أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الغاء عقوبة الاعدام - مزن مرشد - إلى الرجل الذي خذلته














المزيد.....

إلى الرجل الذي خذلته


مزن مرشد

الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 11:58
المحور: الغاء عقوبة الاعدام
    


منذ ست سنوات وطيف ذلك الرجل لا يفارقني، منذ ست سنوات وأنا أحاول أن اضحك على نفسي وأقول بأنني لا أريد الكتابة عنه، ولكن الحقيقة أنني كنت اجبن من أن أواجه نفسي واعترف بأنني خذلته.
في الشهر الخامس من عام ألفان، أعددت تحقيقا صحفيا عن سجن عدرا المركزي، بوقتها لم تكن غايتي قصص السجناء أو اكتشاف المظلومين بينهم، وإنما استمعت لبعض القصص في جملة المعلومات التي أريد جمعها، وعندها اختار لي مدير السجن آنذاك بعض القصص الغريبة ومن بينهم منذر.
رجل في الأربعين من عمره، أبيض الشعر، طويل القوام، يبدو عليه الرقي والاحترام، تفاجأت بأن يكون قاتلا!
أمضى الرجل اثنان وعشرون عاما في السجن، أي منذ أن كان عمره ثمانية عشر عاما.
منذر قتل بالرصاص ثلاثة أشقاء وأصاب أباهم بجروح، القصة تصل إلى درجة الفاجعة.
حكم ابن الثمانية عشر عاما بالإعدام وهو يحمل الشهادة الابتدائية فقط، وكان يعمل وقتها بتصليح السيارات ( ميكانيكي وكهرباء) أما ما دعاه لقتل ثلاثة فكان مشاجرة حادة بين أهله وبين أصحاب المنزل الذي يستأجروه بسبب حكم بالإخلاء تنفذه الشرطة، وصلت المشاجرة إلى حد انتهاك حرمات بيتهم في بيئة محافظة جدا في احد أحياء دمشق!
لا أريد الدخول في تفاصيل القضية وملابساتها ما يهمني أن هذا الشاب استطاع خلال سنوات سجنه أن يحصل على الشهادة الإعدادية ثم الثانوية وأنهى دراسته الجامعية من قسم التاريخ وعندما التقيته كان يجهز لنيل الدكتوراه بالتاريخ المعاصر إلى جانب دراسته للقانون كمطالعة كي يستطيع أن يعرف حقوقه وكيف يدافع عن نفسه.
أحزنني حديثه عندما أكد لي أنه لم يدرس رغبة بالشهادة على الإطلاق فالعلم كان يستطيع أن يحصل عليه من القراءة في السجن فقط ولكن تقدمه للامتحانات كانت لهدف وحيد، وهو أن يستطيع النظر من خلال شباك السيارة التي ستنقله للامتحان على شوارع دمشق، ليرى التغيرات التي تطرأ على المدينة بغيابه، أن يستطيع من خلال تلك النافذة الصغيرة أن ينظر إلى وجوه الناس متأملا أن يرى أي وجه مألوف يلقي عليه التحية.
كان ينظر من تلك النافذة ليعرف انه ما يزال على قيد الحياة.
مدير السجن، ومدير ثانوية السجن، المرشدة الاجتماعية هيام، السجناء وكل من عرف منذر، حمل له الود والمحبة، جميعهم أكدوا بأن هذا الرجل الذي لم يعرف الحياة خارج هذه الجدران كرجل بالغ، عاقل، يستحق بأن يعطى الفرصة ليعيش حياة حرة ويثبت للجميع بأنه يستحق الحرية، أما العقاب، فالاثنين والعشرين عاما التي قضاها خلف القضبان، وإدراكه لفداحة الخطأ الذي ارتكبه، كافية لتكون عقابا عادلا عما اقترف.
قبل أن أغادر السجن قال لي:" كنت أتمنى لو أنهم أعدموني بعد يوم من الحكم، لكان ذلك ارحم ألف مرة من انتظار الإعدام يوميا على مدى عقدين من الزمن."
بعد تلك الحادثة بعدة اشهر بعث لي منذر من سجنه برسالة يحيني فيها ويرى أن اسمي – مزن- قريب من كلمة maison الفرنسية وتعني المنزل هذا المنزل الذي يحلم به طوال اثنين وعشرين عاما والذي كان السبب في قتله لثلاثة أشقاء، ومع الرسالة علاقة مفاتيح من صنعه كتب عليها ( كل شيء بالمال وضاح.... والحق مثل الشموع يذوب)
قدم منذر أكثر من التماس نظرا للظروف المحيطة بالقضية واستأنف أكثر من مرة إلا أن قوة الخصم جعلت كل محاولاته تذهب أدراج الرياح ليصلني خبر إعدامه منذ سنتين.
حكم الإعدام هذا الحكم الجائر الذي يعالج الظلم بظلم اكبر منه، ليصبح القاتل ضحية والمقتول سببا يدعو للحقد، فارق بسيط بين الإعدام والثأر، لتعالج الجريمة بجريمة أبشع.
اعدم منذر، في سجنه، أعدم ذلك الرجل الذي لم يعرف الحياة أبدا، اعدم بعد أن وعدته في حينها بأنني سأعمل على مناهضة عقوبة الإعدام من خلال عملي الصحفي والمدني والمجتمعي وبكل ما أستطيع، لكنني خذلته، أخذتني الدنيا، وخذلته.




#مزن_مرشد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايها الشباب...تزوجوا وعوضكم على الله
- الجحر
- تذكار من سورية
- التأليف والترجمة في وزارة الثقافة ‏
- نساء في مهب الريح والتهديد - الحكم العرفي - لعدم الترخيص
- نائب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية د:يسري أبو شادي.. از ...
- جمعية الحجر الأسود السكنية وحكاية الكلب المفقود .. فشلت في ت ...
- الصناعة وتحديات الشراكة السورية-الأوروبية ... الاستفادة منها ...
- سورية...من حلم السيارة الى سيارة الحلم
- حي السيدة عائشة..تعويضات متواضعة لخمسمائة أسرة مهددة بالاخلا ...
- إذا كنا نخشى البالة كيف سندخل في شراكة أوروبية
- في البدء كانت الكلمة
- موت
- تصحيحا لمعلومات جريس الهامس
- معوقات ام عقوبات امام الاستثمار في سورية
- عودة
- الوسادة
- سجن
- الغريب
- حلم


المزيد.....




- بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث ...
- مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال ...
- هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟ ...
- دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت ...
- قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
- مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
- كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
- حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن ...
- 133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا ...


المزيد.....

- نحو – إعدام! - عقوبة الإعدام / رزكار عقراوي
- حول مطلب إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب ورغبة الدولة المغربية ... / محمد الحنفي
- الإعدام جريمة باسم العدالة / عصام سباط
- عقوبة الإعدام في التشريع (التجربة الأردنية) / محمد الطراونة
- عقوبة الإعدام بين الإبقاء و الإلغاء وفقاً لأحكام القانون الد ... / أيمن سلامة
- عقوبة الإعدام والحق في الحياة / أيمن عقيل
- عقوبة الإعدام في الجزائر: الواقع وإستراتيجية الإلغاء -دراسة ... / زبير فاضل
- عقوبة الإعدام في تونس (بين الإبقاء والإلغاء) / رابح الخرايفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الغاء عقوبة الاعدام - مزن مرشد - إلى الرجل الذي خذلته