القرآن محاولة لقراءة مغايرة 24

ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 6389 - 2019 / 10 / 24 - 12:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

اللهُ يَستَهزِئُ بِهِم وَيَمُدُّهُم في طُغيانِهِم يَعمَهونَ (15)
والغريب إن القرآن يواجه هؤلاء المستهزئين، بالرد على أن الله يستهزئ بهم في مقابل استهزائهم بالإسلام والمسلمين وبنبي الإسلام، دون الالتفات إلى ما يتضمنه هذا المعنى من خدش بصورة الله ومنافاة لتنزيهه، فالله القرآني يستهزئ ويسخر ويكيد ويمكر ويمقت وينتقم ويقتل. نعم يمكن قبول المعنى إذا بررنا ذلك بكونه معنى مجازيا، ولكن القرآن يكيل غالبا بكيلين، فالكنايات والمعاني المجازية عند غيره كفر محض، فلا يقبل معنى البنوة لله، سواء بنوة عيسى لله أو بنوة الناس لأبيهم الرب في السماء، بالرغم من أنه كان بالإمكان تصحيح الفهم الخاطئ باعتبار اللفظ ذا معنى حقيقي، فيصحح ذلك إلى كونه ذا معنى مجازي، بينما يقول هو إن لله يدا، وأن له عرشا، أو كرسيا، وأنه يستوي على السماوات والأرض، أو أنه يقتل ويمكر ويستهزئ. والقرآن نفسه لم يوضح معاني هذه المفردات بل ترك المسلمين ومفسريهم وفقهائهم يُشرّقون ويُغرّبون ويُشملّون ويُجنّبون إلى حد التناقض في فهم مثل هذه المعاني. ثم القول بأن موقف الله من الذين يمارسون الطغيان ويصرون ويتمادون ولا يرتدعون، أنه (يَمُدُّهُم فِي طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ)، فهو إن صحت المصاديق المطبق عليهم مفهوم هذه الآية ليس بخطأ بالضرورة، إذا فهمنا أن هناك من الطاغين والمسيئين إلى الناس من الذين لا تنفع معهم موعظة ولا نصيحة، ومن هنا فكون الله (يَمُدُّهُم في طُغيانِهِم) هنا هو أنه لا يتدخل، بل يترك لهم فرصة التمادي، حتى يستحقوا العقاب، وهذا التأويل واحد مما يذهب إليه بعض المفسرين. ولكن قد يرد هل إن الله القرآني يفرحه معاقبة عباده، فيمد السيئين في سوئهم يتمادون والطاغين في طغيانهم يعمهون والكفار على كفرهم يصرون، من أجل ان يشفي غليله ويتلذذ بتعذيبهم؟ هذا المعنى لا ينسجم مع عظمة الله وكماله وجلاله وحكمته ورحمته وربوبيته وأبوته وأمومته لخلقه، مع تأكيد إن الأبوة والأمومة لله تجاه عباده إنما هو تقريب لصورة رحمة ورأفة وحنان وحنو الله تجاه الإنسان، الذي كرمه ونفخ فيه من روحه، كما يعبر القرآن، وهو في تعبيره هذا إنما يجسد أحد تألقاته التي لا يخلو منها، بل هو مما يتكرر في القرآن بشكل رائع، ولكن بسبب بشرية القرآن، نجد إلى جانب هذه التألقات الرائعة هناك هبوطات رهيبة تؤكد استحالة صدورها عن الله المتعالي والمتسامي والمتنزه عن كل ذلك.

#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات