عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 1557 - 2006 / 5 / 21 - 10:54
المحور:
الصحافة والاعلام
يجري حاليا بمدينة الإنتاج الإعلامي في مصر, الإعداد لأضخم عمل للرسوم المتحركة في الوطن العربي .ويتوقع المهتمون من وراء هذا الإنتاج الضخم بالكارتون والذي جاء متأخرا, إحياء شخصيات وشخوص" متحركة" ظلت حاضرة في أذهان الأطفال لمدة ,ثم لأسباب ملتبسة توقف الاهتمام بها. والعمل الجديد سيتم بصيغة الإنتاج المشترك ومن المنتظر تسويق العمل وعرضه في معظم المحطات العربية خلال الأشهر القادمة.
والحقيقة أن " فن الرسوم المتحركة" لم يعد مجرد تسلية موجهة للأطفال وحدهم ,بل أضحى ثقافة شعبية قائمة بذاتها, إلى جانب كونه وسيلة تواصل هائلة, تتيح للمرء تخطي الحدود لاقتحام آ فاق أخرى"
هذا ما صرح به "طاكاهاطا" وهو احد أعمدة فن الرسوم المتحركة في اليابان والذي حل ضيف شرف على المغرب وعلى المهرجان الدولي السادس لسينيما الرسوم المتحركة الذي ينظم بمدينة مكناس المغربية , بدعم من سفارة اليابان إلى غاية 12 من ماي الجاري.
وحول اللقاء الذي يندرج في إطار فعاليات الاحتفال بالذكرى الخمسين لإقامة علاقة دبلوماسية بين المغرب واليابان" قال طاكاهاطا" المهرجان في طبعته السادسة يهدف بالأساس" إلى تشجيع بروز طاقات إبداعية جديدة ,وبالخصوص لدى الشبان المغاربة."
ومعلوم أن سينيما الرسوم المتحركة عرفت تطورا نوعيا خلال العقدين الأخيرين, إن على صعيد الأساليب ,أوعلي مستوى الموضوعات التي تتطرق إليها منذ الستينيات من القرن الماضي. حيث انطلقت فيه مسلسلات الرسوم المتحركة, تسحر وتبهر, وتشد إليها جمهور الشباب من مختلف الأعمار. في حين, ظل اهتمامنا كعرب بهذا الضرب من الفن متواضعا جدا , ودون المستوى المطلوب وهو عجز عير مقبول مهما اختلفت أسبابه, وتباينت مرجعيات تبريره.
قد يقول قائل إننا نقارن مالا يقارن, وان لكل مجتمع خصوصياته المحلية, وان ما تنغل فيه أوروبا وأمريكا ومعها اليابان لا ينطبق علينا....فلأسباب تاريخية وجغرافية وعقائدية نحن لسنا هم...فالرسم والصورة والنقش والحفر..والمجسمات على نحو خاص لهم تكييف خاص في تراثنا الديني بصفة عامة.
هذا القائل يغفل معطى بديهيا أثبتته وقائع التاريخ التي لا ترتفع..أليس الإنسان واحد.. والحاجة إلى إعمال العقل واحدة مهما اختلف إقامة الإنسان ..أليس سمو النفس والروح, وحب الجمال قيمة إنسانية مشتركة.؟
العرب والرسوم المتحركة
لا اخفي القارئ شعوري بالدهشة , ففي لحظة , صحت متسائلا في ذهول" هل تدرج تقنية تحريك الأفلام والرسوم المتحركة كمادة أساسية ضمن مقررات معاهدنا المتخصصة في ميدان السمعي البصري, ما مدى حجم وحضور هذا "الفن" داخل أروقة ومراكز التكوين في ميدان علوم الاتصال والتواصل, و كذا في رحاب جامعاتنا في الوطن العربي,؟
للحقيقة والتاريخ , في يوم 26 مارس 1924 رحل"رينو" عن هذا العالم وهو في حالة موغلة في البؤس . و" أيميل رينو" أستاذ فرنسي للفيزياء والميكانيكا التطبيقية . كان قد توصل إلى اختراع بسيط, و هو عبارة عن آلة صغيرة, سماها (البراكسينوسكوب) . و إذا كان هذا الاختراع من الناحية الزمنية تطلب سنتين من العمل المتواصل الدؤوب , فان إعطاء فكرة الانطباع عبر الحركة اللامحدودة و ذلك بفضل انسياب شريط مرن يحتوي على سلسلة من الأوضاع المتتالية المرسومة باليد, أو المصورة بآلة التصوير, يعتبر فتحا مبينا في مجال السينما الحركية أواسط القرن 19.
و يبدو من المقنع جدا, أن تسلية الجمهور هي ما كانت تهدف إليه الرسوم المتحركة على الأقل, في بداية ظهورها, كتقنية تبعث الحياة و الحركة بتشخيص الشخصية المميزة في مجموعة الصور التي يعنى الفنانون و التخطيطيون بخلقها.
لكنها بفضل التطور الحاصل في مجال السينما من جهة, و بصيغتها المحببة للمشاهدين, فضلا عن دعاباتها البسيطة و الأساسية التي تدور معظمها حول شخصيات حيوانية مركبة على نطاق واسع , أو حول شخصيات بشرية ,باعتبارها شخصيات كوميدية ساخرة أو جادة من جهة أخرى, فرضت نفسها كفن قائم بذاته, يقبل عليه ملايين المعجبين من كل الأعمار.
و الحقيقة أن الصور المتحركة و أفلام التحريك عموما. قد سبقت السينما إلى الوجود ببضع سنوات. و إذا كان من المعتاد اعتبار "إميل كول" أول فنان تحريك مؤسس لم تظهر أفلامه الأولى إلا بعد 1908ــ1909. فان الفيزيائي"جوزيف بلاتو" 1801-1883 هو الذي هيأ المجال بحق لظهور فن الرسوم المتحركة وذلك باختراعه سنة 1832 –منظرة الاوزال- وهي آلة تتركز في مبدئها ,على استمرارية الانطباعات البصرية على مستوى شبكة العين.على إن جميع هذه الآلات التي ابتكرها هؤلاء العلماء, لم تكن تعتمد سوى على الوهم البصري لإظهار أشياء متحركة.
ولما كانت الحركة في السينما تنجم عن خداع العين بواسطة تسلسل عدد من الصور في ظرف قياسي," فان الرسام يحتاج إلى 1000 رسم كي يحول صورة فيل إلى صورة راقصة حقيقية", ذلك أن انجاز أشرطة الرسوم المتحركة يخضع لمراحل متتالية بالغة التعقيد, من إعداد السيناريو,وانجاز الرسوم التفصيلية, مرورا بانتقاء الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية المطلوبة,وصولا إلى انجاز الديكور والخلفيات, وتجدر الإشارة إلى أن فلم" كتاب الأدغال" وهو آخر فلم اشرف عليه والت ديزني تطلب ثلاث سنوات ونصف من العمل وساهم فيه ثلاثمائة من الفنانين وتم استعمال 80000 ألف قلم وانجاز 322000 رسم وقد بلغت تكاليف هذا الشريط الذي يبلغ طوله كيلومترين 4ملايين من الدولارات.".لحظتئذ.
على أن الذي حفز إنسان مثلي الحديث عن" الرسوم المتحركة" وتاريخ فن الرسم عموما ,ووسع أمامه النبش في تفاصيله ,سواء كانت تقليدية, أو غيرها ,مما وصل إليه العلم أخيرا, دون الإشارة إلى بعض رموزه هذا الفن وأعلامه شيئان:
1 خريطة الوطن العربي المترامية الأطراف والتي تشكل أضخم سوق استهلاكية واستيعابية, لهذا الضرب من الفنون البصرية , كما لغيرها من الصناعات المختلفة,حيث يفوق رقم معاملاتها الملايير من الدولارات من العملة الصعبة.
2 انتمائي كعربي إلى "ألف ليلة وليلة" كتراث ثقافي وحضاري إنساني يضرب في جذور التاريخ البشري, ويتقاطع ويتفاعل في الكثير من جوانبه وانشغالاته الحياتية ,هذا التراث الإنساني ,الذي استهوى بروحانية قصصه ,وتدفق خياله المكثف, وانسياب إيحاءاته العميقة المفعمة بالحكمة والجرأة والمغامرة, والمضمخة بالرغبة في الحياة والحب والموت, بحمولاتها الرمزية في الشرق والغرب معا.
هكذا وفي كل مكان من العالم, تفتحت في السنوات الأخيرة آفاق جديدة أمام فن الرسوم المتحركة لدرجة أضحى معها مرآة تعكس يقدم المجتمعات ورقيها, فما بين سنة 1902 و1912 حاول فنانون من مختلف الجنسيات خاصة أمريكا وفرنسا وألمانيا..واليابان أن يطوروا رسومهم, وسعوا جاهدين في هذا الاتجاه ,إلى تغيير تاريخ فن التحريك, فكان ظهور الرسوم على" السيليلويد" الأمر الذي مكن من تحريك الشخصيات على خلفية ثابتة, نظرا لشفافية هذا الأخير . وقد كانت هذه الفكرة الرائدة بداية لمرحلة متقدمة من تصنيع فن تقنية التحريك وشيوعه على نطاق واسع.
النقل بدل الاستيعاب رهان عربي مفلس
وعلى الرغم من تفاعل واقعنا العربي , واحتكاكه بشكل مباشر مع التحولات الطارئة في مجال الثقافة والفن عموما, والصورة والصوت على نحو خاص, سيما, بعد وصول السينما إلى مصر.خلال الثلاثينات من القرن الماضي .وبعدها المغرب الأقصى ,وقبل ذلك بالمشرق ,فقد ظل اهتمام الوطن العربي خارج بهذا الضرب من الفن مغيبا , وخارج أي اقتحام, بعيدا عن أية مواجهة, مكتفيا باستهلاك الملايين من الكيلومترات من الأشرطة" المدبلجة " من لغاتها الأصلية ,إلى دارجة نشاز أو عربية مفككة , بالعملة الصعبة..
ويحق لنا كمغاربة وعرب أن نغضب ونحزن ونتساءل:
إلى متى سيظل استيراد الرسوم المتحركة , والاقتصار على دبلجة البعض منها رهانا ثقافيا وحضاريا؟
هل يمكن الحديث عن بصمات أو آثار جنينية في رحم إعلامنا العربي تمهد الطريق على المدى المنظور لولوج فن تحريك الأفلام في ثقافتنا السمعية البصرية؟ إنتاجا وتصديرا مثلما هو الأمر في ميادين صناعية معينة؟
وبالتالي هل تدرج تقنية فن التحريك الأفلام كمادة ضمن مقررات معاهدنا الإعلامية المتخصصة؟
ما الدور الذي يلعبه المركز السينيمائي المغربي ,مثلا والمعاهد المتخصصة في الصوت والصورة,على مستوى تحفيز طلبتها نحو تحضير أبحاثهم وتحضير رسائلهم حول فن التحريك الرسوم؟ ولماذا يظل برنامج المركز مقتصرا على التوريد والاستعارة؟
ما نصيب الفضائيات العربية التي يفوق عددها المئتان ما بين مشفر وتناظري من هذا الفن المشوق إنتاجا وتاليفا وإبداعا؟
كيف يتم التعامل مع فنانين كاريكاتوريين وتشكيليين ضمن هذا الأفق العسير الارتياد؟
هل لدى الجهات المعنية في حكوماتنا العربية مشروعا محددا وواضحا للانفتاح على هؤلاء المبدعين الذين تزايد عددهم , وتنوعت أساليبهم, واتجاهاتهم في الرسم والتشكيل لدرجة الإبهار والتفوق, ومنهم من هجر وطنه, وتم احتضان موهبته والاستفادة منها أوروبيا؟
أخيرا مادور "التلفزيون" بقنواته وبرامجه الواقعية وغيرها , على مستوى رسم معالم المشروع ,واحتضانه,والدفع بالتجربة قدما ,انسجاما مع الواقع السياسي المنفتح للبلد؟
أسئلة وغيرها كثير, لانروم الإجابة عنها , بقدر ما نهدف إلى خلخلة السكون العربي المميز, وخلق هامش للمبادرة الطموحة. صحيح أن الرسوم المتحركة ابتدأت خطأ مع الأطفال, في حين أنها أعمال فنية موجهة لكل الأعمار والفئات, وهي في الوقت نفسه, فن هادف مكثف الخيال,يستطيع خلق توازنات نفسية , على مستوى الاحتكاك بالواقع المعيش سياسيا وثقافيا واجتماعيا. حيث لم تعد الرسوم المتحركة مقتصرة على التسلية ودنيا الصغار فقط , بل تعدتها إلى اهتمامات فكرية وإعلامية ثقافية وبيانية ناجعة. ويمكن لنا أن نتحسس شعورنا ونحن نشاهد رسما متحركا لعملية إسقاط مروحية من طرف المقاومة العراقية, بالتأكيد, الرسالة ستصل في الموعد القومي والوجداني للأمة.. المتفق في شانه.
نحو عقلنة وتثقيف طرق اللعب
نعم أصبحنا نسمع عن لعبة فيديو من تصميم القاعدة لاستهداف القوات الأمريكية, وتنا سلت اللقاءات والمهرجانات حول صناعة فن الرسوم بمشاركة أسماء وتجارب من فرنسا واسبانيا ورومانيا وإيران وغيرها .مهرجان مكناس الذي حضره "طاكاهاطا" احد أهم أعمدة الرسوم المتحركة في اليابان..المهرجان الدولي لصناعة الأشرطة المرسومة بتطوان..على المستوى العربي هناك" عودة "فطوطة" إلى التلفزيون من خلال إنتاج أضخم إنتاج مشترك للرسوم المتحركة بمصر حيث يجري حاليا بمدينة الإنتاج الإعلامي الإعداد لذلك..ولكن....
قد يبدو مقنعا أن الوطن العربي برمته , يشكو من ضغط الوقت, بسبب اكراهات عولمية ملتبسة , ومن نقص فادح في الخبرات كنتيجة لرهانات مفلسة في الاقتصاد وفي السياسة والإعلام , وضعف الإمكانيات في هذا المجال كما في مجالات أخرى, لا تجد تبريرها في اعتقادنا سوى في حكامة التسيير والتدبير لواقع امتنا..
أن تجارب مصر..الريادية,وكذا إرهاصات بعض دول المشرق العربي والخليج ,رغم أنها قليلة جدا ولا تساير الطموح, حيث تقتصر على الدبلجة فقط , وعلى الرغم من أنها تشكو من نقص فادح في عنصر الاحتراف , يمكن لها أن تكون قاطرة جر وإقلاع ,لتحقيق نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي ,على مدى سنوات منظورة.
ومع الإقرار إن إجراءات إنتاج للرسوم المتحركة تكاد تكوم مختلفة كليا عن تلك التي في صناعة الفلم الاعتيادية, حيث أن صنع دقائق من الحركة يتطلب جهدا كبيرا جدا, وفناني تحريك على درجة كبيرة من المهارة والخبرة والتكوين, لكن استخدام الكومبيوتر يصرف النظر عن ذلك الجهد الكبير المعقد, إن لم يذوبه. فمحدودية الخبرات والإمكانيات في العالم العربي , تقتسمه رؤيتان الأولى ترى وجود طاقات من الشباب والمؤهل كما تؤكد توفر الإمكانات اللوجستية الموازية لذلك, ما ينقص هو القرار الشجاع.
فيما ترى الثانية إن واقع الإعلام العربي معلوم سلفا بعقوقه, يذهب الرأسمال العربي بعيدا , على مستوى حجب طاقات بلده وصرف إمكاناته في الفضائيات العارية ,الاستثمار في موانئ أمريكا ,وعقار اسبانيا, بدل الاستثمار في إنتاج من شريط يحكي قصة ألف ليلة وليلة.
لكن رغم ذلك, علينا أن لا نرسخ يأسنا ونجذر تواكلنا, ونؤرخ لتخلفنا الذي ليس قدر, وذلك بتهميش كفاءاتنا , والاستمرار في حجب الفرص عنها, بالتشجيع والتحفيز, فزمن الاستمتاع برسومهم وتشكيلاتهم المبدعة والرائعة على صفحات بعض الجرائد الوطنية ,والمجلات ,مقابل أجور زهيدة وأحيانا بدون أدنى مقابل. يجب أن يغادر دون رجعة.
حقا إن الدهشة لا تزال تحتوينا ونحن نخاطب الذهنية العربية ونطالبها باقتحام موضوع" فن" سبقنا إليه الغرب قبل قرابة نصف قرن, ولم نحقق فيه مايرضي الطموح. إننا نعيش عصر التكنولوجيا ولم يعد جائزا ولا مباحا أن نعمل في أي مجال من غير تخصص, علينا أن ننفتح على خبرتنا الوطنية , وفتح الأبواب أمام تجاربها المتعثرة, الم يكن المرحوم "حمودة" محمد عليوات الكاريكاتوري الذائع الصيت" رفيعا في رسوماته وإبداعاته, ربما كان سيخدم فن التحريك بشكل رائع إلى جانب العديد من الأسماء التي تزاول الآن في مختلف المنابر الوطنية. لكنه لأسباب خارجة عن إرادته كان يفضل أن يخلق فانتازياته المغرقة في الخيال والفلسفة على صفحات جريدة "الاتحاد الاشتراكي" على مدى سنوات طويلة. كان المرحوم بارعا استثنائيا حتى وفاته.
إن استخدام فن التحريك, راهنا تجاوز أسلوبه التقليدي ,وأصبح يوظف بشكل أولي في الرسومات البيانية,أثناء رصد حالة الجو , التماهي مع أخبار الحوادث والكوارث والاغتيالات. إنها فرصة توفر للفن إمكانية البرهنة الرياضية والتكنولوجية بدقة وفعالية, تبدو مستحيلة في نطاق العجز البشري.وقد تم خلال الستينات, استخدام فن التحريك ,لأجل التعليم في الصفوف وقاعة المحاضرات, كما تم توظيفه من اجل "العرض العاجل" عند رغبة المحاضر, وقد أصبحت هذه الأفلام جزء متمما للمنهج التعليمي المقرر.
عزيز باكوش
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟