|
ما هو الحل
بولات جان مطر
الحوار المتمدن-العدد: 1556 - 2006 / 5 / 20 - 10:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اثبتت كل الوقائع التي طبعت القرن العشرين من حروب وكوارث ومآسي ومجازر وصراعات عرقية و دينية، إضافة إلى التحالفات و ما نتجت من الانتصارات والإنهيارات كلها أثبتت حقيقة علمية مفادها إن القومية وكل ما يرتكز عليها من حلول ونظريات وأهداف وكل ما يُنظم على منظورها من احزاب وتكتلات وكل ما يوضع على اساسها من استراتجيات وعقد الاحلاف قد بائت بالفشل الذريعة مكبدةً الانسانية خسائر فادحة لم يرى لها مثيل في التاريخ. فكما يسمى القرن العشرين بـ(قرن صعود الوطينة) فسيكون بالامكان اطلاق رديف آخر على هذا القرن، وهو (قرن انحطاط الوطنية والقومية). لستُ هنا بصدد الاسهاب في موضوع النظرة القومية وما تمخضت عنها. سأكتفي بالقول: إن النظرة والاستراتجية القومية قد فشلت في اسعاد البشرية، عكس ذلك، كانت سبباً في المآساة التي تلاحقنا اشباحها حتى يومنا هذا. والحال هكذا فإن الدولة التقليدية المعتمدة على الموروث القومي والوطني بشعارات كـ (اللغة الواحدة، الارض الواحدة، المعتقد الواحد والتاريخ المشترك) لم تنجُ من التعفن الذي تغلغل بكل مسامات المجتمع البشري. الدول القومية، البرلمان التمثيلي والسياسة النخبوية قد فشلت جميعها وتوقف قطارها في آخر موقف على اعتاب القرن الواحد والعشرين. شرقنا الاوسط، بدوله وشعوبه وحكوماته ومؤسساته وشرائح مجتمعه مقيدة بعقدة الدولة القومية منذ قرنٍ كامل ولا تزال تتخبط في أخطائها دون ان تجد الحل المثالي للخلاص والتقدم ومواكبة ركب الحضارة الانسانية. القومية العربية فشلت في الوحدة وبناء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وراحت كل هراءات البعث والناصرية أدراج الريح، وكذلك القومية الكردية، فشلت في بناء دولة كردستان الواحدة من اسكندرون الى عيلام، ولم يبقى من الارمن إلا النذر اليسير ودُفن معهم حلم ارمينيا الكبرى في صحراء ديرالزور، وتركيا اليوم، مصابة بآلاف الامراض العضال وكالتائهة في لجة اليم. كل هذا فإن التفكير بحذو الشرق الاوسط حذى اوربا في اقامة وحدة شرق اوسطية، يبدو للوهلة الاولى كخيال طفلٍ معتوه. ناهيك عن الوحدة الشرق أوسطية؛ فدولة كسوريا فشلت في إرساء دعائم الوحدة الوطنية داخلياً وكذلك لبنان وعراق وايران وتركيا وفلسطين... لما ياترى؟ لإن البوصلة التي ترشدهم هي البوصلة القومية! فالتوجيه القوموي قد بات جزءً من التاريخ الفاشل. اذاً ما هو الحل؟ نعم. يحق لنا ولكل المثقفين الشرق اوسطيين طرح هذا السؤال: " ما هو الحل المناسب لمنطقتنا؟ وما هو السبيل إلى تحقيق المساواة والعدالة والديمقراطية والرفاهية الاجتماعية والتقدم الحضاري؟ وما الدرب الذي يوصلنا إلى محراب الحرية؟" الدين، فشل في ذلك والخلفاء بنوا من جماجمنا قصوراً وأرتوا حتى الثمالة من دمائنا المراقة، وسلاطين بني عثمان (خوزقوا) الشرق الاوسط، والزعماء القوميين جعلوا من الشعوب صراصيرً تصفق وتنادي بحياة قادة الضرورة وملهمي الثورة وتعلن الولاء الابدي لهم... الماركسية والليبرالية كلها اوصلتنا في نهاية المطاف الى احضان الدولة القومية، بل قوت ساعدها. الدولة الوطنية فشلت، الفدرالية ناقصة والبرلمان التمثيلي مشلول ولا يمثل الشعب بتاتاً والتوجيهات الدينية والاصولية تتقهقهر بنا للخلف. الديمقراطية الامريكية والغربية مثلها كمثيل الفستان المفصل غيابياً لجسد إمرأة شرقية سمينة... والحال هكذا فإن المسألة الفلسطينية ـ الاسرائيلية ستبقى دون حل والعراق سيتخبط في برك الدماء وتركيا ستغرق لا محال وايران ستتحول الى جزر واقواق الاسطورية ودول الخليج الديناصورية ستنقرض وسوريا ستظل تتلقى الصفعات تلو الاخرى والاكراد سيظل يحاربون حتى قيام الساعة . لا اقول كل هذا من باب التهويل ولم اطلق العنان لخيالي الادبي الخصب كي املئ الورقة البيضاء التي امامي؛ اكتب كل هذا عن وعي ودراية وبضمير شرقي يتألم لحال منطقته والغيور على مستقبل شرقه الاصيل. العقدة ليست شكل الحكم او سلطة فحسب، انما تتعلق بآلية المجتمع وشكل علاقاته داخلياً ومع التجمعات الاخرى من النواحي كافة. المشكلة التي تواجهنا والعلاقات التي تربطنا وآليات النظام التي تديرنا. المشكلة هي شكل المواطنة بكل حيثياتها، هي دور ومكانة الفرد في المجتمع وكليهما مع الطبيعة، هي نظرتنا إلى المستقبل الانساني ككل. اي ان الحل الذي نسعى اليه ونبحث بقنديل الفلاسفة عنه، يجب ان يكون جواباً لكل هذه المسائل المطروحة. حل يصلنا الى السعادة الانسانية الحقيقية بعيداً عن اليوتوبيات المثالية والامنيات الكريكاتورية. نبحث عن حل يضمن لنا هوياتنا الوطنية دون التقوقع والانقطاع عن الوطنيات الاخرى. حل تكون للمرأة كل ما وهبتها الطبيعة لها من حقوق، حل يضمن ممارسة المجتمع للديمقراطية وادارة شؤونه الذاتية بإرادته الحرة. حل يحمي البيئة وكل الكائنات والعناصر التي تحيط بنا وتشاركنا الحياة. حل يحضنا على مصادقة كل الشعوب التي تجاورنا وتنهي في اعماقنا الضغينة و رفض الاختلاف الطبيعي بيننا... نبحث عن حل يكون الفرد حراً مفتوحاً امامه ابواب الابداع والنمو والرقي على مصراعيه. حل تتحول فيها الدولة والسلطة من كل شيء الى اقل شيء وعكس ذلك يتحول المجتمع من لا شيء الى كل شيء . يجب ان نحث الخطى للوصول الى حل يؤمن سعادة الانسان الحقيقية دون إتعاس اياً كان من البشر وعناصر الطبيعة والحياة الاخرى. ابحثوا عن الحل، متأكدُ بأنكم ستجدونه. وللحديث بقية...
* رئيس تحرير مجلة الشرق الاوسط الديمقراطي
#بولات_جان_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|