|
البطريركية العراقية.. حتمية السقوط
موفق الرفاعي
كاتب وصحفي
(Mowaaffaq Alrefaei)
الحوار المتمدن-العدد: 6360 - 2019 / 9 / 24 - 15:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
البطريركية العراقية.. حتمية السقوط موفق الرفاعي ما يميز البطريركية العراقية عن غيرها من البطريركيات في العالم، إنها لا تحرص على أرشفة خطابها الذي عادة ما يأتي متضاربا متناقضا، ولا تعيد النظر فيه قبل التصريح به، فيأتي غثا رثا مُستَهلكا، لا تضبطه ضوابط ولا تحده حدود ولا ينتظمه ناظم. البطريريكية العراقية، درجت ومنذ ما قبيل غزو العراق العام 2003 وإلى اليوم، على تصدير خطابها باشكال متعددة وبألوان مختلفة، تغلب عليه التعمية المقصودة، والجوّانية المفتعلة والإيهام المُتعمد، والأهم من كل ذلك.. الدبلوماسية الرثة. بالإمكان الاستماع إليه من الأُذن الخارجية أو الداخلية، وقراءته من أول السطر أو من آخره أو عن طريق المرآة، لأنك في كافة الحالات لن تخرج منه بنتيجة ولا رؤية واضحة ولا معالم محددة. البطريركية العراقية لا تكاد تُميّزها عن السياسي إلاّ بالزِيّ، ومهابة مصطنعة لإيقاع البُلهاء والسذّج والحشاشين ومدمني البكاء، في حبائلها، بل أن البعض منهم انخرط في السياسة ليصبح وزيرا أو نائبا في البرلمان أو محافظا وربما دبلوماسيا وقانونيا وضابط مخابرات وبعضهم زاحم المخبرين السريين في (أرزاقهم) وفي انحطاطهم فاصبح مخبرا سريا. انهم وإنْ لم يغادروا الحوزة والحضرة والضريح والتكية والموكب والمسجد والجامع والحسينية والسرداب والمقبرة والقبة والمنارة ودائرة الوقف ولجان الحج والعمرة ومراصد الأهلة، لكنهم أرادوا أنْ يجمعوا بين ذلك كله وبين قبة البرلمان ومجلس الوزراء ومجلس الرئاسة وقاعة المحكمة والسفارة ودائرة المخابرات ومخفر الشرطة وأفواج المليشيات ومنظمات المجتمع المدني. انهم وإنْ احتفظوا بدورهم جباة للزكاة والخمس والنذور والتبرعات وموارد الأضرحة و"الحقوق الشرعية" وأموال غسيل المنهوبات العامة والخاصة، إلاّ أنهم زادوا على ذلك بفرضهم الأتاوات والخاوات والعمولات على المستثمرين، فلا يمر مشروع إلاّ ولهم فيه نصيب ولا يُعَيّن موظف إلاّ ولهم من مُرتّبه سهم وإنْ كان يسيرا وأصبحوا وسطاء مرتشين راشين ما بين الناس وموظفي الدولة الفاسدين فزادوهم فسادا على فسادهم. البعض منهم حمل عصاه وراح يجوب المدارس الرسمية ليعِظ الصغار ولكن.. بالتي هي أسوأ. يحشو أدمغتهم بالخرافات والترهات والأساطير ويحضّهم على ما يغلق عقولهم وهي في مواسم تفتحها زهورا ينتظر الوطن ثمارها لتبني وتُعمّر وتُنشيء وتُطوّر وترسم مستقبله فاذا بهم يحيلوها إلى الماضي بكل تُرّهاته وخرافاته وأساطيره وفِتَنِه. لاحقوا مجالس الخمر فقتلوا بائعها وشاربها وحاضر مجلسها فيما كل أولئك كانوا (ملعونون) حسب، في حديث آحاد رفض الفقهاء الأوائل الاستدلال به. وداهموا مسارح الطرب فكسّروا الآلات الموسيقية فـ"سامع الأغاني كالزاني"، كما أشاعوها بين الناس، ونسبوها ألى ائمة أحد المذاهب زورا. أقاموا (محاكم شرعية) وأخرى للتفتيش، فقتلوا على الشبهة وسجنوا وعذّبوا على الظّنة. البطريركية العراقية التي سكتت دهرا عن المحتلين فحرّمت ضمنا بصمتها المريب دماءهم قبل أنْ تنطق كفرا لتعيث تحريضا حين أفتت بحِلِيَّة دم (الرافضيّ) و(الناصبيّ) و(البعثيّ) والكافر والمشرك و(الذميّ) وجميع أولئك مواطنون عراقيون. وخاضت قطعان الأتباع نهر الدم لسنوات كانت حمراء من أجل الدين تارة ومن أجل المذهب تارة أخرى ولم يسلم من سكاكينهم حتى الإنسان البسيط فذُبح مُتَهما بالشرك لانه يتمسح بأركان من يحب ويهوى. فكان الإنسان العراقيّ يُذبح "باسم الله" ووسط التهليل والتكبير وتحت ظِلال رايات "الله اكبر". ثُقبت الرؤوس والصدور بالمثقاب الكهربائي وبُترت الأعضاء واقتُلعت الأظفار وسُحقت رؤوس ومُرغت أنوف وأُلقيت جثث في المزابل وأخرى شبعت موتا أخرجت من قبورها لتُحرق وأخرى تداولتها الأقدام بعد أنْ نُفّذ بها حكم الإعدام وأُقيمت من أجل ذلك حلقات رقص وحشية ونُشر كل ذلك على اليوتيوب تشفيا وترهيبا. ووعى العراقيون المؤامرة التي تستهدفهم وتستهدف أمنهم واقتصادهم ومستقبلهم، وعرف من يقف وراءها ومن يغذي سعيرها فكفّوا أيديهم وألسنتهم وخناجرهم عن بعضهم البعض. ولأن البطريركية العراقية تعتقد بأن لفظ الانسان - كما لدى الكوفيين- مشتق من النسيان لأنه "عُهد إليه فنسى" (أبن منظور)، والإنسان العراقيّ ليس استثناءً من هذا، فقد اطمأنت إلى أنه نسيّ كل ما تقدم فبادرت ذات العمائم التي أفتت فحرّضت ومن على ذات المنابر تتحدث في الوطنية ولم شمل الأمة وتوحيد الكلمة ورصّ الصفوف وعدم التفريق بين المذاهب والأديان وأن الله (جعل الناس أمة واحدة)، فيما الله لم يشأ حسب الاية.. "ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين.....". (سورة هود- آية 118) ولأن البطريريكية العراقية تفترض غياب الذاكرة لدى الناس والإرشيف لدى الإعلام وقاعدة البيانات لدى منظمات المتابعة والرصد ومراكز الداراسات، فهي لها في كل شأن من شؤون الحياة تصريح أو بيان لا يشبه اللاحق منه السابق.. في الأمن والسياسة والبطاقة التموينية والانتخابات والدستور ومشكلة كركوك وتنظيم قانون الاقاليم والاقليات والتظاهرات والمجاري والطرق والجسور وقانون الاستثمار. البطريركية العراقية اليوم في مأزق نرجو ان لا تجد السبيل للخروج منه، فنستريح من تدخلاتها التي سممت حياتنا ووقفت يوما بالضدّ من انتفاضة الشباب العراقيّ فأفتت بتحريمها تحت ذريعة "الخشية من استغلالها من ذوي المآرب الخاصة..." أو خوفا على الشباب من الإرهابيين. كانوا يتصورون وهم يقبعون بين الأزقة الملتوية مثل منطقهم، أن الشباب سينتظر قبل أنْ يخرج على الحكّام الذين طالما ساعدوهم للوصول إلى السلطة، فتاواهم المقدسة وتوجيهاتهم المباركة وأوامرهم المشفوعة بالدعوات. إنّ (مُسلّمات) دينية كثيرة سوف تسقط فالشباب اليوم وهو يُصرّ على إسقاط (مُسلّمات) السياسة سيسقطها هي الأخرى حتما. إنّها إرهاصات الثورة التي نجدها اليوم وهي تتشكل عبر الفضاء المفتوح في (السوشال ميديا) والتي ستعصف بكل شيء.. كل شيء..! نحن على يقين من أن جيلا جديدا يتشكل لينبثق من رحم المعاناة والشقاء يقوده فتيان بعيدا عن نصائح الكبار وجُبنهم ووصايا المخرفين وأساطيرهم ورجال الدين وتخويفاتهم من نار تَلظّى وتهديدات الساسة الفاسدين وشعاراتهم الفارغة.
#موفق_الرفاعي (هاشتاغ)
Mowaaffaq_Alrefaei#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عُقدة ما بعد -داعش- وتمزيق الخرائط
-
الجحيم السوري والرغبة القيصرية
-
صالة قِمار عراقية
-
بين الهجرة عبر المتوسط والمرور عبر -جسر بزيبز-...
-
الانتفاضة الثانية.. أوهام وحقائق
-
الحكومة العراقية وازدواجية المواقف
-
العراق: سلطة واحدة ام سلطات..!؟
-
تراتبية الخراب العراقي
-
الدعوة إلى نبذ الطائفية، -بينَ الجدِ والهزلِ-
-
كيانات مؤدلجة لديمقراطية ليبرالية.. كيف!؟
-
مأزق العملية السياسية في العراق
-
في ذكرى سقوط جدار برلين..
-
وهم الحرية الصحفية في العراق.. وهم الديموقراطية
-
المشروع الاستراتيجي الإيراني وواقع الأنظمة العربية
-
مأساة الصحفي العراقي في ظل (دولة القانون)
-
الهوية الوطنية بدلا من الطائفية.. لعبة الانتخابات العراقية ا
...
-
في خريطة الانتخابات العراقية المقبلة
-
خياران امام الحكومة.. الكشف عن المجرمين او الاستقالة
-
خطاب اوباما في جامعة القاهرة.. -الموضوع الرابع-
-
الصحافة العراقية.. مخاطر ومسؤوليات
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|