أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - زهير الخويلدي - أهمية تدريس الفلسفة للأطفال















المزيد.....

أهمية تدريس الفلسفة للأطفال


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 6362 - 2019 / 9 / 27 - 09:48
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


" الطفل الفيلسوف هو مستقبل البشرية حيث تنقله الفلسفة من الطفل الموضوع إلى الطفل الذات وتجعله يفكر قبل أن يفعل"
لئن كانت الفلسفة حكرا على الراشد والرجل والسوي والمتحضر وفق الوصفة الإغريقية للتفلسف فإن عصر الأنوار قلب الموازين وجعل رسالة الفيلسوف تصل إلى الغريب والمرأة وغير السوي وتتيح للإنسان في بعده الكوني أن يتعلم التفكير الفلسفي ويتأمل في الوجود ويغوص في ذاته ويتدبر به حياته. بعد ذلك تمخض عن ثورة مابعد الحداثة الكثير من الممارسات الجديدة للتفلسف تنبهت إلى الفيلسوف الصغير وأهمية تدريس الفلسفة للأطفال وبينت أن الطفل الفلسفي أكثر ذكاء من الشاب وأكثر جرأة على إثارة الإشكاليات وطرح الأسئلة الشائكة من الكهل وأكثر حكمة وتدبيرا وبراءة أصلية من الشيخ الحكيم. فإلى مدى تصح مثل هذا الادعاءات؟ وهل يجوز رفع الوصاية على الطفولة والقول بالأهلية الفلسفية لها؟ وماذا يمكن أن يفيد تعليم الفلسفة للأطفال طالما أنها تلاقي العديد من الصعوبات عندما يتم تعليمها للكبار؟ كيف تساهم الفلسفة في تعليم الإنسان الصغير؟ وماهي المهارات التي تساعد الطفل على الحصول عليها؟ وماهي الراهنية المرجوة من ذلك؟ وهل توجد مخاطر من هذا التدريب على التفلسف في سن مبكرة؟ وكيف يمكن مواجهتها؟ ألا تساعد الفلسفة على نبض روح التعصب وتنسيب الموقف المعرفي من العالم؟
من المعلوم أن الطفل يولد صفحة بيضاء على حد قول جون لوك ومثلما يسهل تعليمه عدة لغات في سنواته الأولى يمكن تعليمه أصول التفكير المنطقي وإرشاده إلى المناهج المعرفية والقضايا العلمية العامة والانتقال بعالم الطفولة من مجرد عالم منظور من طرف الآخر إلى ذات ناظرة في الكون ومتسائلة عنه. إذا كان سقراط قد دعا إلى ضرورة الاعتناء بالمولود الجديد ووضعه على محك التجربة وتدريبه على السلوك وإذا كان ديكارت قد جعل الشك المنجي مواجهة شاملة مع الطفولة وصرح بأن مأساة الإنسان أنه ولد طفلا فإن نيتشه نظر إلى الطفل اللاعب على أنه المعبر عن الفكر الحر والقادر على خلق العالم وقيمه. تتحقق عدة مهارات من تعليم الطفل التفلسف في سن مبكرة ساوء في المنزل أو في المدرسة. المهارة الأولى التي يكتسبها الطفل من تعلمه للتفلسف هو امتلاك اللغة الفلسفية واشتغاله على المعاني والمفاهيم وتمكنه من التفريق بين اللغة العادية والكلام المتداول واللغة المعرفية والعلمية التي يجدها في النصوص ويكتب بها في الأوراق ويبدأ في التعامل معها بنوع من الهيبة والاحترام والتقدير والتبجيل وإنتاج خطاب خاص به من خلال الكلمات التي ينتقيها وفق ميولاته وذوقه ويسمي بها الظواهر الموجودة. المهارة الثانية التي يمتلكها الطفل الفيلسوف هي التمكن من التفكيك والهدم والإلغاء للأشياء الموضوعة أمامه وبعد ذلك الانتقال إلى مرحلة البناء والتشييد والتركيب والتأليف والتأسيس لأشياء جديدة وعوالم مغايرة وتشكيل عالم خيالي يسمح له برؤية التجارب التي يجريها كل يوم بصورة واضحة ومنظمة ويعمل على تمثل الكون وفق مرآته الخاصة وضمن العلاقات التي يسطرها مع نفسه والآخرين والعالم الخارجي. المهارة الثالثة التي يشرع في الحصول عليها هي تدشينه لرحلة البحث عن الحقيقة من خلال شحذ ملكة الفهم لديه وتفعليه لمسلكية إنتاج المعنى دون الاكتفاء بالتلقي السلبي والاستقبلال الانفعالي والتأثر بالأجوبة المتراكمة حوله وتمسكه بطزاجة الأسئلة التي يوقعها بنفسه والإشكاليات التي يحرص على طرحها لوحده. المهارة الرابعة التي ينخرط فيها دون أن يشرع ويبدأ في مراكمتها تتمثل في امتلاكه لأدوات بدئية للتحرر من الموجود والقطع مع السائد والاستقلالية عن الاكراهات والارتحال نحو المنشود والهجرة إلى المجهول والمغامرة بالذهاب من المعتاد والمألوف إلى الغامض والملغز والإقدام على السفر والتجول في الطبيعة. المهارة الخامسة هي اقتداره على استخدام أدوات التفكير الفلسفي بعد تمرسه على التعبير واستثمراه لأحوال الدهشة والتعجب والاستفهام والاستغراب والشك والحيرة الوجودية التي يمر بها لحظة صعوبة الإدراك واكتشافه الوقوع في الأخطاء وحرصه على تفادي تجارب التيه وتجنب تكرار هذه السخافات. لكن كيف تصبح الفلسفة التي يتعلمها الأطفال فن بناء القدرة على التصور والاستنباط والتحليل والنقد؟
لا خوف على إدخال الفلسفة إلى المدرسة بعد الاستقرار الذي حصل لها في المعهد والجامعات والكليات ولا يمكن الانزعاج من تعليم الأطفال المبادئ الأولى للأنساق الفلسفية والسماح لهم باستعمال عقلوهم في التفكير والاستطلاع والمقارنة والتمييز والتحديد ومساعدتهم على ممارسة التجربة التفسيرية للأحداث. كما تمنح الفلسفة الطفل لكي يعيش في مغامرة الفكر ويتخلي عن تلقي المعلومات ومعرفة الأشياء بثقة تامة وامتلاكها على وجه اليقين ويعول على إدخال الفلسفة إلى المدرسة لكي يطلع على المعارف المتراكمة والمعلومات الحيوية التي يقدر على تقاسمها مع غيره والاستفادة منها في حياته اليومية وتغييرها للأفضل. لم يعد مدرس الفلسفة يمثل المحور المركزي في العملية البيداغوجية بل يكتفي بإعادة توزيع السلطة والمعرفة والإيثار بالتساوي على المتعلمين والمريدين للحكمة ويقتصر على مساعدة الأطفال على امتلاك الثقافة الفلسفية والتفكير بأنفسهم دون وصاية وهيمنة من غيرهم ويوفر لهم أجوبة مؤقتة وظرفية عن التساؤلات المحيرة التي بذلوا جهود لطرحها ويجعلهم يسعون إلى تغيير قناعاتهم ونظرتهم بأنفسهم. تساعد الفلسفة الأطفال على البحث والتجريب والتشكيل والإنشاء وتخليص التجارب التي يقومون بها وتقديم وسائل إدراكية وتصور واضح للأشياء وتخزين مواقف محددة في الذاكرة يستعملونها في إصدار أحكام مطابقة وإبداء آراء رصينة وتدعمهم في عملية التصحيح الذاتي للأخطاء وحيازة قدرة على الفهم. خلاصة القول أن تعليم الفلسفة للأطفال هو تكريس للحق العالمي في التفلسف الذي ينبغي أن يحصل عليه كل إنسان مهما كان بلده وثقافته ودون تمييز على أساس جنسه أو لونه أو دينه أو عرقه أو لغته أو عمره. كما يتضمن برنامج تدريس الفلسفة للأطفال في المدرسة من حيث المبدأ ومن جهة الطموح أرضية تربوية منفتحة وخلفية أخلاقية متحررة ومشروع ثوري تنويري ويعتمد على اللين والرفق والسلم والإصلاح التدريجي ويرتقي إلى تقريب المفاهيم والأفكار والتصورات إلى الأذهان وشحذ الهمم والإرادة نحو الحق. فمتى نرى الفلسفة قريبة المنال من الطفل؟ ولماذا لا يتم إدراجها في مناهج التعليم في المدرسة العمومية؟ ألا تساعد الفلسفة الطفل على احترام الاختلافات واكتساب القدرة على صناعة مستقبله بنفسه متفتح الذهن؟
المراجع:
L’enfant philosophe, avenir de l’humanité, Jacque lévine et autres, Ateliers AGSAS de réflexion sur la condition humain, ARCH, ESF, 2008.
Frédéric Lenoir, Philosopher, méditer avec les enfants, édition Albin Michel,2016.
Michel Tozzi, Faire philosopher les enfants constats, questions vives , enjeux et propositions, dans revue Diogène 2008-4 N°224 pages 60 à 73/

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطة السياسية، نهاية اللاهوت السياسي حسب بول ريكور
- العملية الانتخابية والسلوك الديمقراطي
- الثورة الشعبية بين المد والجزر
- النظرة الحسية والرؤية الوجودية والإبصار المعرفي
- أدب المناظرة والتأسيس الديمقراطي للحياة السياسية
- السباق نحو الرئاسة في الانتخابات التونسية
- أسبقية الوجود على الماهية عند صدر الدين الشيرازي
- نور الدين البطروجي وميلاد علم الفلك الحديث
- الميزان الطبيعي عند أبي بكر الرازي
- مجمع الأنا وفرضية الرجل المعلق عند ابن سينا
- معنى حضور الإنسان في العالَم
- صدور كتاب تطبيقات فلسفية
- نظرية الأعداد وعلم الهندسة عند ثابت ابن قرة
- كيف يتحقق الاستقرار الاجتماعي في ظل التفاوت بين الطبقات؟
- تطور علم الميكانيكا عند ابن ملكا البغدادي
- عمر الخيام واستخدام العدد المجهول
- أدب السلاطين وحكمة المشرقيين عند ابن المقفع
- رحيل الرئيس الباجي والانتقال السلمي للسلطة
- خصائص علم الكيمياء عند جابر ابن حيان
- الشك التجريبي وعلم المناظر عند ابن الهيثم


المزيد.....




- أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق- ...
- لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا ...
- ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب ...
- شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
- لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم ...
- السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما ...
- الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو ...
- بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي ...
- ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
- لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - زهير الخويلدي - أهمية تدريس الفلسفة للأطفال