|
حقوق البصرة والبصريين أولاً
علي المدن
الحوار المتمدن-العدد: 6358 - 2019 / 9 / 22 - 10:09
المحور:
المجتمع المدني
(1) شعار (البصرة للبصريين أولا) يبدو جذابا ولكنه ما لم تقدم توضيحات صارمة له فإن من الممكن أن يغذي الكثير من الأفكار السياسية الخطيرة، منها مشاعر الانفصال والنيء بالبصريين عن العراق، ومنها التعامل اللاعادل مع المتواجدين في البصرة من مقيمين أو مستوطنين أو وافدين أو أي عنوان آخر. أتفهم (وقد كنت أول المطالبين والعاملين على ذلك) مطالب البصريين بدور أكبر في الحياة السياسية العامة للبلد (وهذا حق دستوري سياسي)، ومساهمتهم في إدارة مدينهم (وهذا حق دستوري إداري)، وتمتعهم بحصة عادل ومتوازنة من موارد مدينتهم (وهذا حق دستوري اقتصادي)، ومحافظتهم على موروثهم الفكري والأدبي والفلكلوري (وهذا حق دستوري ثقافي) ... كل هذه حقوق مشروعة ومنصفة ودستورية، ولكن الخشية هي أن تتحول تلك المطالب إلى ذرائع يغطي السياسي والإدراي بها فشله في اجتراح حلول لمشاكل المدينة. تخيلوا كم هو سهل الحديث عن تورط الوافدين بانتشار الجريمة قياسا بعمل الأجهزة الأمنية في بسط الأمن؟! أيضاً تخيلوا كم هو سهل الحديث عن الوافدين المتجاوزين قياسا بوضع خطط للحد من أزمة السكن؟!! وهكذا بقية المشاكل. الخطر يكمن في تحويل المشاكل في التخطيط والإدارة إلى خطابات كراهية وعنصرية وتعالٍ. إن ما أتحدث عنه هو في صلب التعريف المتداول للمدنية! فهذه الأخير تعني أول ما تعني سعة الأفق بقبول الآخر!! وهذا ما شرحه آلان تورين في نقده للحداثة. المسألة في العمق أخلاقية!! نحن كبصريين نفاخر بحيائنا وتعايشنا وتقبلنا للغريب. الخطير في الأمر اليوم أن يتم تغافل التعاطف مع الغرباء عن المدينة (أعني الوافدين لها حديثا) وتأثيرات ذلك على تفكيرنا بقضايانا حول السياسة والعدالة. كتب تيري إيجلتون كتب كتابا رائعا تحت عنوان (مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق) وردت فيه هذه العبارة الجميلة (إن تعاطف المرء مع المقربين منه ينشأ جزئيًّا مما تعلمه من التعامُل مع الغرباء). البصريون ليسوا بحاجة لوضع مطالبهم العادلة في صياغات تنم عن تنمر وعدوانية وضجر ممن يعيش في البصرة (كائنا من يكون هؤلاء الذين يعيشون في البصرة). (2) بدل الدخول في دهاليز هجاء الوافدين ومدح الأصليين يجب خلق واقع يعيش فيه هؤلاء جميعا بكرامة وأمن وعدالة. إن الإحصاءات عن تورط بعض المتواجدين في المدينة من غير أهلها في بعض أخطر مشاكل المدينة حتى وإن كانت حقيقية فإن الأهم من تلك الإحصاءات هو الشروط السياسية والاجتماعية التي ساعدت على وجودها. وكلنا نعلم أن الشيء الصعب في العلم ليست المعطيات وإنما تحليل تلك المعطيات. البصرة تعيش وضعا مأساويا (وإنما أخص البصرة بحديثي ليس لأن المناطق الأخرى من العراق في وضع أفضل؛ بل لأن اهتمامي في هذه اللحظة، وفِي هذا المستوى، بالبصرة تحديدا، وإلا فإن هذه المشاكل هي مشاكل تعمّ العراق كله) والأفضل لنا هو الانشغال بالقضاء على مصادر تلك المأساة وإيجاد حلول لها وليس صب جام غضبنا على ضحاياها. الاعتزاز بالبصرة يعني العمل من أجلها وليس المساومة عليها أو الاتجار بها لأغراض انتخابية. (3) إننا نعيش في بلد مضطرب، ومستويات التعليم فيه منخفضة، وهذان أهم عاملين لصناعة معارك زائفة تكون مصدرا للكثير من الشرور. الأفضل من ذلك صناعة شعارات أقل قابلية للتأويل ويمكن الدفاع عنها بنحو أفضل كالقول (حقوق البصرة والبصريين أولا). وهذا شعار يمكن دعمه دستوريا، كما يمكن أن يتحول إلى معيار للضغط على كل من ينتسب للبصرة من سياسيين وبرلمانيين وحكومة محلية ليضعوا حقوق البصرة والبصريين على رأس أولويات عملهم.
(4) البصريون يخوضون اليوم معركتهم السياسية والدستورية. والمعارك السياسية سواء أكانت عادلة أو مثيرة للجدل، يجب أن تختار شعارات ذكية. وهي لن تكون كذلك ما لم تحقق أغراضها بلا خسائر أو بخسائر أقل. فكرة (البصرة للبصريين أولا) صحيحةٌ إذا ما فهمنا أنها تعني المطالبة بحقوق البصرة والبصريين كما ينص عليها الدستور وتسمح بها أعراف السياسة وقوانين الاقتصاد، ولكنني أشك أن من يجادل في ذلك يفهم الأمور بهذا النحو. وحتى ولو كان (مكابرا) فما ينبغي على البصريين ليس الانشغال بالرد على المكابرين بل بقطع الطريق عليهم. إذن! أول الواجبات على ناشطي الحراك المدني البصري هو صناعة شعارات غير مضرة بأهدافهم. والشعار الذي أقترحه هو (حقوق البصرة والبصريين أولاً) فمهما كان المجادل مكابراً فإنه لا يمكن أن ينكر على البصري مطالبته ب (حقوق) البصرة والبصريين! بماذا سيطالب البصري تحت هذا الشعار؟ هذا أمرٌ متروك له ومحكوم بقدراته في السياسة وانتزاع الحقوق!! قد تنشب معارك حول التفاصيل والمضامين ولكن لن يخسر البصري شعاره!! لأنه شعار يصعب الاعتراض عليه، وهذا جوهر ما أتحدث عنه. (حقوق البصرة والبصريين أولا) واجب البصري في السياسة ولكنه سوف يخوض غمار تلك السياسة بلا منازعة في شعاره. إنه ليس تراجعا عن مضمون الشعار الآخر بقدر ما هو تطوير له ليصبح أكثر ذكاء وتوازناً.
#علي_المدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داريوش شايگان: المتصوف الذي أرهقته أزمات الهوية
-
أين هو الفكر السياسي العراقي؟
-
الكرد وآخر حروب المنطقة
-
ملاحظات حول آفاق التعليم الديني في المناهج الأساسية العراقية
-
اختلافات البيت العلوي في فهم خطبة الغدير
-
الفردانية ورهاب العقيدة الجمعي
-
الإمام علي بن أبي طالب ووظيفة المؤرخ المحترف
-
ملاحظات منهجية حول الدراسات الوردية
-
ذاكرة الحقل السيكوتيني
-
من الحماية والرفض إلى القصاص والنقد
-
أزمة العقل التشريعي الإسلامي
-
المرجعية الدينية والنقد السياسي
-
المذهبية وتاريخ الكتاب الإسلامي
-
المصالحة والتحديث
-
النقد ونقص الحكمة
-
مرتضى مطهري والموسوعات الفكرية ذات النزعة الإيرانية المركزية
-
ما الذي يستفز الطائفي المخاتل؟
-
مجتمعاتنا وتنمية المشاعر وتدريبها
-
المرجعية الدينية المعاصرة ومفهوم العمل السياسي
-
الاختلاف المنهجي بين المعارف التجريبية والمعارف الإنسانية
المزيد.....
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
-
مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك
...
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|