|
أي مغرب نريد ؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 6359 - 2019 / 9 / 23 - 22:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يُجمع المغاربة والتقارير الصادرة عن مؤسسات وطنية ودولية على أن السياسات الحكومية المتبعة انتهت إلى الإفلاس ووضعت البلاد على حافة الانهيار ، بحيث تجاوزت وضعية السكتة القلبية إلى السكتة الدماغية التي إذا وقعت لن ينفع معها علاج . فكل البرامج والمخططات ، سواء الإستراتيجية أو الاستعجالية ، العامة أو القطاعية كللت بالفشل الذريع دون أن تُحقق ولو الحد الأدنى من الأهداف المتوخاة منها . وكلما فشل مخطط تم تعويضه بمخطط آخر يفوقه في الاستعجالية والسرعة إلى الإفلاس ، كما لو أن المغرب على موعد دائم مع الخسران المبين . إن مشكلة المغرب ليست في تعدد البرامج والمخططات أو في طول مداها أو قصره ولا حتى في الجهات التي سهرت على وضعها أو أشرفت على تنفيذها ؛ كل هذه العناصر ، رغم أهمتها في وضع المخططات وأجرأتها وتنفيذها على أرض الواقع ، ليست هي العامل المحدد لنجاح المخططات أو فشلها . من هنا يمكن حصر أسباب الفشل في عاملين رئيسيين كالتالي : 1 ـ غياب التقييم : من المفروض في الحكومة /الدولة حين الإعلان عن فشل مخطط ما أو تعثر إنجازه أو تواضع أهدافه المنجزة أن تسارع إلى إنجاز دراسة تقييمية تهم كل المراحل التي قطعها المخطط قصد تحديد طبيعة المشاكل التي أفرزها الإنجاز أو عرقلت التنفيذ أو الأطراف التي لم تستوعب أهداف المخطط وعجزت أو قصّرت في مواكبة الإنجاز . إن المشكلة الجوهرية ليست هي الفشل في حد ذاته ، بل هي جهل أو تجاهل أسباب الفشل . وعدم استجلاء هذه الأسباب والوقوف عندها بالتحليل والنقد حتى يتم تجاوزها أو تفاديها ، سيجعل المخططات والبرامج البديلة تلقى نفس المصير . فمنذ الاستقلال والدولة تضع المخططات والبرامج التنموية ثم تعلن عن فشلها لتضع أخرى لم تقُد البلاد إلا إلى "السكتة القلبية" التي كاد ينتهي إليها الوضع في المغرب نهاية عهد الملك الراحل الحسن الثاني . وها هي نفس الأخطاء تتكرر مع الإعلان عن فشل النموذج التنموي بعد 20 سنة من حكم الملك محمد السادس ودعوته كافة الأحزاب والهيئات المدنية إلى المساهمة في بلورة تصور جديد لمشروع النموذج التنموي الذي ينأى بالمغرب عن حافة الانهيار التام . كان الأحرى بالدولة أن تفتح نقاشا عموميا عبر التراب الوطني وبمشاركة كل القوى السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية حول أسباب فشل النموذج التنموي حتى يتم تداركها وتفاديها مستقبلا . 2 ـ غياب المحاسبة : إن أخطر معضلة تنخر السياسات العمومية في المغرب هي غياب المحاسبة . خطورة هذا الوضع تنعكس سلبا على مستوى الشعور بالمسئولية الفردية ، بحيث يسود التقصير في إنجاز المهام واحترام الآجال وكذا التضحية بالجودة والفعالية ، ومن ثم تغييب قسرا الروح الوطنية . فحين تغيب المحاسبة يغيب معها الشعور بالمسؤولية فيتلاشى بالضرورة روح الوطنية في وعي وضمير ووجدان المسئولين . هكذا تغيب الحماسة في التنفيذ ويتوارى الاجتهاد والإبداع ويسود التواكل والتقاعس في أداء المهام مما يفتح باب النهب والتبذير على مصراعيه . لم يعد للدولة والحكومة أي عذر في تعطيل إجراءات المحاسبة بعد أن نص الدستور على ربط المسؤولية بالمحاسبة . فالحكومة ملزمة دستوريا بمحاسبة كل المسؤولين المتورطين في الفساد والنهب أو المقصرين في أداء واجباتهم المهنية والإدارية . ولدى الدولة ما يكفي من لجان التفتيش وتقارير الافتحاص الصادرة عن مؤسسات دستورية أو لجان التقصي للوقوف على دور العامل البشري في إفشال المخططات والبرامج التنموية من جهة ، ومن أخرى في نهب وتبذير الثروة الوطنية . إن الحكومة هي المسؤولة دستوريا أمام الشعب على حماية ثرواته الوطنية من النهب وتنميتها . وكل تهاون أو تقصير من الحكومة له انعكاسات خطيرة على الأوضاع العامة في البلاد ، بحيث يُفوّت على الشعب والوطن فرص التنمية وتحسين الخدمات الاجتماعية والارتقاء بمستوى عيش المواطنين ، ومن جهة ثانية يشجع الفاسدين على تقوية نفوذهم داخل الدولة ويمكّنهم من طرق النهب والتهريب والتبذير للمالية العمومية وللثروات الوطنية . إن ربط المسؤولية بالمحاسبة لا ينبغي أن يتوقف عند قرارات الإعفاء من المهام أو الإقالة من المناصب ، بل يستوجب تحصيل ما تراكم من النهب ثم معاقبة العناصر الفاسدة مهما كانت مسؤولياتهم داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها . فالإعفاء أو الإقالة ليسا إجراءين يعيدان لخزينة الدولة ما تم نهبه وتبذيره ، بل قد يكون تشجيعا لعناصر أخرى لتأخذ غمار النهب قصد تحقيق الثراء اللامشروع على حساب المالية العامة ومصالح المواطنين . على الحكومة أن تفهم أن أعضاء اللجان والمؤسسات الدستورية المكلفة بالتفتيش تتقاضى تعويضات مهمة من الميزانية العامة مقابل عملها . وكل إهمال للتقارير الصادرة عن هذه الهيئات عبر تجميدها وعدم تقديها إلى القضاء هو في حد ذاته إخلال بالواجب الوطني والدستوري ، وأيضا مساهمة في إهدار المال العام على مهام وأنشطة ومؤسسات لا طائل من وجودها . مغرب اللامسؤولية يجب أن ينتهي ليحل محله مغرب الربط بين المسؤولية والمحاسبة . فحالة السيبة والتسيب التي تفشت يجب القطع معها . نريد مغربا لا يجوع فيه مواطن ولا يعْرى ولا يُظلم . مغرب يتساوى فيه جميع المواطنين أمام القانون . مغرب تتغير قوانينه وتتجدد تبعا لحركية المجتمع وديناميته . مغرب يتولى فيه المسؤولية مهما علت أو تدنت ، من هو مؤهَّل لها . مغرب يستفيد كل أبنائه من ثرواته . ليس مستحيلا إرجاع ثقة المواطنين في مؤسسات وطنهم وإشاعة الشعور بالأمن بعدما فقدوه بسبب تفشي الإجرام والعنف . لهذا يبقى المدخل الأساس لإنجاح مشروع النموذج التنموي الجديد هو تفعيل دولة الحق والقانون وتطبيق بنود الدستور والالتزام بها نصا وروحا . دون هذا لن نحقق المغرب الذي نريد بالوسائل التي لا نريد .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا تحقق بعد 18 سنة من الحرب على الإرهاب ؟
-
تعالوا نرفع التجريم عن الإجهاض .
-
حكومة البيجدي تصادق على مصادرة حقوق الطفل.
-
شورط المتطوعات وخزي البرلماني.
-
حرية الإضراب وحرية العقيدة عند الإسلاميين .
-
جهوية ألمانيا وجهوية المغرب .
-
مفهوم المواطنة داخل منظومة الفكر الإسلامي
-
في السياسة والدين
-
في رمضان تتغوّل انحرافات التديّن .
-
ما فائدة اعتذار عائض القرني ؟
-
حوار لفائدة جريدة الأحداث المغربية
-
لماذا فشلت -ثورات الربيع العربي-؟
-
حوار لفائدة جريدة الأحداث المغربية
-
أهداف البيجيدي من تعريب المدرسة العمومية.
-
زيارة البابا تسقط القناع عن تطرف الإسلاميين .
-
سقوط شعار -حجابي عفّتي-.
-
درس نيوزيلندا درس لنا .
-
أين مشروع الإسلاميين للنهوض بأوضاع المرأة ؟؟
-
دور الهيئات والمنظمات النسائية في النهوض بأوضاع المرأة بالمغ
...
-
من كانت مرجعيته -محددة من عند الله- فمكانه الزاوية وليس الحك
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|