أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار














المزيد.....

حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1555 - 2006 / 5 / 19 - 11:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا أدري ما الذي يجعلني أخلط دوماً بين الروائي الألماني هيرمان هيسه والمفكر الفرنسي جاستون باشلار، على الرغم من أنني قرأت معظم كتبهما المترجمة إلى العربية؟.
ربما هو فرح الحياة الذي يسم كتاباتهما، وربما هو أفق الطفولة الذي يرومانه حتى حين يتناولان أجواء الشيخوخة. أو لعلها موضوعتهما الأثيرة، التي هي شعرية الأشياء، ما يجعلني أبصر بلا وعيي تلك الوشائج السرية التي تربط رؤيتيهما .. أو قد تكون الظاهراتية بعدّها منهجاً يقول به باشلار صراحة، ويرى هيسه الذات والعالم والوجود ( في أدبه ) على وفقه.
هناك من الكتّاب من يقول لك بأن الكتابة ممارسة أليمة، ومنهم من يؤكد أنها متعة عالية، وآخرون يعتقدون أنها تجربة وجودية عميقة تنطوي على المتعة والألم في الآن معاً. وحين تكون في موقع القارئ / المتلقي فإنك تستطيع أن تخمّن حالة الكاتب ساعة كان يكتب كتابه الذي هو بين يديك إنْ كان يتألم في لحظة الكتابة، أو كان يستمتع، أو أنه كان يخوض التجربة الوجودية بحساسية مركّبة نافذة.
وكاتب مثل هيرمان هيسه ( 1877 ـ 1962 ) يمكنك أن تفترض بأنه لا يكتب إلاّ وهو مبتهج، حتى عندما يتناول موضوعات من قبيل (( الغضب والحزن والألم والخيانة والموت )) فهو يكتب بحب، كما هو شأن باشلار كذلك، فكلاهما إلى جانب الحياة .. إنهما يمنحان قارئهما بصيصاً من النور على الدوام، ويتركانه في الغالب في حالة من نشوة عميقة، غامضة وصافية. وكلاهما يجد الجمال هو الصواب، ويؤمن بقوة الإنسان وقدرته على الانتصار، ولو مؤقتاً، ولو بعد حين، أيضاً.
شخصيات روايات هيرمان هيسه حالمون كبار، ومبدعون.. هاجسهم البحث عن الحقيقة، والخلق.. إنهم لا يلبثون في مكانهم، بل يطوفون في الجهات ليكتشفوا ذواتهم في النهاية.. إن شيئاً من الصوفية يطبع حيواتهم، وكلما كبروا يحتفظون بطفولاتهم في دواخلهم.. إنهم أطفال أيضاً، حتى حين يهبطون سفح الشيخوخة نحو العدم البارد.
إن الطفولة في منظور باشلار هي (( بئر الكينونة، وعندما نكبر في العمر تعيدنا ذكرى الطفولة إلى العواطف الرقيقة.. إلى هذا الندم المبتسم ))، وما يريده منا باشلار هو أن نستعيد كينونتنا المجهولة، هذا الشيء الذي لا يمكن معرفته، ونعني روح الطفل.. فهل بمقدورنا أن نقول أن هيرمان هيسه، في كل ما كتب، إنما سعى لاستعادة روح الطفل هذه؟.
إن شخصيات هيسه متوحدة، لكنها ليست مستوحشة في توحدها.. إنها تعرف كيف تصنع وهجها ضد قتامة العالم، وهذا هو ( كون ) بطل رواية ( كيرترود ) يُصاب بعوَق في موقف طيش إذ ينقاد، وهو في مرحلة مراهقته، لنزوة فتاة جميلة ظنَّ أنه يحبها.. إن خلله الجسماني هذا سيحرِّضه ليتسامى بروحه الرهيفة القلقة، ويبدع جمالاً معوِّضاً يحقق له الخلود، فهو منذ البدء يعشق الموسيقى، ويؤمن بأنه قادر على إبداع موسيقاه الخاصة، على الرغم من عدم اقتناع والديه.
(( قرابة عامي السادس أو السابع أدركت بأن الموسيقى ربما هي القوة الوحيدة من كل القوى الخفية التي تؤثر بي وتتحكم بمشاعري. منذ ذاك صارت الموسيقى عالمي وملجأي وسمائي التي لا أحد يقدر على أخذها مني أو الإقلال منها، والتي لا أريد أن يشاركني فيها أحد )).
تنتقل نشوة هيسه إلى قارئه، ولذلك ليس مصادفة أن تكون الموسيقى داخلة في إهاب رواياته، لا بعدِّها موضوعة يعالجها فحسب، وإنما إيقاعاً يتخلل نسيج تلكم الروايات، كما في ( ذئب البوادي، لعبة الكريات الزجاجية، الرحلة إلى الشرق، كيرترود، كنولب.. الخ ).
هل أخفق ( كون ) في الحب؟. الجواب باعتقادي؛ لا.. كانت كيرترود سلبية إزاء دعوته العاطفية، وفضّلت الزواج من صديقه المغني ( ماوث ) إلاّ أن الأخير لم يستطع امتلاكها روحياً.. لقد ارتأت أخيراً الابتعاد عنه فانغمس في الشراب وتدمير ذاته، وبعد ذلك أقدم على الانتحار.. أما هو ( كون ) فقد ظفر بها على الرغم من أنه لم يمتلكها جسدياً.. لقد اتحدا في النهاية في مدار آخر، هو ما وراء الروح والجسد، ذلك أن الكائن الإنساني هو أعقد من أن يؤطر في هذه الثنائية المبتسرة.
وكما يقول باشلار فإن (( الحب هو اتصال شعرين.. انصهار تأملين شاردين )).. هنا يكون ( كون ) بموسيقاه و ( كيرترود ) بصوتها العذب الدافئ قد حققا مثل هذا الاتصال ( اتصال شعرين ).. يقول ( كون / الراوي ) في الصفحة الأخيرة من الرواية :
(( إنها صديقة لي ، وعندما أخرج مضطرباً من سكوني في بعض الأوقات المنعزلة وأضع أغنية أو سوناتا فإنها أول ما تكون لنا نحن الاثنين )).
روايات هيسه مكتوبة وكأنها سير ذاتية، أو لعلها تنويعات لسيرته هو.. سيرة المبدع الذي يعيد إنشاء العالم بالإبداع.. وهل بالإمكان القول أن هذا ينطبق على كل روائي؟. أي هل أن كل روائي، في ما يكتب، إنما يقدّم نفسه، أو يفصح عنها بأشكال وصور متباينة؟.
ما نلاحظه على روايات هيرمان هيسه أنها لا تتطرق إلى الأحداث التاريخية التي عصفت بالعالم الغربي، وغيّرت من خريطة العالم السياسية، ولاسيما في النصف الأول من القرن العشرين، حيث عاش هو ( هيسه ) سنواته الخمسين كلها.. في ذلك الوقت شهدت أوروبا، بل العالم برمته، حربين عالميتين طاحنتين، وما خلّفتاها من دمار عمراني، وكساد اقتصادي، وخراب روحي ، وما اتصل بذلك كله من توسع استعماري، وانحساره فيما بعد. وكأن هيسه كان يعيش حالماً في صومعته، لا يدري ماذا يجري حوله، أو على الأقل لا يهتم به.. بيد أن هذا لا يقلل من شأنه بعدِّه كاتباً كبيراً ديدنه الوقوع على أسرار العالم الجوّاني للإنسان، ولاسيما الإنسان المبدع الذي يروم كمالاً مستحيلاً بوساطة الإبداع.
المصادر:
1 ـ غاستون باشلار ( شاعرية أحلام اليقظة / علم شاعرية التأملات الشاردة ) ترجمة: جورج سعد.. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ ط 1 / 1991 .
2 ـ هيرمان هيسه ( كيرترود ) رواية.. ترجمة: طارق حيدر العاني.. دارالشؤون الثقافية العامة ـ بغداد ـ ط 1 / 2002.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة: في أقصى الفردوس
- حوار مع القاص سعد محمد رحيم
- تحقيق: بعقوبة ابتكارالبساتين
- قصتان قصيرتان
- في رواية اسم الوردة: المنطق والضحك يطيحان بالحقيقة الزائفة
- قصة قصيرة: الغجر إنْ يجيئوا ثانية
- من يخاف الحرية؟. النسق الثقافي والمحنة السياسية
- قصة قصيرة: زهر اللوز
- شهادة: هكذا تكتبني المحطات
- شقاء المثقفين
- فضاء مكتبة.. فضاء الكون*
- سحر ماركيز
- الرواية وسيرة الروائي
- المثقف: إشكالية المفهوم والوظيفة
- كالفينو: الوصايا والإبداع
- مكر كونديرا
- في رواية -الإرهابي- لديفيد معلوف: هل حدثت الجريمة حقاً؟.
- حياة أوفيد المتخيلة
- المثقف والفاشي وهاجس الأرشيف
- في رواية ( كل الأسماء ) لساراماغو: البحث عن الذات عبر البحث ...


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار