|
العراق: حكاية وطن دٌمر لعظمته ؟!-2-* الموت القادم من المنطقة الخضراء.
سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.
(Saeid Allam)
الحوار المتمدن-العدد: 6402 - 2019 / 11 / 7 - 04:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الوقت الافضل للاستثمار هو حين يكون الدم لايزال على الارض" احد المندوبين فى المؤتمر الثانى لـ"اعادة اعمار العراق" فى واشنطن.
"عقوبة السلام": "تلقت سيرلانكا (مثل العراق) "عقوبة السلام" وهى فرض نموذج اقتصادى مؤلم، جعل حياة معظم الشعب صعبة جداً، فى الوقت الذى كان يحتاج فيه الى المصالحة وتخفيف التشنجات اكثر من اى وقت مضى، فى الواقع، ان احتمال السلام الوحيد الذى قدم الى سيرلانكا هو حرب خاصة بها." رولاند باريس، عالم سياسى، جامعة اوتاوا.
"قدم الخوف والفوضى الينا فرصة ذهبية" عميل سابق الاستخبارات الامريكية يشرح كيف ساعدت الفوضى التى تلت اجتياح العراق، شركته الامنية الخاصة العديمة الشهرة والخبرة، على تحقيق ربح قارب مئة مليون دولار، على شكل عقود عمل وقعها مع الحكومة الفدرالية.
ان مع العسر يسر ..
تشكل المنطقة الخضراء، "العاصمة الادارية"، فى بغداد المثل الصارخ على هذا النظام العالمى الجديد. تحظى هذه المنطقة بسياجها المكهرب الخاص بها، وبشبكة هاتف ومجارير ونفط خاصة، بالاضافة الى مستشفى نظيف وغرف عمليات منظمة. ويحمى هذه المنشأة سياج عازل تبلغ سماكته خمسة امتار. يبدو هذا المشهد غريباً، اشبه بسفينه عملاقة محصنة يجرى على متنها مهرجان كبير، وهى راسية فى بحر من العنف واليأس، اى فى المنطقة الحمراء الملتهبة التى يمثلها العراق. ان تمكنت من الصعود على متن السفينه، يمكنك ان تحصل على مشروب منعش بالقرب من حمام السباحة، بالاضافة الى افلام هوليود السيئة، وآلات الـ"نوتيلوس". كما يمكنك ان تتلقى رصاة فى صدرك، لانك تقف بالقرب من الجدار، ان لم تكن من المصطفين.
ظننت فى البداية ان ظاهرة المنطقة الخضراء خاصة بالعراق، لكننى ادركت الان بعد ان قضيت اعوام فى مناطق كوارث مختلفة، ان المناطق الخضراء تظهر حيث تظهر رأسمالية الكوارث، ويظهر معها الشرخ الشاسع بين المصطفين والمستثنين، المباركين والملعونين.
كانت الشركات العراقية تقفل ابوابها تباعاً، بسبب عجزها عن منافسة الواردات المتدفقة عبر الحدود المفتوحة، بينما لم يكن لدى فريق عمل بريمر سوى القليل من كلمات المواساة المجدية، فى اوضاع مماثلة. وفى توجهه بالحديث الى مجموعة من رجال الاعمال العراقيين، شدد ميخائيل فلاشر، وهو احد مرشحى بريمر، على ان الكثير من اعمالهم، لن تتفوق على المنافسة الاجنبية، لكن هنا بالذات تكمن روعة السوق الحرة. وقد سأل بأسلوب خطابى: "هل سيتم اجتياحكم من قبل رجال الاعمال الاجانب؟". "يتعلق الجواب بكم. الافضل فقط من بينكم، هو من سيبقى على قيد الحياة". لقد ذكر كلامه هذا بكلام ييغور غايدا"، الذى تحدث عن رجال الاعمال الروس الذين افلسوا بفعل المعالجة بالصدمة، "وان يكن؟ من يموت هو بكل بساطة من يستحق الموت؟".
كانت تلك عملية خصخصة بسيطه واكثر جاذبيه. لم يكن حتى من الضرورى نقل الاصول الصعبة التحريك: كل ما يلزم، هو شركات عملاقة تلتهم خزينة الدولة. لا توظيف اموال ولا محاسبة .. ارباح خيالية فقط.
فى دولة تحكم فيها الشركات، يعنى ان تكون الدولة عبارة عن حزام ناقل يقوم بايصال الاموال العامة الى ايدى اناس من القطاع الخاص، وهى وظيفة تتطلب التزاماً ايديولوجياً اكثر منه خبرة عملية مناسبة.
الدولة التى كونها بوش والمصابة بشلل نصفى، اى بتعبير آخر، قطاع عام ضعيف وقليل التمويل وغير فعال من جهة، وبنية تحتية قائمة على الشركات ذات التمويل الكبير من الجهة الاخرى، حين يتعلق الامر بالدفع للمتعاقد، فالحدود تمتد بامتداد السماء، لك حين يتعلق الامر بتمويل وظائف الدولة الاساسية تصبح الصناديق خاوية.
شكلت اعادة اعمار العراق فشلاً كبيراً بالنسبة للعراقيين والشعب الامريكى، الا انها لم تكن كذلك بالنسبة للمسؤولين عن وحدة رأسمالية الكوارث.
لقد جسدت حرب العراق التى جعلتها احداث الحادى عشر من سبتمبر ممكنه، ولادة اقتصاد جديد. وكانت خطة "التحول" هذه الفكرة العبقرية التى وضعها رامسفيلد: بما ان اشكال التدمير واعادة الاعمار كافة تحظى بموارد خارجية مخصصة، وتظهر الفورة الاقتصادية حيثما تظهر التفجيرات، وكذلك حيثما تتوقف وتبدأ من جديد، تتشكل حلقة مقفلة من نهب الارباح التى تستتبع التدمير واعادة الاعمار، وتقطيع الاوصال واعادة وصلها من جديد .. بالنسبة الى الشركات التى تتميز ببعد النظر وبالحكمة يشكل المدمرون والبناءون اقساماً مختلفة من الشركات نفسها".
ذهبت "لوكهيد مارتن" الى ابعد من ذلك، فى بداية 2007، بدأت تشترى شركات فى سوق الرعاية الصحية بمليار دولار سنوياً، وذلك بحسب الـ"فاينانشل تاميز". ان هذه الموجة من الاكتسابات استتبعت عصراً جديداً من الدمج العمودى القاتل فى وحدة لرأسمالية الكوارث: فى الكوارث القادمه، لن تستفيد "لوكهيد" من السلاح والطائرات الحربية فحسب، بل من بناء ما ستهدمه ايضاً، وحتى من معالجة الجرحى من جراء اسلحتها.
كان عدد البريطانيين العاملين لدى شركات الامن الخاصة فى العراق، يفوق عدد الجنود البريطانيين بنسبة ثلاثة الى واحد. واعلن تونى بلير فى 2007، انه سيسحب 1600 جندى من العراق، ونقلت الصحافة عن "موظفى الدولة انهم يأملون ان يتمكن المرتزقه من ملئ الفراغ الذى سيخلفه سحب الجنود"، ولاسيما ان الحكومه البريطانيه هى التى تدفع مباشرة للشركات. وقدرت "الـ"اسوشييتد بريس" عدد المتعاقدين الموجودين فى العراق بـ 120 الف، اى ما يوازى تقريباً حجم العديد الامريكى. وبهذه الطريقه، يكون هذا النوع الجديد من الحرب المخصخصة قد القى بظلاله على الامم المتحدة. لقد كانت ميزانية الامم المتحدة لحفظ السلام فى العامين 2006 و 2007 5,25 مليارات دولار، وهذا يوازى اكثر من ربع الـ20 مليار دولار التى حصلت عليها شركة "هاليبرتون" فى عقود العراق؛ وتشير آخر التقديرات الى ان ميزانية قطاع المرتزقه وحده بلغت 4 مليارات دولار.
وتعبر الارقام عن مأساوية المهمة الشركاتية الزاحفة. ابان حرب الخليج الاولى عام 1991، كان هناك متعاقد واحد لكل مئة جندى. وزادت هذه النسبة بشكل كبير فى بداية حرب العراق سنة 2003، لتبلغ متعاقداً واحداً لكل عشرة جنود. وبعد مرور ثلاث سنوات من الاحتلال الامريكى، وصلت النسبة الى واحد على ثلاثة. وبعد اقل من سنه، وفيما شارف الاحتلال على سنته الرابعة، بات يتواجد فى العراق متعاقد مقابل 1,4 جندى امريكى. هذه الارقام تشمل فقط المتعاقدين مع الحكومة الامريكية فقط بدون المتعاقدين العاملين لدى حكومات قوات الاحتلال "قوات التحالف" فى العراق، او لدى الحكومة العراقية نفسها، كما انها لا تشمل المتعاقدين المتواجدين فى الكويت والاردن الذين اوكلوا اعمالهم الى متعاقدين ثانويين.
اطلقت وزارة الخارجية الامريكية بعد سنه ونصف من احتلال العراق فرعاً جديداً، هو "مكتب اغادة الاعمار وارساء الاستقرار". وتطلب الوزارة من حين لآخر من المتعاقدين رسم خطط مفصلة لاعادة اعمار 25 بلداً يمكنها ان تقع ضحية للتدمير الذى ترعاه الولايات المتحدة من فنزويلا الى ايران. ويتم تنظيم الشركات والمستشاريين بواسطة عقود موقعة مسبقاً، ليكونوا جاهزين للبدء بالعمل حالما تقع الكارثة. اما بالنسبة لادارة بوش، فكان هذا التطور طبيعياً: بعد الادعاء بحقها فى التسبب بعمليات تدمير وقائية غير محدودة، ترأست عملية اعادة الاعمار الوقائية، اى اعادة اعمار اماكن لم تصبها عمليات التدمير بعد.
اتضح ان خبرة الشركة غالباً ما تكون غير ذات علاقة بمضمون العقد المبرم، لعبت الحكومة، دور الصراف الالى لسحب الاموال والايداع، واتت النتائج كما كان متوقعاً، فبعد ان حصل محامو المتعاقدين الثانويين على حصتهم، لم يبق الا القليل للاشخاص الذين اتموا العمل. فمثلاً، رصد الكاتب مايك دايفس الطريقه التى دفعت وكالة ادارة حالات الطوارئ الفدرالية 175 دولار على القدم المربعة من اجل وضع القماش المشمع الازرق على السقوف المتضررة، بالرغم من ان الدولة هى التى تؤمن تلك الاقمشة. وبعد ان حصل المتعاقدين الثانويون على حصتهم، لم يبق للعمال الذين ثبتوا هذا القماش المشمع الا دولاران للقدم المربعة. وكتب دافيس: "حصلت كل حلقة من سلسلة العقود الغذائية، على فائض من الغذاء باستثناء الحلقة السفلى، حيث يتم العمل الفعلى".
قطاع صناعة الاسلحة توسع فى هذا العالم الذى تحكمه وحدة رأسمالية الكوارث. لم يعد عدم الاستقرار اليوم مكسباً لبعض تجار الاسلحة، بل هو يولد ارباحاً طائلة لقطاع الامن ذى التقانة العالية، ولصناعة البناء الثقيل، ولشركات الرعاية الصحية الخاصة المعنية بمعالجة الجنود المضابين، ولقطاعى الغاز والبترول، وبالطبع للمتعاقدين من اجل الدفاع.
* عن الكتاب الملهم "عقيدة الصدمة"، صعود رأسمالة الكوارث. للكاتبة والباحثة الفذة الامريكية، كندية الاصل، نعومي كلاين. https://www.4shared.com/office/WE6mvlL6/____-_.htm فيلم مترجم للعربية عن نفس الكتاب. https://www.youtube.com/watch?v=YRDDQ9H_iVU&feature=youtu.be
#سعيد_علام (هاشتاغ)
Saeid_Allam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق: حكاية وطن دٌمر لعظمته ؟!-1-* اين سيقضى -بوش-، سهرة ل
...
-
ليس صدفة: الاعلان عن طرح شركات للجيش المصرى، وارامكو السعودي
...
-
اليسار يهزم صندوق النقد فى الارجنتين .. عقبالنا!
-
أحجية الثورة المصرية ؟! لن تكتمل ثورة فى وجود الاخوان، ولن ت
...
-
ليس كل ما يلمع ذهباً !
-
فى وداع الاستاذ ابراهيم فتحى!
-
ثمن المنصب! (2) عندما يدفع المثقف ثمن المنصب. احمد السيد الن
...
-
ثمن المنصب ! (1) عندما يدفع المثقف ثمن المنصب. احمد السيد ال
...
-
الاستثناء التونسى: بهجة الوداع ؟! بين رحيل مرسى ورحيل السبسى
...
-
السودان .. رحلة الهزيمة تبدأ بخطوة !
-
30 يونيه وفن صناعة الغضب !
-
الرئيس الوسيلة: من الترشيح الى الترحيل !
-
لماذا العدوان الامريكى على ايران، حتمى ؟!
-
ثلاثية التشوش: يناير، الشرعية، الاصطفاف !
-
الحرب على الارهاب، وجدت لتبقى! اهدار غير مبرر لنتائج مفترضة
...
-
فى مصر، لا يرحل الرؤساء وفقاً للدستور! هل يرحل -السيسى- بعد
...
-
الطريق الى -صفقة القرن- مر عبر 25 يناير!
-
فوق النخبة: -جمهورية- ايمن نور فى تركيا !
-
قراءة من -الخارج-، اكثر قرباً ! بهى الدين حسن من الخارج، يحر
...
-
انتباه: لن تنجح ثورة بمفردها!. -اللى اتلسع فى مصر، ينفخ فى ا
...
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|