|
هنري كسينجر يطالب بالانتقام من العراق
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1556 - 2006 / 5 / 20 - 10:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عراف امريكا ، وحكيمها المخضرم ، وقبل هذا وذاك عرابها ، الذي لا يسعده التقاعد ، ولا يرضيه الابتعاد عن مهنته التي احبها وتحولت لديه من مجرد وظيفة وعمل الى هواية يعشق الخوض في ادق تفاصيليها ، هذا الاكاديمي والسياسي والدبلماسي الماهر والمتشاطر ، والمستشارالاسبق للامن القومي ، والوزير الالمع بين وزراء خارجية امريكا السابقين ، والحائز على جائزة نوبل للسلام ، لتفننه في حل العقد الناجمة عن انزلاقات وتصادمات وصراعات الادارات الامريكية المتعاقبة مع خصومها او مع الدول التي تبنت امريكا سياسة اصطيادها بشباك الحرب او الحب المصلحي ، اي تطويعها بالهيمنة الاقتصادية والسياسية ، دون الحاجة لاحتلالها عسكريا ، هو ذاته قد تندر على نزعة الانتفاخ الامريكي على حساب العالم اثناء الحرب الباردة وبعدها ، في عدد من محاضراته التي عرج في ثنايا بعضها على الحالة ، بوصف لا يخلو من الدعابة قائلا : مادامت امريكا قد تجاوزت مبدأ مونرو ، فهي قد دشنت زواجا كاثوليكا مع اوربا لا تنفك عنه حتى لو اصبحت كل دول العالم عشيقات لها ! وعندما سأل عن المتحكم بهذا الزواج ، فاجاب بخبث : صاحب مشروع مارشال طبعا ! وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ، كان رائدا في تقديم العديد من الدراسات الاستراتيجية التي تقترح وتنصح وترشد الادارت الامريكية المتعاقبة ، في عملها لاعادة صياغة الاستراتيجيات الدولية لما بعد الحرب الباردة ، وكان منطوق اهمها يقول وبمعاني متعددة ، ان على امريكا ان تستعد للتنازل عن زعامتها للعالم بكل ماتعنيه الكلمة ، من نفوذ وامتيازات ، ودون ذلك فستكون امريكا امبراطورية تنحدر بفعل استنزافات المواجهات التي تفرضها السعة الجغرافية وانخفاض النمو الاقتصادي نتيجة عوامل عدم الاستقرار الدائمة ، والنابعة من الحروب المستمرة ، ويشير هنا الى علاج شيطاني هو : حتى تواصل امريكا مسيرة الزعامة ودون حاجتها لخوض حروب طويلة تكون مقدمة لانحدارها المسبب بأنحدار نموها الاقتصادي ، فان عليها ان تمتلك اوتتحكم ، وبطرق مباشرة او غير مباشرة بمالا يقل عن 65 % الى 70 % من مصادر الطاقة الفعالة في العالم " النفط والغاز " وكلما استقرت هذه النسبة ، كلما تعاظمت الزعامة الامريكية على العالم والعكس صحيح ! ان رجل بهذا المستوى من القابلية على الابداع في فن البحث عن الممكن من العلاجات الملموسة لمشاكل متوقعة بفعل مقدماتها او استطراداتها الاستراتيجية ، والعولمية ، والتي تصب بمصلحة طغم راس المال المالي الامريكي العابرة للقارات والدائرة حول الارض بمدارات الهيمنة المؤهلة بتركز وتمركز معدلات النمو الفعلي لاسواق العالم وتجارتها ، وبتفوق قدراتها على الردع ، وعلى سرعة معرفة المعلومات ، وتحت شعار الحصانة والصيانة ، تحاول دوائر القرار الامريكي ومؤسساته التابعة ، النزوع المتسارع لتحقيق ما رسمه علماء نهجها الاحتكاري الذي يحاول اعادة انتاج نفسه وباي ثمن كان وعلى حساب ايا كان ! هو نفسه الذي ساهم وبشكل فاعل في انقاذ امريكا من مستنقع فيتنام ، بعد ان انهارت هيبتها وسمعتها ومصداقية قوتها ، فكان بطل مباحثات السلام في باريس رغم انه كان مفاوض مهزوم ، في مواجهة بطلة منتصرة من الطراز الفيتنامي " نغوين ثاي بنة " الذي لقن جيش العم سام دروسا مازالت حية في اذهان ونفوس الامريكان قبل الفيتناميين . هو نفسه الذي اعاب على شاه ايران توقيعه لاتفاقية الجزائر عام 1975 مع العراق ، لانها حرمت السياسة الامريكية وقتها من امكانية قوية لقلب نظام الحكم فيه ، والاتيان بحكم موالي لها ، وكان دوما يجرب النيل من العراق في اي رسم يراد له ان يعم المنطقة ، فالعراق لم يكن بمؤهلاته وخصائص جيشه ذا التوجهات المعادية للغرب وتجرؤه على اسرائيل ، الا حصن متاعب لامريكا وسياستها في المنطقة ، ان عجز الاستخبارات الامريكية على الاتيان بحكم في العراق معاد للتوجهات السوفياتية جعل سياسييها ينقمون على خطوة الشاه هذه ، وهي كانت واحدة من اهم المحفزات الامريكية لترك شاه ايران يواجه مشاكله الداخلية مجردا من الدعم الحقيقي والمنتظر منها ، اثناء مجريات الثورة الايرانية التي اشتعلت نيران جمرها منذ عام 1978 ، والتي ساهمت استراتيجيا في حصول مد اسلامي متاخم للحدود السوفياتية ، تظافر مع التورط السوفياتي العسكري المباشر في افغانستان ، لحماية نظام الحكم الموالي لهم في كابل من هجمات المجاهدين الاسلاميين المدعومين وبقوة وقتها من كل الانظمة السائرة بالركاب الامريكي عربيا واسلاميا ، وبغطاء ودعم امريكي معلن ، تحققت هزيمة السوفيات في افغانستان ، واصبحت الجمهورية الاسلامية الايرانية وبالا عليهم ايضا ، مما عمق لاحقا ازمة السوفيات الداخلية والخارجية ، وجعلها تسقط بالنقاط امام الزحف الامريكي المسلح بكل عوامل التفوق الاستراتيجي والميداني ، فكانت نهاية الحرب الباردة بخروج الروس من حلبة المنافسة . هو نفسه الذي ساهم ولحد بعيد في لفلفة نصر حرب اكتوبر عام 73 عندما استوعب السادات ، وحيد مصر في عملية المواجهة بين الدول العربية واسرائيل ، وما حصل بعدها من تداعيات ، جعلت اسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من نتائجها عمليا ! . انه لا يبخل في تسديد النصح كل النصح لادارة بوش ان كان ابا ام ابنا ، وهو المتصهين باندفاعه نحو تفوق وهيمنة اسرائيل على المشرق العربي ، وهو صاحب نظرية وكالة اسرائيل على امن الخليج ، بعد حربها الثانية والثالثة ، ومن اجل هذا كان يلح على ضرورة احتواء العراق وايران ، وعلى جعلهما في طوع امريكا بالترهيب والترغيب ، وعلى ضرورة تفتيت مايمكن تفتيته من دول المنطقة ، تحقيقا لطلبه في الهيمنة على مصادر الطاقة ، وحماية التفوق الاسرائيلي عسكريا واقتصاديا .
حكماء واشنطن يسقطون ورقة التوت : الموضوع برمته لم يكن ابن ساعته انه جوهر المشروع الامريكي الخاص بالعراق والذي بوشر بتنفيذه حرفيا وعن قرب بعد ان كانت الممهدات تعمل وفي كل الاتجاهات قبل احتلال العراق في 9 / 4 / 2003 وعن بعد ، وباقتراب متدرج ، منذ حرب الخليج الاولى حتى الاخيرة، لقد كانوا يعرفون ماذا يفعلون عندما حددوا مناطق الحظر الجوي وقسموا العراق جويا الى ثلاثة اقسام عام 1991 ، وترافق هذا مع تكريسهم العملي لروح التقاسم الطائفي والقومي بين فصائل المعارضة العراقية التي اخذت تتبناها وتعيد تأهيلها امريكيا لتلعب بها لعبتها الراهنة ، علما ان اغلب فصائل هذه المعارضة كان قبل الامركة يعارضون بيافطات سياسية وطنية عامة يغلب عليها طابع الدعوة للديمقراطية ودولة الدستور والمؤسسات ، وهذا ما عرفته جبهات دمشق لقوى المعارضة طيلة عقد الثمانينات ! وبعد احتلال العراق طبقوا خططا مدروسة وممحصة ومفحصة ، في ادق تفاصيلها ، فكان تشكيل مجلس الحكم على نفس اسس التقاسم الطائفي والقومي ، الذي يترجم قرارات التقسيم الجوي وينزلها ارضا لتتطابق الخطوط ، وكان حل الجيش العراقي الذي يعتبر بلازما الوطن ، وتشكيل جيش جديد تقاسمي النزعة ، ثم شرع قانون ادارة الدولة الذي قنون التقسيم والتهشيم وجعلهما حالة دستورية ، استنبطها الدستور الدائم لاحقا ، ثم قانون الانتخابات ومفوضيتها ، وهكذا دواليك ، ومنذ ان ارتطم تقسيمهم الجوي بالارض كانت الارض ترفضه وتتمرد عليه ، لكنهم بالمسح جوا وبرا استطاعوا تامين قواعد ثابتة ومتحركة لهذا التقسيم المقيت ، علما ان كل الذي جرى ويجري بثياب تتزين بعلم الوحدة العراقية ، وتنفي بل وترفض اية اتهامات عن تفتيت العراق الى ثلاث او اربع دول جديدة ، لانها فعلا لاتنوي اعلان قيام دول جديدة في هذه المرحلة ، فالحقيقة هم يعملون على قيام نواتات دول تحت مظلة الحكم الذاتي والفدرالية ، والغرض واضح ومفضوح ، الغاء الدولة العراقية الموحدة القوية ، واستبدالها بدولة مهلهلة ضعيفة ، تتجاذبها توازنات اقاليمها ، حيث تصفر الدورة الدموية الكبرى في بغداد لصالح الصغرى في الاقاليم ، والتي ستكون بحاجة متواصلة لحماية امريكية ! هذا الوصف قائم العمل به ، اما ماذا وراء التصريحات والتسريبات الامريكية الاخيرة التي شارك بها حكماء ساستها المخضرمين ، واعضاء في الكونغرس ، ومنهم جوزيف بيدن العضو الديمقراطي والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة 2008 ، جيمس بيكر، وهنري كيسنجر ، وبوش ذاته مع طاقم حكومته ، فهي حقيقة تحمل وجهين الاول داخلي امريكي يريد اشاعة روح جدية الادارة في البحث عن مخارج حقيقية ودائمة للوضع في العراق خاصة بعد الهبوط الكبير في شعبية الرئيس الامريكي بسبب خيبات الوضع في العراق ، والوجه الثاني الى الداخل العراقي ومحيطه ، وهو يقول ان امريكا وشعبها ضاقا صدرا من الوضع غير المستقر وهي عازمة على تنفيذ ما ابتدأته في تكوين الحكومات الاقليمية ، التي ستجعل التصارع على حكم بغداد امر لا معنى له ، وبهذا المعنى فان حكومة اقليم كوردستان هي النموذج ، واي نموذج !؟ اما السيد كيسنجر فقد ذهب ابعد من ذلك عندما طالب بادارة دولية للعراق ، ووصاية لاجل غير محدود ، حتى تكون براءة لذمة امريكا من خططها المنفذة ، والتي باركها كيسنجر بكل قوة وتحريض ، انتقاما من عراق كان يوما ما قد افشل لعبته ، وكسر حاجز ، عدم المس بأمن اسرائيل ، ومعنى دعوته هذه ان مركز الحكم في بغداد يكون للوصاية ، والاقاليم تحكم نفسها بنفسها وتحت رعاية امريكية مباشرة ! . كيفما تقلب اوجه افعالهم واقوالهم ، فانك تجدهم سائرون نحو التقسيم الفعلي غير المعلن للعراق ، واختلافاتهم على الاخراج النهائي فقط .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة الرقم الاصعب في المعادلة العراقية
-
في داخل العراق ازمة شعر وشعراء
-
حزورة المليشيات في العراق
-
البنتاغون يتأبط حربا جديدة
-
الطبقة العاملة العراقية العدو الاول للاحتلال
-
لقطات
-
القيادات الكردية العراقية مدمنة على التصيد في المياه العكرة
-
اليُتم اليساري في العراق
-
الاعلام العراقي بين التخلف والتزلف
-
بين الاستهتار الامريكي والخبث الايراني
-
الجحيم لم يأتي بعد العقدة والحل
-
الطينة الفكرية لرجالات العهد الجديد في العراق
-
نقطة نظام - حالة الدجيل مسببة حسب القانون العراقي وقتها
-
احتلال المرأة
-
التحشيش الطائفي والتجييش الامريكي
-
العراق في مزاد سياسي مزدحم
-
يا أعداء الاحتلال وفتنه اتحدوا
-
خبر التفجير والتفسر عند السفير
-
دولة فساد أم فساد دولة
-
امبراطورية سوق العبيد
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|