أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - سادساً :بين القصص القرآني والروايات التاريخية















المزيد.....



سادساً :بين القصص القرآني والروايات التاريخية


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 6369 - 2019 / 10 / 4 - 00:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من الفصل الأول من كتاب : ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى ــ دراسة عملية )
مقدمة :
1 ـ لا نقصد إطلاقاً لعقد مقارنة بين القصص القرآني والروايات التاريخية البشرية. فالقرآن كلام الله المعجز للبشر، والحقيقة التاريخية في القصص القرآني حقيقة مطلقة لا مجال مطلقاً للشك فيها، يقول تعالى عن القصص القرآني (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ..آل عمران62) (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.. يوسف111).
وفى قصة أهل الكهف يشير رب العزة إلى سمو الحقيقة القرآنية المطلقة وتنزهها عن النسبية والشك في الروايات البشرية ، إذ يقول في بداية قصة أهل الكهف ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق ) ثم يشير إلى الاضطراب في تحديد عدد الفتية ما بين ثلاثة أو خمسة أو سبعة فيقول (..قُل :رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ..الكهف22 ) ويقول عن المدة التي قضوها (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً، قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..الكهف 25: 26) (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ..الكهف27).
2 ـ إن الوحي الإلهي نزل بالحقائق المطلقة على الأنبياء السابقين، وكلّف الله علماء الأمم السابقة بحفظه فكانت النتيجة أن الزيف لحق بالكتب السماوية – قبل القرآن – لذا فإن الله تعالى حين أرسل رسوله الخاتم رسولاً عالمياً لكل البشرية إلى قيام الساعة وأنزل معه القرآن المعجز – فقد ضمن بنفسه أن يحفظ القرآن بنصّه وفصّه من كل تغيير وتبديل حتى يؤدى دوره في هداية البشر بعد وفاة الرسول عليه السلام وحتى قيام الساعة . وهكذا أنزل القرآن المحفوظ بالقوة الإلهية ، نزل حجة على اليهود والنصارى الذين حرفوا التوراة والإنجيل وملأوها بالروايات الكاذبة ، نزل القرآن بالقول الفصل فيما أدخل اليهود من تحريف في التوراة (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ..النمل76) نزل القرآن الكريم مهيمناً على ما في التوراة والإنجيل وشاهداً على ما أدخلوه من تحريف في كلام الله (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ..المائدة48) .
إلا أن اليهود حاولوا الكيد للقرآن وإن لم يستطيعوا النيل من النص القرآني المحفوظ بقوة القادر تعالى فقد وجدوا طريقهم إلى تفسير القرآن خصوصاً في القصص القرآني ، حيث احتوت التوراة على قصص تعرض لها القرآن مثل خلق آدم وسير الأنبياء السابقين ، وقد حرفوا في هذه القصص وأصبح التحريف فيها جزءاً من التوراة في نظر اليهود ، ونظراً لأن القرآن الكريم أستهدف جانب العظة فلم يهتم بالتفصيلات فإن المفسرين ـ وقد أولعوا بالتفصيلات والاستقصاء ــ رجعوا للتوراة يأخذون منها ويدخلونها في التفسير ، وبذلك نشأ في (علم ) التفسير روايات كاذبة سميت بالإسرائيليات . وكان أهم مروجي تلك الإسرائيليات اليهودي كعب الأحبار ووهب بن منبه .
3 ـ وفى هذا المبحث عن ( القصص القرآني والروايات التاريخية ) لا نهدف كما سبق للمقارنة وإنما لتوضيح الفجوة الواضحة بين النص القرآني والروايات التاريخية التي كان من المفروض أن تتدبر القصص القرآني فإذا بها تعارض النص القرآني. وما كان ذلك إلا لأنهم أهملوا في تدبر الآيات وتعقلها بما يكفى , بل غلب عليهم الاهتمام بسرد الروايات إلى جانب الآية المراد شرحها ثم الاجتهاد بأقصى طاقة فئ عرض الرواة على قانون الجرح والتعديل , وبالانهماك في تقصى أحوال الرواة في سلاسل الروايات المختلفة وإعطاء كل راو حكما مؤبداً بالصدق أو الكذب , وبالانهماك في اختلافهم المستمر حول تعديل راو أو تجريحه أو هل يسرى قانون الجرح والتعديل على الصحابة أم لا .. في ذلك كله ضاع الاهتمام بالنص القرآني , ووجدت بعض الإسرائيليات طرقها في التفسير ضمن ما يعرف ب( الكتب الصحاح ). ونضرب لذلك مثلا يخص الروايات التاريخية في التفسير..
إسناد معجزات حسية مادية للنبى محمد عليه السلام :
1 : يروى البخاري في باب التفسير في قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ..القمر1) ( سأل أهل مكة أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر ) , قول ابن كثير في تفسيره ( قد كان هذا في زمان رسول الله (ص) كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة , وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي ( ص) وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات ) . بيد أن ذلك الإجماع الذي حكاه الإمام ابن كثير يناقض القرآن الكريم في أكثر من موضع .
2 ــ وحتى يتضح موقف القرآن الكريم – من قضية المعجزة فإننا نرتبها على النحو التالي على سبيل الاختصار :
2 / 1 :فالمشركون طلبوا من الرسول معجزات شتى (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً،أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ.. الإسراء90: 93 ) وكان الرفض لإنزال أي معجزة (..قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً، وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً ..93 : 94..الإسراء).
2 / 2 : وقد تكرر رفض إنزال المعجزة الحسية في أكثر من موضع في القرآن الكريم :
2 / 2 / 1 : ففي سورة الرعد (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ؟ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ..الرعد7 ) وفيها أيضا (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ..الرعد27)
2 / 2 / 2 :وفى سورة الفرقان (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ؟ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً..الفرقان21),
2 / 2 / 3 : وفى الأنعام (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ؟ قُلْ: إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ.الأنعام37)..
2 / 3 :وقد وضح القرآن الكريم المانع في إنزال معجزة حسية على الرسول عليه السلام.
2 / 3 / 1 : فالمعجزات الحسية لم تجعل الأمم السابقة تؤمن بالأنبياء , ولن تجعل مشركي العرب يؤمنون , يقول تعالى (بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ..الأنبياء5 ) ويرد القرآن الكريم على طلبهم آية فيقول (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ؟ ..الأنبياء6).
2 / 3 / 2 : ويقول تعالى لنبيّه عليه السلام أن مشركي العرب لن يؤمنوا أبداً حتى لو جاءتهم كل آية إلى أن يأتيهم العذاب بعد الموت (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ..يونس96،97) .
2 / 3 / 3 : ويقول تعالى أنه لو أنزل على رسوله كتابا من السماء ورآه المشركون ولمسوا الكتاب بأيديهم فلن يؤمنوا وسيرمونه بالسحر (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ..الأنعام7) .
2 / 3 / 4 : ويقول تعالى أنه لو أصعد المشركين المعاندين إلى السماء وطاف بهم حول النجوم فلن يهتدوا ولن يفسروا ذلك إلا بالسحر (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ، لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ..الحجر14 ،15) .
2 / 3 / 5 : ويبين رب العزة جل وعلا استحالة إيمانهم مهما أقسموا أنهم سيؤمنون إذا جاءتهم آية (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا. قُلْ: إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ..الأنعام109) ثم يقول تعالى (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ..الأنعام111).
3 ـ وهناك سبب آخر منع إرسال معجزة حسية , فالمعجزات الحسية كانت تأتى بالإهلاك للقوم المعاندين , فالمشركون قبل محمد عليه السلام طلبوا معجزة وطلبوا العذاب الإلهي، فكانت تأتى للرسل السابقين معجزات حسية،ولا تجدي في هدايتهم فينزل الله العذاب فيمحقهم , وفى عهد محمد طلب المشركون آية كشأن الأمم السابقة (وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ..البقرة118). وطلبوا مع الآية أن يأتيهم عذاب الله (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً ..الكهف55) . فسنة الأولين هي المعجزة الحسية فقد انتهت بالرسالة الخاتمة العالمية بقوله تعالى عن رفضهم للقرآن وطلبهم لآية حسية (لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ..الحجر13) .فقوله تعالى (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) يعنى وقد مضت وانتهت طريقة الإتيان بمعجزة حسية كما كان يحدث مع السابقين , حيث كان العالم عبارة عن جزر بشرية متباعدة , فيأتي لكل قوم رسول منهم , ولم يكن العقل البشرى وقتها ناضجا بما فيه الكفاية فناسب الحال أن يعطى الرسول معجزة حسية يشهدها قومه بأنفسهم , ثم إذا عاندوا يأتيهم الإهلاك الجماعي فلا يبقى إلا الرسول والمؤمنون معه , وهكذا ارتبطت الآية في تاريخ الأنبياء السابقين بالإهلاك للمعاندين , وقبل بعثة محمد عليه السلام طلب الحواريون من عيسى عليه السلام إنزال مائدة من السماء لتكون لهم آية وجاء الرد الإلهي (قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ ..المائدة115) . ثم جاءت الرسالة الخاتمة بمحمد عليه السلام رسولاً عالمياً لكل العالمين وإلى أن تقوم الساعة فناسب أن تكون معجزته للعالم كله عقلية مستمرة دائمة متجددة الإعجاز وتمثل ذلك كله في القرآن الكريم , وامتنع إنزال معجزة حسية لأنها لا تجدي في هداية المشرك ولأنه يصحبها الإهلاك ولم يعد الإهلاك وارداً , فقريش ليست وحدها المقصودة بالاسلام. وهكذا فحينما طلب المشركون إنزال العذاب واستعجلوه يقول تعالى (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً ، وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً.الكهف58: 59) .والموعد الذي يقصده القرآن الكريم هو موت المشرك على كفره (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ، يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ..العنكبوت53: 55) .
4 ـ وهناك في سورة الإسراء آية أعلنت السبب في منع إنزال آية حسية فجمعت بين السببين : أن الآية لم تفلح سابقا مع الأمم السابقة حتى أن قوم عاد قتلوا الناقة وهى الآية التي طلبوها , ثم إن الآيات كانت تأتى علامة على الإهلاك , يقول تعالى (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ..الإسراء59) .
5- ثم يضاف سبب أخير منع إنزال معجزة حسية هو الاكتفاء بالقرآن الكريم , وقد جاء ذلك صريحا في قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ..العنكبوت50: 51).
6 ـــ ونعود للقرآن الكريم وموقفه في إنزال معجزة حسية ومستلزماتها من العذاب والإهلاك .
6 / 1 : فالمشركون ألحوا على الرسول في طلب آية أو في إنزال عذاب . والرسول يمل من إلحاحهم والسماء لا تنزل عذاباً أو آية، ويأتي الوحي ليقول له (قُلْ : إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ..الأنعام57 ) أي ليس لدى وأنا ـ بشر – ما تستعجلون به من العذاب ، ثم تقول الآية التالية إنه لو كان عندي ما تستعجلون به من العذاب لعذبتكم وانتهى الأمر بيني وبينكم (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ..الأنعام58) .
6 / 2 : وتأتى آية آخري تأمر الرسول بالصبر وألا يتعجل العذاب لقومه ، فأنهم إن رأوا العذاب الذي يستعجلونه فكل حياتهم تمر أمام أعينهم كساعة من نهار (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ؟ ..الأحقاف35 ) .
6 / 3 : وبالنسبة لمنع نزول آية حسية فالرسول يحزن لعناد قومه وإصرارهم على آية حسية لن تنزل أبداً من السماء فيأتي الوحي يطمئنه بأن المشركين يصدقون نبوته إلا أنهم يجحدونها وما طلبوا آية إلا على سبيل العناد (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ..الأنعام33 ) . ويخبر القرآن الرسول بأن الرسل السابقين صبروا على عناد قومهم حتى نصرهم الله ولا مبدل لكلمات الله فلا آية حسية ستنزل وسينصره الله (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ..الأنعام34) . ثم تقول الآية التالية إذ عظم عليك يا محمد إعراض قومك وتصميمهم على آية حسية فتصرف بنفسك؛ إصعد للسماء أو إهبط للأرض لتأتى لهم بآية ، ولو أراد الله هدايتهم لهداهم (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ، وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ، إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ،وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ..الأنعام36:35) .
7 ـ وهكذا يتضح في النص القرآني أنه لم تنزل على الرسول عليه السلام آية معجزة للتحدي إلا معجزة القرآن الكريم أما ( الإسراء ) فهو خصوصية للرسول عليه السلام لم تأت للتحدي وإنما ليرى الله رسوله من آياته . يقول تعالى (..لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ..الإسراء1) . وما ورد من تفسير لقوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ..القمر1،2 ) إنما يتعارض مع صريح القرآن ولا يمكن للتفسير أن ينهض حجة على آية واحدة في القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم نص صريح واضح الدلالة ولا يمكن أن يعارض بعضه بعضاً (.. وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً..النساء82) .
8 ــ ولكن كيف نفهم قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ..القمر1،2 ) ؟؟
8 / 1 : إن أسلم التفسير هو أن يفسر القرآن بالقرآن ، وواضح أن بداية السورة تتحدث عن اقتراب الساعة وأن من علاماتها انشقاق القمر وأن من شيمة المشركين من قريش الإعراض عن آيات الله واتهام الرسول بالسحر ، فهناك أربعة عناصر في الآيات هي اقتراب الساعة وانشقاق القمر والإعراض عن رؤية آيات الله ، ووصفها بالسحر .
8 / 2 : وقد تحدث القرآن عن اقتراب الساعة وإعراض المشركين عن آيات الله القرآنية ووصفهم إياها بالسحر في قوله تعالى (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ . مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ..الأنبياء1: 3) . أما عن رؤية الآيات الكونية وإعراض المشركين عنها فقد تردد الحديث عنها في القرآن الكريم (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ..يوسف105) . ويقول تعالى عن إعراض المشركين عن آيات الله في القرآن التي يسمعونها تتلى عليهم وإعراضهم عن آيات الله في الكون التي يرونها بأعينهم (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ..الأنعام25) . فالآيات السابقة تفسر آيات (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ .. ) ويفهم منها أن انشقاق القمر ليس آية حسية رآها المشركون وإنما هي من علامات الساعة .
8 / 3 : وقد عبر عنها القرآن الكريم بصيغة الماضي لتحقق الموضوع ، كما يقول تعالى( أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ..النحل1)، وقوله تعالى (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا.. ) تفسرها آيات إعراض المشركين عن آيات الله في الكون كإعراضهم عن آياته في القرآن. ويؤكد ذلك أن الآيات التالية في سورة القمر تحدثت عن علامات الساعة (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ، يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ ..القمر6 ) وبعدها تحدثت عن تكذيب الأمم السابقة لرسلهم ليتعظ مشركو آخر الزمان بالقيامة الآتية على الأبواب ويعتبروا بما حاق بالأمم السابقة حين كذبوا الرسل .
8 / 3 : ومن فصاحة القرآن الكريم أنه بدأ سورة القمر بالحديث عن قيام الساعة وانشقاق القمر علامة من علاماتها , ثم تحدث عن إعراض المشركين وعنادهم ثم ذكرهم بعلامات الساعة وما حدث للمشركين السابقين وبعدها ختم السورة بتقرير العنصرين معاً , فقال للقرشيين مشيراً للأمم السابقة (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ؟ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ؟ ..القمر43) . ثم تحدث عن اقتراب الساعة (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ..القمر46) ثم ذكر تفصيل عذاب المشركين يوم القيامة وأشار إلى جزاء المتقين (القمر 43: 55) .
8 / 4 : وانشقاق القمر وانشقاق السماء من علامات الساعة في القرآن الكريم ، يقول تعالى (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ ..الانشقاق1) ويقول عن الشمس والقمر (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؟ ، فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ، وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ؟..القيامة 6: 10) وبذلك يستقيم فهم (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ..القمر1،2) في ضوء اقتراب الساعة وان من علاماتها انشقاق القمر ، وقد عبر تعالى عنه بصيغة الماضي ليعطى الإحساس بان اقتراب الساعة جد قريب . ومن هنا فأسطورة أن الرسول انشق له القمر معجزة حسية أمام أهل مكة تناقض التفسير القرآني وتتناقض – وهذا هو الأهم – مع آيات القرآن الصريحة بعدم نزول آية حسية اكتفاء بالقرآن الكريم .
9 ــ أحيانا قد توقع العاطفة صاحبها في خطأ ، والمحب إذا غالى في حب حبيبه أساء إليه دون قصد ، وهذا ما وقع فيه بعض الرواة حين قرءوا عن معجزات الأنبياء السابقين في القرآن الكريم والكتب السابقة ووجدوا أن تاريخ الرسول عليه السلام يخلو من إعجاز حسي مثل موسى أو عيسى أو سليمان أو داوود عليهم السلام فتطوعوا من أنفسهم ومنحوا محمدا عليه السلام بعض المعجزات الحسيه لكي تكون مادة محببة للقصاصين الذي بدأت بهم رواية التاريخ للرسول الخاتم والرسل السابقين, وبهذا وجدت هذه الأكاذيب طريقها للتفسير والحديث ووجدت من يرويها ممّن يعتبرونهم من (الثقات ). ولو فقهوا النص القرآني وأعطوه حقه من التدبر والتعقل لكان في ذلك السلامة لهم ولمن جاء بعدهم.. ومهما يكن من أمر فالقرآن – كما اعترف عدوه الوليد بن المغيرة – يعلو ولا يعلا عليه، وكل ماعدا القرآن من تفسير وحديث وكتب سماوية سابقة إنما تبع للقرآن، والقرآن مهيمن عليه باعتباره انه يعلو على التحريف ويسمو على كل محاولات التزييف.. و.. (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً..الكهف1: 2 ) .
روايات تتعارض مع القصص القرآنى :
1 ـ وإذا كانت بعض الروايات قد أضافت للنص القرآني ما يناقضه ، فان بعض الروايات وقفت موقف التعارض مع النص القرآني . والأغلب في هذا الاتجاه هو ما جاء في القرآن الكريم خاصاً بالغزوات وكان فيه بعض المآخذ على الصحابة.
2 ـ فالروايات التاريخية عن غزوة بدر مثلاً تجمع على أن المسلمين حين اتجهوا لملاقاة العير ووجدوها قد نفدت منهم سارعوا بالموافقة على القتال ، بهذا قال المهاجرون والأنصار ، وكل دارس للسيرة يحفظ أقوال المقداد بن عمرو " امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (أذهب أنت وربك ..) ونذكر مقالة سعد بن معاذ ( ...... فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك " وتمضى الروايات فتحكى استبشار الرسول بإجماع المهاجرين والأنصار على لقاء العدو في بدر, يقول ابن هشام ( فسر رسول الله (ص) بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال: سيروا وابشروا ) . وهذا الإجماع من البدريين على لقاء العدو نجد ما يعارضه في النص القرآني الذي بدأت به الروايات القرآنية عن غزوة بدر إذ يقول تعالى (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ، وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ،..الأنفال 5: 7) . فالآيات صريحة في أن فريقا من المؤمنين في بدر كان كارهاً للحرب وطامعا في الاستيلاء فقط على القافلة , وأنهم حين فوجئوا بفرار القافلة وأن عليهم مواجهة المشركين كرهوا اللقاء وأعلنوا رأيهم صراحة بل وجادلوا الرسول (ص) في عدم الحرب مع أن الحق قد تبين ووضح وهو أنه لابد من المواجهة , ثم إذا أذعنوا للقرار الحتمي كانوا كأنهم يساقون للموت وهم ينظرون ، وقد كانوا يريدون الاستيلاء على القافلة ولكن الله يريد المواجهة المسلحة مع المشركين ليحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين , إذ قد وعد الرسول (ص) إما بالعير وإما بالنفير . تسكت الروايات التاريخية عن توضيح هذه الحقيقة القرآنية التاريخية فتعطى انطباعاً بالتعارض بينها وبين النص القرآني , إذ يفهم من الرواية التاريخية انعدام المعارضة بينما تؤكد الرواية القرآنية وجود معارضين أعلنوا رأيهم بالصوت والحركة .
سكوت الروايات التاريخية عن تسمية الأشخاص من الصحابة وتفصيل أعمالهم
1 ـ ولأن الروايات التاريخية سكتت عن الموضوع بأكمله فنحن لا نعرف من هم من البدريين الذين عارضوا وجادلوا في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون . هذا مع أن البدريين كلهم معروفون بالاسم والنسب . والطريف أن مؤرخاً مفسراً مثل ابن كثير حين عرض لتفسير قوله تعالى (وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ.. الآيات) لم يذكر رواية تاريخية وإنما بعض الشروح كأنما يفسر آية في التشريع لا في التاريخ وهو المؤرخ المشهور , وعذره أنه لم يجد رواية تاريخية تشرح الآيات , وكان ينبغي عليه أن ينبه على هذه الفجوة بين الرواية القرآنية والرواية التاريخية .
2 ــ وفى سورة الأحزاب حديث مفصل عن غزوة الأحزاب ومواقف المنافقين وطائفة أخرى أظهرت محنة الأحزاب ضعف الإيمان في قلوبهم فكانوا مع المنافقين صفاً واحداً , وكان النص القرآني يتحدث عنهما معا كأن يقول تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ..الأحزاب12) . أو يقول تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً ..الأحزاب18) (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً ..الأحزاب60). ولم تسعفنا الروايات التاريخية بشرح لأعمال أولئك المنافقين وضعاف الإيمان بمثل ما فصل القرآن , وشأن النص القرآني أن يشير إلى صفات لا إلى أشخاص محددين بالاسم واللقب , وهكذا فإذا عرفنا بعض المنافقين الذين قالوا ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً فإننا لم نعرف الصنف الآخر الذي أظهرت المحنة إفلاس عقيدته ولم نعرف من هم المعوقون والمثبطون ولم نعرف من هم المرجفون الذين هددهم القرآن بهذه اللهجة العنيفة ولعنهم (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ..الأحزاب61) . فالروايات التاريخية سكتت عن الشرح وبذلك أصبح النص القرآني وكأنه يتحدث عن أناس لا وجود لهم على أرض الواقع والتاريخ.
3 ـ وهذا القصور من الروايات التاريخية في توضيح النص القرآني مبعثه إلى أن من قام برواية التاريخ كانوا من أبناء المهاجرين والأنصار وأحفادهم , وأولئك تحرجوا في الخوض في الروايات التي فيها مآخذ على أسلافهم فسكتوا عنها , وتحول النص القرآني الذي يؤرخ لأحداث معينة إلى مجرد نص يحتاج إلى تفسير للألفاظ بمثل ما فعل ابن هشام في تاريخه دون محاولة لشرح الرواية القرآنية رواية تاريخية تحدد فيها الأسماء وتوضح فيها المواقف .
أخيرا
1 ـ ومهما يكن من أمر فإن القصور في الروايات البشرية التي تشرح النص القرآني – سواء كان قصوراً بالإضافة وإلى تناقض مع النصّ القرآنى – أو بالسكوت عن الشرح – فالمهم أن ذلك القصور البشرى يؤكد عجز البشر دائما أمام القرآن المعجز لكل البشر , وهذا يعنى أن مجال الاجتهاد في شرح القصص القرآني سيظل مفتوحاً أمام كل دارس , والمهم أن يتسلح دارس القرآن بأدوات الاجتهاد ويبدأ فيه معتمداً على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه .
2 ـ إن قصور البشر أمام القرآن مما يؤكد إعجاز القرآن .. هذه حقيقة تتضح أكثر إذا توقفنا مع الإعجاز في القصص القرآني.



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خامساً:مقال توضيحي : فلسفة الهجرة في تاريخ الأنبياء من خلال ...
- رابعاً : كيفية استخلاص المادة التاريخية في القرآن الكريم
- ثالثاً :منهج القرآن في القصص
- ثانياً : الهدف من القصص القرآني
- أولاً :القرآن الكريم مصدراً للتاريخ الإسلامي والتاريخ العالم ...
- فهرس كتاب( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية) الجز ...
- مقدمة كتاب ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى دراسة عملية )
- القاموس القرآن : الطيب / الطيبات
- ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) : مجرد تذكرة ل ...
- القاموس القرآنى :(الخبيث / الخبائث )
- كتاب ( المحمديون إتخذوا الشيطان وليا من دون الله جل وعلا )
- تمخّض جبل عبد الناصر فولد فأرا إسمه السيسى .!
- خاتمة كتاب ( المحمديون إتخذوا الشيطان وليا من دون الله جل وع ...
- إبن الجوزى يواجه وحى الصوفية الشيطانى بوحى السُّنّة الشيطانى
- الوحى الشيطانى تحت مسمى ( السُّنّة ) فى تلبيس ابليس لابن الج ...
- كان الشيطان ثالثهما ..؟؟
- القاموس القرآنى ( ورث )
- إبن الجوزى يفترى منامات شيطانية فى رؤية الله جل وعلا
- ابن الجوزى يؤلف دراما شيطانية فى كتابه ( تلبيس إبليس )
- ابن الجوزى يروى عن إبليس مباشرة ( الشيطان يعظ )


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - سادساً :بين القصص القرآني والروايات التاريخية