عمر قنديل
كاتب وباحث
(Omar Kandil)
الحوار المتمدن-العدد: 6374 - 2019 / 10 / 9 - 09:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جيرارد أبرماس ، مدرس الفلسفة في جامعة كريتون/كاليفورنيا/الولايات المتحدة الأمريكية ،
البريد الإلكتروني :
[email protected]
مع بدايات القرن التاسع عشر وانتشار أفكار تشارلز ساندرز بيرس ووليام جيمس وجون ديوي عاشت البراغماتية إحدى أكثر فتراتها ازدهاراً قبل أن تبدأ بخسارة مكاسبها بعد الحرب العالمية الثانية لصالح الوضعية المنطقية .
قام كل من ويلارد فان أورمان كين وويلفريد سيلرز بمهاجمة الوضعية المنطقية بكل تفسيراتها ، وأشاروا إلى ضرورة العودة إلى البراغماتيه كاتجاهٍ للفلسفة المعاصرة ، ومن هنا بدأت مسيرة إحياء البراغماتية بعد كين وسيلرز، حيث قام ريتشارد رورتي من خلال عمله "الفلسفة ومرآة الطبيعة"(1) بإعادة البراغماتية إلى الفلسفة المعاصرة وإعادة وليام جيمس وجون ديوي إلى الواجهة كشخصيات رئيسية.
بدأت اليوم الحركة البراغماتية تستعيد نشاطها في محاولة لإعادتها إلى أساسها عند رالف والدو امرسون وبنيامين فرانكلين وتوماس جيفرسون من خلال فلاسفة جدد مثل ريتشارد شوسترمان ورسل غودمان.
الكلمات المفتاحية: فرانكلين ، الفلسفة المتعالية ، امرسون ، بيرس ، براغماتية ، رورتي ، شوسترمان.
للاستشهاد : مجلة الفلسفة –موسكو- "فيلسوفكي جورنال" ، العدد 2 ،{امرسون وإعادة بناء البراغماتية} ص34-37987 ، جيرارد أبراماس
For citation: Abrams, J. J. “Emerson and the reconstruction of pragmatism,” Filosofskii zhurnal / Philosophy Journal, 2019, Vol. 12, No. 2, pp. 34‒47.
اعادة البناء
بدأت الوضعية المنطقية بالإنهيار في منتصف القرن العشرين، وذلك بعد نشر كتاب ويلارد فان لأورمان كين الذي حمل عنوان "عقيدتان للتجربة"(2) في عام 1951 إضافة إلى مؤَلف ويلفريد سيلرز "التجريبية وفلسفة العقل"(3) في عام 1956 ، وفي ذلك الوقت كان كل من كين وسيلرز يحاولان توجيه الفلسفة إلى البراغماتية لكن ذلك التوجه لم يتحقق إلى أن وصل ريتشارد رورتي بكتابه "الفلسفة ومرآة الطبيعة" 1979 بالإضافة لما تم جمعه كبراغماتية الحياة :الإرث الدائم لويليام جيمس وجون ديوي 2017(4) على يد هيلاري بوتنام وروث آنا بوتنام.
بقيت البراغماتية تجذب الفلاسفة منذ الثمانينات وقد أنجبت بعض الأعمال الرئيسية في العقود الأخيرة مثل كتاب "اجعلها واضحة"(5) لروبرت براندوم ، وعلى الرغم من ذلك فإننا إذا ألقينا نظرة على البراغماتية منذ نشوئها في كامبريدج وماساتشوستس وحتى في كتابات بيرس وجيمس فإننا نجد فجوة كبيرة بين البراغماتية القديمة والجديدة ، فبرغم الواقعية الكثيرة إلا أنّها بقيت ضيقة النطاق وتميل أكثر إلى الأساليب اللغوية ، وربما أقل تأملاً وانفتاحاً على الرؤى الميتافيزيقية طويلة المدى.
ولفهم هذا التباين بين القديم والجديد نحتاج إلى إعادة النظر في التقاليد البراغماتية وربما نحتاج لتفكيكها وإعادة البناء، فالبراغماتيون المعاصرون مثل سيلرز ورورتي وبراندوم وبوتنام يسعون لاستعادة الرؤى الكلاسيكية للبراغماتية إضافة لاستعادة الرؤى من الفلاسفة المتعالين مثل امرسون وفرانكلين وحتى رورتي نفسه ، فمثلاً في مقال "الفلسفة الاحترافية والثقافة المتعالية" في أعقاب البراغماتية1982 كانت الفلسفة تُكتب على يد امرسون وجورج سانتايانا بطريقة جديدة ، طريقة أكثر أدبية وإبداعية ، ترفض الحدود الفلسفية والأدبية والنقد وهي الطريقة التي ستشكل أسلوب رورتي الأدبي(6).
فمثلاً في "الرومانسية والبراغماتية" في الفلسفة والسياسة الثقافية 2007 يجد رورتي في مقال "الدوائر" لامرسون الخطوات الأساسية لإبداع ثقافي مستمر ، وهي نفس الخطوات التي تكلم عنها جيمس وديوي ، حيث اعتبر امرسون كل شاعر أو فيلسوف هدفه القضاء على البيئة المحيطة به ثم رسم دائرة جديدة حول التقاليد السابقة ، وقد اتبع رورتي حذوه "كل إنجاز بشري هو مجرد منصة انطلاق لتحقيق انجاز أكبر"(7)
سنسافر إلى بداية تأسيس البراغماتية في محاولتنا لإعادة صياغة البراغماتية الأمريكية منذ التعالي الرومنسي عند امرسون(8) وصولاً لشوسترمان في "جماليات البراغماتية الخاصة بامرسون"(9).
سنجد امرسون ورسل غودمان في الفلسفة الأمريكية التي مثل فيها امرسون بالاشتراك مع جيفرسون جسراً بين الرومانسية الأوروبية والفلسفة الأمريكية(10).
في هذا المقال سنحاول اعادة ترتيب تقاليد البراغماتية بدءاً من فرانكلين إلى امرسون وسانتايانا وصولاً إلى الأسباب التي سمحت للوضعية المنطقية بحجب البراغماتية، ومن ثم إلى إحياء البراغماتية ومحاولتها لفهم نفسها و مستقبلها.
قبل البراغماتية
كان مؤلف كتاب "ريتشارد المونك المسكين" أي فرانكلين، شخصاً غزيرالعطاء، ومن أبرز مخترعي عصر التنوير، وقد عرّف الإنسان طبقاً لفلسفته بأنّه "حيوان يصنع الأدوات"(11)، وكان أول من اكتشف الشحنات الايجابية والسلبية بتجربته الشهيرة "عاصفة البرق" .
كان فرانكلين يشكل الرجل المثالي، فهو العالم ورجل الدولة والسفير والمثقف والمحب لاكتشاف الحياة البرية ، وقد استطاع بفضل إتقانه للغة الفرنسية أن يُنشئ مزيجاً فلسفياً للمعارضة في خطابها الأنيق للملك لويس السادس عشر.
كان فرانكلين صديقاً للفيلسوف الفرنسي فولتير وللاسكتلندي ديفيد هيوم وأسسوا سوية الجمعية الفلسفية الأمريكية(12) التي شملت أشخاص بارزين مثل جورج واشنطن وجون آدمس وتوماس جيفرسون وألكساندر هاملتون وتوماس باين .
في رسالة أرسلها هيوم من أدنبرة إلى فرانلكين في 10 مايو 1762 محاولاً اقناعه بالبقاء في أوربا وعدم العودة إلى أمريكا يقول :
أشعر بأسف كبير لأنك تنوي مغادرة القارة الأوروبية ، لقد أعطتنا أمريكا الكثير من الأشياء الجميلة (ذهب ،فضة ،سكر، تبغ ،...) ولكن أنت أول فيلسوف وأول رجل عظيم وأول شيء يجب أن نشكر أمريكا عليه "إنّه خطؤنا نحن لم نحتفظ بك"(13).
بمنطق الفلاسفة الكبار فإن فرانكلين كان يجب أن يغادر أوروبا، فأفلاطون نفسه عندما كان يواجه الظروف والعقبات في سعيه لإنشاء الجمهورية "حلم جميع الفلاسفة"، قام برسم مدينته المثالية لكنه لم يعيش أبداً لرؤيتها ، إنما هذا الحلم بالذات بدأ يتحقق في مكان ما على شكل إعلان تاريخي ، إنّه "إعلان الاستقلال".
كان إعلان الاستقلال في 4 يوليو 1776 نقطة البدء في تغيير الوعي الذاتي للتاريخ على حساب الماضي عندما يكون آتياً في الأحداث الانسانية ، مثل أطروحة الفلسفة البريطانية "نحن نتشبث بالحقائق لتكون بديهية، إن جميع الناس خلقوا سواسية" كان إعلان الاستقلال نقطة الانطلاق.
كان فرانكلين هو من أضاف مصطلح "بديهية" وهذه كلمة استخدمها جون لوك في مقاله المتعلق بالتفاهم الإنساني(14).
صاغت اللجة الخماسية( بنيامين فرانكلين وتوماس جيفرسون وجون آدمس وروبرت ليفينغستون وروجر شيرمان) إعلان الاستقلال وقدمته إلى الكونغرس في 2 يوليو 1776 أي بعد عام من بداية حرب الاستقلال الأمريكية 1775-1783 ، "صُنعت أمريكا في الحرب".
في كونكورد "متحف الرجل القديم" انطلقت شرارة حرب الاستقلال الأمريكية في 19 ابريل 1775 ، بالقرب من المكان الذي يوجد فيه الصبي الذي يدعى ويليام امرسون ،الذي سمع صوت الرصاصة الأولى للحرب ، وقد أصبح لاحقا القس امرسون والد رالف والدو امرسون الذي خلد المعركة في قصيدته "كونكورد ترنيمة" في عام 1837:
"عند الجسر ، -عند القضبان
رفعوا راياتهم لتداعب نسائم ابريل
بقلب رجل واحد وقف المزارعون المحاصرون
وأُطلقت الرصاصة التي عبر صداها العالم"
لقد دفع المزارعون أرواحهم لرفع ذلك العلم ليعيش أولاهم أحرار(15) .
لا أحد يعلم مصدر الطلقة الأولى أو اتجاهها لكن صوتها عبر العالم الذي اهتز بسماع هذه الكلمات :إن الرجال والنساء متساوون وإننا نعتبر هذه حقيقة بديهية.
في عام 1803 ولد رالف والدو امرسون ليكون الطفل الثاني لعائلة مكونة من خمسة أطفال لِروث هاسكينز ووليام امرسون ، نشأ رالف والدو امرسون الموهوب فكرياً في بيئة أهلته ليكون منافساً لبنيامين فرانكلين باعتباره أعظم فلاسفة أمريكا ،إذ أن امرسون نفسه كان معجباً بطريقة الاعتماد على الذات عند فرانكلين وقد صنفه على أنّه مساوي لواشنطن وشكسبير ونيوتن "أين الشخص المؤهل ليكون استاذاً على شكسبير ، أو قديراً ليُعلم واشنطن أو نيوتن؟ كل شخص عظيم هو فريد من نوعه"(16) .
احترام امرسون هذا كان ممزوجاً بنوع من التنافس وقد بان ذلك واضحاً في خطاب امرسون "العَالِم الأمريكي" 1837 الذي شكل ضجة مثله مثل إعلان الاستقلال، بسبب بعض التحولات الغريبة تم استبعاد امرسون من اللجنة الخماسية التي ستقوم بصياغة بيانها الخاص وتقديمه للفكر الأمريكي.
كتب امرسون في العالم الأمريكي "سننهي اعتمادنا على غيرنا ، لقد تدربنا كثيراً"(17) بهذا البيان أعلن امرسون الاستقلال الفلسفي لأمريكا عن قارة أوروبا بأكملها ، لم تعد أمريكا تعبد أفلاطون وارسطو وديكارت ، لم تعد تبكِ على مذابح هوميروس وفيرجيل وشكسبير فقد شكل "العالم الأمريكي" لدى امرسون نقطة الانطلاق لتبني تقاليدها ، وقد كتب أوليفر ويندل هولمز عن العالم الأمريكي "هذا البيان العظيم هو إعلان استقلالنا الفكري"(18).
بشكل عام فإنّه لم يكن من الممكن جعل كل شيء جديد فاللغة الانكليزية التي كُتب فيها المقال كانت متوارثة منذ أزمان وتحمل معها أفكارها وفلسفتها ، لكن هذه الفلسفة ستتم إعادة تشكيلها وبنائها لكي تتحدث عن بلد جديد بعقلية جديدة بأفكار العَالِم الأمريكي المتوهجة ، هذا العَالِم الذي يتحمل مسؤولية كبرى، فقد تجسدت فيه أفكار المجتمع الأمريكي التي تمثل كل شيء جديد ، و لم يكن هذا العالم إلاّ امرسون نفسه.
فمثل فلسفة كانط المتعالية متشابكة الخيوط ، وجد امرسون المجتمع الأمريكي فقد كان مندثراً في أنحاء الأرض لا يمك إلاّ صناعاته اليدوية ، وكانت أمريكا بالنسبة لامرسون نسخة من نظرية "الحزمة" الذاتية عن النفس لهيوم ، وكل المكونات تحتاج إلى التناظر الثقافي لوحدة كانط في الإدراك ، تلك الوحدة كانت تتطلب شعراً جديداً وفلسفة جديدة لأديب ومفكر من الطراز الرفيع "كانت تتطلب امرسون نفسه".
كانت مهمة امرسون شاسعة وقد كتب يصفها في "العالم الأمريكي" : يتطلب لبناء بلد عظيم إعادة تجميع ذلك العملاق المُفكك المنتشرة أجزائه في جميع أصقاع الأرض.
وفجأة ظهر المجتمع الأمريكي معطياً لامرسون الأجزاء حيث كانت أمريكا بحاجة لذلك الشخص الإستثنائي الذي يستطيع إعادة تجميع تلك الأجزاء "حالة المجتمع هي حالة عانى فيها الأعضاء من بتر الجذع".
يكتب امرسون "يلزمنا الكثير من الوقت لإطلاقه نحن نملك الأطراف فقط هذا ليس كائناً على الاطلاق(19)"، فقط عبقري جديد مع فلسفة وشعر جديد يمكن أن يعيد توحيد وإعادة تنشيط هذا العملاق، عبقري جديد سيأخذ مكانه الصحيح أمام عباقرة العالم ليكون الفكر و التصور للعملاق الأمريكي ، والوقوف مساوياً لعقول الماضي مثل شكسبير كعقل إنجلترا وأفلاطون كعقل اليونان والتحدث إليهم كملك بين الملوك، ويتابع: إنهم ملوك العالم فهم من قدموا الألوان لِتُلون بها الطبيعة والفنون(20)، إذا رُفض إعلان الاستقلال من قبل الدول فإن إمرسون في إعلانه الجديد قد أعلن الاستقلال الحقيقي لأن الدول لا تُحكم إلاّ من قِبل مفكريها وعلمائها وأدبائها ، امرسون نفسه كان ملكاً لأرضٍ بلا مُلِك.
البراغماتيون الأوائل
لم يستطع البراغماتيون الأوائل الخروج من ظل امرسون وقد وصف بيرس امرسون في كتابه "دراسة الرجال العظماء" 1883-1884 بأنّه واحد من 300 رجل عظيم في التاريخ(21) كما رسم بيرس حدود البراغماتية مع امرسون في قصيدة الأخير "أبو الهول"
كتب جيمس في "خطاب في الذكرى المئوية لرالف والدو امرسون" 25 مايو 1903 : سنتذكر امرسون لأنه "الخيال المثالي" فهو سيبقى خالداً في ذهن المجتمع الأمريكي بل في حروف اللغة الانكليزية نفسها(22).
في مقالة "عن امرسون – فيلسوف الديمقراطية" اعتبر جون ديوي أن امرسون هو الوحيد في العالم الذي يمكن أن نتذكره عند ورود اسم أفلاطون(23) فلا يمكن التستر على اسهامات امرسون في بناء البراغماتية حتى لو كان ذلك موضع شك عند بعض الفلاسفة مثل ستانلي كافيل الذي كتب مقال بعنوان "ما الفائدة من منادة امرسون بالبراغماتي؟"(24).
في جميع الأحوال فإن بيرس تتلمذ على أيدي المتعالين وربما أكثر من كانط ومن امرسون هذا ما سهل على المتعالين الاتحاد في فكر واحد من كامبريدج وهو فكر كانط.
بيرس كان عالماً ومنطقياً وهو من أسس فئات العقل والخبرة كما أنه شابه امرسون بشغفه باستكشاف الحياة البرية ،سرعان ما اندمج هذا الشغف بالفلسفة ، فقد عرف بيرس عندما كان في الثامنة عشرة من عمره عن أصل الأنواع عند تشارلز داروين عندما كان يستكشف براري لويزيانا ، كان من السهل لأفكار داروين أن تؤثر فيه فبدأ بتأسيس فلسفة تطورية جديدة تطورت فيها عقلية الإنسان من خلال البحث من الماضي للوصول إلى الحقيقة ومن ثم تحصيل المعرفة على المدى الطويل.
ضمن هذه البراغماتية التطورية احتفظ بيرس مع امرسون على "الروح الزائدة" وكانط على " فكرة لتاريخ كوني من وجهة نظر المواطنة العالمية " وهيغل على "ظواهره الروحية" ، وبقيت أفكارهم القائلة بأن الانسانية تقوم على عقل جماعي واحد وتصور هذا العقل مستمد جزئياً من قصيدة "أبو الهول" لامرسون باعتبارها تدفقاً للعلامات الهيرقليطيسية.
اعتبر امرسون في قصيدته "أبو الهول" أن العقل العالمي أو{اللغة} هي السيدة العالمية ورأى أنّها ترى من عيون الشاعر في محاولتها للإجابة عن ألغازها ، أُعجب بيرس بهذه القصيدة أما عن سؤال "ما هي العلامة" فقد تحدث أبو الهول عن عقله المتشابك الذي يرى كل العقول الفردية "قد يقول الرمز للإنسان : من عينيك ، أنا نظرهم"(25) .
مثل امرسون قام بيرس بعكس طريقة التفكير المعتادة معتبراً أن الفرد ليس مؤلف أفكاره بالكامل لكنه اشارة لعلامات الطبيعة والعلامات التي تُعبر عن الماضي، هذه الاشارة تُطور العلامات لتتناسب مع الأفكار والتجارب الجديدة ، وقد كتب بيرس في مقالته "بعض عواقب اربع حالات من العجز" : عندما نقول أن الجسم بحالة حركة ، لكن هذه الحركة غير مرئية تكون الحركة في الأفكار ، هذه الأفكار التي تعبر عن ذواتنا(26).
اعتبر بيرس كما امرسون أن أبو الهول يسكننا ويرى من خلالنا وكأننا عدساته.
في نفس المقال ، "بعض عواقب أربع حالات من العجز" ، يستشهد بيرس بمقياس شكسبير (20-2.117.||) وأقواله
"لكن رجل ، رجل فخور ،
يحمل في يده السلطة ،
لكن جهله في ازدياد ، وهذا ما يؤكّد
جوهره الزجاجي(27)"
وقد تمت الاشارة لهذا المرجع في دفاتر امرسن(28).
لقد أثرت هذه الصورة ببيرس وعاد ليؤكدها في مقال "جوهر الانسان الزجاجي" في كتابة "سلسلة مونسيت" ، كان كتاب بيرس متشرباً لروح الفلسفة عند امرسون ،وقد أشار إلى ذلك في "قانون العقل" كما أشار إليه في "سلسلة مونيست" رغم أن هذه الإشارة كانت أقرب إلى السخرية ، تلك السخرية التي جعلت جوزيف برنت يكتب عن بيرس " على الرغم من معارضته الدائمة للفلسفة المتعالية فقد أعلن بيرس وهو في الثانية والخمسين بسخرية شديدة تأثره العميق بامرسون"(29).
في "الفلسفة ومرآة الطبيعة" تحدث رورتي أيضاً عن "جوهر الانسان الزجاجي" لكنه اعتبر أن هذا التعبير يشكل خطأً في فهم بيرس للبراغماتية ، هذا الموقف من رورتي لم يكن غريباً فقد أظهر معاداته لبراغماتية بيرس حتى في العناوين الفرعية للفلسفة ومرآة الطبيعة.
"الجوهر الزجاجي" لم يكن عقيدة فلسفية بل صورة يجدها الناس في كل صفحة يقرؤونها مفترضين أنّها تشبه المرآة وذلك لسببين :
أولاً: توجد دائماً أفكار جديدة لكن هذه الأفكار لا تعطي تغيراً في المظهر المادي ،أي كما ترى المرآة الأشخاص ولا ترى أفكارهم .
ثانياً: المرايا مصنوعة من أكثر المواد نقاءً وأكثرها دقةً وحساسية اذا ما قورنت بأغلب الأشياء(30).
الأفكار التطورية التي امتلكها بيرس لم تمنع رورتي من اعتبار بيرس محاصراً في صورة "مرآة الطبيعة" كصورة صافية وبعيدة عن التاريخ ، وظل ينظر إلى جميع الأشياء على أساس الجوهر الزجاجي.
أعاد رورتي هذا النقد في وقت لاحق أثناء دراسته للبراغماتيه "بقي بيرس نفسه أكثر المفكرين المقتنعين بأن الفلسفة أعطتنا سياقًا تاريخيًا شاملاً بحيث يمكن لكل أنواع الخطابات الأخرى أن تقوي مكانها وتمنح نفسها درجات في الأهمية"(31) ، اعتبر رورتي أن بيرس كان عاجزاً عن تحرير خيال الفيلسوف من الفلك الذي صنعه السابقون في طريقة نظرهم إلى الطبيعة خاصة إذا رأوا أفكارهم تٌبنى.
جيمس وديوي كانا على دراية أفضل كما كتب رورتي فقد تصورا العقل البشري كحاجة للتطور والتكيف مع الأدوات الموجودة من أجل تحسين بيئته وفي النهاية تحسين مستقبله.
في كتابات جيمس البراغماتية اعتبر أن هذه الرؤية جوهرية "السؤال المهم بالنسبة لنا هو : ما هو هذا العالم؟ ما هي الحياة التي ستكون في النهاية؟" وعندما يأخذ هذا السؤال مكانه الأساسي في نظرية المعرفة نافياً الأسئلة القديمة حينها يجب أن تتغير الفلسفة ككل حيث يقول "يجب أن يغير مركز ثقل الفلسفة مكانه"(32) فبعد داروين اتضح أن البشر هم كائنات متطورة ومتكيفة، تمتلك ابداعاً ثقافياً وفنياً أكثر بكثير من كوننا ناقلين لتاريخنا ، ليس من الممكن لنا رؤية التاريخ البشري لكن ربما نستطيع استكشافه من الإرث الفني والإبداعي الموجود.
كتب جيمس "في حياتنا المعرفية ونشاطاتنا –نحن نمتلك الإبداع" وأضاف "في الحالتين يبقى العالم منتظراً اللمسات من قِبلنا بمرونة كبيرة"(33) ، هذه هي الفكرة الجوهرية للبراغماتية .
يعتقد رورتي أن بيرس لم يكن مخطئاً في الجوهر الزجاجي للإنسان ، لكن رؤية جيمس واقعية أكثر، فالعالم مرن بالفعل وإن الإنسان هو الأساس لكل جديد، بالتأكيد بيرس هو أحد أعلام البراغماتية ، لكن بينما كان رورتي يعيد بناء التقاليد كانت مساهمة بيرس مقتصرة على الجوهرالزجاجي وقد كتب رورتي "كانت مساهمته في البراغماتية مجرد منحاً اسماً ولتحفيز جيمس"(34).
جيمس ، بدوره ، ألهم ديوي الذي نظر إلى داروين بنفس النظرة على أنه نقطة تحول في الفلسفة ،وقد كتب ديوي في كتابه "تأثير داروين على الفلسفة" :إن تأثير داروين على الفلسفة يكمن في تفسيره للحياة بظواهر التطور، وبالتالي فقد أظهر داروين نافذة جديدة في تفسير الأخلاق والحياة(35).
مع داروين ، تم استبدال منطق هيرقلطس بديمومة بارمينيدس ، وتم وضع أدوات التحول الأنطولوجي في أيدي البشرية. هذا التحول في فهم الحياة جعل ديوي يرفض مراراً "نظرية المتفرج للمعرفة" باعتبارها أداةً للبحث عن الحقيقة(36) ، واعتبر العقل هو "أداة الأدوات" في التجربة والطبيعة(37) هذا التغلب على تعالي بيرس للكانطيين باستخدام "أداة الأدوات" أعجب رورتي وقد استخدم هذا المصطلح المُستمد من الأعمال والأيام لامرسون:
"إن العصر الذي نغيش فيه هو عصر الأدوات فهي تنمو من هيكلنا، قال ارسطو: -اليد هي أداة الأدوات، والعقل هو شكل الأشكال-، والجسم البشري هو مجلة الاختراعات ، ومكتب براءات الاختراع ، حيث النماذج التي تم أخذ الأفكار منها، جميع الأدوات والمحركات على الأرض ليست سوى امتدادات لحواس الإنسان، أحد تعريفات الإنسان هو "الذكاء الذي تخدمه الأعضاء"(38) قام امرسون بإعادة تجميع أداة الأدوات التي وجدها في ميتافيزيقية ارسطو، وعلى اساسها تابع تعريف الإنسان بأنّه "الذكاء الذي تخدمه الأعضاء" ، لم يحدد امرسون بالضبط مصدر هذه الفكرة ولكن كل شيء كان يشير إلى ارسطو، فقد وصف ارسطو البشر على أنّهم أعضاء تماما كمقلة العين التي تتصل بعقل معقد وهذا الوصف قد استشهد به امرسون في "أبو الهول"(39)
"أغسل وجهي بهواء فرح
هواء قادم من فضاء لا نهاية له
لا وجود للأنانية
أنا أتيتُ من مقلة العين
أنا لا شيء ، أنا أرى كل شيئ"(40) .
يصف سانتايانا في "التقليد الأنيق للفلسفة الأمريكية" طريقة امرسون بأنّها معتمدة على كانط ، ومتعالية تقوم على أساس الأنانية رغم الرفض الذي يبديه امرسون للأنانية في الطبيعة.
اعتبر سانتايانا أن الشعر عند امرسون عبارة عن استماع الشاعر للشيطان الذي يسكنه قبل البدء ببناء أدبه الخاص الذي يُفرَض عليه من البيئة المتشابكة ، وطبعاً هناك شعراء جدد سيأتون حالمين بأحلام جديدة لا تقل تألقاً عن سابقاتها ، اعتبر سانتايانا أن هذه الأنانية الفلسفية والشعرية هي جوهر تعالي امرسون "الفلسفة المتعالية هي الاعتماد على المنهج الذاتي"(41) وهي تمثل الرمانسية في الشكل الفلسفي.
رفض امرسون بشكل قاطع فكرة الانانية في الطبيعة ، ووضع مكانها "العقل الشامل" أو "الإفراط في الروح" ، لكن سانتايانا لم يستطع تقبل هذه الفكرة وقد كتب في مقال بعنوان "امرسون" : هل كان يعرف ما تعنيه الروح أو الإفراط في الروح؟(42) ،فإذا كانت الفكرة المركزية لامرسون هي الإفراط في الروح وهي بحد ذاتها غير مفهومة فهذا يعني أنّه كان يمتلك فلسفة ضئيلة وربما معدومة وقد وصف سانتايانا امرسون قائلاً: "في النهاية لم يكن لديه عقيدة على الإطلاق"(43).
مناقضاً لأفكار سانتايانا حدد بيرس في "الرجال العظماء" فكرة الإفراط في الروح عند امرسون بأنّها "تصور رائع"(44) .
لا شك أن الفلاسفة لا بدّ أن يختلفوا حول ما هو عظيم وما هو غير عظيم لكن يبقى رفض سانتايانا للإفراط في الروح هو رفض غير مفهوم خصوصاً وأن سانتايانا نفسه تبنى نفس النظرة عند صياغة نظريته "عقل أوروبا" في شكوك وايمان الحيوان(45) .
استخدم امرسون نفس لغة سانتايانا في عقل اوروربا في مقالاته "عصر الخرافات"(46)،"عقل أوريا وأمريكا" ، "ميول وواجبات رجال الفكر"(47) ،"العقل الأوربي"و في "أفلاطون أو الفيلسوف"(48) ، بعد امرسون يبدو أن إليوت ايضا يستخدم نفس الاسلوب في "التقليد والمواهب الفردية" حتى أنّه استخدم تحليل ارسطو لفهم العقل على الرغم من عدم التوافق الواضح بين امرسون واليوت.
وعلى الرغم من كل ذلك ،إلا أنه من الصعب تحديد موقف سانتايانا في امرسون، فقد وافق ديوي أيضاً بأن امرسون هو الشخص الوحيد في العالم الجديد الذي يمكن أن نأتي على ذكره عند الحديث عن أفلاطون ، ويتابع بأن امرسون "نجم ثابت في الفلسفة"(49) .
إذاً فإن امرسون بنظر سانتايانا ليس لديه نظام ولا يملك عقيدة(50)، وفي نفس الوقت هو شاب يقوم بتجاربه الشجاعة(51)، وهو نجم ثابت في الفلسفة .
إن سانتايانا يجذبنا بقوة لاستكشاف نقاط جديدة في الحوار الفلسفي أكثر تعقيداً وأكثر دقة ولم تُكتشف بعد.
هذه كانت أشبه بحرب، فقد تزامنت مع تدفق أفكار الوضعية المنطقية التي كان سانتايانا فخوراً بها ، متجاهلاً تماما صورتها التاريخية.
الفلسفة التحليلة وإحياء البراغماتية
قامت أوروبا بتصدير الوضعية المنطقية إلى أمريكا ، ورغم سيطرتها القصيرة هناك إلاّ أن البراغماتية استطاعت أن تخرج من فلكها ،رغم فوات الآوان إلاّ أن الوضعية المنطقية بدت أكثر من مجرد تباين رياضي في تجربة هيوم بعيداً عن كل الأنماط والفنون والفهم التاريخي للذات، ومع ذلك لا تزال تحتوي على الكثير من المشكلات التي كشف عنها كانط.
كتب سانتايا في أسباب الحياة :"أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكوم عليهم بتكراره" ، وإذا كان التجريبيون المنطقيون قد فشلوا في تذكر ماضيهم الفلسفي ، فإن جيلًا جديدًا من البراغماتيين التحليليين سيقومون بتكراره.
هاجم كل من كين في "عقيدتين للتجربة" ، وسيلرز في "التجريبية وفلسفة العقل" الوضعية المنطقية ، وحطموا جدرانها من الداخل واسقطوا التماثيل التي كانت قائمة منذ عهد هيوم معلنين بذلك بداية العودة إلى البراغماتية(52) ، بينما هاجم سيلرز في "تأملات الهيجلين الأوائل"(53) البساطة في التحليلات، وأعلن عودته إلى البراغماتية في العلوم والإدراك والواقع(54) ، وقد كتب روتي في مقدمته عن سيلرز في "التجريبية وفلسفة العقل" : الفكرة الأساسية للتجريبية وفلسفة العقل هي كانط "الحدس بدون مفاهيم عمياء"(55).
عندما عارض كانط تجربة هيوم العمياء ، اتهم سيلرز الوضعية على أنها عمياء بنفس الدرجة ، وأكمل رورتي ، بعد سيلرز وكين ، العودة إلى البراغماتية.
في الفلسفة ومرآة الطبيعة يطبق رورتي ببراعة نظرية توماس كوهن الفلسفية للتحولات في النموذج العلمي في تطبيق بنية الثورات العلمية ، على تاريخ الفلسفة.
وفقا لكوهن ، يتناوب العلم تاريخيا بين مرحلتي العلوم الطبيعية والعلوم الثورية :
في العلوم الطبيعية ، يبتكر العلماء نموذجًا للفكر العلمي عن طريق ملء هذا النموذج بالبيانات وابتكار تجارب داعمة كلما دعت الحاجة وتحديد الحالات الشاذة ،ولكن بمرور الوقت وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها العالِم العادي فإن الحالات الشاذة تتراكم ويضعف النموذج في نهاية المطاف ، حتى يتمكن العالِم الثوري أخيرًا مثل جاليليو أو داروين من التركيز على جميع الحالات الشاذة والعثور على النموذج المطلوب ، وتجاهل النموذج القديم ، والتبشير بثورة علمية تبدأ مع النموذج الجديد، ومع العلم الجديد يعمل العلم الطبيعي مرة أخرى لملء النموذج الجديد بالأدلة والتجربة ، وتحديد حالات الشذوذ وتستمر هذه الدائرة بلا نهاية.
يصف رورتي تاريخ الفلسفة في هذه المصطلحات بالضبط ، مع ازدهار الفلسفة الحديثة بشكل خاص (ولكن في الحقيقة التقاليد الفلسفية) في "نظرية المتفرج للمعرفة" والتي بحلول وقت البراغماتيين كانت قد جمعت بالفعل العديد من الحالات الشاذة ، مثل تلك التي حددها كين وسيلرز، وفقًا لرورتي فإن جيمس وديوي هما الفيلسوفان الثوريان اللذان يتجاهلان بشجاعة النموذج القديم ويؤسسان النموذج التالي من البراغماتية ورغم عودة النوذج القديم في فترة قصيرة من القرن العشرين إلاّ أن كتاب "الفلسفة ومرآة الطبيعة" أعادنا إلى النموذج الجديد.
منذ عام 1979 ، كانت النهضة البراغماتية جارية على قدم وساق مع وجود أجيال من الفلاسفة .
مستوحاة من رورتي ، واصلت البراغماتية جذب الكتاب الكبار في الفلسفة الأمريكية الكلاسيكية على سبيل المثال بيرس ، جيمس ، وديوي ، أيضًا سانتايانا وإيمرسون وفرانكلين ، جيفرسون ، هنري ديفيد ثورو ، ومارغريت فولر ، يستكشفون في كثير من الأحيان نفس الأفكار المركزية للتقاليد الفلسفية باعتبارها مفيدة جدا للحوار الفلسفي ، على سبيل المثال : مقلة العين الشفافة ، وأبو الهول ، وجوهر الرجل الزجاجي ، ومرآة الطبيعة ، ودفق الوعي ، وأداة الأدوات.
أحد أكثر الفلاسفة اللذين برزوا خلال إحياء البراغماتية وكانوا مثيرين للاهتمام هو ريتشارد شوسترمان ، الذي كان مثل رورتي متحمس لاستعادة التقاليد من إيمرسون والبراغماتيين الكلاسيكيين مع التركيز على الحفاظ على الصورة المحتواة في هذه التقاليد ليكون المشروع هادفاً إلى احياء البراغماتية من الداخل وتجسيد مركزية الانسان وهذا كان شيء أساسي في فلسفة ديوي وإيمرسون ، ولكن ، مثل أشياء كثيرة أخرى فقد ضاعت هذه الأفكار لبعض الوقت.
في افتتاح مقال "الجماليات الجسدية/القضايا الإعلامية"(56) مع ايمرسون في "الأعمال والأيام" يحدد شوسترمان الجسم كأهم أداة يمتلكها الإنسان "الجسم هو مجلة الاختراعات" ، جميع الأدوات والمحركات على الأرض ليست سوى امتدادات لأطرافه وحواسه(57) والتي بدونها لا يمكن حتى كتابة الثقافة أو الفن أو الفلسفة ، كتب شوسترمان في الجماليات الجسدية:
نحن المثقفون الإنسانيون نعتبر الهيئة بشكل عام كأمر مسلم به ،لأننا مهتمون للغاية بحياة العقل والفنون الإبداعية التي تعبر عن روحنا الإنسانية، لكن الجسم ليس فقط بعدًا أساسيًا لإنسانيتنا بل هو أيضًا الأداة الأساسية لجميع أشكال الأداء البشري وأداة أدواتنا وضرورة لكل تصوراتنا وأعمالنا وحتى تفكيرنا، فمثلما يحتاج المهندسون المهرة إلى معرفة ممتازة بأدواتهم ، نحن نحتاج إلى معرفة جسدية أفضل لتحسين فهمنا وأدائنا في الفنون والعلوم الإنسانية ولتحقيق تقدم في إتقاننا لأرقى الفنون على الإطلاق - إتقان إنسانيتنا للعيش بشكل أفضل(58).
فكما يهتم النحات بتحسين المطرقة والإزميل لأّنّه يعمل بهم لتحسين صورة العمل الفني الذي سيتم انتاجه ،فإن المخلوق البشري يجب أن يعمل بشكل جيد لدراسة وتحسين الجسم / العقل كأداة من الأدوات ، لتحسين أفكاره وخبراته وثقافته .
إن فهم "أداة الأدوات" هذه لا يمكن إلا أن يحسن أعمال الفن والثقافة ، في حين أن فهم الفنون والثقافة قد يكشف عن طرق جديدة لفهم وتحسين "أداة الأدوات".
في النهاية يعد هذا التحسين للبشرية هو الإعداد للعمل على أداة الأدوات في شكلها ذاته ، وهذا هو أرقى فن في الحضارة ، إذ يهدف كل من شوسترمان وايمرسون للوصول إلى هذا الكمال.
الخاتمة
يعترف رورتي بصعوبة تحديد البراغماتية ، حيث يكتب:
"البراغماتية" هي كلمة غامضة ومتعبة ،ومع ذلك فإن هذا الاسم يشكل المجد الرئيسي لبلدنا ، لم يقدم أي كاتب أميركي اقتراحًا جذريًا لجعل مستقبلنا مختلفًا عن ماضينا ، كما فعل جيمس وديوي(59) .
بعد نصف قرن تقريبًا ، ما زالت البراغماتيةكلمة غامضة، حيث يبقى السؤال المحوري "ما هي البراغماتية؟ وما هي تقاليدها ؟ تماماً مثل السؤال "ما هي الفلسفة؟" وما هي تقاليدها ، بشكل عام.
لكن غموض "البراغماتية" وبحثها المستمر عن نفسها ، ليس أكثر ضررًا بالبراغماتية من الضرر الذي لحق بالفلسفة وبوجودها بسبب نضالها طويل الأمد من أجل تعريف ذاتها.
منذ زمن بيرس وجيمس ، ونقاشهما الخاص حول معنى "البراغماتية" ، يواصل البراغماتيون مثل رورتي وشوسترمان وغيرهم استكشاف تنوع وتعقيد تقاليد الفِكَر الغنية والمتطورة بشكل لا يصدق.
في السنوات القادمة ، نأمل ألا يظهر أي تعريف واضح أو إعادة بناء نهائية لهذا التقليد ، وسوف يقوم البراغماتيون في أمريكا وفي جميع أنحاء العالم "بمواصلة الحوار" ، وفقًا لمصطلحات رورتي ، ضمن مجتمع دائم التوسّع في الاستفسار ، وفقاً لشروط بيرس.
إن ما بدأ في أمريكا مع فرانكلين ، وتحول إلى تفوق إيمرسون ، ليصبح براغماتية لبيرس وجيمس وديوي ، والبراغماتية لإيمرسون من ثم رورتي وشوسترمان وجودمان ، لم يكن من المفترض للبراغماتية البقاء في أمريكا لأنها فكرة نشطة ، لذلك بدأت في التجول واستكشاف تضاريس الثقافة والتاريخ ، وبلدان العالم ، والتعرف على نفسها من جديد في أراض جديدة ، والمضي قدماً في التغيير.
المراجع:
Aristotle. The Complete Works of Aristotle, ed. by J. Barnes. Princeton: Princeton University
Press, 1984. 1256 pp.
Boswell, J. The Life of Samuel Johnson, LL.D. London: Macmillan and Co., Limited,
1900. 470 pp.
Brandom, R. Making It Explicit: Reasoning, Representing, and Discursive Commitment.
Cambridge: Harvard University Press, 1998. 768 pp.
Brent, J. Charles Sanders Peirce: A Life, revised and enlarged ed. Bloomington: Indiana
University Press, 1998. 432 pp.
Cavell, S. Emerson’s Transcendental Etudes. Stanford: Stanford University Press, 2003.
295 pp.
Cooke, E. F. “Critical Notice for Pragmatism as a Way of Life”, Analysis, 2018, Vol. 78,
Issue 4, pp. 754‒766.
Dewey, J. “Emerson – The Philosopher of Democracy”, International Journal of Ethics,
1903, Vol. 13, No. 4, pp. 405‒413.
Dewey, J. The Influence of Darwin on Philosophy. New York: Prometheus Books, 1997.
309 pp.
Dewey, J. The Later Works, Vol. 1: Experience and Nature, ed. by J. A. Boydston,
P. Baysinger, and B. Levine. Carbondale: Southern Illinois University Press, 1988. 464 pp.
Dewey, J. The Later Works, Vol. 4: The Quest for Certainty, ed. by J. A. Boydston.
Carbondale: Southern Illinois University Press, 1988. 326 pp.
Emerson, R. W. The Collected Works, 11 Vols. Cambridge: Harvard University Press,
1971‒2013.
Emerson, R. W. The Early Lectures, Vol. 1, ed. by S. E. Whicher, R. E. Spiller, and
W. Williams. Cambridge: Harvard University Press, 1959. 575 pp.
Emerson, R. W. The Later Lectures, Vol. 2, ed. by R. A. Bosco and J. Myerson. Athens:
University of Georgia Press, 2001. 430 pp.
Emerson, R. W. The Topical Notebooks, Vol. II, ed. by R. Bosco. Columbia: University of
Missouri Press, 1993. 432 pp.
Franklin, B. The Autobiography of Benjamin Franklin, ed. by A. H. Smyth. New York:
American Book Company, 1907. 287 pp.
Goodman, R. American Philosophy and the Romantic Tradition. Cambridge: Cambridge
University Press, 1990. 180 pp.
Goodman, R. American Philosophy before Pragmatism. New York: Oxford, 2015. 304 pp.
Holmes, O. W. Ralph Waldo Emerson. Boston: Houghton, Mifflin and Company, 1884.
441 pp.
Hume, D. New Letters of David Hume, ed. by R. Klibansky and E. C. Mossner. New York:
Oxford University Press, 2011. 268 pp.
James, W. Pragmatism, ed. by B. Kuklick. Indianapolis: Hackett, 1981. 152 pp.
James, W. Writings 1902‒1910, ed. by B. Kuklick. New York: The Library of America,
1987. 1379 pp.
Peirce, Ch. S. The Essential Peirce, Vol. 1, ed. by N. Houser and Ch. Kloesel.
Bloomington: Indiana University Press, 1992. 448 pp.
Peirce, Ch. S. Writings of Charles S. Peirce: A Chronological Edition, Vol. 5, ed. by
The Peirce Edition Project. Bloomington: Indiana University Press, 1993. 676 pp.
Peirce, Ch. S. The Essential Peirce, Vol. 2, ed. by The Peirce Edition Project.
Bloomington: Indiana University Press, 1998. 624 pp.
Putnam, H., & Putnam, R. A. Pragmatism as a Way of Life: The Lasting Legacy of William
James and John Dewey, ed. by D. Macarthur. Cambridge: Harvard University Press, 2017.
496 pp.
Quine, W. V. O. Quintessence: Basic Readings from the Philosophy of W. V. Quine, ed. by
R. F. Gibson, Jr. Cambridge: Harvard University Press, 2004. 416 pp.
Rorty, R. Philosophy and the Mirror of Nature. Princeton: Princeton University Press,
1979. 424 pp.
Rorty, R. Consequences of Pragmatism. Minneapolis: University of Minnesota Press,
1982. 288 pp.
Rorty, R. Philosophy as Cultural Politics. Cambridge: Cambridge University Press, 2007.
220 pp.
Santayana, G. Scepticism and Animal Faith. New York: Dover, 1955. 336 pp.
Santayana, G. Interpretations of Poetry and Religion, Critical Ed., Vol. III, ed. by
W. G. Holzberger and H. J. Saatkamp, Jr. Cambridge: MIT Press, 1989. 291 pp.
Santayana, G. The Genteel Tradition, ed. by D. L. Wilson. Lincoln: University of Nebraska
Press, 1998. 201 pp.
Sellars, W. Science, Perception, and Reality. Atascadero, CA: Ridgeview Publishing
Company, 1991. 376 pp.
Sellars, W. Empiricism and the Philosophy of Mind, Introduction by R. Rorty. Cambridge:
Harvard University Press, 1997. 192 pp.
Shusterman, R. “Emerson’s Pragmatist Aesthetics,” Revue Internationale de Philosophie,
1999, Vol. 53, No. 207(1), pp. 87‒99.
Shusterman, R. Performing Live: Aesthetic Alternatives for the Ends of Art. Ithaca: Cornell
University Press, 2000. 288 pp.
Shusterman, R. Thinking Through the Body: Essays in Somaesthetics. Cambridge:
Cambridge University Press, 2012. 384 pp.
West, C. The American Evasion of Philosophy: A Genealogy of Pragmatism. Madison:
University of Wisconsin Press, 1989. 292 pp.
1 Philosophy and the Mirror of Nature
2 Two Dogmas of Empiricism
3 Empiricism and the Philosophy of Mind
4 See, for example, Putnam, H., Putnam, R. A. Pragmatism as a Way of Life: The Lasting Legacy of William James and John Dewey. Cambridge, 2017. For a helpful analysis of this book, see Cooke, E. F. “Critical Notice for Pragmatism as a Way of Life,” Analysis, 2018, Vol. 78, Issue 4, pp. 754‒766. I am grateful to Elizabeth Cooke for helpful discussion of the present essay, and in particular the pragmatism of the Putnams.
5 Brandom, R. Making It Explicit: Reasoning, Representing, and Discursive Commitment. Cambridge, 1998, pp. 285‒298.
6 Rorty, R. Consequences of Pragmatism. Minneapolis, 1982, p. 66.
7 Rorty, R. Philosophy as Cultural Politics. Cambridge, 2007, p. 109.
8 West, C. The American Evasion of Philosophy: A Genealogy of Pragmatism. Madison, 1989, pp. 9‒41.
9 Shusterman, R. “Emerson’s Pragmatist Aesthetics,” Revue Internationale de Philosophie, 1999, Vol. 53, No. 207(1), pp. 87‒99.
10 Goodman, R. American Philosophy before Pragmatism. New York, 2015, p. 48.
11 Benjamin Franklin, as quoted by Samuel Johnson, in Boswell J. The Life of Samuel Johnson, LL.D. London, 1900, p. 425.
12 Franklin, B. The Autobiography of Benjamin Franklin. New York, 1907, p. 189.
13 Hume, D. New Letters of David Hume. New York, 2011, p. 67.
14 See Goodman, R. American Philosophy before Pragmatism, p. 80.
15 Emerson, R. W. Poems, Vol. IX of Emerson, R. W. The Collected Works, 11 Vols. Cambridge:
Harvard University Press, 1971‒2013, p. 307. Emerson’s Collected Works hereafter will be referenced
as “CW” followed by volume and page number.
16 Emerson, R. W. “Self-Reliance,” CW, Vol. II, p. 47.
17 Emerson, R. W. “The American Scholar,” CW, Vol. I, p. 52.
18 Holmes, O. W. Ralph Waldo Emerson. Boston, 1884, p. 115.
19 Emerson, R. W. “The American Scholar,” CW, Vol. I, p. 53.
20 Ibid., p. 64.
21 Peirce, Ch. S. Writings of Charles S. Peirce: A Chronological Edition, Vol. 5. Bloomington, 1993, pp. 32‒33.
22 James, W. Writings 1902‒1910. New York, 1987, p. 1125.
23 Dewey, J. “Emerson – The Philosopher of Democracy,” International Journal of Ethics, 1903, Vol. 13, No. 4, p. 408.
24 Cavell, S. Emerson’s Transcendental Etudes. Stanford, 2003, p. 215.
25 Peirce, Ch. S. “What is a Sign?” The Essential Peirce, Vol. 2. Bloomington, 1998, p. 10.
26 Peirce, Ch. S. “Some Consequences of Four Incapacities,” The Essential Peirce, Vol. 1. Bloomington, 1992, p. 42.
27 Peirce, Ch. S. “Some Consequences of Four Incapacities,” The Essential Peirce, Vol. 1. Bloomington, 1992, p. 55.
28 Emerson, R. W. The Topical Notebooks of Ralph Waldo Emerson, Vol. II. Columbia, 1993, p. 192.
29 Brent, J. Charles Sanders Peirce: A Life. Bloomington, 1998, p. 46.
30 Rorty, R. Philosophy and the Mirror of Nature. Princeton, 1979, pp. 42–43.
31 Rorty, R. Consequences of Pragmatism, p. 161.
32 James, W. Pragmatism. Indianapolis, 1981, p. 57.
33 James, W. Pragmatism. Indianapolis, 1981, p. 115.
34 Rorty, R. Consequences of Pragmatism, p. 161.
35 Dewey, J. “The Influence of Darwin on Philosophy,” in: J. Dewey, The Influence of Darwin on Philosophy. New York, 1997, p. 8.
36 Dewey, J. The Later Works, Vol. 4: The Quest for Certainty. Carbondale, 1988, p. 19. See also Rorty, R. Philosophy and the Mirror of Nature, p. 9.
37 Dewey, J. The Later Works, Vol. 1: Experience and Nature. Carbondale, 1988, pp. 189‒190.
38 Emerson, R. W. “Works and Days,” CW, Vol. VII, p. 79.
39 Aristotle. De Anima I, 4, 408b 18‒30. Cf. also Emerson’s line in “The Sphinx,” “if thou couldst see thy proper eye,” and Aristotle’s line in De Anima I, 4, “could recover the proper kind of eye.”
40 Emerson, R. W. Nature, CW, Vol. I, p. 10.
41 Santayana, R. “The Genteel Tradition in American Philosophy,” in: R. Santayana, The Genteel Tradition. Lincoln, 1998, p. 45.
42 Santayana, G. Interpretations of Poetry and Religion. Cambridge, 1989, p. 131.
43 Ibid.
44 Peirce, Ch. S. Study of Great Men, p. 85
45 Santayana, G. Scepticism and Animal Faith. New York, 1955, p. 53.
46 Emerson, R. W. The Early Lectures of Ralph Waldo Emerson, Vol. 1. Cambridge, 1959, p. 255.
47 Emerson, R. W. The Later Lectures of Ralph Waldo Emerson, Vol. 2. Athens, 2001, p. 188.
48 Emerson, R. W. “Plato, or the Philosopher,” CW, Vol. IV, p. 25.
49 Santayana, G. Interpretations of Poetry and Religion, p. 132.
50 Santayana, G. “The Genteel Tradition in American Philosophy,” p. 49.
51 Santayana, G. Interpretations of Poetry and Religion, p. 132.
52 Quine, W. V. O. “Two Dogmas of Empiricism,” Quintessence: Basic Readings from the Philosophy of W. V. Quine. Cambridge, 2004, p. 53.
53 Sellars, W. Empiricism and the Philosophy of Mind. Cambridge, 1997, p. 45.
54 Sellars, W. Science, Perception, and Reality. Atascadero, CA, 1991, p. 340.
55 Rorty, R. “Introduction,” in: W. Sellars, Empiricism and the Philosophy of Mind, p. 3.
56 Somaesthetics and the Body-Media Issue
57 Shusterman, R. Performing Live: Aesthetic Alternatives for the Ends of Art. Ithaca, 2000, p. 137.
58 Shusterman, R. Thinking Through the Body: Essays in Somaesthetics. Cambridge, 2012, p. 26.
59 Rorty, R. Consequences of Pragmatism, p. 160.
#عمر_قنديل (هاشتاغ)
Omar_Kandil#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟