أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - امير الدراجي - سلاما ايها الاستعمار.. مرحى ايتها الخيانة.. انقذونا من انفسنا















المزيد.....



سلاما ايها الاستعمار.. مرحى ايتها الخيانة.. انقذونا من انفسنا


امير الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 448 - 2003 / 4 / 7 - 01:38
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



انا اعرف جاسم العراقي الصغير، انه ينتظر الغرباء لينقذوه من وطنية المقصلة، ويوقفوا تاريخ الاستبداد
السبت 05 أبريل 2003 15:16

 
اه صديقي نحن حقا عرفنا جاسم حق معرفة!!وكم سنعرفه، وكم عرفناه ابدا، لانه الخلود فينا ولاجله نخون حتى من نحب، لنقدم له مستقبلا بلا استبداد ويتم وجريمة!!
 جاسم الفتى المؤود في دمي شضايا مراهقة على الحب، وجاسم يجري من عناقيد غضبي، عنبا في نبيذ الماجدين، السكارى على دمه كذباب يبحث عن بصقة او بقعة سكر..
لجاسم احيل فمي كحيوان خرافي يطلق دخانا نوويا يذيب الحديد كي يسكب على الجبال قبورها، ويصفّح الانهار امام كل قذيفة ويصحف المل قصائد المياه العذبة.. انه الولد نفسه المجلبب بالدنس الالهي، الذي حبلت فيه عشتار بلا ذكورة، وكانت ذكورة نفسها ولقاح رحمها.. اجل جاسم خرافتنا الجلية تخطو نحو الخيبات كل مرة، فكم رائع ان ننتخب الخيبة حين يكون الفرح غربة وطنية ووطنية تاتينا اكثر بهاءا من الغرباء، كم مولم ان لا نجد العدالة الا في نفي ذاتنا وخيانتها، لانها مؤسسة للجريمة، تخوننا كل مرة وهي تصفق لطاغية جديد!! وبما اننا الشعب الذي امتزج البكاء في تشكيله الوطني، وبما ان البكاء يحتاج لالام مبرحة، هكذا نبحث عن الوطن بين الالام ونرفض الفرح لانه غربة، تهجيرا عن رابطنا المحلي مع ذات، تنشقنا رفاهها كنشق السم، الذات هذه تخاف من حق الفرح وتبحث عن نصوص الحزن اينما حل.
والان دعنا نعرض ما لنا وما علينا امام هذا الجاسم قاضي محكمتنا الوطنية، وفيصل اختصامنا على العدل والحق والجمال، وسيد ضمير من غابوا ومن حضروا.. دعنا نستعرض جرحه احلامه المتبسة ودمه المراق، الذي وجدنا فيه نصوص الخوف قبل ان يموت، وجدنا فيها الاماني الشاذة للموت، وانشيدا وجدناها كانت مجد قبور ابدية..
دعنا نقف من الضمير امام ميزان حقنا جاسم، ونقف امام الشطرة فرسانا تستحي سيوفهم حين تمر شفرتها على شفيف الغيض او لعثمة المنى الكسيرة، او حين نجد غمدها وقد تمزق من كثرة ما استللناها وتغمدناها، بل واغرورقت من الوغى دماءا كان دمع حروب لا تستحق فخرا ولا تربأ بنا عزاء.. اجل انه نفس الجاسم الملتوي على حبور ايامنا الخفية، التي ترتدي حجاب النسوة ككل جمال ممنوع ومحرم، ككل زينة لا تليق بالرجولة كما علمنا اهلنا وتواطأت امهاتنا على وجهها البدري يطل من وراء عباءات خجولة حتى اشعار اخر..
اجل جاسم الذي ارسلوا ابيه لحروب ابدية، لجبهات لم تكن لاسبابها مندوحة غير مجد عاهرة ووسام قاتل، لم يكن وسامها غير ان يباد شعب الجنة.. او تدري نحن ادخلنا لشهوة انتحار ابدية، نحو حتوف لا تتوقف، والموت شلال يرمي بنفسه نحو الهاوية ككل طلق النساء على ولادة اعاجيبها.. جاسم الذي اغتصب الوطن امه امام عينيه، وتمزقت بكارة اخته في مزارع ضباط الامن، ومزقوا شفتيه بالحراب كي لا تفكر بالقبلة، جاسم الذي علموه عبادة الرعب، والتصفيق لمن اغتصب امه وقتل اباه، دعنا نعيد له مجد الانسان المغيب في شهوة السلطان، دعنا نريه الوطن بعد ان خطفته نصوص الخراب والتصحر والفاجعة، دعنا نعطيه العزاء والسلام ونبكي على يتمه من الوطن فنقدم له سلام الغرباء، لاننا لم نقدم غير الاذى وحروب الوطن الدائمة، لم نقدم له غير وطن الزنزانة وضابط الامن وهو يمارس شهوته في مزارع نسائنا، يبحث عن جاسم كل ليلة ليحصل على رعشة السفاحين.. اه قتالنا جاسم منذ زمن بعيد وسنقتله ان لم ينقذه الغرباء.
حقا كرهت الامهات صديقي، حقا كرهت اللائي ينجبن جاسم لحروب لا تتوقف!!من يثبت لي ان ارحام نساءنا ليست اكثر من مصنع لشهوات حرب يقودها الانذال وخنث الخلافة حتى شعار ما بعد الاخر، حروب تتنقل كديدان الربيع، لاتوقفها حتى الخرافة والاعاجيب.. او تدري كيف كان ارميا النبي يخاطب شعبه باكيا وقارعا لومه وغضبه عليهم حين سبى نبوخذنصر اورشليم (عاصمة غربتنا الابراهيمية)، كان يقول لهم ان نبوخذنصر ذراع الله تعاقبكم وتردع طغيانكم وفسادكم( والكلام ليس حرفيا هنا بل ما معناه هكذا)..
 جاسم لم نعطه الابوة والحديقة، لم نعطه الطفولة والحقيقة، جاسم يحار ان يقف ذات يوم ولا يعرف اسما للشيكولاته بين اطفال العالم، لا يعرف بوكمن ولا علي بابا ولا السندباد بل لم نحشو ذاكرته الا بالتلة وهو يبيع طفولته لمجد الشرطة واقبية التعذيب... لا يعرف ان يقدم نفسه غير ملامح دمعة خرساء، ممنوعة عن النطق بالاه، ممنوعة عن ان تخبر كيف مزقوا جسد اباه في قصر النهاية والرضوانية وحلبجة او على حروب المجد القومي؟لا يعرف جاسم كيف بترت منظمات طلائع البعث شفتيه كي تحرمه من معرفة ابجديات القبل، جاسم لا يعرف العيد، ولن يسمح له بالبكاء ايضا، جاسم المدوي بدمي خنجر ثار وسوسن، يجري بشراييني ككل الخفايا الرهيبة، حيث يوشوش الله سره في اذنيك بين هرج الحروب، اغاني السلام الاثمة، اناشيد الكروب المتباطنة بمجد القادة الاخناث، المتابطرون على جلجال الحرائق، ككراسي تعفنت من فوح قفاها المرتعدة بالزهو من اجله ساخون الوطن لاعطيه السلام.. هاهم السفلة يجلسون على عرش الامنا، يقطفون الكلمات والتصفيق وقد حضرونا لكرنفال ملوكي، خلقوا بنا العبد المخلص، ونحن مخلصون الى حد نخون جلودنا الملسوعة بسياطهم على قول اه!!كيف اثق في حروب العبيد الذين اكرهوا حتى على التعرف على الاه حين يجلدون؟ الغريب ليس ان تكون عبدا بل الغريب ان يغادرك حتى نظام الحيوان حيث لا تفرق بين الحزن والفرح الغريب ان تكون عبدا يصلي لسوطه، بين السكين والقبلة.. هكذا هو ارث جاسم.. هكذا نحن العراقيون مشوشون بين الجرح والابتسامة، لا نفرق بين شفرة السيف وثغر زوجاتنا.
ان لنا ان نخون جلدنا الذي لا يصلح للصداقه لانه اثبت خيانته اشعارنا بوجع السياط..
ان لنا ان نخون البركة كي نكون نهرا عذب المياه ونغادر عفن المياه الاسنة.. ان لنا ان نبحث في خياناتنا عن الحرية ونترك الوطن الذي خدع الحزن فينا، خدع الحب فينا، خدع ولادتنا وخدع قبرنا.. هلم معي نخون وطنا يشبه الزنزانة لنعيش غربة تشبه الحقيقة، نخون السوط لنكتب وشم الحرية بالسكين، يبدو ان جاسم السابح بدمه لم نثبت له اننا دروع الحرية بل دروع السجن لم نكن دروع الجمال بل مصل البشاعة وحماة القتل ومحامو الجريمة، لن نبني له غير وطن المعتقلات فمات في المعتقل ولن يموت في الحديقة، يبدو ان اسرة نوم زوجاتنا كانت تحت ارادة السجان، واعياد ميلادنا كلها مسورة بانياب القتلة، شبابيك اسرة نومنا مباحة لعيون القمصان السوداء وشرطة الخفاء المقدس، معابدنا منحوتة مثل انياب نمر فتح فكيه وقد حضرنا للصلاة على انفسنا الخانعة للذبح... نحن ابدا نصلي لانفسنا المنذور قرابينا للخوف والتوحش.
آن لنا نخون السكين وننتخب غربة جاسم.
الاوطان التي ننتمي لها: مجد حراب وسياط
الاوطان هذه:خرائب جثث واقبية تبحث في شهوة التعذيب
الاوطان هذه خانت تاريخ الحرية وانتمت للاقبية
ان لنا ان نخون الاقبية ونودع مجد العبيد... نحن فقدنا الاحساس بلمس اصابع حبيباتنا حيث لا توقظنا السياط نفسها، اصابعنا من حديد تقطع الحلمة على الاثداء ولم تثير الشهوة، كل رقتنا حديد القتل، كل رجولاتنا تتلامس بين الحديد والنار.. من ينقذ حبيباتنا من لمس حديدنا؟؟..
الاوطان التي علمتنا عشق السكاكين التي مزقت اخوتنا وآباءنا..
الاوطان التي باركت مجد الرعاع وأثمت مجد العلماء
الاوطان التي تبحث في القبح عن الوطن المقدس وتجعل الجمال خيانة وطنية
الاوطان التي يقودها مزاج مراهق خنيث، وتقدم بكارات غيدها طعما لرعشته المقدسة.
الاوطان التي لم تبن لجاسم حديقة.. التي جعلت لياليه انتظار الاب من الجبهات... فمن الشرف ان نخونها من اجل جاسمنلاننا نفي جاسم ونفي انفسنا، للنقذ جاسم من مجد الجنود.
اوطان كهذه :سافل من لا يخونها.. قذر من ينتمي للسكين لا لدمع جاسم..
قواد من يعانق الشيطان ان كان الرب مجد قاتل
خائن من لا يخون العبد
خائن من لا يخون المستنقع ولا ينتمي لدجلة.
متسخ من لا يمجد خيانة القتل
جبان من يدافع عن فتيان الذبح الليلي الذين ارسلوا احلام جاسم لحروب لا تتوقف.
جبان من يموت اجل عرش السياط ولا يخون في اول مناسبة زنزانته.
دجلة مسحورة الان بوطنية السكين، النخلة تتجسس على حزني وتشي لرجال الامن اسرار القبل.. الفرات دخل دورة لضباط الامن، والاسماك تكتب التقارير كل صباح للرعب الهادر..
كل شيء مات... كل البراءات عاهرة.. كل شيء تطارده وطنيات الشرطة السرية.. الماء قتلته الشرطة، الاسماك هجروها كالبدون وتراحيل الالم بين الاحزان الفيلية، الطيور تابعية ايرانية والفرات تابعية تركية، انه مياه خائنة، الاهوار تابعية سومرية لابد من تقديمها محاكمة ثورية وتاليا اعدامها، البجعات مارست الخيانة الزوجية مع تشايكوفيسكي، ونامت على بحيرة بجعه الروسية، النخلة خائنة غريبة لانها تنتمي لايديولوجيا الجنة.. لم تبقى الا الصحاري وطنية، لذلك قدموا لها وسام الرافدين البيحين... اه كيف لا اخون وطنا يطرد الطيور ويحكم على الاسماك بالمقصلة...
ها هنا على محدودب كوكبنا الاخير.. في اقصى الثلج... شاهدت طيور البرقوق والخضيري، شاهدت البجعات تبحث عن مياه تشايكوفيسكي.. شاهدت الرخيوي المتعجرف بطول ساقيه.. شاهدت كل كائنات الجنة التي اختار الانتماء لها ادم، العراق الذي اختاره الرب نقاهة لاجازاته الطويلة وحديقة مجاهيله الخضراء على الارض.. هنا شاهدت كائنات الجنة مهجرة كالاكراد الفيلية، يبكون برد المنافي والرب نائم، ما زال لا يعرف من خرب حديقته ومملكته على رموش الرافدين!!من يرمي معطفه على الطيور السابحة في البحار المنجمدة ويقدم دفئ الرافدين، كم سنخيط معاطف للطيور المهاجرة؟
هكذا كان سكان الجنة بين الاهوار المنسطحة على تخوم الازل السعيد.. الاهوار الكتظة بالمعدان سلالة ادم، بقايا الجنة، هناك على اهوارنا الكسولة صباحا ومساء، الضاجة بلبط وارتخاء البط النبيل وهو يعكف منقاره كالمصلين بلا انحناء.. حتى المياه طاردتها شرطة وطن لا يستحق ان نرمي على اعدائه حتى حجرة!!!
اه يا مجد جاسم المزور في ملفات القتل ككل الاضاحي المحضرة لشهوة الضباط والجنود.. جاسم الذي قتلنا فيه النبي وخلقنا فيه وطن الجنودوالجلادين.. جاسم الذي تعلم رضع الحليب بين الثكنات والالعاب النارية، الذي قضى طفولته بغابات الحريق، وقطف الجمر كحبات العنب.. ترى هل يندم على موت ينقذه من عبادة موته؟ ام يتالم على حياة يصفق فيها للذين قتلوا اباه واغتصبوا امه؟
ها انذا الان اكتظ بوجعي واذهب للشطحات الغاوية، الارواح الواجفة في قيامتي الان تزرع في ياقات الغزاة اعلان الهزيمة، انا الذي هزم قديما يوم مجّد سحل الحبال، واثبت للعالم انه غير مهيأ لقيادة حواسه على الفرح، او التعرف على حزنه بعد كل سوط.
ها انذا لا املك الا ان اعبد الحرية في دبابة غازية ولا انحني لزنزانة الوطن... انه خياري المرير حين لا اجد في الوطن غير معابد السجون فيما الحرية منبوذة كالخونة.. فانا اول منبوذ اعبد الحرية في دبابة وارفض السجن في حديقة.
لا املك الا ان اخون علنا ولن احب سرا.
اخون القاتل والثكنة والزنزانة وليالي الارق من مطاردات الشرطة السرية..
اريد ان انام بلا شعارات وطنية، اريد ان انام بلا ثورة جديدة تدق بابي كل صباح كي تقودني لحفلة تعذيب. انا اخصاء الزنزانة وخصوبة الحرية.
اريد ان انام بلا مكبرات صوت تمجد رب الحروب.. وطفلي لا يعرف درس الوطنيات المحاربة، لا يسمع كجاسم ازيز الرصاص، ويغني لمجد الضباط... اريد طفلا لا اعطيه منفى.. لماذا نختار المنفى ان لم تكن الحرية اكبر من الوطن؟هكذا اختار الحرية وانسى الوطن.
ها هنا في صحارى الثلج الاخير، الفرح الغامر على ليالي لن تنهي الاحلام بطرقات رجال الامن كل صباح.. هنا حيث الشبابيك مغلقة بلا خوف، الاشجار الانيقة بين المواقد علمتني كيف أتقيء كلما سمعت اناشيد الوطن وشاهدت اغوغاء تهتف لسيد الرعب، أتقيء على شعارات التحرير انا الفتى النيزكي، قدت كل الحروب ولم احمي نفسي من جنودي، قتلني حراسي كل مرة، كل الثورات التي اسسنا حياضها طمثت على الجريمة، وبنينا المدن القاحلة من أي امل.
وحيث تكون الحروب والسجون وطني ساحرق كل الاعلام الوطنية.. واقدم شكوى للذين يعلمون اطفالي حب الوطن لا حب الحرية!!فبعد كل حب وطني حرب قادمة، مذابح جديدة.. من علم جاسم عادات الموت هذه غير وطن لا ينجب غير السجن والسوط والمذبحة؟ من علم جاسم الصغير عشق الرصاص الطائش، واستقبال العيون الخضر بعد ان فقد استقبال الحرية في اناشيد الوطن غير هتافات الحرب وتمجيد السوط؟
لن اسكت على دم جاسم من قتل الغرباء مع اني سكت على مليون جاسم من قتل الوطنيين!!
اريد غرباء اشتمهم ولا اريد وطنيين امجد شتمهم لي... اريد خيانة تعلمني الحرية لا وطن يعلمني الانحناء للسوط.. ستقول لي غدا سيبدا تاريخ سوط جديد كما لو اننا نبحث عن فضيلة السوطين!! اجل ساكون انا سوط السجن واصرخ كما صرخ بودلير:ايها الشرطي اضرب عدو الحرية، ايها السجن تلقف اعداء السلام، ايها الشرطي طارد تاريخ القتلة واجعل ليلهم ارقا ورفاههم ملقا، وانفاسهم خنقا واسمالهم خرقا.. ايها الشرطي الذي طارد الحب آن لك ان تطارد الكراهية.
 ايها الصديق المسحور تماما بارث القتلة الابرار، وتاريخ وطن النار، واسوار الهويات المظلمة والافكار المغمغمة، والاغراض النبيلة حيث تقع بالمنتهى المخيف دائما.
 
 عناية فائقة للحرية امام وطنية الاستبداد
لنحص معا أوطانا بنوها على مجد واحد: هو فكرة الثورة وخطاب التعبئة والاستقلال وطرد الاستعمار، الارث الذي بنى استمراره على معاداة اميركا واسرائيل.. أي وقائع خلق هذا الارث غير التيبيس المنهجي لكل قيم الحرية، التجفيف المبرمج للكرامة، المهانة البر للانسانية.. ما الذي تركه هذا الارث؟اعطني ماثرة واحدة تستحق الاحترام؟؟يبدو اننا لا نجيد قيادة ذاتنا ولا نعرف ادارة الحرية لاننا نكرهها اصلا، وكل مرة ناتي بمن يحجز حتى انفاسنا، كل مرة نسوق خطابا ياتي بطاغية جديد، فالعلة في انفسنا قبل الخارج والاستعمار، وقد ملأت الاوراق اشباعا بهذا الاعتراف الوقح، باننا هزمنا في ادارة الحرية وتقبلنا ادارة انظمة العبيد، فواراء كل ثورة نخلقها انظمة اصرم للعبودية، وراء كل وعد تختفي البشاعة تحت انياب المنقذ!!
لنفكر بهدوء واخوة وصدق وعرفانية وجراة فرسان شجعان.. لنفكر حتى الالم بمن مسؤول عن طفولة جاسم وموت جاسم.. انه ليس صدام بل نحن كلنا من البحر الى النهر حيث مجدنا الدول المارقة وخلقنا تراتبا منطقيا ادى الى ان نحكم عالمنا باللامعقول، ثم تاتي شريحة من المنبوذين اجتماعيا، ممن انهارت كل عناصر الحصانات الوجدانية والادبية في نفسه كي ننصبه حاكما، لان سياقاتنا التراكمية كلها تمجد العنف، ومن الطبيعي ان يكون ابطال العنف واسياد الجريمة حكاما علينا، مما يكرس اننا غير صالحين لحكم انفسنا وغير صالحين لفكرة الحرية بلا وصاية!!
اعترف انني احد قادة حروب الوعد الثوري في لبنان مع اني لم اقتل طيرا ولا عصفور، فالحرب ليست مهنتي وان كنت جنرالا بها، بل خنت مهمة الحرب مرارا لانقذ جنود ومدنيين واغرار جلبوا لاغراء الحرب والكراهية.. نحن القادة كنا نخاف مرافقينا، بل وتعرضنا لجولات خطف وعنف من قبل الذين علمناهم نحن، ودربناهم بدموع مسحورة بفكرة المدينة الماوية والجيفارية الفاضلة، وهاهم الان قادة دولة الوعد الفلسطيني وكلهم لا يستحقون تربية حتى اطفالهم، وادارة نظام الحب في زواج بناتهم، لانهم انذل مما خلق هذا العالم، اسوء من اخلاق ثعلب وضراوة ذئب، اثبتنا في حروبنا الحرية ان اسوء شرطي هل انبل من احلامنا، لذلك اصبحت النخبة المثقفة تنظر لوطن الشرطة والردع ضد الثورة التي كانت قادتها، فالشرطي اقل خسارة من ثوري، والاستعمار اقل خسارة من وطني، والردع اقل خسارة من مرهقين لا يعروفون من الحرية الا القتل كوجهة نظر وحق راي..
كل شيء منتظم حسب مشيئة ما، التقطنا خطابها وروجنا مخاطره منذ اواخر الستينات، وقد انجز هذا الخطاب اعظم حفلة انتحار جماعي، كما خلق اكبر عملية تدمير ذاتي في التاريخ، وقد اثتبتناها بشكل مريع في تجارب وفرص عدة اعطيت لنا، فاكدنا باننا مارقين على جغرافيا الكوكب، واعداءا للحياة واكثر خطرا على انفسنا قبل غيرنا، حتى أخطاءنا تستحق اعادة صياغة في حقل الاخطاء وجرائمنا تحتاج لتجانس مع عالم الجريمة لانها منبوذة حتى من هذا القسم المنبوذ في الحياة، لان تجانسه يتطلب ان يتسق في خطوط معلومة ومسوغة يتداركها عالم الجريمة.. كل شيء لا ينبئ بامل صلاحنا او خطيئة الحد الاقصى، قد تكون مقبولة، امام عالم ينفلت على الفساد والجريمة والخطيئة من دون ضفاف ولا حدود نحن نمثله بامتياز.. وثقافتنا وخطابنا يحضره بنوايا الاصلاح، وهنا خطورة ان نطيل الاصغاء لافكارنا وخطابنا وهو لا يبني علاقته مع العالم الا عبر قياسات العنف ومثالية الجريمة، حتى نساءنا الرقيقات كن خلقن كعوامل تعزيم للعنف ومشتهى له واصبحن مارشات للحروب التي لم تتوقف، وقد رسخ في اذهانهن المشتهى العنفي، الذكر المتوحش، وجرى هذا التركيب تراكميا الى حد اصبح عنصرا بيولوجيا وانزيميا يفرز الاشتهاء كلما انثالت روائح العنف، وهكذا كانت المراة هي مارشات ذكورتنا المحاربة، وتزدان بالرقة والنعومة لتثير شهوة الافتراس في داخلنا، فيما تطرح المساواة، ككل ديكور للدعارة والانحطاط والتشريع الوضيع لعلاقات ينبغي ان تكون نبيلة على مستوى كائنات يفترض ان يكونوا انبل من الحيوانات الاحادية الزواج والحب. كل شيء ينهل من مياه الجريمة والظلم.. كل شيء معد تاريخيا للدفاع عن امتياز العنف واستبعاد السلام والطمأنينة والمصالحة الداخلية، لان ذلك ينفي امتيازات العنف الكثيرة، ويقدم الرعاع بديلا للذكاء والخبرة يقدم تسفيه السلام وارجحية الحرب، يقدم مثالية التوحش وسفاهة التهذب، يقدم القاتل ويخذل الصالح. بهذا الايقاع الادبي تمضي الافكار والقيم حيث لم تجد ما يستوفي حالها غير خطاب الهتاف المزين بالبلاغة وليس بالافكار والدلائل، ليس مشحونا بالمعرفة والاثاث الدلالي، انما فقاعات لغوية وطفح بلاغي، كل همه لغة ايمائية تثير كيمياء العنف ومشتقاته العديدة، المتمحورة حول العاطفة اللاهبة، بما في ذلك الفرح والسلام هو جولة استراحة لاستعادت التحضير النفسي للعنف!!الادب الثقافة الفن كلها مقبلات اعلامية للعنف، الى حد تماجد اعلام رمزيات العنف واعتبارهم مراجع نجومية لثقافتنا، فيما كل دعاة السلام والحقيقة خونة الوطن، كل علماء الحق والخير ادلة استعمار، هكذا ينهل العنف وادبه كل هذا التصفيق الجماهيري لانه يستجيب لرغبة القتل والعبد، ويرهص شهواته ووجباته الشهية، ادباء الاستبداد والعنف ينامون على حرير العقل الجمعي للاستبداد، فكل الجمهور غير مؤهل للحرية، وسوف يعارض كسر اغلاله، لذا لا يجب تقبل فكرة عبوديته بل اجباره على اخذ الجرعات القاسية من دواء الحرية المر!!
هنا لابد لي ان اقدم دليلي كيف ان خطاب الخلطة الهتافية والحماس البلاغي، وهو يموه حقائق كثيرة حتى ليبدو الانسان، وقد وقف امام نفسه مشحونا بعار التملق لقاتله، عار الاحساس بغرام عبوديته، حراسة زنزانته، حماية قاتليه.. انه حقا عار اكبر من خيانة الوطن، بمفهوم وطنية القتل واستقلال الجريمة، لان خيانة الذات هي خيانة الكون كله، خيانة الله ومعه خيانة الحياة مما لم يعد بالامكان توافق الانظمة الوجودية مع هذا الشذوذ السكران، الامر الذي لا يتقبل نظامه اسوء واوضع حيوانات الارض فالعودة للذات والوجدان العلوي هو العودة لوطنية كريمة، العودة لنص غائب هو الحرية.
 هناك خطف سياسي وعمليات قرصنة دهائية كبرى يقوم بها المدافعين عن وطن الجلد والجريمة، الاسياد الذين يرسلون بناتنا وامهاتنا لزنا مجموعة قذرة يمارسون عليهن اقصى جرائم الاغتصاب، ومن دون حتى رجولة الاغتصاب بل سطوة منحرفة لم يمارسها حيوان او كلب شاذ. وهذا الملف المفزع لم اكن اعرفه حقا ولم اعرف شيئا عن عراق، الا ما بقي في الخيال وطنا مستورا برمنسات الغائبين مثلي.. كيف حصل ان تسجن بناتنا بالالاف ليرسلن الى مزارع الرفاه الجنسي، وفوق كل ذلك تمارس عليهن اكبر ساديات التوحش الجنسي!!نحن امام مجموعات جففت كل انسانيتها، مجموعات لا تقبلها الحياة كلها، بل، وبما اننا نقوم بمماجدة خطاب الدفاع عن هذا التوحش، فمن الطبيعي ان يشعر العالم بمسؤولية ادبية تنقذ مجموعة تنتمي للحياة، وقد شذت طبيعتها ولم تخلق داخلها أي تكافل ذاتي، وهذا يجعل ردعها واستعمارها عملا فاضلا، يخلق نوعا من التكافل الالهي والطبيعي والقيمي، واضيف اكثر باننا ينبغي دفع رواتب من يستعمرنا مشكورا، وها نحن نقوم بعملية خطف سياسي كبرى، نمارس فيها ابتزاز النخوة والحمية، نبتز المواطن تحت شعار الدفاع عن الوطن بباطنية الدفاع عن اسوء شذوذ شهدته البشرية، وقد اعتمدنا كلاسيكيات المرجعية العاطفية غير الموضحة بدليل اخلاقي وادبي، وغير الموضحة بكشف كامل عن توصيف الوطن وتعريفه ليصار الى الدفاع عن مكان السلام والطمانينة فيه لا مكان القلق والخوف!!لا ادري هل هناك حيوان واحد وجد بهذه الحياة وقد دافع عن مصدر خوفه وقلقه غيرنا؟ هل الحمل يدافع عن الذئب؟ قلنا النتائج المترتبة على تعبوية الدفاع لا تقبل أي جدل بكونها دفاعا عن تاريخ شاذ ومفزع، اذ لم يكن أي دليل يسوغ دفاعات المواطن عن قاتله الا مجموعات، هي بحق مرتبطة في منظومة الدفاع عن امتيازات منهج الاستبداد، حيث المبادلة التاريخية بين الاشياء ونقائضها الدالة عن ميكانزما الانعاش المتبادل، وكل ضحية يحمي نظام جلاده لضمان مستقبل تحوله لجلاد يمارس امتاع تخصيب ضحاياه.. وهكذا يجري اسقاط القرويات السياسية الشاذة، حيث اسقاط الفكر الشمولي على اللبرالية، وتنطلق اصوات معادية لها علنا، كما لو ان الافكار هي حروب قبلية وليس صراعات معرفية ومفهومية واسلوبية، وهكذا يضاف شطر قبلي جديد الى عالمنا وحزب شمولي اخر هو الليبرالية، لان العناصر تتناغم مع بيئات لم تنتج معرفة او نظام براءة فكرية مجردة، انما نظام عنف ونوايا وعقل بوليسي محتاط لاي فكرة لها علاقة بالسلام النفسي والداخلي، محضرا ذاته لتفسير كل ذلك الى مشتقات العنف، وبتالي تقديمه في كوكبة العنف اياه تجانسا مع منظومته المركزية السائدة وتكيفا مع البيئة الثقافية. لا نعتقد ان للفرات ودجلة والاشجار والحياة لها سلطة في العراق كي ندافع عنها من غزاة، ولا نعتقد ان هذه الكائنات الوديعة قدمت دلائل ادانتها دوليا، وشذوذها خارجيا وداخليا، وقيام مجموعات عاجزة عن اقامة تكافل وتوازن للحياة في مكان محدد، حيث كل الذين يعبئون للدفاع وطرد الغزاة عجزوا في تاريخ اعتراضهم عن كونهم يشكلون كافل متوازن مع رعب الحكم والسلطة، وقد خسروا وفشلوا في اقامة هذا التكافل لحماية الحياة وكبح جماح عناصر ابادتها، ممثلة باكبر مجموعة شاذة، فكيف يعقل ان مجنونا يصدق ان هذه القوى قادرة ان توسع جبهة صراعها مع قوتين بان واحد؟في وقت عجزت عن طرد قوة محلية، لاسيما وان كل شعار يفترض ان لا يبقى في حلل الاعلام والعاطفة والخطابية، انما بفعل عملي، وهذا يتعارض من حيث الحرص على سياقات الحياة والامن، اذا جرى ترويج الانتحار، وتفسير الشعارات على اساس توازن المواجهة، وهذه على الاقل من الوجهة العسكرية تفسر عملية انتحار كبرى!!وبما ان السياسة لا تتعامل مع النويا، طيبة كانت ام سيئة، فان طلب الانتحار هو معادي بالمطلق لمصلحة الناس والشعب، ومن حقنا انسابه الى عملية تدمير ذاتي ذكية التخطيط، تدخل عبر خطاب عاطفي فيما تصدر عن دوائر مخيفة وباردة التخطيط وكريهة الكشف، وقد نحلت تلك النوايا اغراضها من حيث لا تدر!! او ربما تدري. اذا اعترفنا ان الوطن كطائرة مخطوفة، فان المدافعين عنه او المروجين لذلك انما يحاولون مضاعفة الدروع المدنية في حروب لا تخص المدنيين بل العسكريين اذ نحن نشهد حروب غرباء نحلوا الوطن، سواء من السلطة او غيرها، مما يجعل اضطرارا المفاضلة بين الحالتين، وهي مفاضلة قهرية واقعية، تنبري من كون غربائية السلطة واعتبادها غزوا خارجيا، ليس للوطن وحسب بل الحياة برمتها، لانها خرجت على مالوف الغزو والجريمة والخطيئة، لذلك فان اقل الغزووين خطورة هو قياس المفالة، ولالتالي لابد من الاعتراف بتشريع اخر هو الردع العالمي ومؤسسته منذ هتلر، حيث لاخلاص للعالم من إزاء التخلص من شذوذ حكامه الوطنيين من ان ينقل شكواه الى مرجعية عالمية توقف حق الشذوذ الاجرامي اذا عجز الشعب عن وقفه، سيما وان السلطة تصرفت بعقل الغازي مع الجماهير، بل اسوء منه، بدليل ان الاميركان واجهوا مظاهرة النجف وحماس الناس بالتراجع، فيما لو حدث ذلك، وهو قد حدث فعلا، ومن دون مجرد التفكير باحتجاج او مظهر شعبي ما، مع السلطة لكانت أبادت الناس لانها لن تقف امام أي تحصين اخلاقي ومشاعري، بل ومستعدة ان تقتل الله نفسه، وتدمر بيته واماكن اتصاله المقدس وهذا ما حصل خلال الانتفاضة وضربت المدافع اقدس اماكن الشيعة، وهذا كما هو مقارن عملي وفعلي له قياس عنفي مجرد يجعل من السلطة قوة غزو ابشع من هذا الغزو، اذا ما قورن تصرفها مع العتبات المقدسة، ومع ما فعلته القوات الاميركية، وهذا يجعل الحرب بين غزوين وليس بين شعب وغزاة، ناهيك عن الاخبار البشعة التي يقودها رجال السلطة بنفس الاحتقار والعجرفة المتعالية والصلف الدموي مع الناس في وقت كان يفترض استرضاء الناس، وهذا على الاقل لا يفعله المجنون ذاته!!فاي جنون نحن امامه الان؟ أي حرب شعب ممكن ان تبرز ملامحها وان بخجل؟ اللهم الا اذا كان المواطن في حالة انعدام وزن وتنويم دموي هائل يتطلب فحوصات وتحري خطير !!على أي وطن يدافع العراقي وخلفة المذابح واقبية الامن والفقر والعوز والآلام والاغتصابات والتعذيب والحروب المضجرة العديدة؟ أي وطن امنه الرعب ورعبه الوطنية وسلامه الخيانة؟ ها انذا ادعو لخيانة أوطان خلق قيمها الغزاة، بل وخيانة الابدان لانها طوعت انفسنا على عبادة الطغاة وهي تتجنب الموت وارشاءه لمصلحة الحياة.
اجل اعرف جاسم جيدا ذلك الذي اغتصبوا امه واخته وقتلوا اباه، فلم يبقوا له غير اختيار قاتلهم وان مات بريئا، فان مشهد امراة مغتصبة في مزارع الحكام اسوء من فعل مجزرة.. وما دمنا لم ندفع الثمن ونواجه الخوف فلابد من ثمن ندفعه، وهو العمل على عدم استفراد الوطنيين بالسلطة، وجعلهم تحت وصاية خارجية، فكل الدول المحيطة لا تستحق حكم مواطنيها، انها النوع الوضيع جدا بحيث لا يحق له حتى الاشراف على تربية طفل او قيادة قطيع غنم.
 وهنا لابد لي ان احدد موقفي بوضوح ردا على فكرة الوطنية السائدة. لا دليل على وجود عقل مؤسساتي في بلادنا، ولا دليل على امكان من سخلق عالم عا دلا في هذه الازمنة، الامر الذي يتطلب وجود رقابة مشددة على الحياة والانسان لان الحياة حيث تهدد بهذا الشكل ستصبح بالضرورة مادة دولية تخرج على حصرية الوطن لتكون مسؤولية عالمية، وبالتالي حماية كرامة وثروة المواطنين من لصوص وجزاري الوطنية. نحن بحاجة الى شرطة على شرطتنا، بحاجة لحكام على حكامنا، وشعبنا بحاجة لضمان شكواه على حكامه لحكام غرباء اكثر عدلا ورحمة وقانونية، ولعلنا لم نخلق الجيل المسؤول على الحياة لاننا اشرار وقمعيين وارهابيين، وهذا منوط باجيال قادمة تتعلم تدريجيا كيف تتخلص من عبادة الفرد والقائد وفكرة المنقذ وكل الارهابيات البارة، حيث يرى المواطن رئيسه مقيدا بلا هيبة يعمل خادما لبلاده لا مخدوما، نريد حكاما بلا هيبة، نريد من يحررنا يمتلك حصانة ان لا يطالبنا بعبادته دافعين فواتير تحريره، وهكذا حسنا فعلت اميركا حيث لم تدع عراقيا يشاركها التحرير، لاننا سنجد فاتحا جديدا كستالين او الخميني او عبد الناصر... الخ، نريد بشرا يعرفون القانون ويحترموه، نريد اطفالا لا يخافون من القانون بل يصونوه، نريد شرطة كعمال البلدية يخدمون الامن لا يخدمهم من نفايات الجريمة. كل ذلك لا نستطع تحقيقه، لا نمتلك دليلا على اية كلمة قلناها او نقولها غير عكسها، كل شيء يسير نحو تطوير فنون العنف والاختناق والتجفيف، كل شيء استلهمناه يفضي الى تيبيس الحياة وقتلها، والحياة مادة دولية كالهواء والماء والنفط والبيئة، واذا لم يستطع اهلها حمايتها، فمن واجب الامم حمايتها.. هذا مبدا عام ولابد ان يكون ثابتا. اما وطنية السياسة فاننا سنحاول التصرف باعتراض ايجابي بعد ان نقيم بانفسنا ما هو افضل واعدل لنكون اصحاب حق بالاعتراض، اما ان نكون الاسوء ونعترض، فهذا ما سيؤسس من جديد لارهاب اخر، لحاكم مرعب اخر يكثر من مزارع الذبح والاغتصاب والتعذيب.
لا اعتقد ان مشكلتنا مع السلطات فقط بل هناك منظومة اجتماعية ونسيج شعبي يقع في دائرة اعتراضنا، لانه مكان توليد الطغاة، ورحم لولادة القمع اليومي وصولا الى القمع السياسي حيث المجتمع يقوم بهيكلة قواعد القمع، التي تنجب سلطات نصفق لها كل مرة، مما يجعل عدم الثقة بتكوين امل يعتمد على اقامة حكومات وطنية لا رهان عليه، بل من الضروري تاهيل هذه الذات ووضعها تحت الوصايا لامد بعيد، بغية تربيتها وانعاشها بقيم انسانية تقوم على قلب الارث المتراكم من التوحش والافتراس وتدمير الكرامة الانسانية، نحن نريد خدم من الحكام، نريد حكاما لا ينتظرون التصفيق والهتافات وتعليق الصور، وهذا من غير الممكن تجاوزه ان لم تحدث اهانة هذه الصورة ونفيها بالمطلق، ريثما تنضج الصورة البديل وتتحقق مؤسسات الرحمة السياسية والقانون والنظام، وهذا الحق لم يجد في الشخصية العراقية مؤهلاته وامكاناته، فتاريخ اكثر من نصف قرن عذابات وحروب وفواجع وعقل جمعي يقوم على التهوييس والتهريش المتبادل، لا يمكن إعطاءه ثقة جديدة وفرصة اخرى الا في حاضنة شديدة الرقابة والانعاش، لاستعادة الخصب الرحماني والانساني المنضبط وجدانيا، الذي جرى تجفيفه منهجيا، ولتواريخ طويلة.
 وفي هذا الصدد لابد من اعادة تسليم الاستعمار مقاليد ادارة البلاد، أي العودة الى ما وراء تموز، واعتبار النصف قرن هو تاريخ فراغي وتدميري كشف عن مخاطر انسانية جمة، ليس بالمستطاع الاعتماد على استعادت فواضلها وعدلها، او في البحث عنها بين المعارضات الخفية، لان الاخيرة هي من الانساق الدارجة لمجتمع توليد ثقافة الاستبداد والقمع والتوحش وكل ملذات الانتقام المقدس، وهنا لا يسعني الا ان اعلن تاييدي العاقل جدا الى سعي الادارة الاميركية تعيين حكومة ووزارات من الاميركان انفسهم، وصولا الى مشاركة ما للامم المتحدة، واتمنى ان يكون ذلك لامد بعيد ايضا، فالشعب العراقي لا يحتمل بطلا جديد، او داعية ثوري سيدفع ثمن بطولاته وتحريره، فيخوض حربا شعبية لكلفة مجده او عبادته ما بعد انتصاره، حيث سيتفرغ في ما بعد التحرير الى اقامة اعدامات هائلة وانتقامات متماجدة، وحيث ينهي خصومه بافتراس لا حدود له، سيعيش على امجاد الوهم وخفايا المؤامرة، ليخلق أعداء وهميين وخصوم على الحدود، وهذا ايضا سيسجل ازمنة هدر دموي تضاف الى مهاديره الماجدة كما يسجل فراغية اخرى تؤجل نمو الانسان واتساقه على مستوى العالم وهو اسير عزلة وحجر جديدين، تنقطع فيها حبل مسرته مع اخوته البشر. وهنا ينبغي ان يصار العمل الى خلق معارضات ايجابية تاهل نفسها في اطر حضارية تحمي القانون والنظام والديمقراطية، وتثبت اهليتها على منع الروح الانقلابية الغادرة او ترويج العقل الثوري الغاشم، لان أي نزوع نحو المقاومة هو استعادت لنظام المركزيات الحديدية واستعادة لعقل الطوارئ والقتل والجريمة المتلحفة شعارات الاستقلال، الموشاة باحتفالية الدم الباسلة.
ثمة موروث فراغي مضاد لذاته ومخرب لطموحات العدل والحق والجمال، وهذا انوجد في موروث تلقيمي طويل وقد تستغل مقبلاته قوى الاستبداد، وتحاول التسلل منه وتثويره لاعادة ارثها القمعي العامل على تخريب النظام والقانون في فترة حرجة، تجد منعشات ومداخل كثيرة لها لتسوق خطاب الارتجاع البافلوفي المؤرّث، وهذا بالضرورة سيخلق نظام طوارئ ردعي يدمر فرصة قطاف السلام الاهلي والاجتماعي من جديد، ويجعل الحكومة مؤسسة ردع فقط. وفي هذا السياق ينبغي على النخب المدنية والديمقراطية ان تتصرف بعقلانيات حذرة جدا، وتشكل معارضة حضارية مخضبة بادوات الاعتراض الايجابي والنقد السلمي وممارسة اقصى مبادئ اللاعنف، الى نبذ خطاب التوحيش القبلي المحرض للعنف، معارضة تمتص حالة الاغواء الثوري وتسيطر على قوى المجتمع من مغبة استغلالها لاغراض التخريب، وتحمي شروط السلام الاجتماعي بادواتها اللاعنيفة، وعلى هيكليتها تنمو بهدوء الاحشاء الجديدة لمجتمع السلام الداخلي، والذي سيضطلع في تقديم صورة اكثر تاهيلا لقيادة الذات ضد كل مغريات عائلة الاستبداد الثوراني الهائج، وهذا سيشكل بدوره ممهدات قانونية محترمة كفيلة بضمان الاستقلال التدريجي، المحاط بحماية ووصايا ومراقبة صارمة من قبل المجتمع الدولي، لاننا نمتلك كل مؤهلات العنف ولا نمتلك أي مؤهل للسلم الاهلي والاجتماعي المدني والتمدني، فثمة اعتمادات هائلة على ثقافة العنف والبدائل الدموية، وهذه البدائل كامنة من النظام الاسري والاجتماعي والمدني حتى النظام السياسي، اذن لا خلاص للمجتمع من ضرورة الحصول على مضادات خارجية ضد الجرثومة المتفشية لانظمة الاستبداد والقتل والرعب المقدس.
السلوك والموقف الوطنيين يتجلى في اولوية البحث عن الية لنهاية تاريخ الاستبداد وهذا يتطلب ثورة ثقافية ومعرفية كبرى تعمل على انقلابات تناغمية في اعادة صياغات الارث والعقل الجمعي وادبياته واخلاقياته ونصوصه وثقافته، وذلك لان الاستبداد هو الوحيد يمثل اكبر القوى سلبية ودمار على العراق، وهذا لن نجد بدائله وحلوله بايدي العراقيين ولا اية قوة وطنية مؤهلة له، الا بعض التكنوقراط الذين يجب تامين ملحقتهم في ادارة خارجية غير متساهلة في اطلاق يدهم للتحكم في الكرامة الانسانية والسلام الداخلي وترويج الفساد البار، أي لابد من كوابح نزيهة هي غير موجودة في المجتمع، فيما ستكون الرقابة النقدية من قبل الفاعليات المدنية ضرورة تاهيلية لفضح الممارسات غير القانونية وغير الدستورية من قبل سماسرة الاحتلال وموظفيهم، وهذا يتطلب قوى نزيهة مؤهلة لممارسة النقد الارقى والفضح الاجمل لممارسة السوق السوداء السياسية الحتملة، حتما!!ولكن في موازاة العمل على نقد أي شروع ثوري يحاول استعادة مجد تاريخية الوطنية التي لا تملك الا بديل الاستبداد والقمع... لان الاخطاء الحاصلة بين الادارة الخارجية والسماسرة ستكون مقبلا للتحريض على العنف وتقبل فكرة الاستبداد الكمونية مرة اخرى.
هكذا سننقذ الملايين من جاسم والملايين من العراقيين، وذلك فاننا صنعنا قدريات ارث الاستبداد ومجدنا القتل على السلام، وجاسم يحتاج لانقاذ من انفسنا قبل غيرنا، وما المارينز الا ذراع كبح لجماح الخبل السياسي الذي يمتلكه خطاب التحرير والوطنية وايديولوجيا الانقلاب والعقائد الفاسدة في العزلة والتاريخ العتيق، وهو على ما اعتقد نوع من تكافل الحياة، نحن الذين سعى اليه قبل غيرنا، لاننا نملك حصيلة عجزنا من اقامة نموذج العدل، ولعل انظمة الوجود تكتفي بذاتها حيث يستغرق الاستبداد في حياة المجتمعات وتتحلل صورته ونموذجه، فلا يقبل بالعادة بدائل مثلية، بل بدائل متفاضلة، ولا نملك غير قيم متراذلة وليس متفاضلة، وهذا يجعلنا اعادة الامانة الادارية لما قبل تموز، لنقلع من جديد نحو الامل والعدل والسلام والحرية.
 اطرح هذه الافكار الجريئة للحوار والمناقشة، وذلك بعد ان خلصت ضميري من اعباء تهديد السلطة لاخوتي واقراني الذين يمثلون مراجع عليا، وانا اعترف الان بان هذه الافكار اخفيتها لعدم تحميل الرهائن من اهلي المخطوفين والمهددين داخل الوطن قسطا من عرفانيتها، وانني مصر على شعاري القديم جدا وفي بواكير العصر الثوري الفاشل الذي كان حصيلة لتجارب وقراءات جريئة وهو: سلاما ايها الاستعمار مرحى ايتها الخيانة... لكني سابقى كما انا راهبا في الثورة وراهبا في تاييد القوى الرادعة لها.
إيلاف خاص

 



#امير_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوة للانقلاب على تاريخية الاحزاب المستبدة:اعادة تاهيل الاحز ...
- الفكر اليومي:الازمنة الحاسمة والاوثان المتهدمة. خصم ليبرالي ...
- شضايا عاشقة: لقطات على شفير الهاوية
- دماء على منديل احمر:ثنائية الاستقلال والاستبداد والحرية والا ...
- امير غرناطة الازرق :فائق حسين مطلوب من الله كي يرسم جدارية ا ...
- التيار الوطني الديمقراطي :ثورة معرفية على ارث التزوير من اجل ...
- ردنا على نصائح الاسدي المبطنة بالارهاب: العراق دولة اوركاجين ...
- شغاف على عيون صادفتني في 8 شباط :اعياد واحزان من دون عراق او ...
- العشاء الاخير وثورة السياسة الشابة على المومياءات الحزبية.
- اذا كان السلام مريض فهل الحرب عيادة علاج نفسي؟
- حول دعوة الركابي لمؤتمر للمعارضة من حقنا مناصفة الدكتاتوريين ...
- جريدة الحياة تسرب خبر عن تراس الركابي وفد المعارضة في بغداد: ...
- بعد اكثر من ربع قرن انتصرت يا داود البصري على جبار الكبيسي
- مثقفون بلا حدود ودعوة لاعلان تضامن عالمي مع المثقف والمفكر ه ...


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - امير الدراجي - سلاما ايها الاستعمار.. مرحى ايتها الخيانة.. انقذونا من انفسنا