حسن عزيز الياسري
الحوار المتمدن-العدد: 6386 - 2019 / 10 / 21 - 14:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( لغات مشتركة بين انتفاضتي شعبان وتشرين ) شذوذ المفهوم بين النظام والتطبيق !!
اذا كانت التظاهرات حق شرعي مكتسب يكفله الدستور في الانظمة الديمقراطية ، فلم التعامل مع مظاهرات الشبان العزل بسلوك الانظمة الاستبدادية ؟؟؟
ليست مصادفة ، ان تقوم جماهير مدن الوسط والجنوب بانتفاضة للمحرومين والجياع والبؤساء والبسطاء في نظام ديمقراطي على ما يبدو ويشاع ، وينظر اليه من خلال بعض ممارساته وطريقة نقل السلطة فيه . بمظاهرات تشرين الجاري ٢٠١٩ والتي تشبه الى حد كبير ، بأسبابها ومبررات قيامها بالانتفاضة الشعبانية التي قامت في اول تسعينيات القرن المنصرم ؟؟؟ ضد النظام السابق ، والتي لا زال الكثير منا يذكرها بالفخر والاعتزاز ، على الرغم من ان احزاب النظام السياسي واغلب افراده اليوم ، هو من كان قابعا خلف الحدود ناظرا يترقب ما ستؤول اليه الاحداث من نتائج تلك الانتفاضة الشعبية الدموية ، وهم من انزل بحقها صفة التبريك لإستحقاقها آنذاك ولا زال ، وان كانتا برأيي كلا الانتفاضتين ، شعبان وتشرين يستحقان التبريك والثناء وديمومة ذكراهما !!!!
انها حكمة التاريخ والمجتمعات الحية ، ان تقوم كلا الانتفاضتين دون اصدار فتوى لرجل دين او دعوى لحزب سياسي او اي تأثير لدعوات اخرى تقوم عادة عليها الثورات او المظاهرات ، فقد قامت الانتفاضتين جراء أستجابات نفسية عفوية لا شعورية في غالبيتها .
وكشاهد على الحدثين من خلال المشاركة الفعالة بالاولى قبل ثلاثين عاما تقريبا برفقة أخي الاكبر ، وللعمر احكامه كمشاركين ومحفزين ومحققين بالثانية ، فأسباب ومبررات اليوم تشبه الامس الى حد كبير ، وأذا كانت مبررات الجوع والالم والشعور الطاغي بالظلم ومشاعر اليأس المقيد بالقنوط والاحباط الملازم للفشل هي واحدة في نشوء كل الثورات ضد انظمة الاستبداد ، فأن سبل مواجهتها لا زال بنفس عقلية المستبد بل واكثر نتيجة لافتقار الوعي ، فالمنهج القمعي العنيف على الرغم من جدلية وعلى فرض الاختلاف الكبير والنوعي ما بين النظامين ومؤسساتهما !!! فالوقوف ضدها جملة وتفصيلا ، هو ديدن السلطة ومؤسساتها لكلا النظامين ، من خلال الاعلام الموجه بتخوينها وتسييسها لصالح حزب او مذهب ايديولوجي او ديني معين ، او في محاولات اسقاطها من خلال رمي تبعيتها لدول اقليمية ، وهو ما تم رمي المتظاهرين به اليوم في انتفاضة تشرين الاول المباركة ضد اصنام الدين وارباب الفساد ، في اسلوب تقليدي تعبوي شرق اوسطي عربي خالص وعتيد ورخيص بأمتياز ، لا يختلف عليه انظمة الاستبداد علمانية كانت او دينية ، يُعبأ له اغلب القائمين على النظام والذي تقع عليهم مسؤولية الادارة فيه ، كل هذا الكم من العنف المرصود والاعلام الموجه ، وهو اساس التناقض السلطوي والانشطار النفسي والمعنوي والتحول المبدأي في معركة توظيف الدين بالسياسة .
ان ألاسلوب القمعي والعنيف الذي تمت فيه مواجهة تظاهرات ايلول الجاري ( و للقناص حكاية اخرى لم يفعلها سوى احزاب الدين السياسي ، ستدخل التاريخ من باب صدق او لا تصدق ) فالقتل العشوائي والعنف الهمجي الذي قلما يواجه مثل هكذا تظاهرات في العالم ، وهو عنف غير مبرر على الاطلاق ( خاصة وان هناك تظاهرات كثيرة مرت علينا بالحقبة القليلة المنصرمة ومنها ما جاس خلال الديار ، ووصل الى قبة البرلمان دون رمي اطلاقة واحدة في مواجهته ) !!!! وفي هذه النقطة بالذات ما يعبر عن جدلية في وعي السلطة واكثرها اثارة للحساسية جراء التقسيم الحكومي والحزبي للشعب العراقي كمنظمات ومؤسسات تابعة ومتحزبين ومأجورين ، ناهيك عن الية عسكرة الاحزاب الاساسية لمجموعات تابعة لها خارج نطاق الدولة والقانون .
صورة دموية متوحشة تعيد للاذهان صور النظام الديكتاتوري السابق ، مع الفارق الكبير بين المواجهتين والنظامين !! فقد كانت انتفاضة شعبان مسلحة وسبقت تظاهرات الربيع العربي الفاشل ، على العكس تماما من تظاهرات تشرين الاول الجاري التي كانت لصبيان وشباب بعمر الورد غالبيتهم من الفقراء والمعوزين عارين الصدور ، وكانها رسالة قام بها المتظاهرون العزل من خلال تعريِهم كشعار على سلميتهم وهم يتواجهون امام اجهزة السلطة العسكرية الديمقراطية !! المختلفة ، عراةٌ الصدور معبأين حماسة ووطنية ومشبعين حرية وكرامة حيث يخترق اضلاعهم كل هذا الرصاص الحاقد والجبان والمتخاذل .
لا عجب ان تُرمى الثورات بكيل التهم من تلك الانظمة المستبدة وهذا ديدن التاريخ ، ولكن العجب ان ترمى هذه الثورات العفوية والمبررة للغاية ، في نظام يدعي ديمقراطيته ، وفي دستوره حق التظاهر مكفول !!!
■ فتوزيع حقوق الشعب بهذه الكيفية والكمية والنوعية وفق تقسيم طبقي حزبي جهوي فئوي على كينونات معينة لاحزاب السلطة ومنظمات ومؤسسات وتيارات ، وعسكرة لقوى مسلحة خاصة تابعة لهم خارجة عن القانون في غالبيتها ، لتحقيق اعلى نسبة مغانم لهذه الفئات ( ومعتقلي رفحاء ليس اخرها ) دون النظر للفئات الكبيرة للشعب من المحرومين والفقراء والمحتاجين والمعوزين وسط بطالة مقنعة واقتصاد رث ومنخور وقطاع خاص وصناعي بائس للغاية ، ستجعل سلسلة التظاهرات لن تتوقف الى الحد الذي وقفت عليه اليوم بجملة اجراءات حكومية متأخرة .
■ يجب ان يتعلم مبادئ النظام ، القائمين عليه ، قبل ان يتم تصديره الى الجماهير بتلك الصورة الرثة الذليلة والمشوهة ، على ان جمهور المتظاهرين الشباب كان اكثر تحضرا ونبلا ومنهجا من النظام والقائمين عليه وهذا ما رأيناه ولمسناه قولا وفعلا ، وهذا ان دل على شيء ، فانه يدل على سلميتها وتوافر ادوات التحضر الديمقراطي المبرمج فيها ، ومبادئ مفاهيم المواطنة بكل عفوية ، من خلال رفع شعاراتها اولا والتي كانت تُذكر عناصرها ومؤيديها بحبهم العراق وديمومة سلميتها ثانيا ، والمطالبة بالحقوق ثالثا .
■ اعلموا انكم حينما تطلقون رصاصة الرحمة على صبيان عراة الصدور بائسين ومحرومين بدعوى تهورههم او تخوينهم ، فاعلموا بانكم تقتلون جيلا وترسخون في ذاكرته طغيانكم الاعمى وتجسدون تهوركم انتم ، واعلموا ان النظام وصل الى حد الاسراف والطغيان المتهور ، بكل القيم والاعراف وقدسية الدماء الطاهرة ، نتيجة للغرق ببحر النفاق والفساد العميق الذي يعكس نظرة القائمين عليه بأن الجميع قد غرق ، فيجعلهم بعيدين عن الحساب ، ولكن بنظرة سريعة للتاريخ السياسي والاجتماعي لوطننا وشعبنا الاصيل ، لا يجعل منكم استثناء ً ابداً ، وبمراجعة خاطفة لاعوامكم المريرة والدموية السبعة عشر تجعلكم ترصدون اعوام فسادكم واستخفافكم بالسلطة والشعب والوطن ومن قبلها الدين .
■ ثورة الاول من تشرين الاول ( أكتوبر ) اسست لثقافة مانعة لظهور الطغاة وحامية للمستقبل ضد من تسول له نفسه نشر تجربته القمعية وصور استبداده ( فبذور انظمة الطغاة لا زالت قوية والارض لا زالت خصبة طرية كذلك اذا ما توفرت لها ظروف الإنبات ، فالمجتمع الذي تتمخض معاناته من رحم الاستبداد ، يكون عرضة لإنتاج المستبدين والطغاة دوما وواقعنا اليوم يحتفي بوجود الف قائد ضرورة واكثر ) .
#حسن_عزيز_الياسري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟