أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت عباس - المرثية الأولى– راينر ماريا ريلكه -















المزيد.....

المرثية الأولى– راينر ماريا ريلكه -


بهجت عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1559 - 2006 / 5 / 23 - 10:11
المحور: الادب والفن
    


المرثية الأولى– راينر ماريا ريلكه
( من مراثي دوينو العشر )
ترجمة بهجت عباس

لو صرختُ، مَـنْ مِـنْ تَـراتُب الملائكة سيسمعني؟
وحتّى لو أخذَني أحدُهم فَجأةً إلى قلبه:
سأفنى من وجـوده الأقوى. لأنَّ الجمالَ لا شيءَ
سوى مُستَهَـلِّ الرّعبِ الذي لا نزالُ بالكاد نُطـيقُـه،
ونمجِّـده، لأنّه يأنَفُ أن يُدمِّـرَنـا. كلّ ُ مَـلَـكٍ رهيبٌ.
لذا أسيطرُ على نفسي وأبتَـلِـعُ نداءَ الإغراء ِ
لنشيجي الدّاكـن. آخ، من نَتـقـوّى به
لننـالَ ما نُـريد ؟ ليس الملائكةَ، ليس البشرَ،
والحيـواناتُ الفَطِنـةُ أحسّتْ من قبلُ،
بأنّـنا لسنـا بأمانٍ جدّاً في بيـوتنـا
في الدّنـيا المُفَسَّـرة. ربّمـا تبقى لنـا
هنـاك شجرةٌ على المنحَدَر نراها كلَّ يومٍ;
يبقى لنا شارعُ الأمسِ
والوَلاءُ الضّالّ ُ لعادةٍ شُغِـفَتْ بنا، لذا بَـقِـيَتْ ولمْ تذهبْ.
آه والليلُ، الليلُ، عندما تهُبّ ُ الرّيحُ مليـئةً
بجمال الكون،
تتغذّى عند وَجناتنا -، سوف لا تبقى عند أيِّ أحد، تلك المشتاقةُ،
المُخَـيِّـبَةُ بلطفٍ، تنتظر القلبَ المُنعـزِلَ مُتعَـبَةً.
أهيَ أسهلُ للمُحبّـينَ ؟
آخ، بعضُهم يستخدمُ بعضاً ليُـخفوا أنفسَهم من مصيرهم.
أتَـزالُ لا تعرفُ بعدُ ؟ اِرمِ من ذراعيْـكَ الفضاءَ خارجاً،
أضِفْـهُ إلى المجالات، التي نَتـنفَسّـُها، فلربّما تُحِسّ ُ الطّيرُ
بالهواء المتَمَـدّد، فتطير أعمقَ في دواخلـها.

نعم، فصولُ الرّبيع احتاجتْ إليكَ حقـاً. إنَّ نجوماً
كثراً طلبتْ منك أن تَـقتفيَ أثَـرَها. إنَّ موجةً
اِرتَفعتْ تجاهَكَ في الماضي، أو عندما مَشيْتَ
تحت نافذةٍ مفتوحةٍ،
كمنجةٌ أعطتكَ نفسَها. كلّ ُ هذا كان تكليفـاً.
ولكنْ هل استطعت القيامَ به؟ ألمْ تكنْ دوماً
مُبلبَـلاً بأمـل، كما لو أنَّ كلَّ هذه الأشياءِ
وعدتك بحبيبة؟ ( حيث تودّ أن تُخفِـيَـها،
بكلِّ هذه الأفكار الغريبة العميقة التي تدخل فيك وتخرج منك
وغالباً تبقى في الليل.)
عندما يجتاحك الشَّوقُ، غَـنِّ المحبّـين، عاطفتُهم ذائعةُ الصِّيت
ليست خالدةً تماماً. تلك المهجوراتُ، التي حسدتَ تقريـباً،
وجدتَهنَّ أكثرَ حبّـاً لك من اللواتي أحبَبتَ.
ابدأ دوماً من جديد التمجيدَ الذي لمْ يُـنَـلْ;
تَذكّـرْ: البطلُ يبقى، وحتّى سقوطُـه هو عذرٌ
له فقط، لتكونَ: ولادتُه الأخيرة.
ولكنَّ المحبّينَ، تأخذهم الطبيعةُ المُستَهـلَـكةُ إليها مرةً أخرى،
كما لو أنَّ القوةَ المُضاعفةَ أعوزتْـها لتصنعَهم. هل فكّرتَ في
كاسبارا ستامبا* كفايةً ؟ إنَّ أيَّ فتاةٍ، هجرها حبيبُـها،
كمثالٍ بارزٍ لهؤلاء العشّاق، تَحسَبُ: هل سأكونُ مثلَها؟
ألا ينبغي لهذه الآلام الأكثَرِ قِـدَماً أنْ تكونَ في النّهاية
أكثرَ إثماراً لنا؟ أليس هذا وقتَ
أنْ نحرِّرَ أنفسَنا بحبٍّ مِمّن نُحبُّ، وأنْ نتحمّل مُرتَعِشين:
كما يتحمّـل السّهمُ وتـرَ القوس، لنتجمَّع في وثبة نكون أكثرَ
وجوداً من وجوده؟ لبقاءٍ في لا مكان.

أصواتٌ أصواتٌ. أصْـغِ، يا قلبي، لأنَّ قدّيسين فقط أصْغَوا:
إلى أنْ رفعهم النِّداءُ الجبّارُ عَـلِـيّـاً من على سطح الأرض;
ولكنّهم، الخوارقَ، ظلّـوا راكعين، ولمْ يلاحظوا
شيئاً: لذا كانوا مستمعين. ليس لأنّك تحمّلتَ صوتَ الإله، ليس
أكثرَ، لكنْ أصْـغِ إلى نَفحة الرّيح، الرسالةِ المتواصلَةِ التي تكوِّن ذاتَها
من السّكون. إنَّها تَهِفّ ُ الآنَ من أولئك الموتى الفتيـان إليك.
حيثما دخلتَ دوماً في كنائسَ، في روما أو نابولي، ألمْ يكلّمْـكَ
مصيرُهم بهدوء؟ أو نقشٌ يرفع ذاتَه إليكَ مثل اللوحة في سانتا
ماريا فرموزا حديثاً ؟ ماذا يريدون مني؟ بهدوء ينبغي عليَّ
أنْ أمحوَ علامةَ الظّلمِ التي تُعيق بعضَ الشيء
الحركةَ النّقيّـةَ لأرواحهم أحياناً.
إنَّه لغريبٌ حقّـاً، ألاّ تستوطنَ الأرضَ بعد هذا،
ألاّ تمارسَ تقاليـدَ تعلَّمتَـها بنُـدرةٍ،
ألاّ تُعطِيَ أزهاراً وأشياءً واعـدةً معنى مستقبل الإنسان;
أنْ لا تكونَ بعد هذا ما كان أحدٌ في أيدٍ رهيبـةٍ أبديّـة،
وأنْ تتخلّى عن اِسمك الخاصّ بكَ
مثلَ ما تَـرمي الدّميـةَ المحطَّمـةَ.
غريبٌ أنْ لا تتمنّى أيّةَ أمانٍ بعد هذا.
غريبٌ أنْ ترى كلَّ ما كان ذا عَلاقةٍ، يرفرف
مُتَـفكِّكاً في الفضاء. وإنَّه لعصيبٌ أن تكونَ ميّتـاً،
وأنْ تعملَ كثيراً بعدُ، لتُدركَ تدريجيّاً قليلاً من الأبديّـة -،
ولكنَّ الأحياءَ كلَّهم يعملون الخطأَ، أنْ يجعلوا الفوارقَ جدَّ صارمةٍ.
الملائكة (كما يُـقالُ) لم يعرفوا غالباً، أ بين الأحياء
أو الأمواتِ يذهبونَ. التيّـارُ الأزليّ يجذبُ الأعمارَ كلَّها معه
خلال المَلكوتـيْن إلى الأبد، ويغمُـر أصواتَهم في كليْهما.

أخيراً، أولئك الذين غادروا مبكِّراً، لا يحتاجون إلينا بعد هذا،
ينسلخ المرءُ بلطفٍ عن الأرض، كما يبتعد المرء بترفّق
عن ثَديَيْ أمِّه. ولكنّنا، نحن الذين يحتاجون
إلى ألغاز عظيمة، يصدر ارتقاؤها السّعيد من حزننا
غالباً – هل نقدر أنْ نكون بدونها؟
هل الأسطورة بلا معنى، مرّةً في تعزية لينوس**،
إنَّ الموسيقى الأولى الجريئة نفذت إلى الخدَر العقيم;
وإلى الفضاء المرتَعِب الذي هجره فَجأةً فتى ربّانيّ تقريباً
إلى الأبد، أحَسَّ الخالي، بذاك الاهتـزاز،
الذي يُبهجنا الآن ويواسيـنا ويساعدنا.


* Gaspara Stampa هي فتاة من طبقة النبلاء ولدت في عام 1523. أحبّتْ
في فينيسيا الكونت كولاّتينو. وبعد معاشرة دامت بضع سنين، ذهب الكونت محارباً
لأجل الملك هنري الثاني في فرنسا. وبعد رجوعه فتَر حبّه لها،
فتزوج امرأة غيرها. فماتت الفتاة عن عمر 31 سنة بعد أن ذكرت قصة حبها في 200 سونيته.

** هو Linos في الميثولوجيا اليونانية. حوله قصص عدّة، منها: إنه كان موسيقاراً ساحراً ادّعى أنّه أحسن من أبولو موسيقية وشعراً، فقتله أبولو حسداً. وهو بهذا يُشبه أورفيوس في أسطورته، حيث، في الحالين، تتجاوز الموسيقى الموتَ.


من مجموعة ( سونيتات إلى أورفيوس ) - ريلكه - مُعدّة للنشر



#بهجت_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحمة بوسطن 1854 – للشاعر الأمريكي والت ويتمان
- رباعيات - بهجت عباس
- عهد جديد - للشاعر الإنجليزي ه . دبليو أودن - ترجمة بهجت عباس
- أوه يا قُبطانُ! يا قُبطاني - والت ويتمان - ترجمة بهجت عباس
- سُونيتات إلى أورفيوس - راينر ماريا ريلكه
- لا جدوى! غرور الغرور! - يوهان فولفغانغ غوته
- قصيدتان
- شاعر وناشر
- داء النرجسيّة وهل للعرب حصة الأسد منه؟
- لُغزِ سرطان البروستات المعقد، هل يحلّه الجين المُكتشف حديثاً ...
- عندما يترجم بعض العرب شعراً ألمانياً
- يلتهم جرثومة القرحة ويحصل على جائزة نوبل
- تعليق لم ينشره قسم الصحة في إيلاف
- السيد الدفّاف
- تساؤلات - Fragen
- للجميع للشاعرة الألمانية لويزه أ ُُتو- بيترز
- للنساء – الشاعرة الألمانية لويزه أستون
- دِيـُوتـيـمـا Diotima – فريدريش هولدرلين
- هل الميتاكوندريا التي تورث من الأم فقط هي سبب شيخوخة الإنسان ...
- ثلاث قصائد للشاعر الألماني يوزيف فون آيْـشِنْـدورف


المزيد.....




- ليس في أمريكا بل ببلد خليجي.. مصور يوثق شغف خيالة بثقافة رعا ...
- جاهزين يا أطفال؟.. اضبط تردد قناة سبيس تون على القمر نايل وع ...
- ثبت الآن”.. تردد قناة ناشونال جيوغرافيك National Geographic ...
- المزيد من الـ -Minions- قادمون في فيلم جديد
- موسم أصيلة الثقافي يعيد قراءة تاريخ المغرب من خلال نقوشه الص ...
- شائعة حول اختطاف فنانة مصرية شهيرة تثير جدلا (صور)
- اللغة العربية ضيفة الشرف في مهرجان أفينيون الفرنسي العام الم ...
- تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
- الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين ...
- رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت عباس - المرثية الأولى– راينر ماريا ريلكه -