|
الأشباح، وظاهرة الشخص الثالث
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6377 - 2019 / 10 / 12 - 16:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الشخص الثالث في أبريل ٢٠١٠، مايكل شيرمر Michael Shermer نشر مقالا بعنوان "How the brain produces the sense of someone present when no one is there أي كيف ينتج الدماغ الإحساس بوجود شخص ما عندما لا يكون هناك أحد. هذه الظاهرة الغريبة تعرف بظاهرة "الشخص الثالث"، وهذه التسمية مستوحاة من قصيدة ت. إس. إليوت "أرض اليباب" : من هذا الشخص الثالث الذي يسير دوماً بجانبك؟ عندما أعُدّ، هناك فقط أنا وأنت معاً. لكن عندما أنظر إلى أعلى الطريق الأبيض هناك دائماً شخص آخر يسير بجانبك. ينساب مدثراً بعباءة بنية، ملتفعاً لا أعرف إن كان رجلاً أو امرأة - فمن ذاك الذي الى جانبك الآخر؟
Who is the third who walks always beside you? When I count, there are only you and I together But when I look ahead up the white road There is always another one walking beside you Gliding wrapt in a brown mantle, hooded I do not know whether a man´-or-a woman -But who is that on the other side of you?
إليوت يقول بأنه كتب هذه الأبيات متأثرا بسرد أحد المشاركين في إحدى الرحلات إلى الأنتاركتيك، بعثة أو حملة للقطب الجنوبي Antarctic expedition وهو المستكشف المشهور إرنست شاكلتون Ernest Shackleton الذي يؤكد أن فريق المستكشفين عندما يصل بهم الإرهاق إلى حدوده القصوى، كانوا يتوهمون باستمرار وجود شخص زائد عن عددهم الفعلي. الفكرة هنا هي أنّه في أوقات التوتر الشديد، يظهر أحيانا أمام الإنسان المرهق كائن غريب قد يحدّثه وربما يرشده، ويبعده عن الخطر. أغلب متسلّقي الجبال، الرياضيين، والطيارين المحلّقين على ارتفاعات عالية عايشوا تجربة الشخص الثالث. عادةً يرجع العلماء هذه الظاهرة إلى نقص في الأكسجين بالدماغ ممّا يؤدّي إلى انهيار الوظائف الدماغية، ثمّ الهلوسة. مايكل شيرمر يسمي هذه الظاهرة بأثر أو إنطباع الحضور المحسوس" ensed-present effect " وهي الشعور بأنّ هناك أحد ما أو شيء ما موجود معنا في نفس المكان. الكاتب الكندي جون قايقر John Geiger أصدر كتابا في ٢٠٠٩ بعنوان The Third Man Factor والذي ترجم إلى الفرنسية تحت عنوان الصديق الغير مرئي أو الصديق الخفي L ami invisible يقوم بدراسة هذه الظاهرة ويحدد الظروف الجسدية والنفسية لحدوثها. هناك ظروف وأحوال متعددة تصاحب الحضور المحسوس منها: التوتر، الظلمة أو العتمة، المناظر الطبيعية القاحلة والموحشة، العزلة، البرد، الإصابة بالجروح الجسدية، الجفاف والعطش، الجوع، التعب والوهن، الخوف، والحرمان من النوم.. إلخ يذكر شيرمر قصة جوري روبتش Jure Robic، راكب الدراجة السلوفيني، والذي ربح لأربعة مرات السباق الأمريكي Race Across America من السباقات الطويلة والقاسية ، ما يقارب الخمسة آلاف كيلومتر، كيف أنه وجد نفسه ذات مرة في حرب مع صناديق البريد المتواجدة على الطريق والتي تحولت إلى جيش عدواني، ومرة أخرى وجد نفسة ملاحقا من مجموعة من الفرسان الملتحين - المجاهدين - الذين يطاردونه ويطلقون عليه النار، مما جعله يزيد من سرعته. وكذلك شعر تشارلز ليندبيرغ Charles A. Lindbergh بوجود "حضور شبحي" خلال عبوره للمحيط إلى باريس على متن الطائرة، حضور يحاوره وينصحه ويناقش معه تفاصيل الملاحة وطريقته في التحكم في الطائرة. وقد شعر متسلّق الجبال النمساوي الشهير هيرمان بوهل Hermann Buhl ١٩٢٤ - ١٩٥٧ بوجود محسوس بعد صعوده قمّة نانغا باربات Nanga Parbat التي يبلغ ارتفاعها أكثر من ثمانية كيلومترا ـ نانكا بربات المعروف أيضا باسم الجبل القاتل، يقع في الجزء الغربي من الهيمالايا، وهو يعتبر من اعلى الجبال في العالم، وارتفاعه 8126 متر، وقد فشلت اغلب المحاولات في تسلقه، ما عدا محاولة هيرمان بوهل في عام 1953، والذي مر بتجربة الشخص الثالث في هذه المغامرة حيث قال واصفاً الأمر: " أرى نقطتين. كنت أصرخ بفرح .. كنت أسمع صوتيهما أيضاً، أحدهم كان يناديني "هيرمان"، لكني سرعان ما أدركت أنّهما كانتا صخرتين .. هذا المشهد يتكرّر بشكل دائم .. أسمع أصواتاً، أسمع أحدهم ينادي اسمي بوضوح وجلاء لكنّها مجرّد هلوسات وأوهام... كان ينتابني شعور قوي بأني لم أكن لوحدي". ويرى مايكل شيرمر أنّه مهما كانت ألأسباب المباشرة لهذه الظاهرة كالحرارة، الارتفاع، نقص الأكسجين في الدماغ، الإرهاق والوهن الجسدي، الحرمان من النوم، الجوع، الوحدة، الخوف.. إلخ، فإنّ أهم سبب وراء تأثير الحضور المحسوس موجود داخل الدماغ ويقدم مجموعة من الإحتمالات : - امتداد للحضور المحسوس الطبيعي الذي نشعر به للناس من حولنا في الحياة العادية، تحت تأثير العزلة والتوحد والوحشة. - في حالة نقص تغذية الدماغ بالأوكسجين أو الحرمان من النوم وفي حالات الإرهاق الشديد، فإن التحكم في العواطف بواسط الأعصاب القشرية يتوقف the rational cortical control over emotions كما هو الحال في الإستجابة لمواقف العنف والعدوانية - حالة الحرب أو الشعور بخطر الموت، أو الطيران، مما يتيح للأصوات الداخلية والأصدقاء الوهميين بالظهور. بطبيعة الحال، فإنّ الناس الذين يمرّون بهذه التجارب لايبدو أنّهم يمرّون بحالات ضياع فكري أو فوضى سيكولوجية قد تؤدّي إلى موتهم، بل على العكس، قد لاينتج عنها أي شيء على الإطلاق، وقد تنقذ حياتهم أيضاً. لكن كيف يمكن لهلوسة أن تنقذ حياة الإنسان؟ المؤمنون يقولون أنّ العناية الإلهية ساعدتهم، أو أنّ ملائكتهم الحارسة كانت ترافقهم وأن الله كان معهم. أمّا حسب نظرية جاينز Julian Jaynes التي ذكرها في كتابه The origin of consciousness in the break down of the bicameral mind مايحدث هو أنّ الدماغ الأيسر يسلّم خريطة القيادة إلى الدماغ الأيمن، ويتمّ العمل على نظام الطيار الآلي-العقل الثنائي القديم خلال وقت الأزمة. ربّما فرضية جاينز تخمينية إلى حدٍ بعيد، لكنّها تعالج بشكل مقنع إلى حد ما العديد من المسائل التي لايمكن تفسيرها ضمن سياق الفرضيات البديلة والمثيرة للجدل. ليست هناك أيّ عناصر غامضة أو صوفية في نظرية الدكتور جاينز. فهم يحاول عقلنة مجال واسع من الظواهر وفق اختلافات وفوارق محدّدة نصفي الكرة الدماغية الأيمن والأيسر، ممّا قد يؤدّي - حسب ظنّه - إلى أصوات مهلوسة (وربما رؤية صور مهلوسة أيضاً). وهذه "الهلوسات" في رأيه هي أساس المعتقدات الدينية لدى الإنسان وهي مصدر الأديان ذاتها منذ القدم.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أفيون الفقراء
-
العار والمحبرة
-
والتر بنيامين وتجربة الحشيش
-
مقبرة الكلاب
-
بذور القلق
-
الفن والحشيش
-
الوجه المثقوب
-
العقل المخدر
-
شكسبير والحشيش
-
تصفيف أولي
-
اللسان المقطوع
-
ساندويتش من الضوء والمطر
-
الجسر الوهمي
-
عودة إنكيدو
-
آلام كوشيز
-
الإنتظار
-
ما هي فائدة الجيوش؟
-
الشاعر وعالم الغيب
-
فكرة النرجس
-
شعر وحشيش وقمر
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|