أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرزاق دحنون - عمّار الأمير في شتيمة موصوفة














المزيد.....

عمّار الأمير في شتيمة موصوفة


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6365 - 2019 / 9 / 30 - 10:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


حال كاتب القصة القصيرة كحال الصياد تماماً، لنتخيل صياداً في غابة، وليس معه إلا طلقة واحدة، وفجأة يتراءى لهذا الصياد نمر مندفع نحوه، فهل سيصيب هذا الصياد النمر بطلقته والوحيدة، أم أن على صاحبنا أن يسلم أمره لغريمه، فيصطاد النمر الصياد، إذا ما أخطأت الرصاصة هدفها؟ وبالمقابل، لنتخيل حالة أخرى، أو صياداً آخر ومعه طلقات كثيرة-نحن في حالة حرب- يتراءى لهذا الصياد على امتداد سهل فسيح، ومن خلف مكمنه شبه الآمن، سرب طرائد متنوعة، يختار منها الصياد ما يشاء، فإذا لم تصب الطلقة الأولى، فقد تصيب الطلقة الثانية، أو الثالثة، هذه الطريدة، أو تلك. مع ملاحظة التقدم الهائل في أسلحة الصيد. قد تكون الحالة الأولى، حالة الصياد ذي الطلقة الوحيدة، هي حالة كاتب القصة القصيرة أو القصة القصيرة جداً، وقد تكون الحالة الثانية حالة الصياد متعدد الطلقات والطرائد، هي حالة كاتب القصة الطويلة أو الرواية. إما أن تُصيب هدفك مباشرة، وفي الصميم، فتنجو بنفسك، أي تنجح في كتابة قصة جيدة، وإما أن تخطئ الهدف فتكتب قصة رديئة. أما الثالث فمرفوع كما يقول المناطقة.

استعرت هذه التشبيه البليغ من الأديب المصري الكبير يحيى حقي، فقد كان مبدعاً حقيقية في كتابة القصة. والقصة القصيرة جداً هي قصة على كل حال، وهي تنجح وتجد لها مطرحاً بين فنون القص عندما تجمع في سطورها القليلة لغة رشيقة متينة. ينقل المؤلف بضاعته من الحكايات على ظهر اللغة العربية. حزينة، فرحة، لا فرق، المهم أن تترك هذه الحكايات تأثيراً حسناً في وجدان القارئ. فهل استطاع القاص السوري عمّار الأمير في مجموعته من القصص القصيرة جداً الصادرة حديثاً عن دار ميسلون للطباعة والنشر والتوزيع تحت عنوان "شتيمة موصوفة" أن يقدم لنا قصة قصيرة جداً لكنها شيقة وممتعة جداً.

أعتقد أنه قد فعل، وها هي المجموعة أمامنا في مئة صفحة ضمت عناوين ثلاثة وستين قصة قصيرة جداً. تُكرس هذه القصص نفسها لرصد ومضات من حياتنا في هذه السنوات العجاف التي مرت على وطننا. سنوات الحرب السورية التي صنعت لنا حاضراً جديداً وأنتجت لنا علاقات متشابكة أراد عمّار الأمير تفكيكها ليخلق منها عالماً من تفاصيل صغيرة فصيحة أربكت البشر في علاقاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه الحرب الضروس التي طحنت رحاها البشر والحجر والشجر.

يشتغل عمّار الأمير على مهل في نسج لوحات من مخيلة ثرَّة، تميل في نهجها نحو الواقعية النقدية وتأخذ بدلالات وصور الداخل السوري على نحو واضح، مما يسبغ على السرد كله طابعاً أنيقاً يميزه عن غيره ويهيئ له مكاناً في زحمة المشتغلين بهذا الفن الأدبي. اللافت في سرد القصص القصيرة جداً عناية القاص باختيار المفردات الأغنى والأليق للتعبير وإنشائه للجملة التي تكسر رتابة النثر من جهة وتُنجز الصورة الأعمق والأوضح في رسم الموقف من جهة ثانية. لنأخذ مثالاً قصة "على كومة تراب":

رفع طفل كفه وهي مفتوحة. على يمينه طفلة خجلى تنفض يدها من التراب. وعلى يساره طفل يصنع إشارة نصر بإصبعيه. يلتفون ثلاثتهم حول طفلة لم تصنع أي إشارة؛ لأنها تشعر بآلام وخدر في موضع يدها التي بترت! كانوا أربعة أطفال في صورة.

قصة " شتيمة موصوفة" والتي حملت المجموعة اسمها جاءت على الشكل التالي:

لم أُحيِّ، ولن أُحِّيَ البطن الذي حملك يا سيدي الزعيم؛ لأني أخاف لكثرة بطولاتك أن تتطور تحيتي، فأُحيي النافذة التي أشرقت منها على العالم، تلك التي تقع أسفل بطن من أنجبتك، فتعتبرها شتيمة موصوفة يا سيدي الزعيم.

اربكتني الجمل التي تشرح ما لا يشرح. نافذة، أشرقت، تلك التي تقع أسفل بطن من انجبتك، لماذا هذا يا عمَّار، لو كان الجاحظ حياً لكتبها كما يجب أن تكتب ولو كان فيها قلَّة أدب:

لم أُحيِّ، ولن أُحِّيَ البطن الذي حملك يا سيدي الزعيم؛ لأني أخاف لكثرة بطولاتك أن تتطور تحيتي، فأُحيي "كس أمك" فتعتبرها شتيمة موصوفة يا سيدي الزعيم.

انظر إلى جمال هذا التعبير الذي أصاب الهدف مباشرة دون لفِّ أو دوران، ولكن المؤلف كان مؤدباً في استعمال تعابيره، فهذَّب اللفظ خوفاً من الرقيب المؤدب جداً، فاحتال وعمّى ثمَّ شرح حتى يصل إلى صيغة مقبولة، ولكنها مربكة كثيراً، وما كان له أن يغفل عن أن الجاحظ سمح بذلك في مؤلفاته.

تحميل المجموعة القصصية "شتيمة موصوفة" عمَّار الأمير الصادرة حديتاً عن دار ميسلون للطباعة والنشر والتوزيع:
https://www.maysaloon.com/shop/literature/5909



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الإسلام ضد الغرب؟
- تجربتي مع الصيام
- اشكالية العلمانية في العالم الإسلامي
- حسيب كيالي في دبي
- هل كان محمود درويش شيوعياً؟
- بين سلمى وعيوني بندقية
- من قاسيون أُطلُّ يا وطني!
- تفتيش المرأة جسدياً
- الإرهاب والكباب
- صورة فيدل كاسترو
- في رحيل الرفيق إبراهيم الخياط
- فيلسوف معرة النعمان
- ماركس فيلسوفاً
- حكايةاختطاف أدغاردو مورتارا
- مناقب الترك
- كان الحمام يطير محترقاً
- يهشّون عند المائدة
- الكانطيون الجدد وعمي أحمد
- أين أنت يا جهاد أسعد محمد؟
- استعمل مخَّك و إلَّا فقدته


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرزاق دحنون - عمّار الأمير في شتيمة موصوفة