شهاب فخرى
الحوار المتمدن-العدد: 1560 - 2006 / 5 / 24 - 10:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أجمع بعض نواب الحزب الوطنى و الإخوان و مفتى الأزهر على قرار واحد، و هو أن حق العقيدة و الممارسة الدينية، و هو حق دستوري وفقاً للمادة ٤٦، يجب أن يقف عند حدود معينة وهي حق البهائيين في إثبات ديانتهم في المستندات الشخصية. لن أحاول أن أتخيل موقف أن أشرح لضابط المرور ما معنى هذه الـ"شرطة" في خانة الديانة (و هو موقف لم أتعرض له شخصياً) و هى الـ"شرطة" التى تحل محل الديانة فى المستندات الرسمية للبهائيين. و قد يطول الحكي عن اضطهاد البهائيين في إيران في سنة 1955فى الأعقاب الكارثية لسقوط محمد مصدق. الدور الآن على مصر أن تستمر في اضطهاد و مطاردة أقلية لم تطالب إلا بحقوق المواطنة.
السؤال الآن هو عن حدود الحوار حول المرجعية القيمية و مدى تأثيره فى سن القوانين و تفسيرها في إطار دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان و المواطنة، و لنرى بتعبير مقال شريف يونس المنشور في المصري اليوم أين نحن من مزاعم الديمقراطية.
أي دولة ديمقراطية محترمة لا بد و أن تعترف بحقوق أساسية للإنسان، و تشكل هذه الحقوق الجوهر الأخلاقي للقانون. حق الحرية و المساواة في الكرامة و حق التمتع بحماية متكافئة أمام القانون دون أية تفرقة و الحق في حرية الفكر و الضمير و الدين بالإضافة إلى حق الإعراب عنهم بالتعليم و الممارسة هي كلها حقوق نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لم تنزل إلينا هذه الحقوق من السماء و لكنها نتاج مئات السنين من الحروب الإضطهادية و الكوارث الإنسانية و التي علمتنا أن هذه الحقوق هي ما ندين بها للآخرين لأنها بالضبط الحقوق التي نريد من الآخرين أن يعطيها لنا. إذاً الديمقراطية لا أساس لها إلا بالاعتراف بهذه الحقوق الأساسية و بانعكاس هذه الحقوق في القوانين.
الصفة الأساسية لهذه الحقوق أنها تعبر عن "حريات سالبه" بمعنى أنها تعطى الفرد مساحة من الحرية يفعل بها الفرد ما يشاء. هذه الحريات لا تصف أو تحدد ما يجب على الإنسان فعله ليكون "حراً"، لأن مسؤولية أن يختار الإنسان لنفسه قيم أو فكر أو دين معين هي في النهاية مسؤوليات فردية لا يستطيع القانون أن يحددها للفرد. الحقوق إذاً تعبير عن مساحة من الحرية يستطيع فيها الفرد أن يختار و يطور قيمه و معتقداته بدون مسائلة أو ضغط من الدولة أو المجتمع. ينتج عن هذا أيضاً استنتاج مهم و هو أن القانون يجب أن يكون محايد من الناحية القيمية و العقائدية. من هذا المنطلق لا يمكن للقانون أن يطالب الفرد أن يكون لطيفاً أو سخيفاً فهذه قيم يختارها الفرد و يدفع ثمنها أو يتمتع بنتائجها ومن نفس المنطلق لا يطالب القانون أن يؤمن الفرد بدين معين و من المنطلق ذاته لا يستطيع القانون أن يكيل بمعايير مختلفة أصحاب ديانات مختلفة لأن كل هذا يعد خرق لحيادية القانون.
يكون إذاً رفض مطلب البهائيين إثبات ديانتهم في المستندات الشخصية خرق لحيايدة القانون و تعبير صريح عن معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. فما إذاً التبرير الـ"قانوني" لهذه التفرقة الواضحة في المعاملة و الحماية القانونية؟ يقول عصام الإسلامبولى في مقاله بالمصري اليوم أن التبرير واضح، و هو أن حرية الاعتقاد التي تنص بها المادة ٤٦ من الدستور تنطبق على أصحاب الديانات السماوية الثلاثة فقط.
أولاً يأخذ هذا الفرض كمسلمة مفروغ منها اجتماع اليهودية و المسيحية و الإسلام على ما هو سماوي. لا أرى لهذا أي تبرير لأن إذا اقتنع يهودي بأن المسيحية و الإسلام ديانات أخرى سماوية فلماذا لا يؤمن مثلاً بأي منهما؟ في الحقيقة فكرة الديانات السماوية الثلاثة هي فكرة الإسلام فقط عن ما هو دين سماوي.
ثانياً "صحة" المعتقدات الدينية لا يمكن الفصل فيها في أي حوار حضاري بناء، فكما يؤمن المسلم بصحة و سماوية الدين الإسلامي يؤمن البهائي أيضاً بصحة و سماوية الدين البهائي. قد أمن أنا بالإسلام و قد يؤمن شخص آخر بالبهائية و هذا شيء واقع و مفهوم و لكنه في النهاية اختيار شخصي و قيمي.
ثالثاً و هو فى غاية الأهمية أن الحوار بيننا كأفراد ذو اتجاهات قيمية و عقائدية مختلفة يجب أن لا يكون له أي تأثير على مساحة الحرية التي تضمنها الحقوق الإنسانية لكلٍ منا. فاختلافنا هو اختلاف عقائدي و قيمي في المساحة التي تخلقها لنا هذه الحقوق و تحمينا من ضغط و مسائلة الآخرين و المجتمع. منظور الإسلام أو أي دين آخر عن ما هو دين سماوي، و الذي هو من منظور محايد ليس أكثر خطأ أو صحة عن من منظور البهائية عن كونها ديناً سماويا، لا يجب إذاً أن يكون له أي صدى من الناحية القانونيةً و الحقوقية.
الحوار القيمى و العقائدي هو حوار على مستوى مخالف كلية للقانون، و هذا الفرق بين نوعين الحوارين هو ما يحفظ لكل منهما مكانه و دوره المناسب في أي مجتمع ديمقراطي. فالحق لكل إنسان أن يعتنق ما يشاء و أن يحميه و يعترف به القانون كإنسان مساوي للجميع حق لا تفرط فيه إلا دولة قمعية. في النهاية يبقى أن نعترف بذاتية معتقداتنا و أن نقنع بحيادية القانون لأنه هو الحل الديمقراطي الذي يكفل لنا حرية الاعتقاد في الأصل.
المشكلة الحقيقية لا تكمن في رفض مطلب البهائيين أن تثبت ديانتهم فى أوراق إثبات الشخصية، فهذه إحدى عوارض المشكلة الرئيسية و هي رفض الإعتراف بديانتهم و بهم كمواطنون من الأساس. هذا الرفض يأتى من منطلق تفسير عقائدى للقانون و هو ما يفقد القانون مصدقيته و حياديته. فالقانون إذاً لا يمكن أن يكون إسلامياً أو مسيحياً أو بهائياً إذا أردنا ديمقراطية حقيقية تكفل للإنسان حقوقه المشروعة.
#شهاب_فخرى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟