|
ضرورة صناعة طبقة وسطى من حيث الدخل في العراق
جاسم المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 6389 - 2019 / 10 / 24 - 05:41
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مازال النظام العراقي بكل رموزه ودوائره ومؤسساته يعيش في فوضى عارمة ، وفساد لا نظير له ، وفقدان للامن والخدمات وتفشي الرشوة وسوء الادارة ، والاستهتار بالقوانين بسبب ارتباك النظام وخوفه ، وعدم إستقلالية القضاء ، وعدم انضباط الجيش والقوات الأمنية ، وكثرة المليشيات ، وتجييش العشائر حتى أصبحت وكأنها دول داخل دولة ، الى اخره من الفوضى العارمة في كل شيء ، حتى على المستوى الاجتماعي ، فاصبح المجتمع تحكمه قوانين الغاب ، يقتل بعضه بعضا ، ويسرق وينهب ويغش ويكذب ويزور ، ويعتدي على جميع الحرمات ، ولا يوجد قانون او عرف او خلق الا وخالفه بامتياز ، حتى قوانين المرور وأمثالها. ولذلك - بالطبع - أسباب كثيرة لايمكن التفصيل فيها جميعا الان ، بل تحتاج الى بحوث مستقلة ودراسات علمية معمقة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، ما خلفه النظام البائد السابق من ظلم وفساد ودمار ، وما يمارسه اتباعه اليوم في دوائر الدولة ومؤسساتها من فساد وتدمير ، وذلك لتمويل نشاطاتهم وتحركاتهم ، ولتمويل الاٍرهاب والإعلام والدعاية الخاصة بهم ، وتمويل مشروعهم القديم والذي جاء معهم حينما جاءوا ، وهو تقسيط كل من يبرز في المجتمع حتى ولو لم يكن سياسيا ، بل حتى وان كان نشاطه لايضرهم في شيء ، لذلك نرى حملات التقسيط لجميع الشخصيات السياسية والاجتماعية والعلمية والدينية قايمة على قدم وساق ، وبشكل مكثف منذ سقوط ذلك النظام ، ،كل هذا من اجل إسقاط النظام الديمقراطي الحر الذي جاء بعدهم في العراق . ولا يعني هذا اعفاء النظام الحالي من المسؤولية ، فرموز هذا النظام ومنذ الأيام الاولى لسقوط النظام البائد اتصفوا بالتردد والارتباك والخوف ، مما أدى الى تشجيع ازلام النظام البائد ليأخذوا دورهم الأساس في تدمير البلد والتحكم بثروات الشعب ، جنبا الى جنب مع احزاب النظام الجديد الحاكم وأدواتها المتعددة ، كما اتصف النظام الجديد بغباء بعض القيادات فيه ، ليلتقي مع الجهل العام الذي يغزو عقول وقلوب الكثيرين منذ ايّام الحصار الدولي على الشعب العراقي الذي استمر لأكثر من اثني عشر عاما ، مما أدى الى ندرة الوطنية الخالصة والاخلاق الرفيعة ، فساهم بشكل كبير في هذه الفوضى العارمة ، اما الطائفية والمناطقية والحزبية والعنصرية والعشائرية والمحاصصة السياسية وغيرها كالخصخصة المرتبكة والسريعة والمقتصرة على الأحزاب وزعمائها ، فحدث ولا حرج . ان جميع الشعوب في العالم تناضل من اجل نيل العدالة ، لا من اجل الحصول على الديمقراطية والحريّة ، لأنهما بدون العدالة الاجتماعية خاصة لايمكن لهما ان يستمرا ، بل ان النظم السياسية لايمكن لها ان تستمر بدونها ، لانها الأساس القوي المتين الذي تقف عليه الديمقراطية والحريّة ، وهذا لعمري واضح لكل ذي بصيرة اذا نظر الى الدول الديمقراطية المتقدمة وعرف سر بقاء انظمتها الى اليوم . ولكي نساهم في تسليط الضوء على مشاكل العراق الداخلية ونجد لها الحلول القابلة للتطبيق علينا ان نكون محايدين وموضوعيين ومنصفين ، وان نجتهد مخلصين من اجل الوصول - ولو - الى الحد الأدنى من العدالة ، عن طريق صناعة طبقة وسطى قوية من حيث الدخل تنهي بذلك حالة الفقر ولو بشكل جزئي ، حسب اعتقادي. وإذا ارادت الطبقة الغنية ، تلك الطبقة التي صنعتها الحروب والمحاصصة والارهاب والفساد والفوضى ، ان تبقى غنية ، عليها إذن ان تساهم في صناعة الطبقة المتوسطة ، بل لكي يبقى النظام السياسي هذا قائما ، عليه ان يجد وسيلة لصناعة تلك الطبقة ، من خلال إيجاد فرص العمل لها لا لغيرها ، الا اذا توفرت للجميع ، وجباية الضرائب ، وإعادة توزيعها بطرق مختلفة على الطبقة الفقيرة ، ومن خلال محاربة الفساد ضمن اليات قانونية وطرق أمنية تكنولوجية متطورة وقادرة على كشف الفساد والفاسدين ، وإيجاد ارضية قوية لاستقطاب الشركات ورجال الاعمال للاستثمار في العراق وتيسير أعمالهم والغاء كافة المعوقات في طريقهم والقبول بشروطهم مهما كانت قاسية اذا كانوا قادرين على توفير فرص العمل ، والمساهمة في تعدد الدخل القومي للارتقاء باقتصاد البلد ، وهناك الكثير من الطرق الاخرى التي يطول الحديث بذكرها جميعا . ولكي نعرف الفقراء من الأغنياء ، ونقوم بعملة فرز بينهم ، علينا إيجاد وسيلة صحيحة ومجرّبة في بلدان متقدمة ، واعتقد ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبالتعارف مع بعض الوزارات الاخرى ، هي الانسب لدراسة هذا الامر ، وإعداد خطة حكيمة وسريعة وقابلة للتنفيذ ، كما اعتقد ان الكثير من الإمكانيات الفنية والتكنولوجية متوفرة اليوم في العراق للقيام بذلك بالتعاون مع المؤسسات الاخرى . ولا يتعدى الامر الحاجة الى استمارة الكترونية او ورقية ، يقوم من يدعي الفقر بملئها ، وعلى ضوء المعلومات الواردة فيها يتم مراجعة المؤسسات والدوائر ذات الصِّلة للتأكد من المعلومات ، وتحتوي هذه الاستمارة على الأغلب على المعلومات الشخصية ، كالارقام الوطنية لكل فرد من أفراد الاسرة ، وعنوان السكن ورقم الهاتف وعنوان الايميل ، وعددافراد الاسرة وأعمالهم وتحصيلهم الدراسي ، وان كانوا يعملون ام لا ، كما يطلب من المستفيد معلومات الملكية العقارية ان وجدت ، والمعلومات والمالية والمصرفية والقروض وغيرها . وإذا أمكن انشاء فرق جوالة تبحث عن الفقراء في أحيائهم لاسيما احياء التجاوز ، والتاكد من حالتهم الاجتماعية والمادية ، فليس كل من في احياء التجاوز فقراء ، فمنهم من بنى عمارات وأسواق كبيرة تدر عليه الكثيرر من المال ، وهناك من يمتلك أمكنة متعددة يقوم يتاجيرها او بيعها او الاستفادة منها مستمرا على ذلك منذ سنين طويلة ، وأكاد اقسم لكم ان الفقراء لا يعرفون كيف يسرقون او يتجاوزون على الملك العام للدولة ، وإنما هم يشترون هذه البيوت من عصابات ومافيا التجاوز التي أصبحت في مصاف الأغنياء من أهل الاملاك والاموال الطائلة . وبعد عملية الفرز تقوم الدولة بما يأتي : 1- منح البطاقة التموينية للفقراء حصرا ، فليس من المعقول ان يأخذ الغني كما يأخذ الفقير 2- على الدولة إصدار بطاقة صحية مجانية بالسرعة الممكنة ومنحها للفقراء حصرا 3- عدم فرض ضريبة على الفقير اذا بنى بيتا بعد سنين طويلة من العمل على ذلك ، بل يجب تشجيعه وإعطاءه منحة لاتقتل عن خمسة ملايين دينار . 4- توزيع الاراضي او المساكن والقروض والمنح للفقراء حصرا ، وليس إعطاء الغني أكثر من الفقير ، فلقد رأيت ان الدولة تمنح المدراء والأطباء والضباط من موظفي الدولة وغيرهم قطع أراض اكبر بكثير مما تمنح للموظف الفقير وصاحب الدخل المتدني ، بينما كان يجب ان يحدث العكس تماما ، بل كان يجب ان يكون للفقير حصرا دون سواه 5- منح قروض ميسرة لاصحاب المشاريع الصغيرة بعد تأهيلهم ، واُخرى للبناء بعد توزيع الاراضي 6- فرض ضرائب اعلى على الأغنياء واصحاب المشاريع الكبرى ، ومنها على سبيل المثال شركات الهاتف المحمول والإنترنت وغيرها ، او إجبارها على خفض أجورها لرداءة وتخلف خدماتها التي تقدمها للزبائن 7- تشريع قانون للإفلاس لمساعدة ذوي الدخل المحدود واصحاب الاعمال الحرة الصغيرة وحمايتهم من القانون عندما تفشل مشاريعهم ، لان مشاريعهم يجب ان تكون ضمن خطة للمصرف الذي يقدم هذه القروض ودراسة للجدوى يشترك فيها المصرف لكي يكون هو الاخر مسؤلا ايضا عن الفشل المحتمل . وهنالك الكثير مما نتركه لذوي الاختصاص ، وإنما أردنا من خلال اقتراحاتنا هذه التنبيه على أهمية الوقوف مع الفقير .
وهكذا تضع الدولة وحكومتها القدم الاولى على طريق العدالة بشكل ثابت وقوي ، لتحقق أهدافها التي جاءت من اجلها ، وهي تحرير الشعب من الديكتاتورية والاستبداد والعبودية التي كان يعيش في ظلها لعقود طويلة ، والنهوض بالفقراء وإخراجهم من مستنقع الفقر المظلم الآسن الذي يحطم الشعوب والامم ويقضي على امالها للعز والكرامة والتقدم ، ولتبني أسسا متينة قادرة على التحول الى الديمقراطية الحقيقية والحريّة التي تحترم القانون والدستور والدين والاعراف ، وتنتشل الشعب من الجهل والظلام الذي يعيش فيه ، وتجعل منه شعبا واعيا يتمتع بالعلم والإيمان والقوة والازدهار ، ولايمكن تحقيق اي من هذه الامال والاهداف النبيلة دون تحقيق العدالة اولا .
النجف الاشرف 24 / 10 / 2019
#جاسم_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بطاقة سكن في جهنم
-
اللقب ومعضلة وزير الداخلية
-
قبلَ أن ينشقّ القمر
-
سوء الادارة في المؤسسات الحوزوية
-
ال سعود والانقلاب العسكري التركي الفاشل
-
ياداعشي أين المفرْ
-
من مذكراتي عن اهل الفلوجة الكرام .. *
-
ستورقُ في الرمال لنا نمورُ
-
نداء الى جميع الاحرار والمثقفين في العالم لشجب واستنكار اعدا
...
-
مشتاق لك – شعر شعبي عراقي
-
لو كشف لي الغطاء ما ازددت وطنية
-
المسلمون ألد أعداء الاسلام
-
تمرد ايها الشعب العراقي
-
طغاة ال سعود يحمون الطغاة
-
عيد المرأة عيد المحبة والرحمة
-
امتنا تصنع تاريخا يكتبه الله بمداد من زعفران
-
حلفاء الطاغوت وفتوى جديدة
-
ثورة ليبيا واحتمالية المؤامرة
-
اهمية عامل الحسم في الثورة الليبية
-
عاجل : الى الشعب العراقي وقادته
المزيد.....
-
-ميتا- تسجل ارتفاعا حادا في إيراداتها خلال الربع الأخير من ع
...
-
كويكب اكتشف في ديسمبر قد يصطدم بالأرض
-
ترامب سيفشل في خفض أسعار النفط العالمية
-
أكبر اقتصاد في أوروبا يخفض توقعاته للنمو إلى 0.3% في 2025
-
ارتفاع مخزونات النفط الخام بأميركا الأسبوع الماضي
-
الاتحاد الأوروبي يكشف عن خطة اقتصادية لمواجهة تهديدات ترامب
...
-
المركزي الكندي يخفض الفائدة 25 نقطة أساس متماشيا مع التوقعات
...
-
-OpenAI- تتهم شركات صينية بنسخ نموذجها للذكاء الاصطناعي
-
القمة العالمية للحكومات تنطلق في فبراير بمشاركة دولية قياسية
...
-
انخفاض أسعار النفط مع ارتفاع مخزونات الخام الأميركية
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|