|
تركيا والكرد السوريون
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 6377 - 2019 / 10 / 12 - 13:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استطاعت تركيا أن تجعل من الثورة السورية فرصة "قومية" لها، وهي في عمليتها العسكرية اليوم شرق الفرات أو منطقة الجزيرة السورية، تحاول أن تستثمر أكثر في الفرصة السورية. تبغي تركيا اليوم الإمعان أكثر في استغلال هشاشة "البنيان السوري" كي تزيده هشاشة، وتجعل من سوريين "غير أكراد"، أطلقوا على أنفسهم اسم "الجيش الوطني"، الذي لا نصيب له من اسمه، فهو يفتقد الاستقلالية، وسيلة لإحداث المزيد من الضعضعة في النسيج الوطني السوري من خلال ضرب الوطنية السورية وتعميق التنافر العربي الكردي، في سبيل تحقيق هدف تركي. يهرب هذا "الجيش الوطني" من حقيقة علاقة التبعية التامة له مع تركيا، فيسميها علاقة تحالف. في هذا "التحالف" لا يجد المرء جواباً على أسئلة مثل: لماذا لا تتجه بندقية "الجيش الوطني" إلا إلى حيث تريد تركيا؟ لماذا لا يدعم الحليف التركي هؤلاء من أجل تخليص إدلب من جبهة النصرة والتنظيمات الإسلامية الجهادية الأخرى التي نمت على حساب الثورة وشكلت، ولا تزال، التغطية السياسية الأبرز لعمليات قصف المنطقة من جانب النظام السوري وحلفائه؟ بأي معنى تشكل معركة شرق الفرات مناصرة للثورة السورية؟ وما هي أولويتها؟ لم يشكل الكرد في سورية تهديداً لأمن الدولة التركية طوال سنوات الصراع الماضية، هذا ما يعرفه الجميع، والأتراك من باب أولى، وليس التهديد الكردي المزعوم الذي تحدث عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من على منبر الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، هو ما يحرك العملية العسكرية التركية اليوم. إن ما يحرك الاجتياح التركي لمناطق التواجد الكردي في سورية، هو في الواقع، الوزن المعنوي والسياسي العالمي الذي حققته الوحدات العسكرية التي يغلب عليها العنصر الكردي، من خلال نجاحهم في المعارك القاسية والطويلة ضد تنظيم داعش (الذي لا ينبغي نسيان الدور التركي في توسعه وامتداده) وتضحيتهم بعشرات آلاف المقاتلين في هذه المعارك، بالترافق مع امتلاكهم لمقومات إدارة ذاتية ووجود قوة كردية معادية لتركيا (نقصد معادية للسياسة التركية تجاه الكرد) على رأس هذه الإدارة. فضلاً عن سعي حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى شد العصب التركي حول "الزعيم" من خلال تعزيز صورة آخر أو عدو "إرهابي" واستعراض القدرة على سحقه. لا يمكن إنكار الإنجاز العسكري الذي حققته قوات سورية الديموقراطية (قسد)، والذي أكسبها ثقة أطراف التحالف الدولي المضاد لداعش، إلى حد جعل قرار البيت الأبيض بمثابة صدمة سواء لحلفاء واشنطن أو لمؤسسات الإدارة الأمريكية نفسها. ولا يمكن إنكار القدرة التي أظهرها الكرد السوريون على إدارة شؤون المناطق التي سيطروا عليها، وعلى إدارة شؤون المخيمات والسجون التي تحتجز مقاتلي داعش الذين يقدر عددهم بعشرة آلاف، منهم حوالي ألفين أجنبي. وإذا تجاوزنا الآن عن ما تناقلته التقارير من أعمال عنف وتهجير وتجنيد للأطفال قامت بها قوات قسد في مناطق سيطرتها، وعن ما تنقله الأخبار من سياسات تعليمية تحابي العنصر الكردي على حساب العربي. وإذا تجاوزنا عما نراه خطأ جوهرياً في المقاربة العامة لحزب الاتحاد الديموقراطي (بي واي دي) الذي ينظر إلى سورية من منظار كردي بدلاً من أن ينظر إلى الموضوع الكردي من منظار سوري، نقول إذا تجاوزنا عن كل هذا، فإن الكرد في شرق الفرات شكلوا نموذجاً لا يريح تركيا ولا يريح بالطبع النظام السوري، وليس مفاجئاً أن نجد هذان الأخيران، رغم العداوة المعلنة، في موقف واحد تجاه التجربة الكردية السورية. ما سبق يقود إلى نتيجة مؤداها أن المنطقة الآمنة المزمعة، إذا أتيح لها أن ترى النور، ورغم ما تمثله من تعد على التكوين الديموغرافي والاجتماعي لإبعاد "الخطر" الكردي بحسب المزاعم التركية، لن تكون كافية تماماً لإشباع نزعة الهيمنة التركية التي قد تهدأ فقط حين يكف الكرد السوريون تماماً عن أن يكونوا كردستانيين. أو بكلام آخر، حين تسبق سوريتهم كرديتهم، ويخفت حلمهم القومي الذي ينخس الخاصرة القومية التركية (كما خفت الحلم القومي العربي) لصالح أولوية وطنية سورية، فلا يشكلون نقطة ارتكاز أو منطلق محتمل لأي تطلعات تحررية للكرد في تركيا. باختصار، تريد تركيا من الكرد السوريين فك العقدة الكردية السورية عن العقدة الكردية التركية، عندئذ يتحول الكرد السوريين إلى سوريين كرد، وتكف المناطق الكردية في سورية عن أن تكون غرب كردستان، وتتضاءل الأرضية التي يمكن أن يبنى عليها التصور السياسي الذي تكون فيه تركيا هي العدو الأول بالنسبة للكرد السوريين. هل يمكن لأبناء هذه المساحة الجغرافية المسماة سورية أن يغلبوا سوريتهم على هوياتهم القومية المتنوعة؟ قد يكون عسيراً علينا تقبل ذلك، لكن أليس من المفارقة أن يكون المكان الذي يشعر فيه الكرد السوريون بسوريتهم أكثر، هو المكان الأكثر كردية في المنطقة، أقصد كردستان العراق؟ فهناك، بحسب مرويات اللاجئين الكرد السوريين، يتعارفون على اللاجئ الكردي بأنه سوري، فتضمحل كرديته أمام سوريته ويخضع لمعاملة تمييز سلبي بوصفه سورياً. هل نجد مفارقة اليوم حين نرى هذا الرفض الذي يصل إلى حدود العنصرية، ضد السوريين العرب في بلد عربي هو الأقرب لسورية جغرافياً وثقافياً؟ هل نرى مفارقة في امتناع الدول "العربية" عن استقبال اللاجئين "العرب" السوريين في ذروة مأساتهم؟ ليس من الصعب ملاحظة أن الهوية الوطنية السورية تطمس الهويات القومية المتنوعة لحاملي الجنسية السورية، حتى في عيون من يشاركونهم "قومياتهم"، أو قل في عيون هؤلاء بشكل خاص. لكن ليس من السهل الاعتراف بهذه الحقيقة التي، بلا شك، تكوي الحلم "القومي" لكل منا. بعد كل شيء، من الراجح أن يتطور التدخل العسكري التركي في شرقي الفرات إلى مأزق للرئيس أردوغان، نظراً للموقف الأوروبي غير المؤيد، وللقيود الأمريكية الناجمة عن عدم وحدة الموقف الأمريكي وعدم ثباته، إضافة إلى احتمال طول أمد الحرب بفعل غياب سلاح الطيران عنها، وبفعل خبرة وكفاحية مقاتلي قسد، الأمر الذي سيترتب عليه خسائر بشرية كبيرة سوف تزيد في العبء السياسي التركي، وتحيل "المنطقة الآمنة" المأمولة إلى منطقة ملغومة بالأحرى. أما في سورية فإن الراجح هو أن تكون نتيجة هذا الغزو مكسباً لنظام الأسد الذي يمكنه أن يأمل اليوم بأن يستعيد، على يد الجيش التركي وأتباعه، وبمعونة حليفه الروسي، جزءاً آخر من أرضه المفقودة. فضلاً عن منطقة إدلب التي لا بد أن ترتيباتها دخلت في تسوية روسية تركية، مقابل موقف روسي من العملية العسكرية التركية.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن النظام العربي والثورة السورية
-
العلمانية، الأفق الممكن
-
في ظل الدولة
-
في نعمة -العدو-
-
تونس، لا خلاص بالأفراد
-
تشبيح معكوس لهدف واحد
-
لغة الثورة، ثورة اللغة
-
الأسد ومخلوف، اهتراء النظام
-
خراب الاجتماع الوطني في سورية ولبنان
-
ما وراء الطعوم
-
قصتنا العسيرة
-
في قصة نزاهة الرئيس وفساد الحاشية
-
علمانية على هدي الرسول محمد
-
نافذة في النافذة
-
جبهة النصرة في تحولها أخيرا
-
مقطع من المعارضة في ظل حافظ الأسد
-
ماتريوشكا الممانعة
-
مأزق لحاق الأقليات بالثورة السورية
-
معركة الساحل الثالثة، خيار خاطئ
-
لون جديد
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|