذي تقف تلك النصوص تحت مظلته، لا يضيف أو ينقص من قيمتها. فالأحكام والمطالب والضرورات المطلوبة من الرواية ليست ذاتها المطلوبة من أي نص أدبي آخر. وفي المحصلة النهائية أرى بعض الحق في القول بإن: كل أمس هو رواية.

قبل أَنْ يَظهر "مُستَهَلُ" الرواية، يعرض الكاتب موقفاً واضحاً. يُسلطُ أضواءً تكشف حقيقة رؤيته للعقدة الكبرى ـ الوطن، الذي حرّك مسيرةً كاملة بكل تموجاتها، ولا سيما رحلة الواجب، إمتدت بين الأعوام (1983 ـ 1988). تتضمن الدخول الى الوطن سراً، والخروج منه بذات الإسلوب، مروراً بدول أخرى. منطلق الرحلة والعودة ـ برلين. إنها رحلة مثقف داخل مهمة ذات طبيعة قتالية. يتولى فيها مهمات إعلامية. يقول: "لوطَنٍ فُطِرنـا على حُبِّه.. هَوَيْنـا غيره، لكنّنا لمْ نُفطَمْ عن عِشقه، رُغمَ ما حَلَّ به من نازلاتٍ..!" ويضيف: "وإلى كلِّ الشهداء والضحايا، رَحَلوا نيابةً عَنّـا ..! ولكل الذين يَحملُون مشاعلَ التنويرِ نحو إِنعتاق البشرية ..! ي. ع.". (الرواية ص 11)

هنا تقف معادلة مثيرة بين الحب والهوى. عمق وسعة هذه المعادلة يوحي بصدق الإحساس والبراعة الفنية العالية. معادلة تمنح المتلقي متعة التأمل المر والحلو معاً. ويظل الإيثار وعشق التضحيات الهاجس الأول. قد تخدشه أو تداعبه أو تستفزه أسئلة عن الجدوى. لا تطرح الجدوى موضوع تساؤل إلاّ في حالة وجود خلل في المشروع أو القائمين عليه. لابد من وجود تناعم، تناسق، إنسجام، وحدة مقادير وحجوم بين الثوب والجسد، لينحسر التساؤل عن الجدوى.

يحترم "طريـدَ الزمنِ الأغبَرِ والأخرس" تضحيات الشهداء. وهنا تغيب التساؤلات، اللبقة منها والصريحة، أمام تلك التضحيات. ويضع مَنْ تَوَسَّدَ وَحشَته، وأَلتَحَفَ غُربَته، وتمنى أن يُفْقِّسَ زلزالاً يَهزُّ سُكونَ "التَعَقُّلِ والحِكمَة"!.. القيمة العليا في موقعها، مستغيثاً بقوله: "إذْ تَفَسَّخَ رَجاؤنـا، بعد أَنْ سُفِكَتْ "عُذريتُنا" في أَحضانِ "اليانكي "!..لـن نسمحَ لأنفسنا بتَرَفِ النسيان!.. فالوطنيةُ ليست إجتهاداً أو وجهةَ نظرٍ !.. إنها إنتماءٌ ورابطةٌ تستعصي على التعريف..".

يَمْنَحُ الكاتبُ القارئَ متعةَ الغور في أعماق ذاته بلغة شاعرية. يحاول من خلالها طرح المعاناة والفرح، الشك واليقين، الأمل واليأس. ويختفي الكاتب ببراعة لذيدة، وراء سماحة وذوق الشعر وجماليات غموضه. والآهات المنثورة في الرواية مؤشر بليغ على حالات الإنسحاق القاسية. حين صار ضميراً منفصلاً.. عن واو الجماعة. "آهٍ!.. كَـمْ تَعِبنـا مـن المنـافـي والقِفـارِ والجبـال ..بالكتابة يُحاول تضميد جراحاتٍ تناسلت بداخله. "سأحرِثُ زوايـا الذاكـرةِ بحثاً عَمَّـن يبكي عليَّ، وحينَ لـنْ أَجِـدَ أَحَـدَاً سـوايَ، ستوقِظُ أرانِبُ روحـي نِسرَهـا للتَسلِّي !..".

يعود الكاتب لإمتلاك ناصية أمره: "هي بالتالي ليست كتابةً نادمة على ما فات، بل نَصوصاً مفتوحةٌ، صَبَبْتُ فيها شيئاً من نزيف الروح وما جفَّ من حبال الحنجرة..عُصارة ما جَنيتُه من خِبرةٍ حياتية متواضعةٍ.. أصبتُ فيها حيناً، وأَخطأتُ أحياناً..".

تلتئم الجراح أو تتسع أو تتلوث. ولكنها عند الكاتب تتناسل بداخله. ويرى في لحظة ما أنها تتناسل دون شكوى أو إستفاضة بالشَجَن. يمارس الكاتب يحيى علوان في مواجهة المواقف رياضة ذهنية جميلة. يناجي "أسرابَ طيرٍ عندَ الشواطيءِ". (الرواية ص 24) يستدعي الملاحم القديمة، الفلاسفة، حكمة الشعوب، القرى التي مر بها أو مرت به، المتصوفة، مجالس الرفاق، أحداث لها تاريخ، موروثات شعبية، الكتاتيب، ذكريات الطفولة، بل حتى شيطان الأدب العالمي، الألماني منه والإنكليزي، وغيرهما. يدعو الكاتب "مفيستو" بكل صوره الشاخصة وزواياه، على سبيل الدعم أو التعبير عن الغضب أو إنغلاق وتكدر الأفق. وهو إسم له أكثر من دلالة. ولكن أرى في إستحضار الحكايات الفاوستية، بكل ما تحمل من حالات ذهنية وسلوكية ملهمة، من الأسطورة الى الرواية، أمراً مبرراً بعد إستنفاد رصيدنا المحلي على ذات الصعيد. وهذا القول ليس دعوة قسرية، فلكل كاتب عالمه الخاص. أعتقد أنه أمر مبالغ فيه إستدعاء مفيستو نحو 30 مرة في مواقع مختلفة من الرواية، للشكوى والتأسي والمحاكمة والمقارنة والسؤال وللإستشارة وغيرها، وحتى الحضور دون إستئذان.

ولكن للمقارنة على سبيل المثال، أطلق الكاتب العراقي برهان الشاوي على أحدى رواياته إسم (إستراحة مفيستو)، والرواية صدرت باللغة العربية، وبهذا حققت نقطة إغتراب قبل قراءة النص. ويكون العنوان مبرراً لو كتبت الرواية بالألمانية أو الإنكليزية. لقد تلقى المثقفون العرب بإرتياح وإعجاب ترجمة الفيلسوف المصري عبدالرحمن بدوي لـ (فاوست). فالإطلاع على تجارب وخبرات وأذواق الشعوب الأخرى خدمة كبيرة للإبداع والذوق المحليين. ومن جانب آخر سعة الإنتشار لها أهمية خاصة في الإنسجام مع العمل الإبداعي وتحقيق الدهشة. لنجر مقارنة بين تداول وإيقاع وأثر مفيستو و دون كيخوتي؛ (دون كيشوت) مثلاً، هذا دون أي تجاهل لمحتوى وطبيعة السرد في الحالتين، فوقع الأخير كاد أن يصبح وقعاً محلياً. إن التَّنَاصَّ بكل أنواعه ودرجاته وأشكاله مشروع بل ضروري أيضاً، في العلاقات التفاعلية المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى. مع الإحترام الكامل لخيارات أي كاتب، ولكن يمكن طرح مسألة الأسماء وتأثيراتها على أي عمل إبداعي. فمثلاً كان لسالم المرزق عند سعدي يوسف وقع جميل ومؤثر. وكذلك صويحب في قصيدة مظفر النواب الشعبية.

الخلاصة أن النص يُمكن أن يكون جزءاً من رواية، ولكن العكس متعذر. جاءت رواية "مطاردٌ بين ... والحدود" كاملة في أبعادها ومواصفاتها الروائية تنصيصاً وحبكاً وأبعاداً وجماليات وغيرها. رسمت خط رحلة لها بداية ونهاية. وجالت في النفس الإنسانية بكل طبقاتها المعقدة. وفي مسرح الطبيعة الواقعية والمتوهمة بتضاريسها وألوانها الزاهية والمعتمة والمختلطة.

توفق الكاتبُ في تحقيقِ الجمع الجميل والإقناع، بأن العمل يحوي سيرة ذاتية. ولا يغيب عنه، في الوقت ذاته، الخيال الخصب، عن تحلية وطبع ومرافقة وإيناس أسطره. يداعبان معاً أحداثه وشخوصه ومرويات سرده، محققاً حالات من الإدهاش المتحرك بين أعلى درجات الإمتاع جمالاً. وبين ما يأخذك من جهة ثانية الى قعر الألم والغضب الذي يسعى الكاتبُ لإيصاله إليك.

يَغيب الحدثُ الواقعي ،أي المتحقق فعلاً، في الكثير من الحالات، الى درجة تظن فيها، أن الكاتب يعيش حلماً أو كابوساً. وبتدرج يدعك تدرك تفاصيل علاقة القصة المطروحة بالواقع الملموس، ولكن دون يقين واضح المعالم. مع سعيدة زوجة المهرب إيهاب، مثلاً وليس حصراً. تظن أنه يحلم فقط، وعند التركيز ومتابعة القصة. ترى وتتلمس كل التفاصيل بواقعيتها وأحاسيسها. ولكن في نهاية المطاف تظل في نقطة وسط بين الواقع والتمني، ويطغى الوهم والخيال والإلتباس على الواقع. إنه واقع آخر في عالم التصور الذاتي حسب. ولا تفارق اللغة الجميلة النص ومقارباته الشعرية أو شبه الشعرية. تتلمس الجديد في كل جسد الرواية فكراً ورؤى ومعلومات. كان الكاتب دقيقاً في قياس الزمن. ولم يعتمد الساعة والتقويم فقط، بل أضاف لهما ريشة فنان مبدع في تلوين دقائقه وأيامه وسنواته.

يتبع



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنشودة للإنعتاق 1 من 10
- الهيبة قوة عملية أيضاً
- عيد العمال ولعبة -الإنتخابات-
- ستبقى بيننا يا رفيق الدرب
- تشييع مهيب لمناضل
- رحيل الرفيق آرا خاجادور
- بيريسترويكا غورباتشيوف (9 من 9)
- بيريسترويكا غورباتشيوف (8 من 9)
- بيريسترويكا غورباتشيوف (7 من 9)
- بيريسترويكا غورباتشيوف (6 من 9)
- بيريسترويكا غورباتشيوف (5 من 9)
- بيريسترويكا غورباتشيوف (4 من 9)
- بيريسترويكا غورباتشيوف (3 من 9)
- بيريسترويكا غورباتشيوف (2 من 9)
- بيريسترويكا غورباتشيوف (1 من 9) بعض الأوليات كتاب غورباتشيوف
- الثوري والإصلاحي والإنهيار القيمي 2 من 2
- الثوري والإصلاحي والإنهيار القيمي 1 2
- مع الجواهري في بعض محطاته
- الإحتكام الى الشعب مرة أخرى
- الإحتكام الى الشعب


المزيد.....




- مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا ...
- وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار ...
- انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة ...
- هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟ ...
- حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان ...
- زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
- صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف ...
- الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل ...
- غلق أشهر مطعم في مصر


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالحميد برتو - إنشودة للإنعتاق .. تغريدة لأفق مفتوح 2 من 10