أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راضي عاقل - عدة كشف المغالطة















المزيد.....



عدة كشف المغالطة


راضي عاقل

الحوار المتمدن-العدد: 1554 - 2006 / 5 / 18 - 11:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا المقال هو نقل عن كتابات العالم الفلكي الكبير Karl Sagan، وبالتحديد هو جزء من أحد كتبه وهو The Demon Haunted World: Science as a candle in the dark (العالم المسكون بالشياطين: العلم كشمعة في الظلام) وقد سمى الفصل The baloney detection kit (عدة كشف الدجل أو المغالطات) ويشرح فيه بعض المغالطات المنطقية في النقاشات وكيفية كشفها وطريقة عمل الذهن الناقد الشكاك التي لا تقبل بتصديق أي شيء ما لم يوجد دليل دامغ عليه.


وبمتابعتي للكثر من النقاشات الدينية، لاحظت الكثير من هذه المغالطات التي يرتكبها المحاورون باستمرار وقد أحببت أن أشرح هذه المغالطات مع أمثلة مما رأيته.

متطلبات الحوار الأساسية:
1 – يجب أن يكون هناك تأكيد مستقل “للوقائع” إذا كان بالإمكان: الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، فعمليا كل “الوقائع التاريخية” التي يتحدث عنها المتدينين تأتي من مصدر واحد وهو الكتب الدينية دون أي سند تاريخي من أي جهة محايدة: إبراهيم، نوح والطوفان، موسى وشق البحر، ….

2 – يجب أن تشجع مناقشة كافة الحجج والبراهين من كافة الأطراف المعنية والمطلعة: بالرغم من عدم وجود مشكلة في ذلك في منتديات الحوار الإلكترونية نظرا لطبيعتها، لكن هذه النقطة في غاية الأهمية في كتابات الدينيين التي يردون بها على اللادينيين، إذ غالبا ما يمنعون الكتاب الذي يناقشوه ! أو في حالات أخرى يناقشون أنفسهم عوضا عن مناقشة الطرف الآخر، والمثال الأشهر على ذلك هو عندما “يفحم” مصطفى محمود صديقه الملحد بعد أن يكون هو الذي وضع كلام الملحد وتولى بنفسه الإجابة عليه ولم يعطي الملحد الافتراضي فرصة التعقيب.

3 – حجة السلطات ليس لها قيمة على الأغلب: والمعني بالسلطات هنا هو أي شخص أو جهة لها أهمية، كمثال على ذلك: هذا الموضوع أكده العالم الفلاني فإذا هو صحيح، أو طالما أسلم شخص مشهور فذلك يعني أن الإسلام صحيح، أو طالما قال القرآن أن أكل لحم الخنزير حرام فهو مضر بالبشر.
المشكلة هنا أنه حتى تكون لحجة السلطة قيمة يجب توافر الشروط التالية:
- أن تكون السلطة مختصة بالموضوع المطروح، فلا يكفي أن يكون الشخص مشهورا أو ذو شعبية. ولا يجب الاستشهاد برأي كيميائي علامة في موضوع جيولوجي مثلا.
- يجب أن يفسر كلام السلطة بدقة شديدة ولا يخرج من سياقه (الإسلاميون أبطال هنا في هذا المجال وخصوصا في موضوع “الإعجاز العلمي”).
- يجب أن يكون هناك دليل مادي وملموس على الحجة بغض النظر عن قوة السلطة وتخصصها فكل إنسان يخطىء.
- يجب أن توجد طريقة للحكم على حجج السلطات المختلفة وأيها أصح في حالة التعارض (الأديان المختلفة على سبيل المثال).

4 – يجب طرح أكثر من فرضية واحدة لتفسير أي ظاهرة، فإذا كانت هناك ظاهرة معينة يجب التفكير في جميع الاحتمالات التي يمكن أن تفسر هذه الظاهرة ثم التفكير بطرائق يمكن بواسطتها دحض هذه الفرضيات والفرضية التي تنجو من كل محاولات الدحض تكون هي الصحيحة.

وعلى سبيل المثال وبرغم أني شخصيا لا أرى ما يستحق النقاش في موضوع “الإعجاز العلمي” ولكن سأطرح بعض أفكاره هنا لتبيان النقطة:

يدعي الإعجازيون أن القرآن تنبأ بكروية الأرض قبل اكتشاف ذلك بآلاف السنين، وبالتالي فلا يوجد تفسير سوى أن الله قد أنزل ذلك على محمد وبالتالي هو نبي. سنفرض هنا أن القرآن قد قال فعلا بكروية الأرض (برغم أن ذلك غير صحيح إلا بتأويل الكلام بأشد أنواع التأويل تعسفا) ولكن هل تفسير هذه الظاهرة الوحيد هو أن محمد رسول الله ؟

فرض أول: العالم Eratosthanes في مصر الذي عاش في القرن الثالث قبل ميلاد المسيح، أي قبل محمد بألف عام تقريبا لم يكتف بإثبات كروية الأرض فقط، بل قاس ايضا قطرها بدقة تبعث على الدهشة نظرا لبدائية الوسائل المتاحة له. ومن الممكن افتراض ان ذلك وصل إلى محمد بطريقة ما عبر أسفاره.
فرض ثاني: أخبر أحد رواد الفضاء من عالم آخر محمد بذلك.
فرض ثالث: محمد قال هذا الكلام صدفة بدون أن يعرف أنه صحيح.
فرض رابع: محمد من المستقبل وقد رجع إلى الماضي وكتب تلك المعلومة.
فرض خامس: محمد رسول الله.
فرض سادس: محمد مندوب الشيطان وقد أخبره بذلك كي يغوي البشر عن دين الحق وهو البوذية مثلا.
فرض سابع: محمد عالم فلك وقد توصل إلى ذلك الاكتشاف وأحب أن يستغله كي يدعي النبوة.
وغيرها وغيرها ….

الآن علينا أن نبحث في هذه الفرضيات واحدة بعد الأخرى ونحاول أن نستبعد ما يثبت خطأه منها ثم نختار الباقية ونعتمدها. وهذا يقودنا للنقطة التالية:

5 – حاول ألا تتعلق بنظرية أو فرضية ما لأنها لك أو لكونها تروق لك شخصيا، هذه النقطة من أصعب النقط لأنه عندما يتعلق الشخص عاطفيا بنظرية معينة يصبح همه هو إثباتها بأي طريقة ويتجاهل (ولو لا شعوريا) الدلائل التي تدل على عكسها.
الحل هنا يكمن في النظر بتجرد وعدل بين كل الاحتمالات ومقارنتها ومحاولة تحسس نقاط الضعف في نظريتك نفسها لأنه إذا لم تفكر أنت في مكامن ضعف نظريتك فسيفكر غيرك بها.

6 – تحدث بالأرقام إذا أمكن، فإذا كانت المسألة التي تريد اثباتها لها صفات رقمية فهذا يساعد كثيرا على اختيار الخيار الصحيح.
إذا أخذنا مثالا على ذلك النقاش حول انتشار الإسلام الواسع في الدول الغربية، الشيء الذي يكرره الإسلاميون باستمرار كدليل على صحة الإسلام (برغم عدم منطقية هذا الدليل إذا أن الحقيقة لا يتم التوصيل إليها بعدد الأصوات وإلا كانت المسيحية هي الدين الصحيح !!)، نجد دائما أن كلامهم غير مرفق بأرقام وإن أرفق فهذه الأرقام بلا أي سند علمي أو منتزعة من سياقها. فحتى يمكن أن أتحدث عن زيادة عدد معتنقي الإسلام يجب ان أوضح:

- عدد السكان العام
- نسبة المنتمين لكل دين ونسبة الملحدين
- نسبة التوالد والزيادة الطبيعية بالنسبة لمعتنقي كل معتقد
- نسبة الهجرة القادمة بالنسبة لعدد السكان ونسب كل معتقد فيها
- نسبة تاركي الإسلام برغم ولادتهم مسلمين
- نسبة المسلمين الذين ولدوا كذلك ولا يهتمون كثيرا بالأديان حتى يحاولوا البحث في تغيير دينهم.
- الخلفية الإثنية لمعتنقي الإسلام، فعدد كبير من السود يعتنق الإسلام نكاية بالرجل الأبيض وكعلامة احتجاج أكثر منه قناعة بالحجة.
- الأسباب التي دفعت الناس إلى الدخول في الإسلام (نسبة لا يستهان بها تدخل الإسلام كي تتزوج من مسلم أو مسلمة فقط أو كي ترث دون أي قناعة من أي نوع وأنا شخصيا أعرف أكثر من مثال على ذلك).

ومن نافل القول أن أغلب “الباحثين” المسلمين عندما يثير موضوع انتشار الإسلام في الغرب لا يجدون أي ضرورة في إجهاد أنفسهم بتحري مثل هذا الجزئيات التافهة ويكتفون في أغلب الأحوال بالقول ان عدد المسلمين في أمريكا في سنة 1950 كان كذا والآن هو كذا. (بشكل يشبه تماما سخافات “الإنجازات والعطاءات” عندما تعد عدد المدارس قبل وبعد الثورة مثلا).

7 – إذا كان هناك سلسلة اثباتات لقضية محددة فيجب أن تكون جميع حلقات هذه السلسلة مثبتة (ضمنا الفرض الأول منها) وليس معظمها فقط.

المثال الذي يحضرني هنا هو إثبات الغيبيات الإسلامية (الجنة، النار، الجن، إلخ …)
فحتى أصدق هذه الإثباتات يجب أن يثبت المسلم أن:
- هناك علة لوجود الكون
- هذه العلة هي الله
- هذا الله لا علة لوجوده
- أن الله يهمه أن يسمع رسالته إلى الناس
- أن الله يهمه أن تعبده الناس
- أن الله صادق ولا يخدع الناس
- أن الله قد اختار أن يعلن عن وجوده بطريقة الأنبياء الغريبة بدلا من إظهار نفسه بشكل واضح
- أن محمد هو رسول الله فعلا
- أن محمد صادق في كل ما قاله ولم يخطىء أو يسيء فهم كلام الله
- أن ما وصلنا عن محمد صحيح ولم يحرف

وربما كان هناك المزيد من البراهين،

ولا يمكن إثبات وجود أي من الغيبيات إلا بعد إثبات جميع حلفات السلسلة وليس أحدها فقط. أعتقد أن مثالي هنا ظالم بعض الشيء لأن معظم إن لم يكن كل حلقات هذه السلسلة ضعيف للغاية.

8 – إذا كانت هناك أكثر من نظرية تقدم تفسير لمسألة ما بشكل جيد، فمن الأفضل أتباع أسهلها، ويقصد بأسهلها هي النظرية التي فيها أقل عدد ممكن من الفرضيات غير المثبتة. يطلق على هذه القاعدة اسم حد أوكام Occam’s Razor.

أي بعبارة أخرى يجب اتباع النظرية الأسهل بين التي تقدم تفسيرا لكل المعطيات المتاحة.

وعلى سبيل المثال، فإذا رأيت أحدا يتدحرج على الأرض ويصرخ وأنا لا أعرف الكثير عن الطب بحيث لا يمكنني التمييز بدقة أكثر وتحري أصل المشكلة بالضبط، يمكن أن أفترض:

- بأن الموضوع هو اضطراب كيميائي في دماغه
- أو أن الجن الكافر قد تلبسه

إذا أخذت بنظرية الجن الكافر فيجب أن أفترض أنه
- يوجد جن
- وأن الجن شقين كافر ومؤمن
- وأن الجن الكافر يتلبس البشر وأن علامات التلبس هي الدحرجة والصراخ إلخ …
وكل هذا بالطبع غير مثبت.

بينما في الحالة الثانية لأمر أسهل بكثير وفيها فرض واحد فقط.

لاحظ أن النظريتان تقدمان تفسيرا معقولا حسب المعلومات القليلة المتاحة وقد تم اختيار الأولى نظرا لقلة الافتراضات غير المثبتة فقط.

تنطبق نفس القاعدة على مناقشة وجود الله بذاته كتفسير للكون ووجود الروح كشيء منفصل عن الجسد ومستقل عنه، حيث كلتاهما فرضيتان تزيدان من تعقيد الشرح عوضا أن تبسطاه.

9 – النقطة الأخيرة في غاية الأهمية ولعلها الأهم على الإطلاق في رأيي، وتنص أن يجب لأي نظرية أن تكون قابلة للاختبار وللنقض من حيث المبدأ على الأقل، فكل ما لا يمكن اختباره ونقضه لا قيمه على الإطلاق.

والمثال الأول على ذلك هو وجود الله نفسه، فمهما فعل المرء فلن يستطيع ابتكار اختبار علمي يثبت عدم وجود الله (أو وجوده بالطبع)، وهذا بالذات ما يجعل نظرية وجود الله ليس لها أي قيمة علمية على الإطلاق وتنقل بالتالي إلى مجال الإيمان الذي لا علاقة له بالعلم.

ولعل من أمتع ما قرأته حول هذا الموضوع هو التنين الوردي، لا أذكر حرفية القصة لكنها تسير بالشكل التالي:

يقول أخ لأخيه: يوجد في غرفة النوم تنين وردي ينفث النار.
ينظر الأخ ليتحقق فلا يرى شيئا، يسأل أخاه فيقول له هذا بسبب أن التنين الوردي خفي.
- ولكن أليس له علامات أقدام على الأرض ؟
- لا فهو يطير في الهواء
- مع ذلك، كيف دخل علينا وباب الغرفة مغلق ؟
- التنين يستطيع اختراق الأبواب لأن ليس له كيان مادي
- طيب، طالما أنه ينفث النيران لماذا لم يحترق البيت ؟
- لأن نيرانه خفية أيضا ولا تحرق الأشياء المادية
ويستمر الحوار بهذه الطريقة، ومن الواضح أن هذا ليس حوارا بل مهزلة، لأنه لا توجد أي طريقة يمكن للأخ الثاني بها اختبار وجود هذا التنين المزعوم وبالتالي نقض كلام أخيه وبإمكان الأول أن يقول أنه يوجد تنين أو فيل أو وحيد قرن أو أي شيء ما دام الكلام لا يمكن نفيه.

التجربة المسيطر عليها Controlled Experiment والتي يمكن تكرارها هي الأساس في العلم، التفكير المنطقي والمحاججة العقلية بحد ذاتها ليست دليلا علميا، فتعقيد الطبيعة أكبر بكثير من تعقيد الحجة.

هذا ينهي متطلبات المناقشة العلمية السليمة ونأتي الآن إلى طرح الخدع والمغالطات المنطقية التي يرتكبها البعض بانتظام مع أمثلة إذا أمكن.

1 – مهاجمة شخص المحاور عوضا عن حجته: لا حاجة لإجهاد النفس في البحث والتحري لإيجاد أمثلة في هذه النقطة فللأسف الشديد ارتقى بعض المحاورين الإسلاميين بهذه المغالطة إلى مرتبة الفن.

وأنا شخصيا لا أرى تعبيرا أوضح من هذه الطريقة في المناقشة على الإفلاس الفكري.

المؤسف أن هذه الطريقة في “النقاش” ليست مقصورة على المتدينين فقط بل استخدمت وتستخدم بانتظام من كل أطياف الفكر العربي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولعلها من أوضح تجليات الانهيار الفكري والحضاري الذي نعيشه.

2 – حجة السلطة: أو المطالبة بالثقة في شخص ما بدون دليل.
مثاال: إذا حكم المشايخ البلاد فستعم البركة ويقضى على الفقر وتسود العدالة،
- كيف ذلك ؟
- لأنهم مشايخ أطهار ويجب أن نثق بهم فعندهم الحلول لكل شيء،
- سايرونا واشرحوا لنا كيف سيقضي حكمهم على الفقر، ما هو برنامجهم ؟
- يجب أن نثق بهم لأنهم يطبقون الشرع وبتطبيق الشرع سيحل كل شيء ……
- تحملوا غبائنا وبينوا لنا كيف سيؤدي تطبيق الشرع إلى حل مشاكل الإسكان والبطالة والفساد والتخلف العلمي والانفجار السكاني ونقص المياه والتلوث وحقوق الإنسان إلخ …. ؟
- ألا تفهم ؟ الشرع عنده حل لكل شيء، انتظر وسترى

طبعا بالإمكان النظر إلى البلدان التي يحكمها المشايخ ورؤية نتائج مثل هذه المحاججة. والشعب الإيراني المسكين يدفع غاليا اليوم ثمن ثقته بالحلول السحرية التي يقدمها المشايخ.

3 – الحجة بالجهل: أي المحاججة بأن كل ما لا يمكن إثبات خطأه فهو صحيح، أو بالعكس كل ما لا يمكن إثبات صحته فهو خطأ.
مثال 1: لا يوجد دليل مادي على عدم وجود النبي موسى وبالتالي فهو موجود.
مثال 2: لا يوجد دليل مادي أن الله موجود وبالتالي فهو غير موجود.

يمكن دحض هذه الطريقة في المغالطة بالعبارة التالية: غياب الدليل ليس دليلا على الغياب.

4 – التحذير من العواقب الوخيمة بلا دليل: أمثلة:
- إذا لم يعتقد الناس بالجنة والنار فسيفقد كل رادع وتعم الفوضى المجتمع.
- إذا لم تطبق الحدود الإسلامية فلن يتم ردع اللصوص والعابثين وستعم الجريمة.
- إذا لم نمنع الفكر “الكافر” فسيغوى الناس عن دينهم ويعم الفساد.
- إذا خلعت النساء الحجاب سيعم الفساد والدعارة وتتفكك الأسرة.

تم تكرار هذه المغالطات باستمرار يصل إلى حد الملل، طبعا لا تستند هذه التحذيرات إلى أي دراسة من أي نوع وإنما هي الرأي الشخصي لصاحب القول فعلى سبيل المثال:

- المجتمعات الأوروبية التي تحوي أعلى نسب ملحدين في العالم (تتجاوز 50% في بعض دول شمال أورويا) هي أرقى مجتمعات العالم وأكثرها تنظيما وإنسانية وحضارة.

- لم يستطيع أحد الربط بين تطبيق حكم الإعدام وانخفاض معدلات الجريمة، فأمريكا التي تطبقه فيها معدلات جريمة أضعاف مضاعفة عن أوروبا التي لا تطبقه. الجريمة في أمريكا لها عواملها وشدة العقوبة ليست هي الحل وإنما هي فقط إشباع الرغبة البدائية في الانتقام. وتطبيق قطع الرأس تعزيرا في السعودية عقابا على تهريب المخدرات لم يوقف التهريب بأي شكل من الأشكال.

- أمريكا التي تسمح بكل أنواع الفكر من مختلف التيارات فيها أكبر نسبة مؤمنين في العالم المتقدم ولم يؤثر فيهم “الفكر الكافر” الذي يسهل الوصول إليه من أي مكتبة على ما يبدو.

- تفكك الأسرة لا علاقة له بالحجاب من قريب أو بعيد، فالأسرة لم تتفكك كما يبدو في الصين واليابان والهند بالرغم من عدم وجود الحجاب هناك. ما يجمع الأسرة حقيقة في مجتمعنا هو القهر القانوني الممارس بانتظام على المرأة وعدم استقلاليتها المادية والحجاب هو مظهر جانبي لهذا القهر فقط.

5 – التفسير بالجهل أو بالغموض Special Pleading
ويستخدم عادة في إنقاذ المواقف الواقعة في تناقض منطقي وأخلاقي عميق. أمثلة:

- كيف يعرف الله مسبقا قبل أن أولد أني لن أكون مؤمنا ومع ذلك خلقني ليعذبني ؟
- جواب: أنت لا تستوعب دقة موضوع الإرادة الحرة في الإسلام.

- كيف يمكن أن يصاب طفل صغير بالسرطان، أليس هذا قسوة من الله ؟
- هذا ابتلاء وأنت لا يمكنك أن تناقش إرادة الله.

- كيف يعاقب الله الصالح مع الطالح والأطفال مع الكبار ويغرق الجميع في طوفان نوح ؟
- الله حر في عباده ومن أنت حتى تناقشه ؟

- كيف يرسل الله زلزالا يدمر حياة الناس بلا تمييز ؟
- قدر الله وما شاء فعل

6 – افتراض ما تحاول إثباته، أو بناء نتيجة على فرضية بحاجة إلى إثبات، أمثلة:

- الله موجود لأن تصميم الكون البديع لا بد له من مصمم، هنا تم تقديم فرضية أن للكون تصميما على أنها حقيقة للاستدلال على وجود المصمم.

- محمد رسول الله لأن االبلاغة لإعجازية للقرآن لا يمكن أن تأتي من بشر، هنا تم تقديم الإعجاز البلاغي القرآني كحقيقة ثابتة والبناء عليها.

- لابد من تطبيق حكم الإعدام لردع المجرمين وتخفيف نسبة الجريمة، هنا تم تقديم فرضية أن حكم الإعدام سيؤدي إلى ردع المجرمين وتخفيف نسبة الجريمة كحقيقة ثابتة.

- لابد من إعلان الجهاد لوقف المؤامرة العالمية الرامية للقضاء على الإسلام. (تم تقديم المؤامرة على الإسلام كحقيقة).

- شهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين لأنه من المعروف أن المرأة متقلبة المزاج وتغلبها العاطفة، (بدون أي محاولة لإثبات تقلب المزاج وغلبان العاطفة، ثم تعميم ذلك على كل النساء بشكل مطلق وبشكل يدعو للضحك تنزيه كل الرجال من ذلك).

غالبا ما تأتي هذه المغالطة مسبوقة بكلمات مثل: “الكل يعلم” و “من الواضح” و “لا ينكر إلا مكابر” و “من المعروف أن”، إلخ ..

7 – الملاحظة الانتقائية: أي إبراز الأمور الإيجابية وتجاهل السلبيات. هذه المغالطة منتشرة بشكل هائل والكل يمارسها بانتظام:

- الشيوعيون يبرزون عدم وجود البطالة في مجتمعاتهم ويتجاهلون البطالة المقنعة وانخفاض الإنتاج.

- الإسلاميون يبرزون تماسك مجتمعاتهم ويتجاهلون الظلم والقهر الذي ادى لهذا التماسك.

- النظم العربية الديكتاتورية تتشدق بالاستقرار الذي جلبته بعد مرحلة الانقلابات وتتجاهل القمع الذي سمح بهذا الاستقرار.

- تتفاخر الحكومات العربية بعدد الجامعات وتنسى ذكر مستوى التعليم المتدني.
إلخ …

8 – الإحصائيات بأرقام صغيرة. أو تعميم تجربة محدودة على الجميع:

- برهنت إحدى المحاورات في أحد منتديات الحوار على تفكك المجتمع الأمريكي وتعاسة الناس فيه بأنها تعيش هناك وقد خالطت الناس هناك ورأت ذلك بعينها، النقطة هنا أن تعداد سكان أمريكا يعادل كل الدول الناطقة بالعربية مجتمعة، كم شخصا رأت المحاورة لتعمم ذلك ؟

واجهتني هذه المغالطة كثيرا في حياتي وهذا أمثلة واجهتني شخصيا:
- أحد الأصدقاء يقول أنه ليس عنصريا لكنه لا يحب الفلسطينيين كون كل تجاربه معهم كانت سلبية، كم من الفلسطينيين يعرف ؟ وكيف انطلق من ذلك للتعميم ؟
- النساء في الغرب عاهرات ويكفي أن ترى الأفلام الخلاعية لتعرف ذلك، كيف تم تعميم العهر على الجميع ؟ (هذه الخرافة بشكل خاص مغروسة في ذهن الرجال العرب الذين يسافرون لأول مرة إلى الغرب حيث يتوقعون أن النساء هناك مستلقيات على الطرقات بانتظار فحولتهم العربية)

أطرف ما يمثل هذه المغالطة هو نكتة يشنع بها على الأطباء:
عالج مرة طبيبا مريضا مصابا بالسرطان بحساء البصل، وقد شفي هذا المريض فكتب الطبيب بحثا علميا عن فوائد حساء البصل في شفاء السرطان، وبعد فترة عالج مريضا ثانيا به فمات هذا المريض فعدل بحثه بحيث قال:
يشفي حساء البصل 50% من مرضى السرطان.

9 – إساءة استعمال الإحصائيات: ولهذا عدة أشكال مثل:

- اعتبار البرهان الإحصائي ينطبق على الجميع: بما أن الرجال أكثر عدائية وعنفا من النساء إحصائيا فهذا يعني أن أي رجل عدائي أكثر من أي امرأة.
- الذين يرفضون التطور (حتى من بدايته، إذ أن بعض “المعتدلين” يقبلون أنه يطبق على غيرالإنسان) ويقولون أن احتمال تكون جزيئة الحياة الأولى ضعيف جدا، يتجاهلون حجم الكون الهائل واتساع الفترة الزمنية التي حدث فيها التطور. فالإنسان الذي يعيش عشرات السنوات ويتحرك في حيز مئات أو آلاف الكيلومترات لا يستطيع بسهولة تصور فترة آلاف ملايين السنين وآلاف ملايين السنوات الضوئية.
- أغلب الناس لا تستطيع تصور النسب المئوية الصغيرة جدا أو الأرقام الكبيرة جدا وبالتالي يصبح مجال التلاعب في إحصائياتها سهلا، فمثلا لا يتصور الإنسان العادي أن احتمال ربحه اليانصيب أقل بكثير من احتمال مقتله بحادث سير وهذا يفسر غباء الناس الذي تثرى بموجبه الجهات المنظمة لليانصيب، والإنسان الذي تبلغ ديونه الشخصية آلاف الدولارات يبدو له دين الدولة الذي يبلغ مئات الملايين رقما أسطوريا رغم أنه قد يكون كسرا ضئيلا من ميزانية تلك الدولة.
- استخدام الأرقام الملائمة فقط في الإحصائيات، وهنا لدي مثالين: مثال انتشار الإسلام في الغرب الذي بينته سابقا ومثال التفاهة التي روجتها أجهزة الإعلام الأمريكية في عام 1990 أن صدام حسين يملك رابع جيش في العالم، إذ اكتفت بعد الدبابات والطائرات والجنود (أعداد صحيحة أو قريبة من الصحة) وتجاهلت الاقتصاد والمستوى العلمي والتدريبي والصناعة ونوعية العتاد ومصادر قطع التبديل والموارد الطبيعية و و و و

10 – التناقض أو عدم الثبات على مبدأ، ولا يوجد مثال أوضح من ذلك أكثر من موضوع “الإعجاز العلمي”، فإذا طابق اكتشاف علمي ما تفسيرا ملتويا لجملة ما من القرآن يصبح حقيقة دامغة بينما يتم تجاهل أو تأويل ما هو واضح تماما بأنه تفسير غير دقيق أو مجاز:

- اختار الإسلاميون أن كلمة “دحاها” أنه جعلها بشكل البيضة، أما أن الشمس تغرب في “عين حمئة” و”تسجد لربها” فهو تعبير مجازي.
- اختار الإسلاميون أن تعبير “وإنا لموسعون” تدل على تمدد الكون وهذا قمة الإعجاز بينما الذكر الواضح أن الشهب التي تدور في مسارات محددة حول الشمس يمكن التنبؤ بها لآلاف السنين في المستقبل هي لرجم الشياطين التي تسترق السمع هو مجاز ويجب ألا يفسر بحرفيته.
- والطريف هنا أن نظرية الانفجار الأعظم أصبحت مقبولة لديهم ولا غبار عليها إطلاقا كونهم وجدوا نصا يمكن لوي عنقه لينطبق عليها بينما التطور وكل ما نتج عنه من أبحاث وراثية واستنساخ وتحسين نسل النباتات والحيوانات والأمثلة التي نراها كيف تطور الحشرات والجراثيم مناعتها تدريجيا ضد الأدوية والمبيدات الحشرية، كل هذا يتم تجاهله بكل بساطة لكونه “نظرية غير مثبتة”.
- يسخرون من خرافات آلهة الإغريق بينما الطوفان والدببة القطبية التي أتت من القطب الشمالي والبنغوين الذي أتى من القطب الجنوبي وكنغر أستراليا والطوف الذي اتسع لملايين أنواع الحشرات وعشرات آلاف الزواحف والثدييات والطيور وطعام كل ذلك لفترة طويلة، ناهيك عن النباتات (التي يموت أغلبها عند غمرها بالماء) والتربة اللازمة لها وماء الطوفان الذي أتى من حيث لا يعلم أحد وذهب بعد الطوفان إلى حيث لا يعرف أحد وغيرها هي حقائق علمية ثابتة لا ينكرها إلا مكابر أو مغرض !!!

والتناقض ليس في الإعجاز العلمي فقط بل هو راسخ رسوخ الجبال في التفكير الإسلامي والأمثلة كثيرة:

- السنة يرون أن زواج المتعة الشيعي هو نوع من الدعارة (وهذا صحيح برأيي) ولكن التسري بغير حساب وإعارة الجواري والاستمتاع بأكثر من جارية معا لا غبار عليه من الناحية الشرعية.
- الغرب مطالب باحترام الشريعة الإسلامية والمسلمين المهاجرين وعدم ممانعة الدعوة الإسلامية بينما نحن غير مطالبون حتى باحترام مسيحيي الشرق الذين هم أصحاب الأرض مثلنا تماما من فجر التاريخ، ناهيك عن التبشير والعياذ بالله.
- يضحكون من تقديس الهندوس للأبقار بينما تقبيل الحجر الاسود هو قمة المنطقية.
- يشنعون على المسيحيين كهانتهم بينما تدخل المشايخ في الكبيرة والصغيرة وتكفيرهم للناس وارتزاقهم على حساب الشعب ومصادرة حق النقاش من الناس وحصره بهم فقط وفتاوي الجهاد والوعد بالجنة هو “علم ومساعدة في التفسير” فقط.
وغيرها وغيرها

10 – إثبات نتيجة لا علاقة لها بالفرض (حتى لو كان الفرض صحيحا)، أي عدم الترابط المنطقي: من الأمثلة المضحكة على ذلك: لو كنت تحبني لاشتريت لي هذه الهدية، ولكن ليست كل الأمثلة واضحة بهذا الشكل:
- الإسلام دين إرهاب، يكفي أن تنظر للإرهاب في العالم حاليا حتى تعرف ذلك. (لا تحاكم الفكرة أو العقيدة من تصرفات أشخاص، بل تحاكم بذاتها).
- المسيحية هي دين الحق، ألا ترى أنها أكثر الأديان انتشارا في الأرض ؟ (عدد المعتقدين بفكرة لا علاقة له بصحتها أو عدمها).

11 – حدث بعد هذا، إذا فهذا هو السبب، أي لمجرد أن حادثا ما قد وقع بعد حادث آخر فهذا لا يعني أن الحادث الثاني كان نتيجة للحادث الأول ومن الأمثلة الصارخة على ذلك هو مثال الحضارة التي ازدهرت في العصر العباسي وقوة الدولة وقتها وكيفية استدلال الإسلاميين من ذلك على عظمة الإسلام.
ولكن،
- هل يرجع الفضل في حضارة اليونان القدماء إلى سمو معتقداتهم الدينية وكون زيوس هو إله الحق ؟
- هل يرجع سبب حضارة الفراعنة الرائعة إلى عقلانية دينهم وكون الفراعنة آلهة فعلا ؟
- هل ترجع حضارة بابل وبقية حضارات بلاد الرافدين إلى أنهم كانوا يتبعون دين الحق الذي أتى به تموز وعشتار وبعل ؟ والصينيين ؟ واليابانيين والغربيين أخيرا ؟
لماذا فقط الحضارة الإسلامية نتجت عن صحة الدين ؟؟؟؟
كل هذه الحضارات - وضمنها “الحضارة الإسلامية” - نتجت عن عدة عوامل: الدولة المستقرة نسبيا، التحضر (عكس البداوة)، الرخاء الاقتصادي النسبي، قدر معين من حرية التفكير، وهذا السبب الأخير هو برأيي سبب الإنطلاقة الصاروخية للحضارة الغربية الحالية كما نعرفها قبل اي شيء آخر.
وكل هذه العوامل ليس لها أي علاقة من قريب أو بعيد بالدين

12 – الأسئلة العبثية أو عديمة المعنى أو المناقضة لذاتها، والمثال الأشهر على ذلك هو سؤال: هل يستطيع الله خلق صخرة كبيرة جدا بحيث لا يمكنه تحريكها ؟ أمثلة أخرى:
- هل يستطيع ذهن الإنسان القاصر فهم طبيعة الله غير المحدودة ؟
- هل يستطيع الله خلق إله يماثله ؟
- لماذا الكلاب ليست قططا ؟

ومن أمثلة قرأتها في طروحات منتدى اللادينيين العرب:
- اذا اردت ان تعصي الله فلا تاكل من رزقه ؟
- اذا اردت ان تعصي الله فلا تسكن في بلاده. ؟
- اذا اردت ان تعصي الله فاذهب واعصيه في مكان لا يراك فيه ؟
وبالرغم أنها ليست أسئلة إلا أنها طرحت كذلك

13 – التطرف أو إلغاء الوسط: وهذه المغالطة منتشرة بشكل فظيع في الفكر الديني والوطني والعقائدي (أي جميع أنواع الدوغما) بشكل خاص:
- من كان ليس معنا فهو ضدنا (سيدنا جورج بوش الابن عليه السلام).
- يقسم العالم لفسطاطين، فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان (مولانا أسامة بن لادن كرم الله وجهه).
- إما أن تحب بلادك أو تكرهها.
- إما أنت طيب أو شرير.
- إما أنت وطني أو خائن.

واحدة من أفظع مشكلات الفكر الديني عموما والإسلامي خصوصا هي عدم وجود الحلول الوسط: إما أن تقبل الإسلام كما هو بدون أي اعتراض أو تعديل (حسب المذهب طبعا، فإسلام السنة غير إسلام الشيعة) وإما تكون كافرا أو مرتدا حلت عليك لعنة الله والناس أجمعين.

لا يمكن حصر المآسي التي سببها هذا النمط من التفكير وللأسف الشديد فإن التطرف والاستقطاب يزدادان في العالم حاليا بشكل مخيف وعند جميع الأطراف.

14 – المدى القريب / المدى البعيد: حالة خاصة هامة من تجاهل الوسط، أي تجاهل المنفعة البعيدة الأمد لحساب حل سريع قد يكون غير كاف في الكثير من الحالات:
من الأمثلة الجيدة جدا والمعاصرة هي طريقة تعامل الدول العربية مع إسرائيل، وخصوصا دول “الصمود والتصدي” أو ما بقي منها:
- لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
- يجب حشد كل طاقاتنا في معركة المصير.
- لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بينما أرضنا محتلة.
- يجب توجيه الاقتصاد نحو الناحية العسكرية كي نستطيع الدفاع عن أنفسنا.
- يجب عدم بحث أي مواضيع فرعية مثل المشكلة الطائفية المستعصية أو الفساد كي لا نظهر ضعفاء أمام العدو.
وما إلى ذلك من الشعارات الجوفاء.

وبصرف النظر عن صدق نوايا رافعي هذه الشعارات (أغلبهم لصوص وقطاع طرق وانتهازيون وهم أول من يعرف خواء كلامهم ونفاقه)، فهذه المغالطة منتشرة بشكل هائل حتى في أوساط عامة الناس التي تقودها عاطفتها قبل عقلها ويثيرها الكلام الحماسي وعنتريات أحمد سعيد في الستينات وسعيد الصحاف الأحدث منها.

بمناقشة سريعة، إسرائيل تملك قنابل نووية ليس هناك أدنى شك بأنها ستستعملها إذا لزم الأمر وكان هناك تهديد فعلي لوجودها، إسرائيل لديها عدد من أرقى المعاهد العلمية والجامعات في العالم، إسرائيل لديها صناعة متطورة واقتصاد يتفوق على معظم الدول العربية مجتمعة، ناهيك عن جيشها والدعم الأمريكي لها، ما هي فرصتنا في تحقيق نصر عسكري عليها حاليا (أو في أي مرحلة من مراحل وجودها السابقة) ؟ صفر.

نحن لسنا أول أمة تهزم في التاريخ ولن نكون الأخيرة، هزمت قبلنا اليابان وألمانيا واحتلتا وقسمتا وتعرضتا لأهوال تبدو أمامها خسائرنا أمام إسرائيل تافهة ولا تذكر ورغم ذلك لم تستغرق كلتيهما إلا عشرين أو ثلاثين سنة كي ترجع إلى مقدمة العالم كثاني وثالث اقتصاد عالمي على التوالي.

لم تستخدما التفجيرات الإنتحارية والمظاهرات الصاخبة والشعارات الفارغة والخطب الرنانة والتحريض الحماسي والجعجعة بالنصر والتحرير، بل تقبلتا بصبر حقيقة الهزيمة وعملتا على تجاوز ما أدى بهما إلى هذه الهزيمة واليوم أصبح مواطنو روسيا التي هزمت ألمانيا يحلمون بفيزا لدخولها والعمل في محطة بنزين بها.

هزمت الصين وأذلت أكثر من مرة ولم تستطيع تجاوز هزيمتها إلا عندما تخلت عن الشعارات والإيديولوجيات الفارغة والرفيق ماو وكتابه الأحمر وها هي اليوم في طريقها لتصبح من أول دول العالم.

وربما لو اتبعنا طريقتهم لأصبح اليهود يحلمون بمواطنية الدول العربية، ربما.

15 – المنحدر الزلق: أي بناء سلسلة من الافتراضات غير المثبتة بناء على تصرف معين وتقديمها كحقيقة، وكاسم آخر، مغالطة الدومينو، وهي نوع خاص من مغالطة عدم الترابط المنطقي التي ذكرتها سابقا. توجد نكتة قديمة تبين هذه المغالطة بشكل كوميدي:

أرادت امرأة أن تستعير مكواة من جارتها، وهي في الطريق فكرت أن جارتها ستمانع في الإعارة أولا ثم تتبع ذلك بالمنة ثم ستقول للجيران أنها استعارت منها المكواة نظرا لبخلها كي لا تشتري واحدة وهكذا، عندما رنت الجرس وفتحت لها الجارة وقبل أن تفتح الجارة فمها قالت لها: لا حاجة لي بمكواتك اللعينة، رديها عليك.

وكمثال آخر: يجب الا تسحب يانصيب لأن اليانصيب نوع من القمار، فإذا قامرت فستتعود على القمار وتفقد كل مالك ثم ستستدين من المرابين ثم تلجأ للجريمة كي تسد ديونك ثم ستنتهي في السجن وتتفكك عائلتك ويتشرد أولادك !

أما إذا رجعنا للجدية، فالمثال الأوضح على هذه المغالطة والذي يتكرربانتظام عجيب وإن بصياغات مختلفة في حوارات المتدينين هو التالي:
إذا انتشر الإلحاد فسيفقد الرادع الديني للناس وبالتالي فستزول الأخلاق وتعم الجرائم وتفقد الثقة بين الناس.
قام الكثير من اللادينيين مشكورين بالرد على هذاه المغالطة ولا يوجد لدي ما أضيفه على ردودهم.

مثال آخر طويل هو ما ما نقله أحد المحاورين المسلمين مرة عن “الإعجاز الاقتصادي” في القرآن بتحريم الربا، إذ يكاد يكون كله مبني على هذه المغالطة ومغالطة التحذير من العواقب الوخيمة. حتى وصل الاسترسال في الخيال بلا دليل بالأمر إلى أن الربا هو سبب كثرة أمراض القلب !!!!

16 – الخلط بين العلاقة والسببية، أي أنه إذا كانت توجد علاقة ما بين ظاهرتين فهذا لا يعني بالضرورة أن إحداهما كانت سببا للأخرى حتى لو كانت العلاقة صحيحة، مثال:
لاحظت الإحصائيات أن نسبة المصابين بالسرطان من قاطني الأبنية العالية أكبر بكثير من نسبة المصابين القاطنين في أبنية منخفضة، نستنتج من ذلك أن علو البناء مسبب للسرطان.
تبدو المغالطة هنا مضحكة ولكن العلاقة موجودة فعلا، المغالطة هنا ليست صحة العلاقة بل نسيان عامل أن الأبنية العالية توجد عادة في مراكز المدن التي يكثر فيها تلوث الجو.

بالرغم من وضوح سخف المثال السابق إلا أن هذه المغالطة واسعة الانتشار وأحيانا قد تمر بغير ملاحظة إذا موهت بشكل جيد، يستعمل الناس هذه المغالطة في تأييد مواقفهم المسبقة، ولا يوجد مثال أوضح على ذلك من موضوع المرأة في الإسلام،
يقول المسلم: أنت تناقش في كون عقل الرجل أرجح من عقل المرأة، انظر حولك وأخبرني، كم يوجد من العلماء الذكور وكم من الإناث ؟ كم يوجد من القادة الذكور وكم من الإناث ؟ والقضاة ؟ والأدباء ؟ ألا ترى بعينيك ؟؟ أتماري في الحق ؟ وهذا على صعيد العالم كله وليس فقط في الشرق الأوسط ؟

الظاهرة موجودة بلا شك ولا جدال فيها والإثبات الإحصائي لا نقاش فيه لكن هذه الحجة تتناسى العوامل المسببة لذلك: تفضيل الأولاد الذكور في التعليم والتوظيف وفتح الفرص أمامهم، توجيه الإناث نحو الزواج من الصغر وإبعادهن عن الحياة العملية، الذكورية المتأصلة في الرجال والتي لا ترضى أن تتفوق عليها النساء، كل هذه العوامل لا تتعلق من قريب أو بعيد برجاحة عقل المرأة.
أنا هنا أتحدث عن العالم كله وليس الإسلام تحديدا الذي ذي أكرم المرأة بجمعها مع الحمار والكلب في حديث واحد.

الخلط بين العلاقة والسببية هي المغالطة المفضلة أيضا لدى العنصريين لإثبات تفوقهم على غيرهم وعمليا يمكن إدراج كل براهينهم تحتها.

17 – رجل القش: أي إظهار خصمك بشكل ساخر كي تظهر حجته في ضوء سلبي:
- هل تريدني أن أناقش من يقول أن جده قرد ؟
- انظروا ما أسخف كلامه، يقول أن كل التعقيد المذهل للحياة وليد الصدفة ؟
- محبو البيئة يهتمون بالحيوانات البرية أكثر مما يهتمون بتعليم الأطفال وصحتهم (شكل آخر من أشكال مغالطة المدى القصير / البعيد).

18 – إخفاء الحقاائق، أو تقديم حجة معينة بوجه معين (قد يكون صحيحا) وعدم ذكر الوجوه الأخرى.
تصادفنا هذه المغالطة أكثر ما يمكن في الدعايات التي تتغنى بمزايا منتج معين (قد تكون المزايا موجودة فعلا) ولكن “تنسى” ذكر أن المنتجات المنافسة تقدم نفس المزايا تماما وربما بسعر أقل و”تنسى” أيضا ذكر مساوئ هذا المنتج.
المثال الأكبر على ذلك من واقع حياتنا في الشرق الأوسط هو موضوع الغرب المنحط المنحل، تجد الإسلاميين حديثا وقبلهم العروبيين الثوريين يقدمون الدراسات المعمقة والتحليلات الرائعة عن الفقر والجريمة في الغرب والتفكك العائلي في بلاد الكفر والتمييز العنصري في أمريكا والعنف المنزلي إلخ ..
أذكر تماما أنه في أوائل الثمانينات كانت الصحف السورية الرسمية تخصص مقالا يوميا عن بؤس الحياة في أمريكا وتزينها بالإحصاءات الصحيحة (المنقولة عن مصادر أمريكية) عن الأمية ومعدلات الجريمة و…
تكفي طبعا رؤية صفوف الناس على باب السفارة الأمريكية وغيرها من السفارات الغربية بانتظار الفيزا وحدها للرد على سخافة هذه الدراسات.
هذه المغالطة منتشرة بشكل واسع جدا في الإعلام العالمي عموما والعربي خصوصا حيث تستخدم بانتظام في تقديم العدو كشيطان رجيم بالتركيز على كل ما هو سيء فيه وإغفال ذكر أي إيجابية.

19 – الكلام المعسول، أي تغيير الاسم بدون تغيير المسمى.
أنت عندك مشكلة أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية عويصة ولا يوجد أي طريقة لتجاوزها، ماذا تفعل ؟ الجواب بسيط: غير اسمها باسم آخر أفضل ويمكنك بعد ذلك التغني بها أيضا كإيجابية.
وهنا لدي مثالين ممتازين:

المثال الأول: الفائدة على القروض: أنت تاجر، تريد زيادة مبيعاتك وذلك بالبيع بالتقسيط ولكن لا يوجد أي مغفل في العالم يقبل أن يتحمل مخاطرة الإقراض بدون مردود، وحتى في حال عدم وجود المخاطرة، لماذا أقبل بتجميد أموال يمكن استثمارها في قروض بلا فائدة ؟ وأنت مؤمن لا يمكنك تحمل سمعة أنك تأكل مال “الربا” الحرام، ماذا تفعل ؟
المشايخ لديهم الحل، غير اسم الفائدة بأسماء أخرى وانتهى الموضوع، وكل ما سأذكره مر معي شخصيا:
- البضاعة لها سعرين: سعر النقدي وسعر التقسيط !!!
- أنا لا أبيع نقدي إطلاقا، إذا أردت سعر النقدي إذهب إلى جاري !!!
- أنا لا أتعامل في الفائدة والعياذ بالله، ولكن سأدلك على واحد سيقرضك، أنا آخذ منه ثمن بضاعتي نقدا وهو يقسط بفائدة !!

المثال الثاني: حروب الفتح الإسلامية، أنت بدوي تريد غزو البلاد المجاورة المتحضرة ونهبها وسبي نسائها واستعباد رجالها، ماذا تفعل ؟ تجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الحق طبعا وماذا غير ذلك ؟
لنتصور سخف الرواية، أنت امبراطور بيزنطة وريث حضارة ودولة عريقة وقوية تأتيك رسالة من شخص لم تسمع به في حياتك من مكان لا تعرفه في صحراء قاحلة لا يوجد بها إلا قبائل من البدو وقطاعين الطرق تطالبك باتباعه نظرا لأنه رسول الله الحامل لدين الحق، هكذا بدون أي مقدمات أو شروحات، ماذا تفعل ؟
إذا تجاوزت الرسالة بواب القصر ووصلت إلى الإمبراطور (وهذا مستبعد) فالأغلب أنه سيستلقي على ظهره من الضحك ويقول “مسكين، الله يشفيه”
هنا افترضت أنه كانت هناك رسالة فعلا، وأنا أشك كثيرا بهذه الرواية لأني أعتقد أن محمد كان أذكى من يرتكب مثل هذه الغلطة.
المهم، بعد عدة سنوات تشاهد مجموعة المحاربين المدججين بالسلاح تقترب من حدودك تعطيك الخيارات المنطقية التالية:
- الاستسلام وتوليتهم الحكم وتحويل نفسك إلى مواطن من الدرجة العاشرة تدفع الجزية وأنت صاغر وذليل.
- القتل ونهب الخيرات وسبي النساء والأطفال وإرسالهم إلى المدينة “المنورة” ليتمتع بهم “الصحابة الأطهار المبشرون بالجنة”

ثم يسمى ذلك “جهادا في سبيل الله لإعلاء كلمة الحق”، من كل العجائب التي يزخر بها التاريخ الإسلامي لم أر أسخف من هذه.

في نهاية الموضوع أحب أن أنوه أنه ببحث بسيط على الإنترنت يمكن لأي شخص يعرف الإنكليزية الاستزادة كثيرا في موضوع المحاججة المنطقية وطرائقها وتقنياتها وكيفية إدارة الحوار. لا أعرف مدى انتشار كتابات من هذا النوع باللغة العربية ولكني لا أتوقع الكثير فكتابات من هذا النوع قد لا تكون محبذة لدى حماة الأخلاق والقيم المسلطين فوق رؤوسنا.



#راضي_عاقل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقاط قوة الفكر الديني


المزيد.....




- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راضي عاقل - عدة كشف المغالطة