|
العنصرية في العلاقة مع العمالة الأجنبية
فوزية مطر
الحوار المتمدن-العدد: 1558 - 2006 / 5 / 22 - 10:40
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
هل ينقص مجتمعاتنا الخليجية ما تعانيه من أمراض اجتماعية وثقافية لنبحث ما إذا كانت تتوافر على مظاهر للعنصرية ضد العمالة الأجنبية؟ نعم، فالمتغيرات التي طرأت على مجتمعات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال الربع قرن الفائت تظهر ملامح -إن لم نقل مظاهر- طارئة للعنصرية تجاه العمالة الأجنبية التي تتواجد اليوم بكثافة بين ظهرانينا ونقصد بشكل أساس اليد العاملة الآسيوية والإفريقية. تعرّف العنصرية في نصوص المنظمة الدولية-الأمم المتحدة على أنها: أي تمييز أو استثناء أو قيد أو تفضيل مبني على الجنس أو اللون أو الوراثة أو القومية أو الأصل العرقي. ووفق معطيات القانون الدولي العام تقوم العنصرية على الاعتقاد بتفوق جماعة على جماعة أخرى بالأصل أو بالعقيدة الدينية أو بالاختلاف في اللون أو اللغة أو الجنس من دون وجه حق أو سبب واضح سوى الاختلاف. ويتأسس على الشعور بالتفوق تعصب فرد أو فئة لجنس أو عرق أو قبيلة أو عشيرة أو دين أو طائفة أو معتقد أو لون بشرة، وقد يبلغ التعصب حداً متطرفاً فيولّد الاضطهاد أو الازدراء لأفراد أو فئات أخرى. في إطار ما أوردناه من تعريفات علينا أن نتساءل هل للعنصرية في مجتمعاتنا الخليجية وجود؟!. لا شك أن الطفرة النفطية التي عمّت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ بداية الثمانينيات الفائتة، قد أفضت إلى تغيرات اقتصادية واضحة أسهمت في تهيؤ الوفرة المالية وتحسن المستوى المعيشي لفئات واسعة من شعوب المنطقة. وقد غيّر ذلك تدريجياً البنية الطبقية لتلك الشعوب وصعد بفئات كبيرة من طبقات دنيا إلى تخوم طبقات عليا. في الوقت ذاته لم تترافق تلك القفزات الاقتصادية والمعيشية مع المستوى المفترض من الازدهار الثقافي والفكري، بل تصاعدت وتائر التطور المادي مخلفة وراءها جموداً في الثقافة والتنوير والتفتح الحضاري. وفي حضور التطور المادي ووفرة المال وغياب الوعي والمعرفة بحضارة وعراقة وتاريخ المناطق التي وفدت منها العمالة الأجنبية، وجد الفكر العنصري مكاناً له بين شعوب المنطقة وهو فكر لا يزدهر إلا في أحضان الجهل وتغييب مفردات التنوير، وقد تفاوت ما برز من مظاهر العنصرية تجاه العمالة الأجنبية الوافدة بتفاوت الوفرة المالية ومستوى الوعي الثقافي بين مجتمعات الخليج. ذلك لا يعني أن مظاهر العنصرية لم توجد من قبل في مجتمعاتنا الخليجية، فهذه المجتمعات قد خبرت منذ القدم مظاهر من العنصرية كونها مرت بنظامي الرق والإقطاع وما ميزهما من تملك وسخرة، كما أن موقع المنطقة الجغرافي الرابط بين الشرق والغرب قد منحها سمة الانفتاح وسهّل وفادة الأجنبي إليها فتحولت لكيانات شبه مختلطة قابلة لاحتواء بعض مظاهر العنصرية. وعودة لما استجد من مظاهر العنصرية الحالية ضد العمالة الأجنبية في مجتمعاتنا نلاحظ بشكل أساس غلبة النظرة الدونية والاستعلاء وعدم الاحترام تجاه تلك العمالة، كما نلمس بعض الاتجاهات السلبية كروح الازدراء والاضطهاد التي توصل البعض منا لممارسة القهر والظلم ضد الوافد الأجنبي. ويأتي في أول قائمة المتعرضين للسلوك العنصري من العمالة الأجنبية العمال وخدم المنازل الذين يغيب في التعامل مع الكثير منهم الاعتبار الإنساني والمساواة بين كافة البشر، ولسنا بصدد استعراض مظاهر الاضطهاد وظلم العمال وخدم المنازل فهي معروفة يدور الحديث حول صنوفها طوال الوقت. إن من المخزي أن يجد المرء بعضاً من الملتزمين دينياً وأخلاقياً ومن أصحاب المثل والمبادئ والمثقفين ضمن من يمارس درجات من الظلم والاضطهاد في علاقته مع إنسان جاء من الأقاصي ليخدمه ويسهّل حياته، هنا تنتفي مصداقية المنافحة عن الخُلق الإسلامي والتأكيد في كل شاردة وواردة على الالتزام به، كما تنتفي سمات الثقافة والوعي والتحضر التي يدعيها البعض ما دام يمارس الظلم والاضطهاد على من جاء ليخدمه ويسهّل حياته، لقد تحول سوء تعامل الكثيرين في مجتمعاتنا مع العمالة الأجنبية الوافدة إلى نظرة فوقية متعالية عامة تشمل عموم الشعوب التي تمثلها تلك العمالة من دون تقدير أو إدراك لما تمثله مجتمعاتها في المنجز الحضاري والتاريخي العريق، وقد دخلت تلك النظرة المتعالية في أساليب تربيتنا لأبنائنا ونظم التنشئة الاجتماعية في مجتمعاتنا، ثم نأتي بعد ذلك ونشتكي من هروب العمال والخدم من منشآتنا وبيوتنا. صحيح أن الدراسات تذهب إلى أنه من الصعب على الإنسان أن يقر بأنّ بعض أفكاره ومسلكياته تتسم بالعنصرية، لكن أي مجتمع لا يخلو من أولئك النفر المشربين بأسمى القيم الإنسانية التي تجعلهم لا يقبلون بأي مظهر لازدراء أو ظلم أو اضطهاد إنسان آخر لأي سبب كان، الحكومات والمؤسسات المدنية هي المنوطة -في هذا الصدد- بمنع ومكافحة التعامل العنصري مع الآخر وبالترويج لحقوق الإنسان وقيم المساواة والتواضع والتسامح.
#فوزية_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المؤسسات الأهلية وقانون الأحوال الشخصية
-
المرأة البحرينية في الحراك المجتمعي ما قبل الاستقلال
-
تعاطي المجتمع المدني مع السلطة التشريعية
-
دعم قانون الأحوال الشخصية مسئولية مجتمعية - البحرين
المزيد.....
-
حصيلة بقتلى العاملين في المجال الإنساني خلال 2024
-
4th World Working Youth Congress
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر
...
-
بيسكوف: روسيا بحاجة للعمالة الأجنبية وترحب بالمهاجرين
-
النسخة الألكترونية من العدد 1824 من جريدة الشعب ليوم الخميس
...
-
تاريخ صرف رواتب المتقاعدين في العراق لشهر ديسمبر 2024 .. ما
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|