|
الدرس الخامس : سقوط منهج في الحكم
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6393 - 2019 / 10 / 29 - 20:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدرس الخامس من دروس الثورة العراقية : درس سقوط منهج في الحكم بممارستها للقتل العمد ، انهت حكومة عادل عبد المهدي : منهجاً في الحكم استمر 56عاماً : من الانقلاب العسكري في 1963 على ثورة 14 تموز واهدافها الوطنية السامية ، الى ثورة االصحوة العراقية في الأول من تشرين الأول 2019 ، مروراً بحكم الأخوين عارف . قام هذا المنهج الشاذ في الحكم على قتل المعارضين له ، ومصادرة الحق في الأحتجاج والأعتراض وابداء الرأي ، واستغلال المنصب ، والفساد ، وتحويل الرشوة في دوائر الدولة الى ثقافة مكرسة ، والعجز عن الأنجاز ، أو الرفض القاطع لكل ما من شأنه تطوير الأقتصاد وتنويع مصادر الدخل الوطني ، والرضا بالرضوخ لأملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي : رغم ان العراق ، بحكومة قليلة النفقات ، ليس بحاجة الى الأقتراض منهما : وهذا الرضا هو الرابط الوحيد الذي يربط ( المخطط ) العراقي بالأقتصاد العالمي . لقد اصبح الأقتصاد منهوباً مرتين : مرة من عصابة النظام القائم ، وما يدور في فلكها من تنظيمات حزبية هي في التحليل الأخير مجموعة زبانية لرؤساء هذه الأحزاب الذين يتحكمون بها على طريقة المشيخات القبائلية مدى الحياة ويورثونها لأبنائهم ، كما حدث مع مشيخة المجلس الأعلى التي انتهت رئاستها بعد وفاة الأب والعم المؤسسين لها : الى الأبن عمار الحكيم ، والتي أهدتنا أحد قيادييها ليكون رئيس وزرائنا الحالي . ومنهوب مرة أخرى من الشركات الأجنبية المصدرة لبضائع فاسدة ، تقوم اساطيل هذه الأحزاب باستيرادها . اعتمدت صلة ( المخطط ) العراقي بالأقتصاد العالمي اذاً : لا على انتاج الجديد في عالم المبتكرات التكنولوجية وتصنيع حاجات الناس الأساسية بل على تصدير مادة النفط الخام ، وانتظار عائدها وكتابة الموازنة السنوية في ضوء من هذا الوارد ، وبهذا تكون جميع الحكومات التي حكمت العراق للفترة أعلاه : قد اسقطت الأسترشاد بالعقل من توجيه المخطط العراقي ، وقدمت له : حكايات السلف ، وماذا قالوا ذات يوم كمنهج يسترشد به في ادارة الشأن العام . وهذا الخط الفكري يبرز بوضوح في خطبة يوم الجمعة التي ستستمع اليها مكتظة بسوالف وحكايات السلف : وهم مجموعة من البدو الحفاة ، قساة القلوب الذين كان همهم : لا الزراعة وانتاج الضروريات بل السطو على الشعوب الزراعية المجاورة وسرقة انتاجهم . وهذا هو المثال الذي يريد منا الفقهاء ان نحتذيه ، كما تكرر كل يوم جمعة خطبهم : المثال القائم على تنظيم الجماعة الأسلامية على شكل جيوش لغزو الشعوب وسرقة انتاجهم ( الجهاد ) ، فهذا النمط البدوي في تنظيم الذات القائم على الغزو والسرقة هو الذي يريده الفقهاء لنا ، وهو نمط يرفض بقوة تعويد الذات على انتاج حاجاتها الأساسية ، كما تفعل الشعوب في الأوان الذي نعيش ، وتكرر عليهم خطب الفقهاء هذه تحذيرها المعروف : تجنبوا شيطان الحضارة الصناعية الذي يقودكم عبر ما يشيعه من مفاهيم هرطوقية عن الحرية ومساواة الجنسين الى الضلالة : مع ادراك الفقهاء العميق بأن ضعفنا وتخلفنا واستبداد انظمتنا السياسية مرده الى غياب الحريات . بسبب من رفض منهج حكم الشيخ الفقيه عادل عبد المهدي المنتفقي : الدخول في العصر بسماته الأساسية الثلاث : تحكيم العقل لا النقل ، والتصنيع ، واطلاق الحريات ، فقد نظامه السياسي امكانية تحقيق اية شرعية لوجوده ، فهو امتداد من حيث انتفاء الشرعية عنه للأنظمة الأنقلابية منذ عام 1963 . نظام سياسي انقلابي واحد حاز الشرعية هو نظام 14 تموز 1958 ، حاز هذه الشرعية ليس باطلاق الرصاص الحي على الجماهير بل باطلاق المنجزات الوطنية بحيث تحولت الجماهير العراقية بغالبيتها الى حماة له . لقد شكلت الجماهير نفسها سياجاً أمنياً رصيناً اصطدمت به مؤامرات القوى الرافضة لمنجزات النظام السياسي العظيمة كالأصلاح الزراعي والقانون رقم 80 الذي حرر الثروة النفطية من هيمنة الشركات النفطية الأجنبية ، ومنجزات وطنية كبرى كثيرة ، ليس هذا مجال التطرق اليها ، استطاع النظام من خلالها كسب ثقة معظم العراقيين وفي المقدمة منهم : الفلاحين الين كانوا يشكلون 85 % من نفوس العراق ، اضافة الى شغيلة المدن وتجارها واحزابها الوطنية . وهذا هو الطريق الأوحد لحيازة الشرعية : طريق الأنجاز الأقتصادي والخدمي ورفع مستوى معيشة الناس ، وامدادها بشيء من الكبرياء الوطني الضروري لصناعة وعي وطني . قد تغفر الجماهير العراقية للتيارات والأحزاب الحاكمة دخولها مع احتلال امريكا للعراق ، لو أثبتت للشعب العراقي نزاهتها وكفاءتها في بناء دولة المؤسسات والمواطنة : لقد غفر الشعب الألماني لسلطاته السياسية تشكلها تحت حراب المحتلين الدوليين : امريكا والأتحاد السوفياتي لما قدماه من منجزات ثمينة لشعبهما الألماني وخاصة المانيا الغربية ، وفعل الشعب الياباني الشيء نفسه فغفر لسلطاته السياسية قيامها تحت الحماية الأمريكية لما كان لتلك السلطات من جهود جبارة في بناء يابان حديثة على انقاض الخراب الذي تسببت به الحرب العالمية الثانية . كيف يغفر الشعب العراقي لحكوماته التي لم تقدم على انجاز يشار اليه بالبنان . ان الدعوة الى رحيل الحكومة العراقية من قبل الأحزاب الحاكمة : هي من أجل الأستهلاك الداخلي ، ولا تحمل اية ذرة من الصدق ، وتكون الدعوة هذه صادقة لو ربطت بين الأحتلالين : الأمريكي والأيراني ودعتهما معاً الى الرحيل ... في خضم فعل الحكومة اللاوطني واللاأخلاقي ، والمتضارب تماماً مع القوانين الدولية ومع شرعة حقوق الأنسان بل ومع الأعراف السائدة : تنطلق بعض الأصوات المشروخة للدعوة الى انتخابات جديدة أو الى استقالة رئيس الوزراء ، وهي دعوات مشبوهة غايتها تزييف وعي الناس السياسي . ذلك لأن نظام الحكم لا يمكن فصله عن منهج الحكم ، فأما الأطاحة بهما معاً وفي آن واحد ، او تأبيد وجودهما الأستبدادي من خلال انتخابات جديدة سيحل فيها شخص استبادي آخر رئيساً للوزراء : اذ سيعيد العمل بنظام المحاصصة المدعوم خارجياً من امريكا وايران ، وداخلياً من فقهاء الطائفتين . لا بد من تغيير منهج الحكم لا الدعوة الى انتخابات او استبدال رئيس الوزراء بآخر . لقد تكررت الأنتخابات لمرات عديدة ، وتكرر معها سقوط رئيس وزارة غير مأسوف عليه ومجيء آخر أكثر تمسكاً بمنهج المحاصصة . يتم انتخاب رئيس الوزراء العراقي داخل قبة البرلمان من قبل الكتل البرلمانية الكبيرة ككتلة بدر والتيار الصدري والقائمة الكردستانية : وهو انتخاب ينطلق من روح الصفقة . اذ لم يتمكن أي حزب أو تيار من تحقيق النصاب المطلوب ويفوز بالحكم ،في كل الدورات الأنتخابية . فلا بد والحالة هذه من كسب اصوات الأحزاب الأخرى بالرشوة ، وتحقيق مطالبهم بالكراسي الوزارية التي يطالبون بها . ورئيس الوزراء العراقي الحالي هو الأضعف من بين الرؤساء الذين تم انتخابهم من قبل البرلمانيين ، بسبب من عدم اشتراكه في الأنتخابات أولاً ، وقد تم فرضه من خارج البرلمان وهي سابقة أشارت بقوة الى شكلانية ما يجري من انتخابات ، والى احتقار أصوات الناخبين كقوة انتخابية لها الصوت الأعلى في عملية انتخاب السلطة التنفيذية . لقد فرض الخارج : الدولي بالتعاون مع سلطة الفقهاء في الداخل هذا الشخص المشيخي نصف الفقيه رئيساً لوزراء العراق ، فنقضوا ما يتبجحون به من وجود نظام ديمقراطي في العراق . من المستحيل ان يكون عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء من غير صفقة ووعودبتنفيذ مطالب هذه الكتل البرلمانية خاصة في ما تدعيه من حصص وزارية . وهذا ما سارت عليه امور " انتخاب " ابراهيم الجعفري ونوري المالكي والدكتور حيدر العبادي واخيراً عادل عبد المهدي . هذا هو المنهج الذي ندعو الى الغائه وحرقه ان امكن : آلياته تعيد انتاج نظام المحاصصة من خلال ما يسمى بالمفاوضات وهي في جوهرها تقديم المناصب والأمتيازات على شكل وزراء برواتب خيالية وامتيازات واكراميات مليونية لزعماء التيارات الأساسيين : الصدر ، الحكيم ، هادي العامري ، مسعود البارزاني والأتحاد الوطني .... لا شرعية لنائب في البرلمان الآن ، وناخبيهم يتساقطون مثل العصافير برصاص القناصة : لم يحتج أحد منهم على هذه المذبحة ، ولم يعلن مغادرته لمستنقع البرلمان عن طريق الأستقالة العلنية : فجميع اعضاء البرلمان يواجهون تهمة القتل العمد لناخبيهم . مصدر السلطات الآن هو الشعب العراقي ممثلاً باصحاب الصدور العارية الذين يواجهون رصاص الحكومة والبرلمان المشرعن من قبل الفقهاء : جميع الفقهاء سنة وشيعة . لن تكتمل فرحة التيار الصدري بتحقيق حلم ركوب موجة الثائرين مرة أخرى ، وحرفها عن تحقيق غايتها المتمثلة باسقاط نظام المحاصصة والفساد والرشوة ، من خلال دعوته الى العصيان داخل البرلمان : ولماذا البرلمان والساحات العامة مكتظة بالمنتفضين ، ام لأن النضال تحت المسقفات وبحماية من شرطة النظام السياسي أكثر ثورية من متظاهري الساحات العامة : يالهذا الجبن والعار الطبقي ؟ ولا يفرحن تيار " ولاية الفقيه " بقيادة هادي العامري . او تيار الحكمة ( المجلس الأعلى سابقاً ) بقيادة الوارث العائلي له : عمار الحكيم ، لقد تجاوزهم وعي العراقيون المصممين على ازاحتهم من الطريق كعقبة كأداء امام تقدمهم ، واسقطوا شعارهم العزيز على قلوبهم : شعار الأصلاح الذي يعيدون من خلاله بعث واحياء نظام المحاصصة . لقد ادركت غالبية العراقيين ان : الثورة واجتثاث نظام المحاصصة هو الطريق الوحيد لنيل حياة كريمة ، وها هم يواصلون ـ رغم التضحيات الجسام ـ ثورتهم ويؤمنون بأنهم قاب قوسين أو ادنى من نيل حريتهم كاملة غير منقوصة ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدرس الرابع من دروس الثورة العراقية : جمعة القتل والأرهاب
-
الدرس الثالث من دروس الثورة العراقية : درس مظاهرات اليوم
-
بضع رصاصات اردين العراق قتيلا
-
خطبة الجمعة
-
الدرس الثاني من دروس الثورة العراقية : درس التيار الصدري
-
الدرس الأول من دروس ثورة العراق
-
خطبتا رئيس الوزراء والمرجعية : مملتان
-
اقف إجلالاً لثورة تحطيم المومياءات
-
الى ثوار العراق
-
المندسون
-
بلاد العميان
-
الموجة الثانية من الثورة التونسية
-
وحشية الحرب السعودية الحوثية
-
حكومة العراق حكومة واجهة
-
الحفرية الثالثة
-
الحفرية الثانية
-
حفريات الفصل الثاني
-
5 أفعال محمد
-
القسم الثالث والرابع من الفصل الثاني
-
الفصل الثاني : انتشار الأسلام
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|