|
دفتر التنوير المتأرجح
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 6361 - 2019 / 9 / 25 - 18:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ذكرد. جابرعصفورفى كتابه (هوامش على دفترالتنوير) الصادرعن هيئة قصورالثقافة- عام1983) أنّ كتب تفسيرالقرآن أوّلت آية ((كنتم خيرأمة أخرجتْ للناس)) (آل عمران/110) تأويلا مطلقــًـا يجعل العرب خيرأمة فى مطلق الزمان والمكان..ومن ثـمّ تحويل تراثها إلى أفضل تراث، على المستوى الإنسانى (ص30) ومالم يذكره د.عصفورأنه بالرجوع إلى الآيات العديدة التى تناولتْ تفضيل وتمجيد بنى إسرائيل يتبين منها أنّ الأمة المُـفضــّـلة المقصود بها (بنى إسرائيل) وهوما عبــّـرعنه الطبرى فى تفسيره لآية ((يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمتُ عليكم وإنى فضلتكم على العالمين)) (البقرة/40، 47، 122)..ووصل تكريم أتباع موسى لدرجة أنْ قال القرآن ((وتمّـتْ كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه..وما كانوا يعرشون)) (الأعراف/137) وقال ((يا بنى إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم..ونزلنا عليكم المن والسلوى)) (طه/80) وتأكد ذلك فى آيه (وإذْ فرقنا بكم البحرفأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) (البقرة/50) وتأكــّـد التكريم والتفضيل فى آية ((ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات..وفضلناهم على العالمين)) (الجاثية/16) وهذا بخلاف كثرة آيات التمجيد والتفضيل لبنى إسرائيل..وعددها26متناثرة فى سورمختلفة..ولعلّ أهمها الاقراربتوريث مصرلأتباع موسى..وهوما نصّـتْ عليه الآية رقم59من سورة الشعراء ((كذلك وأورثناها بنى إسرائيل)) وهى الآية التى يتجنــّـب معظم المُـفسرين التعرض لها، خاصة وأنّ حرف الألف فى (وأورثناها) يعود على مصربالرجوع إلى الآيات السابقة (من40- 59) ومع ملاحظة أنّ القرآن تطابق مع التوراة فى الموقف من مصر..ومن أمثلة ذلك ((خلــّـص الرب فى ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين..ونظرإسرائيل المصريين أمواتــًـا على شاطىء البحر..وقال موسى للشعب لاتخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب، فإنه كما رأيتم المصريين اليوم لاتعودون ترونهم إلى الأبد. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون)) (سفرالخروج- الإصحاح14) بالتطابق التام مع الآية رقم50 من سورة البقرة. وكما انحازكثيرون للعرب فى تفسيرأية ((كنتم خيرأمة))..كذلك انحازوا للغة العربية بما فيهم الجاحظ (المعتزلى) الذى اعتبرأنّ (البديع) من الأدب البليغ بأنه ((مقصورعلى العرب..ومن أجله فاقتْ لغتهم كل لغة..وأربتْ على كل لسان)) وشأن الجاحظ هوشأن ابن رشيق القيروانى..واعتبرالمجاز((فخرًا للعرب)) ودليل الفصاحة..وبه بانتْ لغتها ((على سائراللغات)) إلى آخرمن اعتبروا اللغة العربية (أفضل لغات البشر)..وكان الاستثـناء (ضمن هذه الجوقة) النحوى الكبير(عبدالقاهر الجرجانى) الذى حاول توضيح ((زيف هذه النظرة التى لاتعرف حقائق اللغات. وأكــّـد على أنّ كل لغات البشرتتفق فى أعرافها المجازية..وتحولاتها الدلالية..وأنه لافضل للغة على أخرى من حيث هى لغة أمة دون غيرها..وأنّ بديع اللغة كمجازها يعرفه العرب وغيرالعرب))..وكان تعقيب عصفور: ولكن محاولة الجرجانى تاهتْ فى ((ضجيج الأصوات العالية التى ظلــّـتْ أصداؤها تتردد إلى أنْ وصلت إلى رفاعة الطهطاوى، الذى بهرته حضارة فرنسا، غيرأنه ظلّ على إيمانه إنّ (بلاغة العرب أفضل من كل بلاغة) بما فيها بلاغة اللسان الفرنسى، لأنّ البلاغة من ((خواص اللغة العربية))..وتلك البلاغة ((ضعيفة فى اللغات الإفرنجية)) (ص31) وذكرعصفورأنّ أسلوب (أفضل تفضيل) سواء ما ورد فى آية (كنتم خيرأمة) أوفى تفضيل اللغة العربية على كل لغات العالم، فإنّ هذا التفضيل تكرّرفى حديث نبى الإسلام ((خيرالقرون قرنى..إلخ))..وهذا التفضيل كان ينطلق من الإيمان بالمطلق ورفض (قاعدة النسبى) تلك القاعدة التى انتبه إليها عميد الثقافة المصرية (طاها حسين) حيث قال فى مقدمة رسالته للدكتوراه سنة1917((إننى أعتقد بمنتهى اليقين أنّ تأثيرأوروبا سيعيد إلى المصرى كل قوته وخصبه)) وذلك الإيمان بالنسبية هوما جعل د.فؤاد زكريا إلى أنْ يـُـعارض تعبير(صحيح الإسلام أوالإسلام الصحيح) الذى يتشـدّق به كثيرون- حتى من المصنفين ضمن الماركسيين- وأكد زكريا ذلك فى كتابه المهم (الصحوة الإسلامية فى ميزان العقل) حيث ركزعلى ((تعدد تفسيرات القرآن)) وتناقض الاتجاهات التى تــُـستخلص منها، والتى يزعم كل صاحب تفسيرأنه هوالذى يـُـعبـّـرعن روح النص القرآنى..وكل هذا كفيل بإقناعنا بعدم جدوى هذه المحاولات..وأنها فى حقيقتها مجادلات (عقيمة) يمكن أنْ تستمرإلى ما لانهاية دون أنْ تحسم أمرًا واحدًا..وفى كل يوم تــُـثبت الأحداث أنّ البحث عن (النواة الصلبة لإسلام واحد) أولنص واحد يلزم الجميع..ويفرض عليهم هوبحث عقيم..ومع ذلك يؤمن نصرأبوزيد بوجود (هذه النواة الصلبة لإسلام واحد) وبالتالى اختلف أبوزيد عن أدونيس (فى الثابت والمتحول) حيث نظرللدين بوصفه ظاهرة أنثروبولوجية، أى إنسانية بشرية (بالرغم من طابعها الغيبى الميتافيزيقى) وإذا كان الراحل الجليل د. فؤاد زكريا هوالذى عرى أصحاب تعبير(صحيح الإسلام..والإسلام الصحيح) فهوأيضًـا الذى نحت تعبير(إسلام النفط أوالبتروإسلام) وذلك فى بحث (عن الإسلام والحداثة) وأشارفيه إلى انتشارظاهرة التدين الشكلى، وهى ظاهرة تؤدى دورًا أيديولوجيا هدفه تبريرالعلاقات الاجتماعية (والسياسية) المرتبطة بملكية الثروة البترولية..والإبقاء على نوع العلاقات القائمة فى منطقة الخليج والجزيرة العربية، حيث تسيطرالقلة على الكثرة..وتغدوالثروة البترولية امتيازًا لنخبة ضئيلة تعمل فى خدمتها ((مؤسسة دينية)) تــُـعبرعن مصالحها وتبرّر وجودها..وتضفى شرعية على علاقاتها، عملا بالمأثورالعربى ((المُـلك بالدين يبقى، والدين بالمُـلك يقوى))..وكان تعقيب عصفور: إنّ إسلام النفط من حيث هو(نص ثان) يتفاعل تفاعل التناص (مع النص الأصلى)..ومع كل النصوص المعاصرة له (واللاحقة عليه)..والأهم أنّ علاقته دالة بالنصوص التى تحتويها (شبكة تراث النقل) والتى تــُـمثل النقيض للاتجاه العقلانى التجريبى..إنّ إسلام النفط يستمد مرجعيته من المخزون النقلى الاتباعى..والذى ظلّ معاديـًـا للحداثة طوال عصور التراث..وأسّـس علاقة مُـتميزة بفكرالحنابلة..والذى تمثلته كتابات ابن الجوزى وابن تيميه..وهى كتابات لها علاقاتها التاريخية بالمذهب الوهابى، أهم المذاهب التقليدية السائدة فى الجزيرة العربية..وبالتالى فإنّ إسلام النفط يــُـكرّرالأصوات السابقة فى (تراث النقل)..والنتيجة هى الاتباع السلبى..واستمرارترديد المأثورالعربى/ الإسلامى مثل: إياكم ومحدثات الأمورفإنّ كل بدعة ضلالة..وكل ضلالة فى النار، وأنّ اختلاط المرأة مع الرجل (فى ميدان العمل) تأثيركبيرفى انحطاط الأمة وفساد مجتمعها، مع الحفاظ على قوامة الرجل على المرأة (من ص111- 120) انتقل تأثيرإسلام النفط إلى الحركة الأدبية، فيتقمص (الناقد العربى) شخص الأصولى الإسلامى، لدرجة أنْ كتب أحدهم (نقدًا) لبعض قصائد الشعرفقال: ظهرفى الأدب العربى الحديث اتجاه نحوالعبث بالمفهومات الدينية العليا..والاستخفاف (بمقام الألوهية)..ومن نماذج الهجوم على الشعراء..واتهام الشاعربالإلحاد (قصيدة الاختيار) لأنّ الشاعركتب: بين الحزن الراكع والموت الواقف..أختارالموت.. بين الصمت الهانى والصوت الدامى..أختارالصوت.. بين اللطمة والطلقة، بين السوط وبين السيف..أختارالسيف..هذا قدرى..هذا مجدى..هذا شوق الإنسان..وفى المقطع الثانى قال: كان الله- قديمًـا- حبـًـا..كان سحابة..وأغنية تتمدد فوق جبال الحزن..أين ارتحلتْ سفن الله؟ صارالله رمادًا..رعبـًـا فى كف الجلادين..أرضـًـا تتورم بالبترول..والرب القادم من هوليود..فى رزم الدولارات..رب القهرالطبقى. وبسبب هذه القصيدة وغيرها من قصائد الشاعراليمنى عبدالعزيزالمقالح، تربص له أعداء الإنسانية من الإسلاميين المُـتقنعين بأقنعة (نقاد الأدب) بينما هم نسخة كربونية من عتاة الأصوليين الإسلاميين أعداء الحرية والتقدم والحداثة. 000 ولفت نظرى أنّ د.عصفورالذى دافع كثيرًا عن الليبرالية..وعن الدولة المدنية، وجدته- بالرغم من ذلك يعتبرالأصولى الإسلامى جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى أنه ((تقبــّـل مبدأ الفصل بين السلطتيْن: الزمنية والروحية، مؤكدًا بذلك حضوردلالة الدولة المدنية، داخل مجتمع مدنى يؤمن بأهمية العلم)) (ص200، 201) ولكن بالرجوع إلى كتابات الأفغانى ومواقفه يتبيـّـن أنه كان ضد (مفهوم الدولة المدنية) وبينما رآه د. عصفورأنه (مؤمن بأهمية العلم) فإنّ تاريخ الأفغانى وكتاباته يتبيـّـن منها العكس، حيث كتب فى رسالته المُـعنونة (الرد على الدهريين) عن المذهب الطبيعى ((النيتشراسم للطبيعة..وطريقة النيتشرهى تلك الطريقة الدهرية التى ظهرتْ ببلاد اليونان فى القرن الرابع والثالث قبل ميلاد المسيح. ومقصد أرباب هذه الطريقة محوالأديان ووضع أساس الإباحة والاشتراك فى الأموال والابضاع بين الناس عامة)) (وفى الهامش: البـُـضع بضم الباء النكاح. والمباضعة والابضاع بكسرالهمزالمجامعة بين الرجل والمرأة) وكتب أيضًا ((النيتشرية جرثومة الفساد وأرومة الأداد وخراب البلاد وبها هلاك العباد)) (أنظركتاب الثائرجمال الدين الأفغانى ورسالة الرد على الدهريين. تأليف الشيخ محمد عبده. كتاب الهلال. أكتوبر73) فهل هذا الموقف من العلوم الطبيعية يتسق مع تعريف الدولة المدنية؟ أم مع الدينية؟ كما أنّ الأفغانى لم يكن يُخاطب الشعوب على أساس انتمائها الوطنى وإنما على أساس انتمائها الدينى، فكتب يُطالب المسلمين بأنْ ((يعتصموا بحبال الرابطة الدينية التى هى أحكم رابطة، اجتمع فيها التركى بالعربى والفارسى بالهندى والمصرى بالمغربى وقامتْ لهم مقام الرابطة الجنسية)) (العروة الوثقى 24/8/1884) (وكتب أيضًا ((لاجنسية للمسلمين إلاّفى دينهم)) (العروة الوثقى 26/7/1884) وكرّرذات المعنى فكتب ((وعلمنا وعلم العقلاء أجمعين أنّ المسلمين لايعرفون لهم جنسية إلاّفى دينهم واعتقادهم)) (العروة الوثقى 14/8/1884) أما أخطرما روّج له فهومحاولة اقناع الشعوب بالإحتلال الأجنبى وعدم مقاومة الاستعمارتأسيسًا على قاعدة (الرابطة الدينية) التى ألحّ كثيرًا فى الترويج لها وإقناع الشعوب بها فكتب ((...هذا ما أرشدنا إليه سيرالمسلمين من يوم نشأة دينهم إلى الآن. لايتقيّدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس..وإنما ينظرون إلى جامعة الدين. لهذا نرى المغربى لاينفرمن سلطة التركى..والفارسى يقبل سيادة العربى. والهندى يذعن لرياسة الأفغانى. لااشمئزازعند أحد منهم ولاانقباض..وأنّ المسلم فى تبدل حكوماته لايأنف ولايستنكرما يُـفرض عليه من أشكالها وانتقالها ما دام صاحب الحكم حافظــًـا لشأن الشريعة ذاهبًا مذاهبها)) (العروة الوثقى 28/8/1884) 000 ولكن يـُـحسب للدكتورعصفورأنه ذكــّـرالقارىء بالحوارالذى داربين الشيخ محمد عبده وفرح أنطون عام1902..وترجع أهمية هذا الحوارأوهذه المناظرة، نظرًا لما ناله الشيخ محمد عبده (1845- 1905) من شهرة واسعة باعتباره من ((المُصلحين والمُجدّدين للدين الإسلامى)) وبالغ المُتعلمون المصريون فوضعوه مع (التنويريين) رغم مرجعيته الدينية التى لم يتخلّ عنها..ومع ذلك فإنّ الثقافة السائدة تتجاهل حواره مع فرح أنطون (1861- 1922) فى المجلة التى أصدرها (مجلة الجامعة) وأنا أعتمد على نص الحوارالمنشورفى كتاب (ابن رشد وفلسفته- مع نصوص المناظرة بين محمد عبده وفرح أنطون- دارالطليعة- بيروت– ط1 عام1981. يعتمد محمد عبده على ذكرأنصاف الحقائق، فهوإذْ يُدين الأصولية المسيحية وتكفيرها للفلاسفة يتجنب الكلام عن الأصولية الإسلامية التى ارتكبتْ ذات الإثم، فكتب ((إنّ الإصلاح البروتستنتى لم يكن أكثرتساهلا من الكنيسة الرومانية..وكان أرسطويـُـلقب بالفيلسوف الخنزير. فكان تعليق أنطون ((قال حجة الإسلام الإمام الغزالى فى أول كتابه (تهافت الفلاسفة) أنّ تكفيرالفلاسفة صدربسبب سماعهم أسامى هائلة كسقراط وبقراط وأفلاطون وأرسطو)) وكان عبده يرى أنه لايجب الفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية كما حدث فى المسيحية، فردّ أنطون ((كيف يتسنى للسلطة المدنية أنْ تتغلب على السلطة الدينية وتقف بها عند حدها والسلطة الدينية تستمد حكمها من الله..وليس على الإنسان أنْ يهتم بدين أخيه الإنسان أيًا كان، لأنّ هذا لايعنيه..وأثارعبده موضوع (التسامح والتساهل) فكتب أنطون إنّ ((السلطة الدينية لاتقدرعلى التسامح، لأنّ غرض هذه السلطة مُـناقض لغرض التسامح على خط مستقيم، فهى تعتقد أنّ الحقيقة فى يدها..والمسلمون يُسمون جاحدى الأديان (زنادقة) يجب قتلهم حتى إنّ ابن رشد أوجبه..والمسيحيون يُسمون الجاحدين (كفرة) يجب استئصالهم. ولأسباب الفصل بين السلطتيْن المدنية والدينية خمسة أمور: الأول: إطلاق الفكرالإنسانى من كل قيد خدمة لمستقبل الإنسانية..وفى حين أنّ العلم لايزال طفلا رضيعًا ولايدّعى امتلاكه للحقيقة المطلقة، فإنّ الأديان على نقيض ذلك، فالحقيقة عندها مطلقة ولاحقيقة بعد حقيقتها. الثانى: الرغبة فى المساواة بين أبناء الأمة مساواة مطلقة بغض النظرعن مذاهبهم ومعتقداتهم ليكونوا أمة واحدة..ولاسبيل إلى ذلك إلاّبهدم الأسواروالحواجزالموضوعة بينهم..وأنْ تحكمهم سلطة ليست تابعة لمذهب من مذاهبهم. الثالث: أنه ليس من شأن السلطة الدينية التدخل فى الأمورالدنيوية. لأنّ الأديان شـُـرّعتْ لتدبيرالآخرة لا لتدبير الدنيا..ومن ذا الذى يعتقد اليوم أنّ الأحوال التى كانت فى زمن نشأة الأديان تنطبق على أحوال هذا العصرالتى تتغيرمن قرن إلى قرن، فهل يصح أنْ يكون الحاضرأسيرالماضى؟ الرابع: ضعف الأمة واستمرارالضعف فيها طالما جمعتْ بين السلطتيْن المدنية والدينية. الخامس: استحالة الوحدة الدينية نظرًا لاختلاف الشعوب فى الأديان..والحروب التى يمكن أنْ تقوم متسترة بغطاء دينى..والتنوع لابد منه بما فى ذلك المعتقدات. فالمسيحية تشعّبتْ إلى أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت..وتشعّب الإسلام إلى سنة وشيعة إلخ..وهذه المذاهب كلها (مسيحية وإسلامية) إنما تشعّبتْ لاختلاف أفهام الناس. فكيف يمكن توحيد هذه المذاهب وإخضاعها إلى رئاسة واحدة؟ إنّ البشريلتمسون الطريق (للوحدة) منذ نشأة الأديان إلى الآن دون أنْ يجدوها..وكانوا من قبل يرون أنّ هذه الطريق هى (القوة) لذلك قام الكاثوليك ضد البروتستانت وسفكوا دماءهم فى مذبحة سان برتلماى كما ذكرالأستاذ (محمد عبده) ولذلك أيضًا أمرلويس الرابع بخروج البروتستانت من بلاده إذا كانوا لايعودون إلى الكنيسة الكاثوليكية. فى ضوء ماسبق فإنّ أنصارالعلم يوافقون الأستاذ عبده فى تنديده بديوان التفتيش ورؤساء الكنيسة الذين قاوموا العلم فى أوروبا ووافقوا على قتل العلماء..ولكن لوكان فضيلته يومئذ فى أوروبا فهل كان سيقف مع العلم أم مع رجال الدين؟ إنّ مذبحة سان برتلماى التى ذكرها الأستاذ عبده التى ارتكبتها الكنيسة لاستئصال (الزنادقة) فى المسيحية، شبيهة بالمذبحة التى تمّتْ للشيعة فى إفريقيا سنة 403 هـ ورواها ابن الأثيرفى الجزء التاسع ص 102فكتب ((فى هذه السنة قــُـتل من الشيعة خلق كثيروأحرقوا بالنارونـُهبتْ ديارهم وقــُـتلوا فى جميع أفريقيا. واجتمع جماعة منهم أمام قصرالمنصورقرب القيروان فحاصرهم العامة وضيّـقوا عليهم حتى اشتد عليهم الجوع فصاروا يـُـخرجون والناس يقتلونهم حتى قــُـتلوا عن آخرهم..ولجأ من كان منهم بالمهدية إلى الجامع فقـُـتلوا كلهم..وذكركثيرون من الشعراء هذه الحادثة. منهم الفــَـرِح المسرور، ومنهم الباكى الحزين)) ألحّ أنطون على تعميق معنى أنّ ((مدنيات الأمم لاتتوقف على الدين بل على العلم وأنّ الأمم (الوثنية) كاليابان إذا سلكتْ سبيل العلم والنواميس الطبيعية ارتقتْ مدنيتها على كل مدنية حتى مدنية الذين يعملون بقواعد الإنجيل والقرآن حرفــًا ومعنى دون أنْ يشتغلوا بالعلم، لأنّ الدين شىء والعلم شىء آخر. فكيف إذن يصح القول أنّ الإنسانية ستعود كلها إلى القرآن فى المستقبل كما يقول الأستاذ؟ وأنها ستعود كلها إلى الإنجيل كما يقول رؤساء الدين المسيحى؟ كلا ثم كلا. إنّ الإنسانية طـُـبعتْ على التنوع والاختلاف..ولابد من هذا التباين فى المعتقدات. ((وهل يحسب الأستاذ (محمد عبد) أنّ الثورة الفرنسية حدثتْ من نفسها. كلا. لأنه يعلم أنّ كتابات فولتيروروسوهى التى أضرمتْ نارها. فهل كان يمكن أنْ يقوم عند العرب رجل كفولتير؟ وهل ظهرلدى العرب ملك عظيم فى القرن 13م مثل فريدريك الثانى امبراطورألمانيا؟ الذى كان محبًا للفلسفة كارهـًا لرجال الدين لأنهم يُـقاومون مشروعاته الإصلاحية..وكان السند الكبيرلمترجمى ابن رشد فى أوروبا. ولم يمنعه ذلك من الاشتراك فى الحملة الصليبية السادسة على المشرق..وهذا دليل على أنّ تلك الحروب كانت سياسية ولم يكن لها من الدين إلاّظاهره..وعندما وصل إلى أورشليم دخل إلى كنيسة القبرالمقدس ليهزأ بالديانة المسيحية. لذا هاجمه أعداؤه من الأكليروس المسيحى ونقلوا عنه قوله: إنّ العالم مخدوع بالكهنوت الدينى اليهودى/المسيحى/ الإسلامى. وهكذا وجدتُ دفترد.جابرعصفورالتنويرى، يتأرجح بين الإشادة بالإيرانى الشهيربالأفغانى..وبين المفكرالعلمانى اللبنانى (فرح أنطون) الذى دافع عن المفهوم العلمى للدولة المدنية، دون مراوغة..وبخطوط مُـستقيمة ومبدئة.
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أدعياء وحصدوا الشهرة والنجومية (2)
-
الأدعياء رغم تخصصهم فى الفلسفة
-
العداء العربى لرموز التنوير
-
أحمد أمين: عرب اليوم هم عرب ما قبل الإسلام
-
الأدلة المضادة للرواية الأمريكية عن11سبتمبر
-
العلاقة الملتبسة بين المثقفين الملتصقين بالسلطة
-
هل الأرض ((بتتكلم عربى))؟
-
السلطة فى الإسلام مثل أى منظمة استبدادية
-
البحرية المصرية فى الحضارة المصرية والعصرالحديث
-
التقسيم الناصرى للأنظمة العربية
-
تاريخ الملكة الأمازيعية المسكوت عنه
-
لماذا تجاهل تجفبف منابع الإرهاب؟
-
الفرق بين تسليمه نسرين ونصرأبوزيد
-
ثمن النجومية: التنازل عن الكرامة الشخصية
-
المجلس العسكرى السودانى ومبررالمحاكمة الجنائية
-
الشعب الفيتنامى وتجربته الرائدة فى الكفاح المسلح
-
اليسارالمصرى والعربى والولع بالمرجعية الدينية
-
المغزى الحقيقى وراء نشرالتعليم الأزهرى
-
لماذا ينفرد النظام المصرى (بظاهرة الدونية القومية)؟
-
أليستْ مبادرة روجرزبروفة السلام مع إسرائيل؟
المزيد.....
-
وفد الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة يدعو لحماية المنشآت ال
...
-
ولد في اليمن.. وفاة اليهودي شالوم نجار الذي أعدم -مهندس المح
...
-
ماما جابت بيبي..أضبطها الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على ال
...
-
ماما جابت بيبي.. متع أولادك بأجمل الاغاني والاناشيد على قناة
...
-
مرشح جمهوري يهودي: على رشيدة طليب وإلهان عمر التفكير بمغادر
...
-
الولائي يهنئ بانتصار لبنان والمقاومة الاسلامية على العدو الا
...
-
شيخ الأزهر يوجه رسالة حول الدراما الغربية و-الغزو الفكري-
-
هل انتهى دور المؤسسات الدينية الرسمية؟
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال
...
-
الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|