|
انتفاضات الشعوب وتحديات المستقبل
كريمة الحفناوى
الحوار المتمدن-العدد: 6412 - 2019 / 11 / 18 - 13:25
المحور:
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية
فى السنوات الأخيرة اندلعت الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية فى بعض الدول الأوروبية وأطلق عليها عدد من الكتاب والمفكرين "الحركات المواطينية" وجمعت هذه الانتفاضات المواطنين المهمشين والفقراء من صغار الموظفين والمهنيين بجانب الفلاحين والعمال والمتعطلين عن العمل أى أغلبية المواطنين الذين تضرروامن السياسات النيو ليبرالية التى تبنتها الرأسمالية المتوحشة والمعسكرة والتى كانت نتيجتها زيادة واتساع الفجوة الطبقية بين القلة الاحتكارية التى تستحوذ على أكثر من 80% من الثروات والباقى والذى يقل عن 20% يتوزع على 90% من الشعب وأدى ذلك إلى انزلاق البشرية إلى خط الفقر مع تآكل الطبقة الوسطى وانهيارها. هذه التحولات طالت جميع دول العالم الغنية والتى يطلق عليها (الدول الكبرى أو بلدان الشمال) والفقيرة (بلدان الجنوب أو البلدان النامية) وهى الدول التى أدت فيها سياسات الأنظمة الحاكمة التابعة للرأسمالية العالمية المتوحشة المنفذة للسياسات الجديدة بجانب تطبيق سياسات وشروط صندوق النقد الدولى التى تتبعها تلك الأنظمة التابعة أدت هذه التبعية إلى زيادة الفجوة الطقبية بين القلة الغنية وأغلبية الشعب الذى بات يعانى من مزيد من الإفقاروزيادة معدل التضخم وفرض ضرائب جديدة وارتفاع أسعار السلع الضرورية وضعف القيمة الشرائية للعملة المحلية مع تردى الخدمات فى الصحة والتعليم والسكن بل وخصخصة تلك الخدمات فى العديد من الدول تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولى. وأدت أيضا هذه السياسات إلى تكوين شريحة عليا تجمع بين السلطة ورأس المال بلا حسيب ولارقيب واستشرى الفساد والاستيلاء على المال العام ونهبه وإهداره وازدادت فى نفس الوقت المنتجعات والكومباوندات ذات الأسوار العالية التى يعيش فيها علية القوم على حساب التوسع فى العشوائيات وعشش الصفيح التى يسكنها المعدمين والفقراء تلك العشوائيات التى تهدر الآدمية والقيم والأخلاق. أما فى البلدان الغنية أدت سياسات النيو ليبرالية إلى احتكار السلطة ورأس المال مع المزيد من الصرف على التسليح وتصديرة للاستفادة من أرباحه الفاحشة وأدى كل ذلك إلى زيادة البطالة ومزيد من الإفقار بجانب تصاعد صيحات العنصرية ضد الأقليات والمهجرين. كل هذه الظروف أدت إلى تنامى وصعود حركات احتجاجية متخطية ومتعدية للأيدولوجيات والأحزاب القائمة وتكفر بالنخبة الحالية وبسياسات الأنظمة والمؤسسات الحالية ولاتثق فيها. ولم تقتصر هذه الحركات الاحتجاحية على المهمشين بل وموظفى الدولة وصغار المهنيين والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى وصغار الفلاحين والعمالة غير المنتظمة وفى عدد من البلدان انضم طلاب الجامعات لهذه الاحتجاجات. ولم تقتصر الاحتجاجات على سكان المدن ولكن اندلعت فى الضواحى والقرى. أطلق عدد من الكتاب الأوروبيين على هذه الحركات (الحركات المواطنية الجديدة) وتابع هذه الظاهرة وكتب عنها فى جريدة الأهرام الكاتب والمفكر سمير مرقص، وتركزت المطالب على محاربة الفساد ومحاربة الغلاء ورفض الضرائب الجديدة وارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات كما طالبت بتحسين الخدمات وزيادة الأجور وفرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الثروات الكبرى كما حدث مثلا فى فرنسا (حركة السترات الصفراء).وفى عدد من البلدان ارتفع شعار تغيير النظام. وإذا تناولنا مايحدث فى المنطقة العربية فى الشهور الأخيرة نجد تصاعد الانتفاضات والاحتجاحات ففى الجزائر والسودان خرج الشعب بالملايين ونجح فى السودان فى إسقاط نظام فاشى فاسد ومازال شعب الجزائر ثائرا يخرج كل أسبوع منذ 9 شهور مطالبا تغيير النظام بكل رموزه السابقة بعد تنحى الرئيس السابق بوتفليقة تحت ضغط مطالب الشعب وثورته. ومنذ أول شهر أكتوبر الماضى اندلعت انتفاضة كبرى فى دولة العراق الذى أضعفته وأنهكته ونهبته الحكومات المستمرة منذ العدوان الأمريكى على العراق فى 20 مارس 2003 ثار الشعب العراقى على النظام الفاسد وطالب بإسقاطه (الحكومة والبرلمان والرئيس) وطالب بإنهاء نظام المحاصصة بين السنة والشيعة والأكراد هذا النظام الذى وضعته أمريكا مع أتباعها فى الداخل العراقى وأرسته تمهيدا لتقسيمها إلى ثلاث مناطق سُنة وشيعة وأكراد تنفيذاَ للمخطط الاستعمارى الأمريكى لتقسيم الدول العربية وتفتيتها وإنهاكها. خرج الشعب العراقى ضد الطائفية والفساد والفقر والبطالة التى وصلت نسبتها إلى أكثر من 25% خرج الشعب عابرا للطوائف يريد دولة المواطنة. وفى 17 اكتوبر الماضى خرج مئات الآلف من الشعب اللبنانى عبركل المدن فى بيروت والشمال والجنوب وسهل البقاع والجبل خرج الشعب بكل فئاته وأعماره شباب ورجال ونساء وتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات خرج عابرا للطوائف والمذاهب مطالبا بإسقاط نظام المحاصصة والطائفية المتجذر منذ نشأة لبنان عام 1920 وتكرس بعد الاستقلال عام 1943 فيما عُرِف بالميثاق الوطنى وبعد الحرب الأهلية والتى امتدت سنوات (1975 – 1989) تم تثبيت نظام المحاصصة عبر اتفاقية الطائف 1989 لذا خرجت الأجيال الجديدة منتفضة ضد الطائفية التى كان نتيجتها المحسوبية والفساد ونهب المال العام وثروات البلاد من القلة الاحتكارية الحاكمة وكان أيضا من نتيجتها مزيد من الإفقار لأغلبية الشعب مع تردى الخدمات فى الصحة والتعليم والسكن وزادت نسبة البطالة إلى 40% وقامت العلاقة بين أفراد الشعب على أساس التبعية للطائفة ومدى ولائه للطائفة وليس على أساس المواطنة. تصدى النظام الحاكم فى العراق للانتفاضة باستخدام القوة المفرطة بقنابل الغاز المسيلة للدموع والهروات والرصاص الحى وأسفر ذلك عن سقوط أكثر من 320 شهيدا و15 ألف مصاب من أول أكتوبر وحتى 13 نوفمبر وأدى ذلك إلى مزيد من الاحتجاجات وإصرار الشعب على اسقاط النظام الطائفى والحكومة ومحاكمة ناهبى أموال أما فى لبنان فقد تطورت الأحداث وانضم المزيد من الشعب للانتفاضة وأغلق المتظاهرين الطرق ودعا اتحاد نقابات عمال لبنان إلى الإضراب العام واتحاد نقابات موظفى المصارف إلى التوقف عن العمل من 12 نوفمبر كما أعلن المتظاهرين اصرارهم على رفض قانون العفو العام الذى أعلن عنه مجلس النواب وطالبوا بسرعة تشكيل حكومة تكنوقراط ورفضوا وطالبوا بانتخابات لدولة مدنية دولة مواطنة بالهوية اللبنانية. وفى انتظار التطورات لابد من بلورة قيادة للانتفاضة ووضع برنامج بديل يلبى مطالب الشعب وهذا مايلوح فى الأفق. وإننا نتمنى زوال الطائفية والمذهبية ونود ألا تنزلق البلاد إلى اقتتال بين أفراد الشعب الواحد وأن تستمر الاحتجاجات سلمية وأملنا فى الأجيال الشابة والتى تتصدرالمشهد متخطية التعصب والطائفية تريد دولة مدنية دولة مواطنة تلبى حق الإنسان فى المعيشة الكريمة. لقد علمنا التاريخ أن الشعوب هى الباقية وأن الحكومات والأنظمة تسقط وتتغير وليحمى الله بلداننا من الاقتتال ومن مخططات الحلف الأمريكى الصهيونى المعادى لمصالح الشعوب العربية.
#كريمة_الحفناوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الممر-لسه جى من وسط ليل العتمة ضى-
-
تحية لنضال الشعب الفلسطينى البطل
-
المنظومة التعليمية فى مصر التحديات والبدائل
-
فى الأول من مايو كل عام يحتفل العمال بعيدهم على مستوى دول ال
...
-
هتاف الشعب المصرى- لاتصالح-
-
الحركات الاحتجاجية بعد سبع سنوات على ثورة 25 يناير 2011
-
جبهة شعبية عربية لنصرة فلسطين
-
الجزر النيلية والأزمة الإنسانية المجتمعية
-
تحية لنساء مصر فى ذكرى يناير 3
-
وتبقى كلماتك نابضة بالحياة
-
دور المؤسسات التعليمية فى تأهيل واكتشاف المواهب الثقافية وال
...
-
دولة المواطنة وقانون موحد لدور العبادة
-
بين مخالب الصندوق – 3
-
بين مخالب الصندوق -1
-
الفتنة الطائفية واستئصال الجذور -2-
-
الفتنة الطائفية واستئصال الجذور -1-
-
الانحدار الأخلاقى وانعدام الضمير الإنسانى 1
-
ملايين الثورة ما زالت تطالب
-
الفساد والغش فى الامتحانات
-
العنف ضد المرأة من الصعيد للسويس
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين الشبابية العراقية: جذورها والى أين؟
/ رياض عبد
-
تحديد طبيعة المرحلة بإستخدام المنهج الماركسى المادى الجدلى
/ سعيد صلاح الدين النشائى
-
كَيْف نُقَوِّي اليَسَار؟
/ عبد الرحمان النوضة
-
انتفاضة تشرين الأول الشبابية السلمية والآفاق المستقبلية للعر
...
/ كاظم حبيب
-
لبنان: لا نَدَعَنَّ المارد المندفع في لبنان يعود إلى القمقم
/ كميل داغر
-
الجيش قوة منظمة بيد الرأسماليين لإخماد الحراك الشعبي، والإجه
...
/ طه محمد فاضل
المزيد.....
|