أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - لماذا لا نعيش -إسلام النرويج- ؟















المزيد.....

لماذا لا نعيش -إسلام النرويج- ؟


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 6365 - 2019 / 9 / 30 - 18:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لست أدري من نشر دعابة مفادها أن الدول المتقدمة في شمال أوروبا والتي تحتل المراتب الأولى في جودة الحياة والحكامة والتدبير، ومنها "النرويج"، إنما هي دول ناجحة لأنها تطبق "الإسلام الصحيح"، الذي تخلينا عنه نحن.
بل إن الاحتكاك الأول للمسلمين مع نموذج الدولة الغربية الحديثة خلال القرن التاسع عشر وبدايات العشرين قد اكتسى طابع الصدمة التي عبر عنها بعض الرحّالة بقوله واصفا المجتمع الغربي: "رأيت إسلاما بلا مسلمين". وهي نفس الفكرة التي تقوم الحركات الإسلامية باستنساخها اليوم من جديد، بعد أزيد من قرن، المسافة الزمنية التي فشل فيها المسلمون في بناء نموذج ناجح للنهضة والنمو.
مثل هذه الأقاويل اليوم تعكس شقاء الوعي الإسلامي المعاصر، وعجزه عن رؤية الواقع، حيث تشكل هذه الأفكار التبريرية حجابا يخفي حقائق كثيرة:
ـ أولها أن التيار الإسلامي الذي فشل في كل شيء، عوض أن يعترف بفشل الإسلام السياسي ويقرّ بضرورة العلمانية، التي تجسدها خير تجسيد دول شمال أوروبا، يقوم بالعكس تماما، يسرق نجاحات الغير وينسبها إلى عقيدته.
ـ ثانيها أن ما يرمي إليه هؤلاء بأقاويلهم تلك إنما هو الانتصار للدين وليس الدعاية للنماذج الناجحة ولأسباب نهضة الدول المتقدمة، تلك الأسباب التي هي منظومة غير قابلة للتجزيء، ولهذا ينجح الإسلاميون في نشر التديّن، ولا يفلحون أبدا في نشر العلوم والمعارف والحريات والقيم الإنسانية.
ـ ثالثها أن هؤلاء يريدون الصدق والأمانة والعدل وفعل الخير والتوزيع المتوازن للثروة وعدم التبذير والحكامة الاقتصادية والنظافة والتناوب على الحكم وفصل السلطات وسموّ القانون وتساوي الجميع أمامه، يريدون كل هذا باعتباره موجودا في الإسلام، لكنهم لا يعرفون بأن هذا كله مرتبط ارتباطا عضويا بقيم أخرى يرفضونها، حيث هناك معضلتان كبيرتان تواجههم:
1) أن هذه المبادئ والقيم الإيجابية مرتبطة ارتباطا عضويا بقيم أخرى هي المساواة التامة بين الرجال والنساء وبين جميع المواطنين بغض النظر عن التمايزات في اللون والجنس والعقيدة والعرق والنسب العائلي، وبالحريات الفردية والجماعية، وعلى رأسها حرية المعتقد وحرية التفكير والتعبير والصحافة، وحرية اختيار نمط الحياة، وبمبدأ احترام الآخر الذي هو جوهر النظام العلماني الغربي، فهل هذه القيم موجودة أيضا في الإسلام ؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا يعارضونها بشراسة ويمقتونها ؟ فإما أنهم لا يعرفون الإسلام، وإما أن الإسلام لا يشتمل على تلك القيم التي هي أساس نهضة الغرب المتقدم.
2) أن في الإسلام قيم نبيلة بلا شك لكنها بدورها مرتبطة ارتباطا عضويا بنظام قيمي يتضمن قيما أخرى نقيضة للأولى، نظام ارتبط بدوره بسياق حضاري واجتماعي سابق لم يعد قائما اليوم، ومنشأ هذا ما نسميه "الآيات والأحاديث المتعارضة"، والتي نشأت في ظروف مختلفة ثم جُمعت كلها بين دفات الكتب دون أية قدرة على الحسم في الاختيار فيما بينها، حيث تركت جميعها للاستعمال عند الحاجة، مما جعل الإسلام إطارا للعدل ونقيضه، للمساواة ونقيضها، للسلام ونقيضه، للتسامح ونقيضه، للعلم ونقيضه، وجعل المسلمين غارقين في التناقضات إلى يومنا هذا، عاجزين عن الخروج من الفقه القديم والقيام بالقراءة التي تسمح لهم باختيار القيم التي تتناسب مع عصرهم، وترك الباقي بسبب ارتباطه بمجتمع ودولة بائدين، معتبرين أن ما يحقق الخير والسلام والمساواة والعدل والترقي الحضاري كما هو في البلدان الناجحة، هو عين ما أراده الله بحكمته.
فلنقم بتمرين ذهني بسيط علّ إخواننا الإسلاميين يفهمون المأزق الذي يتواجدون فيه بسبب طريقتهم الخاطئة في التفكير:
لنفرض أننا سايرنا هؤلاء في أقاويلهم وقررنا أن نتفق معهم على تطبيق "إسلام النرويج"، الذي لا يمكننا إلا الإقبال عليه بكل حماس وحيوية، فسنلمس أنّ أول شيء جميل قامت عليه نهضتهم هو الحرية والمساواة التامة بين المواطنين بدون تمييز، حتى أن النساء تشغلن نصف مناصب الدولة، سيتململ إخواننا الإسلاميون بدون شك وسيقولون "نحن مسلمون ولسنا نرويجيين"، ولنا "خصوصياتنا" الدينية و"تقاليدنا العريقة" و"ثوابتنا" التي هي "ثوابت الأمة"، والتي تجعل من غير الممكن تطبيق المساواة كما في النرويج. وما لا ينتبهون إليه بهذا الصدد هو أنّ النهضة التي يعجبون بها ويسمونها "إسلاما" في النرويج إنما نشأت عن هذه الطاقة التي أطلقتها دينامية النساء بجانب الرجال، فالمساواة في مجتمعات الشمال الناجحة هي أساس الدينامية الاجتماعية ومصداقية المؤسسات والقوانين.
تمرين آخر: في النرويج دين رسمي في الدستور لكنه لا يعدّ مصدرا للتشريع ولا تفرضه الدولة على مواطنيها ولا تراقبه ولا تستعمله في السياسة ولا في التمييز أو المفاضلة بين المواطنين، أما في التعليم فتُعرّف بكل الديانات المتواجدة على أرضها من يهودية ومسيحية وإسلام وبوذية وبهائية وغيرها حتى يحترم أطفال النرويج كل المنتسبين إلى تلك الديانات في بلدهم. ولا تغصب الأطفال على إتباع دين معين بل تترك لهم حرية الاختيار عندما يكتمل نضجهم النفسي والعقلي ويبلغون سن الثامنة عشرة، لأن النظام التربوي هناك قائم على مبدأي الحرية والإبداع، وليس التقليد والإتباع.
سيقول إخواننا الإسلاميون: ولكن الإسلام هو خاتم الديانات وأفضلها وكل الديانات التي جاءت بعده باطلة وكل تلك التي جاءت قبله محرفة وهو وحده "الدين الصحيح"، فكيف نُعرف في مدارسنا بديانات محرّفة وندفع التلاميذ إلى احترامها بينما أهلها "كفار" ؟
إن المشكلة التي تمثل عائقا معرفيا في فكر الإسلاميين إنما تتجسد في عجزهم عن فهم شمولية النظام المجتمعي الغربي الناجح، الذي هو ثمرة تطور وصيرورة تاريخية طويلة، انتقلت من العبودية إلى التحرّر ومن الاستبداد إلى العدل، ومن الخرافة إلى العقلانية، ومن الجهل إلى العلم، فهم يرتاحون للحكامة وللتوزيع العادل للثروة ولفعالية الإدارة وللتناوب على السلطة في الغرب، لكنهم يريدون ذلك كله بدون مساواة بين الجنسين وبدون حريات وبدون فصل للدين عن الدولة، بينما لا تتحقق تلك إلا بهذه، وإلا لكانوا استطاعوا تحقيقها في بلدانهم سواء في الماضي أو في الحاضر.
إن "إسلام النرويج" إذن ليس سوى نظاما مبنيا على القيم الإنسانية الكونية، التي ساهمت في بنائها كل الحضارات الإنسانية بدون استثناء، وهي نفس القيم التي تتقاسمها كل البلدان الناجحة بينما يتنكر لها المسلمون ولا يطيقونها، ويحاربونها يوميا في مدارسهم ووسائل إعلامهم، وتبدو لهم غريبة عن "أصالتهم"، ولهذا هو متخلفون.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل قصيرة إلى دعاة عزل الذكور عن الإناث في المدارس
- المغاربة والوعي بالانتماء إلى إفريقيا
- الإسلاميون والعسكر، تحالف ضدّ الديمقراطية
- عن ضرب النساء الذي ليس ضربا
- يسألونك عن العِرق، قل هو إلا خرافة وإعلان حرب
- هل يُعجّل كمال فخار بتحرير الشعب الجزائري من براثن الاستبداد ...
- حول الأمازيغية ورموز الدولة، نقط على الحروف
- الفضاء العام بين السلطة والمتطرفين
- الحق في الإيمان والحق في الإلحاد
- أذكى من هوكينغ وأبلد من حمار
- الجزائر ، السودان، ليبيا: أي أفق للجماهير المنتفضة ؟
- تدريس العلوم ليس موضوعا هوياتيا أو إيديولوجيا
- لماذا يلجأ الإسلاميون إلى الإشاعة الكاذبة ؟
- بيان من أجل الشفافية
- رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التربية الوطنية
- أيها المغاربة، احموا أعيادكم وأفراحكم من ثقافة الموت والكراه ...
- باختصار شديد: سيستمر الإرهاب ما دامت أسبابه قائمة
- الحريات العامة بين الدستور والقوانين والممارسة السلطوية
- الفنان إحيا بوقدير: سحر الصوت والكلمة والإيقاع
- -الجهاد الكروي-


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - لماذا لا نعيش -إسلام النرويج- ؟