|
هل فكرة الله منتوج عقلي // الجزء السادس
يوحنا بيداويد
الحوار المتمدن-العدد: 6377 - 2019 / 10 / 12 - 15:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في اعداد السابقة سلطنا الضوء على فكرة الله (عالم الميتافيزيقي) من خلال الإجابة على السؤال التاريخي الذي طرحه معظم الفلاسفة " هل فكرة الله فعلا منتوج عقلي؟" وفي هذا العدد سوف نسلط الضوء على محاولة الفيلسوف الرياضيات الألماني الكبير لبينتز(1646-1716م) صاحب نظرية "الموناد". ان محاولته لإيجاد توافق او تحقيق مصالحة بين الفلسفة الميتافيزيقية والأديان السماوية من جانب والعلوم الطبيعية والمدرسة التجريبية من جانب اخر، ربما كانت المحاولة الأهم في تاريخ الفلسفة الحديثة من حيث عمق فكرتها وشموليتها كنظام كوني كامل.
من هو العالم والفيلسوف غوتفريد فيلهلم لبينتز؟ يعد لبينتز أحد أعظم فلاسفة عصر التنوير الذي تركت آرائه اثرا كبيرا على الفلسفات الحديثة وعلم النفس والرياضيات، فكان بمثابة اكاديمية كاملة بمجملها، حيث كان بالإضافة فيلسوفا، كان عالما في الرياضات والفيزياء والفلسفة ومؤرخ وعالم لغوي ولاهوتي وسياسي بارع. كما تعد مشاركة الفيلسوف الألماني لبينتز في تأسيس علم التفاضل والتكامل (حدث صراع حول من توصل أولا الى تأسيس علم التفاضل والتكامل بينه وبين العالم اسحق نيوتن) وإدخال الرموز في تفسير الفلسفي. فهو الاب الحقيقي المنطق الرمزي الحديث، وهو من الأوائل من تحدث عن نسبية المكان والزمان بثلاثة قرون قبل ان يضع آينشتاين النظرية النسبية التي غيرت مفاهيم النظريات والقوانين الفيزياء كليا.
نظرية الموناد ما هي نظرية المونادات؟ وما هو القاسم المشترك بين الطبيعي وما هو فوق الطبيعي؟ وهل اثبتت نظرية المونادات وجودا لله فلسفيا؟ وما هو النظام الشمولي الجديد الذي وضعه هذا الفيلسوف الذي كان يرغب الهدوء والعمل بعيدا عن تسلط الأضواء. لا تختلف نظرية لبينتز (الموناد) حول طبيعة الكون وعلاقتها مع خالقها من حيث الجوهر عن محاولات الفلاسفة الذي سبقوه بالأخص نظريات ارسطو وديكارت وسبينوزا. وهذه فكرة مختصرة عن النظام الكوني الجديد الذي يربط بين كل الموجودات، وعن اهم خصائص لوحدة الجوهرية-الموناد وهي: 1- كل الموجودات في الكون، ابتداء من الوجود الهيولي (الجماد) الى الموناد الأسمى، أي الله، او (الصورة المحضة حسب ارسطو)، تتكون من وحدات أساسية متشابهة متناسقة تدعى بالمونادات.
2- ان هذه المونادات او (الوحدات الأساسية) هي قوى متجهة نحو الفعل (أي حركتها باطنية)، تشبه القوة الكامنة في شد الحبل الذي يدفع السهم للأمام بصورة تلقائية دون تدخل محرك اخر، فهي قوة متوجهة نحو تحقيق فعل دائما بكلمة أخرى قوة وسطية بين الوجود بالقوة والوجود بالفعل (حسب ارسطو).
3- هي فعل كامن، او جهد مستمر نحو الفعل التام، فحاضرها يحمل ماضيها المثقل بمستقبلها، فالألية الموجودة في الظاهر، على السطح لأي موجود، يقابله تصرف الجوهر والصميم في الموناد لهذا الموجود، لهذا كل ما يحدث للموجود يحدث من الداخل (من جوهر/ الذي يمثل العالم الميتافيزيقي) ومن الخارج (آلياً بحسب قوانين الطبيعة). . 4- ان جميع المونادات خالدة لا تفنى ولا تستحدث، من هذا نستنتج حتى الجماد بحسب هذه النظرية هو كائن حي، لكنه في أدنى درجة من الانتظام، اما الموت الموجود في الطبيعة يقوم على تركيب وانحلال الأجزاء.
5- المونادات خلقت بالضرورة ولها غاية. وما يبدو لنا كوناً هو (صيرروة الشي) وما يبدو لنا فساداً هو الانحلال او الموت.
6- الله هو الموناد الأسمى في الوجود، ذو الدرجة المطلقة من الانتظام (الصورة المحضة لدى ارسطو)، عبارة عن روح خالصة، ليس له جسد مادي، هي (الموناد الأسمى، أي الله) خلقت بقية المونادات (الموجودات الأخرى عن طريق الفيض او الانبعاث (ارسطو + افلوطين).
7- الموناد الأقل انتظاما عرفها لبينتز بالموناد الجرداء لان الحياة العضوية فيها معدومة، على الرغم من ذلك من حيث المبدأ هناك غائية ودرجة وقوة في داخل هذه الوحدة (الموناد)، لديها الاشتياق لتسير نحو الموناد الأسمى او الكمال (أي الله حسب ارسطو)، كما الحال في النبات او الحيوان او الانسان.
8- الموناد الذي تكون النباتات هو أكثر انتظاما من الجماد (الهيولي)، اما عند الحيوانات التي لها النفس، التي تتجمع حولها المونادات وتعمل تحت سيطرتها وتقودها نحو قرارها (ميولها الغرائزي)، اما عند الحيوانات الارقى مثل الانسان المونادات تصبح تحت سيطرة الروح العاقلة، التي لها القابلية للاستذكار أي الشعور والوعي بوجودها، هكذا تستطيع ان تفكر وتعمل وتفكر وتشكل تصورات عن الله والجوهر واللامادي (الموناد الأسمى) عن طريق استخدام المبدئين التناقض والعلية.
9- الاختلاف في الانتظام والكمية بين المونادات، لا يؤثر على الجوهر بل تبقى هي هي .
10- ان المونادات تتصرف بمحاكات للذات الإلهية (الموناد الأسمى)، من هذا نستنتج الذات الإلهية تحاكي على أوجه لا متناهية، او بكلمة اخرى هناك عدد لا متناه من درجات الوجود، لان هناك عدد لامتناهي من المونادات، و لكل واحدة منها لها عالمها الخاص بها حسب درجة انتظامها. 11- النفس الإنسانية لن تصل الكمال او السعادة المطلقة، كما يقضي مبدا الاتصال، وطبقا لهذا المبدأ ان عدد المونادات الموجودة في الكون هي لا متناهية العدد، كذلك ان المادة منقسمة الى ما لا نهاية أجزاء.
12- كل موناد يدرك العالم كله!!، لانهما في محاكيات للذات الإلهية كما قلنا، أي كل واحدة منها مرآة لكل الموجودات، لان كل الأشياء متصلة فلا يمكن ادراك جزء دون غيره، لكن كل موناد له تصور خاص عن العالم ، أي يدركه من وجه نظر خاصة به حسب درجة انتظامه.
الخلاصة نرى مرة أخرى يحاول أحد عمالقة الفلسفة في عصر فلسفة الانوار، ربما تكون المحاولة الأهم والأخيرة التي حاولت ايجاد الرابط المخفي (العقلاني) بين العالم الميتافيزيقي (السماوي) وبين العالم الأدنى (عالم الواقع) عن طريق وضع نظام جديد مبني على فكرة الموناد، التي تعتبر الوحدة الأساسية لكل الموجودات ولكنها تختلف في درجة الانتظام. وان انتظامها هو مقياس سموها واقترابها من الحقيقة او الصورة المحضة (الله) او الموناد الاسمى .
#يوحنا_بيداويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسفة المثالية Idealism Philosophy
-
الفلسفة العدمية Nihilism Phelosophy
-
هل فكرة الله منتوج عقلي – الجزء الخامس
-
نظرية الفلسفة النقدية
-
هل فكرة الله منتوج عقلي / الجزء الرابع
-
لو كان المسيحيون يفكرون مثل بعض الأخوة من المسلمين!!!
-
كيف يتم اصلاح وطن ما مثل العراق ؟
-
محنة المثقفين في العقود الاخيرة
-
ازمة العلاقات الإنسانية، قضية اختفاء خاشقجي مثالا!
-
هل الله منتوج عقلي؟ الجزء 3
-
اللغة من منظور الفلاسفة / الجزء الأول
-
هل عادت البشرية في هذه الايام الى بيئة العصور الحجرية؟!
-
قراءة من اللوح الاخير لاسطورة الخلق البابلية
-
ايها العراقيون انتم لستم اقل من الامة الفرنسية!
-
فلسفة الحداثة وما بعد الحداثة Modernity & Post Modernity
-
الحداثة وما بعد الحداثة
-
هل ستحصل انتخابات ديمقراطية في العراق؟
-
الفلسفة الظاهراتية Phenomenology
-
رسالة معكوسة الى د. شاكر جواد بخصوص رسالته عن سيرة الشهيدة ا
...
-
هل الله منتوج عقلي؟
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|