|
قانون العمل اللبناني والتعديلات المقترحة عليه
جورج سعد
الحوار المتمدن-العدد: 26 - 2002 / 1 / 4 - 12:20
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
يشعر النقابيون والمهتمون بقضايا العمل والعمال هذه الايام ان تعديلات جدية على قانون العمل اللبناني سيتم إقرارها قريباً. فقانون العمل الصادر في العام 1946 لم يعد قادرا على الاستجابة ل((الحد الادنى)) لمتطلبات علاقة العمل الفردية والجماعية. فصيل من النقابيين والاجراء يذهب الى ان هذه التعديلات المطروحة هي كغيرها من المشاريع السابقة، باقية قيد النقاش، في مستوى الحبر والورق واللجان والتفاوض، لكن غالبية اخرى ترى ان هذه المرة ستكون اكثر جدية، علما بأنه منذ صدور قانون العمل اللبناني لم تقر سوى تعديلات مجتزأة من مثل الصرف التعسفي (1975) عمل الاحداث (1996 و1999)، استخدام النساء (2000). إن التعديلات التي انجزت اللجنة الثلاثية المكلفة بهذه المهمة قسماً كبيراً منها تتناول مجالات كثيرة في علاقة العمل الفردية والجماعية من مثل استخدام الاحداث، استخدام النساء، مدة العمل والاجازات، الاجر، انتهاء الخدمة، الانظمة الداخلية، النقابات والتنظيم النقابي، عقود العمل الجماعية، وغير ذلك. في ما يلي رأي في التعديلات المقترحة وما سبقها. في تدخل الدولة تقوم الدولة حتى في الانظمة الاكثر ليبيرالية ودخولا في حلبة العولمة بدور كبير ضمن علاقة العمل رقابة وتشريعا وتنظيما، بحيث ان القانونيين راحوا يطرحون السؤال: هل قانون العمل ينتمي الى المجال الخاص ام الى المجال العام؟. اذا اعتبرنا ان قانون العمل يتمحور اساسا حول عقد العمل، لقررنا انه ينتمي الى القانون الخاص، اما اذا اولينا عنصر تدخل الدولة المتزايد في مجال علاقة العمل الاهمية التي يستحق، لرأينا انه ينتمي في آن الى القانون العام. ولان العلاقة بين اصحاب العمل والاجراء اصبحت تخضع لقيود صارمة تفرضها الدولة غدا من المستحيل نزع صفة ((القانون العام)) عن هذه العلاقة. وهذا ما يفسِّر تنازع الاختصاص احيانا بين مجلس شورى الدولة ومجالس العمل التحكيمية. انه من الصعب، اذا، ادخال قانون العمل في القانون العام او القانون الخاص لانه يستقرض من الاثنين معا، وهذه الصعوبة ليست غريبة عن الاستحالة الحالية في رسم حدود واضحة بين قوانين عدة تتشابك اكثر فأكثر في ايامنا هذه. وفي ما يخص قانون العمل يرى بعض الفقهاء اليوم ان بالامكان بلورة قانون دولي للعمل، وقانون دستوري للعمل، وقانون جزائي واقتصادي واداري للعمل. فما هي اهمية هذا الامر؟ الجواب هو ان كلما اقتربت علاقة العمل الفردية من القانون العام، كلما كانت حقوق الافراد اكثر ضمانا. ان تحرير العقود كارثة في اطار نظام غير تكافؤي في الاساس. فكلما كان النظام الرأسمالي فالتا من الرقابة كلما اشتد استغلال الشغيلة. لكن لا بد من الاشارة الى ان استغلال الشغيلة لا يقوم حصرا في المجتمعات الرأسمالية، بل يمكن ان يقوم ويزدهر، في المجتمعات التي تحكمها باسم الجماعة قلة من القياديين الحزبيين. اصحاب العمل اللبنانيين يرفضون هذه السياسة التدخلية المتزايدة للدولة في علاقة العمل بحجة الحفاظ على مبدأ الحرية التعاقدية وتشجيع المستثمرين في بلد الارز. وهذه المقاربة لديهم تدفع بهم الى حد المطالبة، مثلا، بعودة المادة خمسين من قانون العمل اللبناني الى سابق عهدها (ما قبل 1975)، اي الغاء مفهوم الصرف التعسفي والسماح لاصحاب العمل بصرف اجرائهم حين يشاؤون من دون اي عقاب. عودة الى التاريخ لقد جاء اقرار قوانين العمل ثمرة نضالات كبيرة قام بها الاجراء والنقابيون والاحزاب السياسية ويذهب بعض الكتّاب اللبنانيين الى ان قانون العمل اللبناني اقر بارادة احادية من البرلمان اللبناني (بهيج طبارة). لا نوافقهم الرأي. كتّاب ومؤرخون اخرون (عصام القيسي، الياس البواري) يجزمون بأن العام 1946 شهد تحركا عماليا عارما ولم يكن قانون العمل ليقر لولا الضغط الذي مارسته الطبقات الكادحة اللبنانية. إن قانون العمل اللبناني، برغم شوائبه وقدمه والحاجة لتغييره جذريا، وحتى في حلته الحالية، يحمل مخزونا ((إنسانيا)) وتغييريا شريطة تطبيقه بدقة، فكيف اذا اتفق قاض ومحام واستاذ قانون ونقابي على ليِّه بعض الشيء شطر مصلحة الاجراء، اي الفريق الضعيف في علاقة العمل. لكن هذا لم يحصل في ما يخص القانون اللبناني. كلنا يعلم ان احكام قانون العمل غير مطبقة احسن تطبيق. يكفي معرفة العدد المروع للمؤسسات التي لا تصرح عن اجرائها وهذا يعني ابقاء هؤلاء خارج اي حماية. كلنا يعلم ان الاجير اللبناني لا يطرق باب القضاء بسهولة بل يتردد ويتردد. ثم ينسحب وهو على صواب. ولنكتف هنا، بين اسباب عدة، بذكر البطء في البت بالدعاوى في مجالس العمل التحكيمية. نذكر هنا، ان بعضهم اقترح إلغاء مجالس العمل التحكيمية واحالة صلاحياتها الى القضاء المنفرد. دور القضاء منذ العام 1990 تزين الدستور اللبناني مقدمة جاء فيها التزام لبنان المواثيق الدولية ولا سيما الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وهذا الامر فائق الاهمية في ما خص علاقات العمل الفردية والجماعية لانه غدا بامكان القضاء اعمال احكام الاتفاقيات الدولية في كل مرة يكون فيها غموض في النص القانوني او غياب للنص القانوني. نذكر هنا ان الوضع تعزز كثيرا بعد صدور قرارين للمجلس الدستوري اللبناني في العام 1997 (في موضوع التمديد للمجالس البلدية) حيث اقر المجلس القيمة الدستورية لمقدمة الدستور وفي ما يخص الاتفاقيات الدولية فإنها تكتسب في لبنان اولوية على القوانين طبقا للمادة الثانية من اصول المحاكمات المدنية. بكل اسف نقول هنا ان قاضي العمل اللبناني (والقاضي اللبناني بصورة عامة) لا يمنح الاولوية لاتفاقية دولية على القوانين الداخلية. اكثر من ذلك، حتى في حالة غياب قانون او غموضه، فإن القاضي اللبناني لا يعمل احكام الاتفاقيات الدولية، ولو فعل ذلك لكان استعان مثلا بالاتفاقية رقم 111 (عدم التمييز في الاستخدام) المبرمة لاحقاق العدالة والمساواة في حالات عدة (المساواة بين الرجل والمرأة، انتهاك حرية العمل، المساواة عند التوظيف وعدم التمييز، الخ). وتجدر الاشارة هنا الى ان منظمة العمل الدولية اصدرت اعلانا تحذيريا (1994) توضح فيه ان اعضاء المنظمة، حتى غير الموقعين منهم على بعض الاتفاقيات، هم ملتزمون، بمجرد انتسابهم للمنظمة ووفقا لاحكام دستورها، اعمال هذه الاتفاقيات عاجلا ام آجلا. التعديلات المقترحة ان التعديلات التي هي قيد الدراسة لا تأتي على ذكر الاضراب على رغم الحاجة لتشريع هذه الوسيلة الوحيدة في يد الطبقة العاملة. الامل الوحيد سيبقى، اذا، وقوع الدعوى لدى قاض متحرر وجريء يشرِّع الاضراب عبر تحليل يتبع منهج القياس ويستند الى مادة ((هزيلة)) من قانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم (المادة 63). (انظر بعض قرارات القاضي محمد الشخيبي). اما في ما يخص الحرية النقابية فمردودة هي الحجة التي تقول أن ابرام الاتفاقية الصادرة عن منظمة العمل الدولية (87) حول انشاء النقابات من دون ترخيص مسبق من وزارة العمل) يصطدم بفقدان المناعة لدى الشعب اللبناني، اي بعدم قدرته على تقبل مثل هذه الحرية. هذه الحجة غير مقنعة، بل تخفي الرغبة في الابقاء على سلطة المركز. لكن، والحق يقال، ان هذه التعديلات الجديدة تحاول اعمال بعض ما جاء في هذه الاتفاقية (87). كما لا نقع في هذه التعديلات المقترحة على تعريف جديد لعقد الاستخدام، كانت اقترحته الدكتورة ليلى عازوري، وتاليا فإن التعريف المعتمد سيبقى ((مستعاراً)) من المادة 624 من قانون الموجبات والعقود اللبناني. كذلك لا تأتي هذه التعديلات إلا بالقليل ايضا في موضوع استخدام الخدم في البيوت، فيما تنتظر هذه الفئة من ((الشغيلة)) منذ خمسين سنة صدور المرسوم الموعود الذي ينظم وضعها. وبانتظار ذلك سيبقى استخدام الاجانب في البيوت فرصة ذهبية لدى بعض اللبنانيين لممارسة استعباد معاصر، ليست اقل نتائجه الانتحار وجرائم القتل... كما لم تقترح هذه التعديلات نصوصاً متعلقة بالهيكلية النقابية الجديدة. مع هذا ينبغي الاقرار بأن هذه التعديلات قيد التداول تطوِّر في وضع علاقة العمل الفردية والجماعية على اكثر من صعيد: في موضوع عمل الاحداث، استخدام النساء لا سيما رفع اجازة الامومة الى عشرة شهور وضع حد اقصى للعمل الاضافي بحيث يجب ان لا تتعدى ساعات العمل العادية والاضافية العشر ساعات في اليوم او الستين ساعة في الاسبوع، اضافة الاجازات التالية: اجازة زواج، اجازة ابوة، شمول اجازة الوفاة الاقرباء حتى الدرجة الرابعة، عدم جواز تعيين الاجير تحت التجربة اكثر من مرة واحدة لذات العمل لدى صاحب عمل واحد، وتعديلات اخرى تتناول الانظمة الداخلية وعقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم. استاذ في الجامعة اللبنانية.
#جورج_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
Introductory Speech of the WFTU General Secretary in the 4th
...
-
الكلمة التمهيدية للأمين العام لاتحاد النقابات العالمي في الم
...
-
رابط مباشر .. الاستعلام عن رواتب الموظفين في القطاعين المدني
...
-
وفد برلماني سيتفقد المنشآت النووية لمراقبة تنفيذ قانون العمل
...
-
الحكومة الجزائرية تعلن عن تعديل ساعات العمل في الجزائر 2024
...
-
المالية العراقية تعلن عن موعد صرف رواتب المتقاعدين في العراق
...
-
“الجمل” يتابع تطوير شعبة الفندقة بالجامعة العمالية لتعزيز ال
...
-
وزارة المالية.. استعلام رواتب المتقاعدين وحقيقة الزيادة في ا
...
-
وزارة المالية العراقية تحدد موعد صرف رواتب الموظفين لشهر ديس
...
-
حصيلة بقتلى العاملين في المجال الإنساني خلال 2024
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|