|
هل هي صرخة في واد...؟
باقر الفضلي
الحوار المتمدن-العدد: 1554 - 2006 / 5 / 18 - 10:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين يبلغ ألأمر حد تدخل مجلس الرئاسة العراقية المنتخب حديثا، محذرا ومنذرا من تداعيات ما يجري في مدينة البصرة وفي العاصمة بغداد والمدن العراقية ألأخرى، من تدهور مخيف في الوضع ألأمني، حيث الجماعات المسلحة لبعض ألأحزاب السياسية والدينية وأفراد العشائر، تتحكم بأمور مدينة البصرة عابثة بألأمن، وفارضة سلطانها على سكان المدينة بالخوف والرعب؛ تقتل من تقتل وتخطف من تخطف، لا يردعها رادع، ولا قوة تمنعها، لدرجة أصبحت فيه المدينة تعيش تحت ظل كابوس من الأرهاب، الذي دفع بمجلس ألرئاسة نفسه الى أعلان تحذيره على لسان رئيس الجمهورية يوم الخامس عشر من مايس 2006 ومبادرته لتكوين لجنة برئاسة السيد نائب الرئيس عادل عبد المهدي ، لتدارك ألأمر، ووضع حد لما يجري من تسيب أمني وغياب لوجود السلطة..! نعم؛ حينما يبلغ ألأمر هذا الحد، وهو حد أقرب الى "ألأستغاثة" منه الى مجرد بيان رئاسي، فلا غرابة بعدئذ، أن يصاب المرء بخيبة أمل كبيرة، وتساوره الهواجس والشكوك من حقيقة ما تدعو اليه ألأطراف السياسية،_ التي يبدو أنها قد تمرست خلال هذه السنوات الثلاث، في أدارة أللعبة السياسية_، من سعيها الى أنقاذ البلاد من جبروت الديكتاتورية، وبناء نظام ديمقراطي فدرالي تعددي، كما صاغته في وثيقة الدستور..؟!
أنه لمن المحزن حقا أن تؤول فيه ألأوضاع ألأمنية في العراق ألى الدرك ألأسفل من التدهور وألأنفلات، تحت مرأى ومسمع ألأدارة الحكومية في المركز، وكأن ألأمر لا يعنيها بشيء، أو أنها تغفر لنفسها جريرة ما يجري في الميدان، على أنها حكومة تصريف أعمال، لا يمسها ألأمر من قريب أو بعيد، وكأن لسان حالها يقول: } "للبيت رب يحميه" ، وهاهو المالكي في الطريق وهو أجدر من أن يضع حدا لهذا ألأنفلات فأمامه فرصة أربع سنوات من الحكم تمنحه المزيد من الوقت لفعل ذلك..! أما سيل الدماء المراقة، والجثث المتناثرة في كل حدب وصوب، ومسلسل أغتيالات الكوادر ألأكاديمية والمثقفة من محامين ومحاميات وأطباء وأساتذة الجامعات وكتاب ورجال دين وعمال وطلبة وطالبات ونساء وأطفال، فليس هناك من غرابة في ألأمر، فألأرهاب وحده، يحصد من العراقيين أكثر مما تحصده بنادق المليشيات والقوى الخارجة على القانون..!!؟؟{ المؤلم في ألأمر أن الذي جرى ويجري في البصرة اليوم، والذي تطلب هذا ألأجراء السريع من قبل مجلس رئاسة الجمهورية، أنما هو يجري بين فئات وأحزاب وقوى سياسية دينية، قد أرتضت ألأنخراط في العملية السياسية، وكلها تدعي أنها تعمل في خدمة المواطن ومن أجل وحدة الوطن وأنهاء ألأحتلال..!؟ ومما يزيد الطين بلة؛ أن صراع هذه القوى فيما بينها أنما يجري على حساب أبناء المدينة الفيحاء، بعيدا عن كل مظاهر الحضارة والقيم ألأخلاقية وألأنسانية..!؟ فما يحدث في البصرة من فرض السيطرة المسلحة على المدينة من قبل مجموعات خارجة على القانون، وتعطيل دور قوات الشرطة وحفظ ألأمن من ألقيام بواجباتها، وترويع الناس وأرهابهم، وأستباحة الحريات والمحرمات، أنما هو خروج على النظام العام والقانون، وأنتهاك لأمن وسلامة المواطنين، مما يستدعي التوقف فورا ويتطلب المسائلة القانونية، والقضائية..!؟ ولعل ألأسوء من كل ذلك، أن عملية الصراع الجارية في المدينة، تدور في ظل أشاعات، بل وربما حقائق عن ضلوع بعض هذه الفئات في عمليات أدخال السلاح من بعض دول الجوار، أو تحضى بدعمها كما تتناقله الصحف ووكالات ألأنباء، خاصة أذا ما علمنا ما لمدينة البصرة الفيحاء من موقع أستراتيجي مهم، فهي ثغر العراق الوحيد، ومنبع أهم خيراته وهو (النفط) الشريان الرئيس لثروة العراق، والجميع يعلم أطماع ألآخرين في المدينة، من ألذين يعملون ليل نهار على خلق حالة عدم أستتباب ألأمن وألأستقرار فيها، وتأزيم حالة الفوضى ونشر بذور الفتنة المذهبية والطائفية بين أبناءها..!؟ فما تتناقله ألأنباء عن حالة ألأضطراب ألأمني وسيادة المجموعات المسلحة في شوارع المدينة وتزايد أعداد العوائل المجبرة على نزوح المدينة وترك مساكنها، وحالة التطهير المذهبي والديني، وعمليات تهريب النفط الى الدول المجاورة والخ من أعمال الشقاوة والفلتان ألأمني (راجع جريدة الزمان 16/5/2006 وتصريحات وزير النفط السابق- بحر العلوم في 16/5/2006 حول ملف النفط_ صوت العراق)، جميع ذلك يدفع الى التساؤل حول مصير العملية السياسية نفسها، خاصة أذا ما علمنا بطبيعة الصراع الفئوي السياسي بين مكونات بعض الكتل السياسية البرلمانية، وفي مقدمتها كتلة (ألأئتلاف) ذات ألأغلبية البرلمانية، والذي أنعكست حقيقته في عملية الصراع على المناصب الوزارية بين مكونات هذه الكتلة، والذي تجسد في أنسحاب أحد هذه المكونات وهو (حزب الفضيلة) ذو الخمسة عشر مقعدا من بين جملة مقاعد ألأئتلاف نفسه ذي ألأغلبية البرلمانية كما أشرنا في أعلاه، والذي_ الفضيلة_ يمتلك قاعدة جماهيرية في مدينة البصرة، وتسنده مرجعية دينية وله ممثلين في السلطة المحلية للمدينة وفي مقدمتهم المحافظ نفسه..! فألى أين يتجه حزب الفضيلة بعد هذا ألأنسحاب..؟ وهل من أحتمال تحالفات جديدة ياترى..؟ أم أن في ألجعبة، ما ينبأ بتحولات جديدة قريبة على صعيد الواقع السياسي والديمغرافي في العراق، يعزز من ذلك موقف كتلتي العراقية والحوار اللتين أوحيتا بعدم المشاركة في الحكومة القادمة من منطلق ضئالة أهمية المناصب الوزارية التي منحت لهما من ناحية التأثير السياسي، ومؤشرات التقارب الكردستاني_ الصدري، رغم ما يبطنه من تعارض في ألأهداف والمنطلقات..؟؟!
أن المشهد السياسي وألأمني في مدينة البصرة، ومثله في المدن ألأخرى كمدينة السماوة (محافظة المثنى) والعمارة (محافظة ميسان) والناصرية(محافظة ذي قار) ناهيك عما عليه الأوضاع في المناطق ألأخرى من البلاد، يلقي ظلالا من الشك والريبة، على أمكانية نجاح السيد المالكي في القيام ببناء وقيادة حكومة للوحدة الوطنية،_ أن تحقق له ذلك_ في مثل هذا الخضم الهائل من التنافس الفئوي على المناصب الوزارية من قبل مختلف مكونات العملية السياسية، وفي مقدمتها تلك التي تمتلك مفاتيح عملية التوازن ضمن الكتلة البرلمانية الرئيسة، والمقصود بها كتلة (ألأئتلاف)..!؟ وفي مقال سابق (ملامح الحكومة المرتقبة)* كنت قد أشرت الى طبيعة الصعوبات التي ستواجه السيد المالكي في محاولته تشكيل الحكومة الجديدة..! ولقد أثبت واقع الحال حقيقة ما أشرت اليه حول هذه الصعوبات..! ولا أظن أن أحدا من أطراف العملية السياسية غافل عن طبيعة الصراع الدائر بين النخب السياسية وأسباب تفاقمه، وما قد يترتب عليه من نتائج وخيمة على أمن وسلامة الوطن والمواطن..! وما هو مرسوم سلفا من خطط للمستقبل القادم للعراق ..؟ أنه لمن المؤسف حقا؛ أن يرى المرء ، كيف تتدهور ألأوضاع في العراق الى حالة من الضياع والتمزق ، ليس فقط بما تنزله ضربات ألأرهابيين، بل بما تسببه حالة الصراع المستميت بين فصائل الكتل السياسية_ التي تعلن ليل نهار عن تمسكها بأولويات بناء الدولة الحديثة على أسس من العدل والديمقراطية، بعيدا عن ألأحتقان الطائفي الفئوي_ على السلطة من خلال ألأستئثار بالمناصب الوزارية الرئيسة، بل وألأقتتال على السيطرة على مراكز المدن في المناطق الجنوبية، من خلال الهيمنة المسلحة وتعطيل أجهزة الدولة..!؟ وما يبعث على الخزي وألأستنكار، أن يرى المرء جموع النازحين من أبناء البلد يلجأون الى هجرة الوطن الى الدول المجاورة تحت ظروف ألأرهاب وأقتتال الطوائف، وفي ظل قوى سياسية عانت هي نفسها من التشريد والهجرة لما يقرب من ثلاث عقود من الدكتاتورية، وهي ألآن تتحكم في مسيرة البلاد السياسية والحكم..!؟ أن الخروج من هذه ألأزمة المستعصية، لا يمكن أن يتم بالتمني وألأمنيات الطيبة، ولا تسعفه وصفات الكتاب ومقالاتهم التي ضاقت بها صفحات المواقع ألألكترونية، وندواتهم التي أزدحمت بها الفضائيات؛ فلا سبيل للخروج من المحنة، ألا من خلال الماسكين بخيوطها، وفي مقدمتهم ألكتل السياسية التي أقرت لعبة الديمقراطية الجديدة، أذ أنهم ملزمون وفي حدود مسؤولياتهم التأريخية والوطنية التنازل عن مصالحهم ألطائفية والفئوية الضيقة وألأنانية، والتجرد من السعي وراء تنفيذ خططهم المرسومة سلفا، حتى وأن كان ما يروجون له منها، مقبولا في نظرهم من قبل أوساط معينة من السكان، كفدرالية الوسط والجنوب، حيث أثبت الواقع الراهن بأنه من السابق لأوانه التمسك بمثل هذه النظريات في ظل ألأحتراب الطائفي_ المذهبي، وسيادة قوانين الغاب في العديد من مراكز المدن في الوسط والجنوب، التي كانت أحداث البصرة والمثنى أحد أبرز أمثلتها..!؟ كما وتتحمل الكتل ألسياسية ألأخرى ومنها في المقدمة كتلة التوافق مسؤوليتها المباشرة في تحديد مواقفها من التخندق الطائفي، وتشجيع التعاون مع الكتل ألأخرى على أساس من المسؤولية الوطنية لأنقاذ البلاد من حالة الفوضى والتمزق، وعدم ألأنزلاق في مستنقع المحاصصات الطائفية ألأنانية، والتي وللأسف الشديد تلقي بظلالها على تشكيلة الحكومة المالكية المقبلة _ فيما أذا وجدت النور_..!!؟ أما مسؤولية ألآخرين من قوات أحتلال ودول جوار، فأقل ما يقال فيها؛ انها ليست عراقية، ,ولها أجدناتها الخاصة، والحر تكفيه ألأشارة..!
وخلاصة القول: فأنه ليس أمام المرء ألا أن يتمنى بأن لايكون هذا النداء وغيره من دعوات المواطنين الخيرين، كمثل صرخة في واد، أو على حد قول الشاعر: لقد أعييت أذ ناديت حيا - ولكن لا حياة لمن تنادي
حفظ الله سياسيينا من مغبة ذلك، ولكن العراق يحترق بأيدينا.. فماذا نحن فاعلون..؟؟؟؟!
* يمكن متابعة الرابط ادناه: http://rezgar.com/m.asp?i=1189
#باقر_الفضلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق: ملامح الحكومة المرتقبة..!
-
ألعراق: ألأول من آيار- مهام صعبة...!
-
ألعراق: ألأشتباك ألأمريكي – ألأيراني..!
-
هل كان ذلك فخا..؟
-
....عقلانية الخطاب السياسي
-
ما وراء موقف الجعفري..؟؟
-
هل أن الكونفدرالية بديل للديمقراطية..؟
-
!..الملف ألأمني واللعبة السياسية
-
!..وطنية حزب
-
!..ألألتزام -السياسي- بنصوص الدستور
-
الذكرى الثالثة..أحتلال أم تحرير..!؟
-
!..الملف ألأمني- الحالة المستعصية
-
!..حلبجة..ألأنفال
-
العراق: حيرة المتفائلين..!
-
!..حقوق المرأة.. ملف مفتوح
-
!..العراق: المسؤولية المفقودة وصراع المصالح
-
الفتنة الفتنة...!!؟
-
أبو غريب...؟؟
-
!.. حقوق ألأنسان حسب المقاس
-
!..عفوية ألحدث.. و المنطق
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|