|
صندوق العجائب: موانع الطعام عند المسيحيين 1
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 6356 - 2019 / 9 / 20 - 00:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نواصل هنا المقالات عن موانع الطعام عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، وسنتكلم اليوم عن موانع الطعام عند المسيحيين. ولن نتكلم عن الخمر الذي كرسنا له مقالات سابقة موسعة.
الإلغاء شبه الكامل لموانع الطعام تم إلغاء موانع الطعام إلى حد كبير من قِبل المسيحيين. وقد بدأ هذا بمقولة السيد المسيح في أنجيل مرقص الفصل السابع 15. ما من شيء خارج عن الإنسان إذا دخل الإنسان ينجسه. 16. ولكن ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجس الإنسان. 17. ولما دخل البيت مبتعدا عن الجمع، سأله تلاميذه عن المثل، 18. فقال لهم: أهكذا أنتم أيضا لا فهم لكم ؟ ألا تدركون أن ما يدخل الإنسان من الخارج لا ينجسه، 19. لأنه لا يدخل إلى القلب، بل إلى الجوف، ثم يذهب في الخلاء. وفي قوله ذلك جعل الأطعمة كلها طاهرة. 20. وقال: ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجس الإنسان، 21. لأنه من باطن الناس، من قلوبهم، تنبعث المقاصد السيئة والفحش والسرقة والقتل 22. والزنى والطمع والخبث والمكر والفجور والحسد والشتم والكبرياء والغباوة. 23. جميع هذه المنكرات تخرج من باطن الإنسان فتنجسه.
وقد اصطدم المجتمع المسيحي بموانع الطعام عتد اليهود من البداية. وتذكر لنا أعمال الرسل مغامرة بطرس مع قائد روماني يدعى كورنيليوس. من المهم أن تقرأ بدقة النص الذي يبين موانع الطعام عند اليهود وكيف تم إلغاؤها:
يخبرنا الفصل 10: 1. كان في قيصرية رجل اسمه قرنيليوس، قائد مائة من الكتيبة التي تدعى الكتيبة الإيطالية. 2. وكان تقيا يخاف الله هو وجميع أهل بيته، ويتصدق على الشعب صدقات كثيرة، ويواظب على ذكر الله. 3. فرأى نحو الساعة الثالثة بعد الظهر في رؤيا واضحة ملاك الله يدخل عليه ويقول له: يا قرنيليوس! 4. فحدق إليه، فاستولى عليه الخوف فقال: ما الخبر سيدي؟ فقال له: إن صلواتك وصدقاتك قد صعدت ذكرا عند الله. 5. فأرسل الآن رجالا إلى يافا وادع سمعان الذي يلقب بطرس. 6. فهو نازل عند دباغ اسمه سمعان، وبيته على شاطئ البحر. 7. فلما انصرف الملاك الذي كلمه، دعا اثنين من خدمه وجنديا تقيا ممن كانوا يلازمونه، 8. وروى لهم الخبر كله، وأرسلهم إلى يافا. 9. فبينما هم سائرون في الغد وقد اقتربوا من المدينة، صعد بطرس إلى السطح نحو الظهر ليصلي، 10. فجاع فأراد أن يتناول شيئا من الطعام. وبينما هم يعدون له الطعام، أصابه جذب. 11. فرأى السماء مفتوحة، ووعاء كسماط عظيم نازلا يتدلى إلى الأرض بأطرافه الأربعة. 12. وكان فيه من جميع ذوات الأربع وزحافات الأرض وطيور السماء. 13. وإذا صوت يقول له: قم يا بطرس فاذبح وكل. 14. فقال بطرس: حاش لي يا رب، لم آكل قط نجسا أو دنسا. 15. فعاد إليه صوت فقال له ثانيا: ما طهره الله، لا تنجسه أنت. 16. وحدث ذلك ثلاث مرات. ثم رفع الوعاء من وقته إلى السماء. 17. فتحير بطرس وأخذ يسائل نفسه ما تعبير الرؤيا التي رآها، وإذا الرجال الذين أرسلهم قرنيليوس، وكانوا قد سألوا عن بيت سمعان، وقفوا بالباب 18. ونادوا مستخبرين أنازل بالمكان سمعان الملقب بطرس. 19. وبينما بطرس يفكر في الرؤيا، قال له الروح: هناك ثلاثة رجال يطلبونك. 20. فقم فانزل إليهم واذهب معهم غير متردد، فإني أنا أرسلتهم. 21. فنزل بطرس إلى هؤلاء الرجال وقال لهم: أنا من تطلبون. فما الذي جاء بكم؟ 22. قالوا: إن قائد المائة قرنيليوس رجل صديق يتقي الله، وتشهد له أمة اليهود كلها، أوعز إليه ملاك طاهر أن يدعوك إلى بيته ليسمع ما عندك من أمور. 23. فدعاهم وأضافهم. وفي الغد قام فمضى معهم، ورافقهم بعض الإخوة من يافا، 24. فدخل قيصرية في اليوم الثاني. وكان قرنيليوس ينتظرهم وقد دعا أقاربه وأخص أصدقائه. 25. فلما دخل بطرس استقبله قرنيليوس وارتمى على قدميه ساجدا له. 26. فأنهضه بطرس وقال: قم، فأنا نفسي أيضا بشر. 27. ودخل وهو يحادثه، فوجد جماعة من الناس كثيرة. 28. فقال لهم: تعلمون أنه حرام على اليهودي أن يعاشر أجنبيا أو يدخل منزله. أما أنا فقد بين الله لي أنه لا ينبغي أن أدعو أحدا من الناس نجسا أو دنسا. 29. فلما دعيت جئت ولم أعترض. فأسألكم ما الذي حملكم على أن تدعوني. 30. فقال له قرنيليوس: كنت قبل أربعة أيام في مثل هذا الوقت أصلي في بيتي عند لساعة الثالثة بعد الظهر، وإذا رجل عليه ثياب براقة قد حضر أمامي 31. وقال: يا قرنيليوس،سمعت صلواتك، وذكرت لدى الله صدقاتك، 32. فأرسل إلى يافا، وادع سمعان الملقب بطرس، فهو نازل في بيت سمعان الدباغ على شاطئ البحر. 33. فأرسلت إليك لوقتي، وأنت أحسنت صنعا في مجيئك. ونحن الآن جميعا أمام الله لنسمع جميع ما أمرك به الرب. 34. فشرع بطرس يقول: أدركت حقا أن الله لا يراعي ظاهر الناس، 35. فمن اتقاه من أية أمة كانت وعمل البر كان عنده مرضيا. 36. والكلمة الذي أرسله إلى بني إسرائيل مبشرا لسلام عن يد يسوع المسيح، إنما هو رب الناس أجمعين. 37. وأنتم تعلمون الأمر الذي جرى في اليهودية كلها وكان بدؤه في الجليل بعد المعمودية التي نادى بها يوحنا، 38. في شأن يسوع الناصري كيف أن الله مسحه بالروح القدس والقدرة، فمضى من مكان إلى آخر يعمل الخير ويبرئ جميع الذين استولى عليهم إبليس، لأن الله كان معه. 39. ونحن شهود على جميع أعماله في بلاد اليهود وفي أورشليم. والذي قتلوه إذ علقوه على خشبة 40. هو الذي أقامه الله في اليوم الثالث، وخوله أن يظهر 41. لا للشعب كله، بل للشهود الذين اختارهم الله من قبل، أي لنا نحن الذين أكلوا وشربوا معه بعد قيامته من بين الأموات. 42. وقد أوصانا أن نبشر الشعب ونشهد أنه هو الذي أقامه الله ديانا للأحياء والأموات. 43. وله يشهد جميع الأنبياء بأن كل من آمن به ينال باسمه غفران الخطايا. 44. وكان بطرس لا يزال يروي هذه الأمور، إذ نزل الروح القدس على جميع الذين سمعوا كلمة الله. 45. فدهش المؤمنون المختونون الذين رافقوا بطرس، ذلك بأن موهبة الروح القدس قد أفيضت على الوثنيين أيضا. 46. فقد سمعوهم يتكلمون بلغات غير لغتهم ويعظمون الله. فقال بطرس. 47. أيستطيع أحد أن يمنع هؤلاء من ماء المعمودية وقد نالوا الروح القدس مثلنا؟. 48. ثم أمر أن يعمدوا باسم يسوع المسيح. فسألوه أن يقيم عندهم بضعة أيام.
لكن الأمور لم تسر دون مشاكل. فالفصل 11 يقول: 1. وسمع الرسل والإخوة في اليهودية أن الوثنيين هم أيضا قبلوا كلمة الله. 2. فلما صعد بطرس إلى أورشليم، أخذ المختونون يخاصمونه 3. قالوا: لقد دخلت إلى أناس قلف وأكلت معهم 4. فشرع بطرس يعرض لهم الأمر عرضا مفصلا قال: 5. كنت أصلي في مدينة يافا. فأصابني جذب فرأيت رؤيا، فإذا وعاء هابط كسماط عظيم يتدلى من السماء بأطرافه الأربعة حتى انتهى إلي. 6. وحدقت إليه وأمعنت النظر فيه فرأيت ذوات الأربع التي في الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء. 7. وسمعت صوتا يقول لي: قم، يا بطرس، فاذبح وكل. 8. فقلت: حاش لي يا رب، لم يدخل فمي قط نجس أو دنس. 9. فعاد صوت من السماء فقال ثانيا: ما طهره الله لا تنجسه أنت. 10. وحدث ذلك ثلاث مرات، ثم رفع كله إلى السماء. 11. وإذا ثلاثة رجال قد وقفوا في الوقت نفسه بباب البيت الذي كنا فيه، وكانوا مرسلين إلي من قيصرية. 12. فأمرني الروح أن أذهب معهم غير متردد. فرافقني هؤلاء الإخوة الستة، فدخلنا بيت الرجل، 13. فأخبرنا كيف رأى الملاك يمثل في بيته ويقول له: أرسل إلى يافا، وادع سمعان الملقب بطرس، 14. فهو يروي لك أمورا تنال بها الخلاص أنت وجميع أهل بيتك. 15. فما إن شرعت أتكلم حتى نزل الروح القدس عليهم كما نزل علينا في البدء. 16. فتذكرت كلمة الرب إذ قال: إن يوحنا عمد بالماء، وأما أنتم فستعمدون في الروح القدس. 17. فإذا كان الله قد وهب لهم مثل ما وهب لنا، لأننا آمنا بالرب يسوع المسيح، هل كان في إمكاني أنا أن أمنع الله؟. 18. فلما سمعوا ذلك، هدأوا ومجدوا الله وقالوا: قد وهب الله إذا للوثنيين أيضا التوبة التي تؤدي إلى الحياة.
يخبرنا الفصل 15 عن أول مجمع كنسي: 1. ونزل أناس من اليهودية وأخذوا يلقنون الإخوة فيقولون: إذا لم تختتنوا على سنة موسى، لا تستطيعون أن تنالوا الخلاص. 2. فوقع بينهم وبين بولس وبرنابا خلاف وجدال شديد. فعزموا على أن يصعد بولس وبرنابا وأناس منهم آخرون إلى أورشليم حيث الرسل والشيوخ للنظر في هذا الخلاف 3. فشيعتهم الكنيسة. فاجتازوا فينيقية والسامرة يروون خبر اهتداء الوثنيين، فيفرحون الإخوة كلهم فرحا عظيما. 4. فلما وصلوا إلى أورشليم رحبت بهم الكنيسة والرسل والشيوخ، فأخبروهم بكل ما أجرى الله معهم. 5. فقام أناس من الذين كانوا على مذهب الفريسيين ثم آمنوا، فقالوا: يجب ختن الوثنيين وتوصيتهم بالحفاظ على شريعة موسى. 6. فاجتمع الرسل والشيوخ لينظروا في هذه المسألة. 7. وبعد جدال طويل قام بطرس وقال لهم: أيها الإخوة، تعلمون أن الله اختار عندكم منذ الأيام الأولى أن يسمع الوثنيون من فمي كلمة البشارة ويؤمنوا. 8. والله العليم بما في القلوب قد شهد لهم فوهب لهم الروح القدس كما وهبه لنا، 9. فلم يفرق بيننا وبينهم في شيء، وقد طهر قلوبهم بالإيمان. 10. فلماذا تجربون الله الآن بأن تجعلوا على أعناق التلاميذ نيرا لم يقو آباؤنا ولا نحن قوينا على حمله؟ 11. فنحن نؤمن أننا بنعمة الرب يسوع ننال الخلاص كما ينال الخلاص هؤلاء أيضا. 12. فسكت الجماعة كلهم وأخذوا يستمعون إلى برنابا وبولس يرويان لهم ما أجرى الله عن أيديهما من الآيات والأعاجيب بين الوثنيين. 13. فلما انتهيا تكلم يعقوب فقال: أيها الإخوة، استمعوا لي. 14. روى لكم سمعان كيف عني الله أول الأمر بأن يتخذ شعبا لاسمه من بين الوثنيين، 15. وهذا يوافق كلام الأنبياء كما ورد في الكتاب: 16. سأعود بعد ذلك فأقيم خيمة داود المتهدمة. سأقيم أنقاضها وأنصبها 17. فيسعى سائر الناس إلى الرب وجميع الأمم التي ذكر عليها اسمي يقول الرب صانع هذه الأمور 18. المعروفة منذ الأزل. 19. ولذلك فإني أرى ألا يضيق على الذين يهتدون إلى الله من الوثنيين، 20. بل يكتب إليهم أن يجتنبوا نجاسة الأصنام والفحشاء والميتة والدم. 21. فإن لموسى منذ الأجيال القديمة دعاة في كل مدينة، فهو يقرأ كل سبت في المجامع. 22. فحسن لدى الرسل والشيوخ، ومعهم الكنيسة كلها، أن يختاروا أناسا منهم، فيوفدوهم إلى أنطاكية مع بولس وبرنابا فاختاروا يهوذا الذي يقال له برسابا، وسيلا، وهما رجلان وجيهان بين الإخوة. 23. وسلموا إليهم هذه الرسالة: من إخوتكم الرسل والشيوخ إلى الإخوة المهتدين من الوثنيين في أنطاكية وسورية وقيليقية، سلام. 24. بلغنا أن أناسا منا أتوكم فألقوا بينكم الاضطراب بكلامهم وبعثوا القلق في نفوسكم، على غير توكيل منا. 25. فحسن لدينا بالإجماع أن نختار رجلين نوفدهما إليكم مع الحبيبين برنابا وبولس، 26. وهما رجلان بذلا حياتهما من أجل اسم ربنا يسوع المسيح. 27. فأرسلنا يهوذا وسيلا ليبلغاكم الأمور نفسها مشافهة. 28. فقد حسن لدى الروح القدس ولدينا ألا يلقى عليكم من الأعباء سوى ما لا بد منه، 29. وهو اجتناب ذبائح الأصنام والدم والميتة والفحشاء. فإذا احترستم منها تحسنون عملا. عافاكم الله. 30. فلما صرفوا انحدروا إلى أنطاكية. فجمعوا الجماعة وسلموا إليهم الرسالة. 31. فقرأوها ففرحوا بما فيها من تأييد. تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المجلس ألغى أيضًا التزام الختان. بالنسبة لليهود، فقد اعتبر غير المختونين نجسًا وعليه لا يجب عليهم الحضور. من الآن فصاعدًا، يمكن للمرء أن يكون مسيحيًا ويتطلع إلى الخلاص دون الحاجة إلى الختان أو مراعاة القوانين الغذائية اليهودية.
وقد استمر النزاع حول موانع الطعام بين المسيحيين. يخبرنا بولس في رسالته إلى أهل غلاطية، الفصل ٢: 11. ولكن، لما قدم بطرس إلى أنطاكية، قاومته وجها لوجه لأنه كان يستوجب اللوم: 12. ذلك أنه، قبل أن يقدم قوم من عند يعقوب، كان يؤاكل الوثنيين. فلما قدموا أخذ يتوارى ويتنحى خوفا من أهل الختان، 13. فجاراه سائر اليهود في ريائه، حتى إن برنابا انقاد هو أيضا إلى ريائهم. 14. فلما رأيت أنهم لا يسيرون سيرة قويمة كما تقضي حقيقة البشارة، قلت لصخر أمام جميع الإخوة: إذا كنت أنت اليهودي تعيش عيشة الوثنيين لا عيشة اليهود، فكيف تلزم الوثنيين أن يسيروا سيرة اليهود؟ 15. نحن يهود بالولادة ولسنا من الوثنيين الخاطئين، 16. ومع ذلك فنحن نعلم أن الإنسان لا يبرر بالعمل بأحكام الشريعة، بل بالإيمان بيسوع المسيح. ونحن أيضا آمنا بالمسيح يسوع لكي نبرر بالإيمان بالمسيح، لا بالعمل بأحكام الشريعة، فإنه لا يبرر أحد من البشر بالعمل بأحكام الشريعة.
مسألة موانع الطعام تعود في رسائل القديس بولس الذي وضع قاعدة واسعة عن الطعام في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، مع تجنب التشكيك لمن هم ضعيفي الإيمان. فهو يكتب في الفصل العاشر من رسالته الأولى إلى كورنثوس: 25. كلوا من اللحم كل ما يباع في السوق ولا تسألوا عن شيء مراعاة للضمير، 26. لأن للرب الأرض وكل ما فيها (مزمور 24: 1). 27. إن دعاكم غير مؤمن ورغبتم في تلبية دعوته، فكلوا من كل ما يقدم لكم ولا تسألوا عن شيء : مراعاة للضمير، 28. ولكن إن قال لكم أحد: هذه ذبيحة للآلهة، فلا تأكلوا منها لأجل من أخبركم ومراعاة للضمير: 29. ولست أعني ضميركم، بل ضمير غيركم، فلماذا يحكم في حريتي ضمير غير ضميري؟ 30. فإذا شاركت في تناول شيء شاكرا، فلم ألام فيما أنا عليه شاكر؟ 31. فإذا أكلتم أو شربتم أو مهما فعلتم،؟ فافعلوا كل شيء لمجد الله. 32. لا تكونوا عثارا لليهود ولا اليونانيين ولا لكنيسة الله، 33. فإني أنا أيضا أجتهد في إرضاء جميع الناس في كل شيء، ولا أسعى إلى منفعتي، بل إلى منفعة جماعة الناس لينالوا الخلاص.
وفي نفس رسالة بولس الرسول هذه، يقول الفصل الثامن: 1. وأما لحم ما ذبح للأوثان فإننا نعلم أن المعرفة لنا جميعا. إن المعرفة تنفخ، أما المحبة فتبني. 2. فمن ظن أنه يعرف شيئا، فهولا يعرف بعد كيف ينبغي له أن يعرف. 3. ولكن من أحب الله، فهو الذي عرفه الله. 4. وأما الأكل من لحم ما ذبح للأوثان فنحن نعلم أن لا وثن في العالم، وأن لا إله إلا الله الأحد. 5. وقد يكون في السماء أو في الأرض ما يزعم أنهم آلهة، بل هناك كثير من الآلهة كثير من الأرباب، 6. وأما عندنا نحن، فليس إلا إله واحد وهو الآب، منه كل شيء وإليه نحن أيضا نصير، ورب واحد وهو يسوع المسيح، به كل شيء وبه نحن أيضا. 7. ولكن ليست المعرفة لجميع الناس، فهناك بعضهم، من جراء تعودهم حتى اليوم على الوثن، يأكلون لحم ما ذبح للأوثان كأنه كذلك، فيتدنس ضميرهم لضعفه. 8. ليس لطعام أن يقربنا إلى الله، فإن لم نأكل منه لا ننقص، وإن أكلنا منه لا نزداد. 9. ولكن أحذروا أن تكون حريتكم هذه سبب عثرة للضعفاء. 10. فإذا رآك أحد، يا صاحب المعرفة، جالسا على الطعام في هيكل الأوثان، أفما يبنى ضمير ذلك الضعيف فيأكل مما ذبح للأوثان، 11. فتكون معرفتك سببا لهلاك ذاك الضعيف، ذاك الأخ الذي من أجله مات المسيح؟ 12. وإذا خطئتم هكذا إلى إخوتكم وجرحتم ضمائرهم الضعيفة، فإلى المسيح قد خطئتم. 13. لذلك إذا كان بعض الطعام حجر عثرة لأخي، فلن آكل لحما أبدا لئلا أكون حجر عثرة لأخي.
وفي رسالته إلى الرومان، كتب في الفصل 14: 1. تقبلوا ضعيف الإيمان ولا تناقشوا آراءه. 2. هناك من هو على يقين من أنه يجوز له الأكل من كل شيء، في حين أن الضعيف لا يأكل إلا البقول. 3. فعلى الذي يأكل ألا يزدري من لا يأكل، وعلى الذي لا يأكل ألا يدين من يأكل، فإن الله قد تقبله. 4. من أنت لتدين خادم غيرك؟ أثبت أم سقط، فهذا أمر يعود إلى سيده. وإنه سيثبت، لأن الرب قادر على تثبيته. 5. من الناس من يميز بين يوم، ويوم، ومنهم من يساوي بين الايام كلها. فليكن كل منهم على يقين من رأيه. 6. فالذي يراعي الأيام فللرب يراعيها، والذي يأكل من كل شيء فللرب يأكل فإنه يشكر الله، والذي لا يأكل من كل شيء فللرب لا يأكل وإنه يشكر الله. 7. فما من أحد منا يحيا لنفسه وما من أحد يموت لنفسه، 8. فإذا حيينا فللرب نحيا، وإذا متنا فللرب نموت : سواء حيينا أم متنا فإننا للرب. 9. فقد مات المسيح وعاد إلى الحياة ليكون رب الأموات والأحياء. 10. فما بالك يا هذا تدين أخاك؟ ومما بالك يا هذا تزدري أخاك؟ سنمثل جميعا أمام محكمة الله. 11. فقد ورد في الكتاب: يقول الرب: بحقي أنا الحي، لي تجثو كل ركبة، ويحمد الله كل لسان. 12. إن كل واحد منا سيؤدي إذا عن نفسه حسابا لله. 13. فليكف بعضنا عن إدانة بعض، بل الأولى بكم أن تحكموا بأن لا تضعوا أمام أخيكم سبب صدم أو عثرة. 14. إني عالم علم اليقين، في الرب يسوع، أن لا شيء نجس في حد ذاته، ولكن من عد شيئا نجسا كان له نجسا. 15. فإذا حزن أخوك بتناولك طعاما، فلم تعد تسلك سبيل المحبة. فلا تهلك بطعامك من مات المسيح لأجله، 16. فلا يطعن في ما تنعمون به. 17. فليس ملكوت الله أكلا وشربا، بل بر وسلام وفرح في الروح القدس. 18. فمن عمل للمسيح على هذه الصورة هو مرضي عند الله ومكرم لدى الناس 19. فعلينا إذا أن نسعى إلى ما غايته السلام والبنيان المتبادل. 20. لا تهدم صنع الله من أجل طعام. كل شيء طاهر، ولكن من السوء أن يأكل المرء فيكون حجر عثرة لغيره، 21. ومن الخير ألا تأكل لحما ولا تشرب خمرا ولا تتناول شيئا يكون حجر عثرة لأخيك. 22. أما يقينك فاحفظه في قرارة نفسك أمام الله. طوبى لمن لا يحكم على نفسه في ما يقرره! 23. وأما الذي تساوره الشكوك، فهو محكوم عليه إذا أكل، لأنه لا يفعل ذلك عن يقين. فكل شيء لا يأتي عن يقين هو خطيئة.
لقد تم احترام الحظر المفروض على استهلاك الدم من قبل المسيحيين بعض قرون. فترتليان (222) يتحدث عنه في كتاباته. وفي عام 692، منع مجلس الكنائس في القسطنطينية استهلاك أي طعام يحتوي على دم، ومن يفعل ذلك يتم حرمانه من الكنيسة، وإن كان كاهنا يفصل من الكهنوت.
تحريم الحصان هناك بعض موانع الطعام بين المسيحيين على مر القرون. ففي فترة حكم الميروفينجيان (القرن الثامن) حرم البابا غريغوري الثالث وخليفته زكريا 1 لحم الحصان. هذا الموقف كان يهدف إلى إبعاد الألمان الوثنيين عن المآدب التي كان يؤكل فيها لحم الخيول التي يتم تضحيتها لعبادة الإله أودين. وكلما أكل إسكندنافي تحول للمسيحية لحم الخيول، يتعهد بالولاء لإيمانه القديم، وبالتالي ينكر الإيمان المسيحي. والتضحية الوثنية هي السبب الحقيقي لحظر لحم الخيل. لتدمير الوثنية، اعتبر رجال الدين هذا لحم الخيل نجسًا. في وقت لاحق، من ترسيخ التبشير، تم التغاضي عن هذا المنع ولم يعد اللحم نجسًا أو بغيضًا من الناحية الدينية، ومع ذلك يبقى في أذهان الناس، طعامًا غير صحي أو على الأقل خارج عن المألوف. ولكن عاد الناس لأكله بعد التراجع تراجع الجيش الفرنسي من روسيا عام 1812. واليوم يتم اقفال مجازر الخيول الواحدة تلو الأخرى نتيجة لحملات حماية الحيوانات.
التقشف يمتنع المسيحيون مبدئًا عن تناول اللحوم يوم الجمعة والصوم الكبير، ولكن هذه القاعدة يتم التغاضي عنها تدريجيا، بينما في السابق كانت مخالفة هذا المنع تعاقب بشدة. واليوم نرى تحولًا من الحظر الديني إلى المعايير الغذائية: فنحن نمتنع عن تناول بعض الأطعمة للحفاظ على نحافة الجسد بدلاً من إنقاذ الروح.
موانع الطعام عند بعض الجماعات المسيحية تستمر بعض الجماعات الدينية المسيحية في المحافظة على بعض موانع الطعام التوراتية. هذا هو الحال خاصة بالنسبة للأدفنتست الذين يوصون بالأغذية النباتية واللبنانية واحترام الموانع التوراتية المتعلقة بالحيوانات. وهم يعتقدون أن "التمييز بين الحيوانات النقية والحيوانات غير النقية يعود إلى زمن نوح، قبل وجود إسرائيل بوقت طويل. وكمبادئ صحية، لا تزال هذه القوانين الغذائية سارية". بالإضافة إلى ذلك، يوصون بالامتناع عن التدخين (التدخين يعتبر انتحار ببطء، وبالتالي ضد الوصية: " لا تقتل" (خروج 20: 13) كما يوصون بعدم استهلاك الأطعمة التي تحتوي على الثيين والكافيين والكحول. وفي طقوسهم الدينية، يستخدمون عصير العنب بدلاً من النبيذ. وعلى الرغم من امتناعهم عن تناول الدم (نقانق الدم، إلخ)، إلا أنهم لا يعارضون نقل الدم كما يفعل شهود يهوه. ولا يلتزم المورمون بالحظر التوراتي على الحيوانات لكن ينصحون بعدم استهلاك الدم (نقانق الدم، إلخ). ومن ناحية أخرى، يمتنعون عن التدخين واستهلاك الأطعمة التي تحتوي على التيين والكافيين والكحول. ولا يتلزم شهود يهوه بقواعد موانع الطعام التوراتية ويشربون الخمر، لكنهم يحظرون استهلاك الدم ونقل الدم، تمامًا كما يحظرون التدخين اعتمادًا على مقولة القديس بولس: "ولما كانت لنا، أيها الأحباء، هذه المواعد، فلنطهر أنفسنا من أدناس الجسد والروح كلها، متممين تقديسنا في مخافة الله"(كورنثوس الثانية 7: 1). على الرغم من أن المجموعات الثلاث تعارض استهلاك الدم بدرجات متفاوتة، إلا أنها لا تتطلب ذبحًا طقسيًا كما يمارسه اليهود. وبالمثل، فإنها تتجاهل القاعدة التوراتية التي تحظر خلط اللحوم مع الحليب. هناك أيضًا أوامر دينية مثل رهبنة الكارثيين الذين يجعلون الامتناع من جميع اللحوم نقطة أساسية في نظمهم. فنقرأ في الفصل 7 من نظام الأساسي: مراعاة لنظام اعتمده آباؤنا الأوائل واحتفظنا بها بعناية خاصة، فقد امتنعنا عن استخدام اللحوم. إنها في الحقيقة سمة مميزة للنظام ودلالة على التقشف الشديد الذي نريد أن نبقى فيه، بعون الله.
الخاتمة لذلك يمكننا أن نستنتج أن المسيحيين، باستثناء المجموعات الثانوية، لا يعرفون موانع الطعام الدينية. وإذا كان المسيحيون الغربيون اليوم لا يأكلون الفئران أو الكلاب، فهذا يرجع اعادات الطهي أكثر من المحظورات الدينية. في المقال التالي سأتحدث عن موانع الطعام عند المسلمين.
. النبي د. سامي الذيب مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى، بما فيها كتابي عن الختان: https://sami-aldeeb.com/livres-books يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb https://www.patreon.com/samialdeeb
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سؤال للمتخصصين في اللغة العربية
-
صندوق العجائب: موانع الطعام عند اليهود 2
-
صندوق العجائب: موانع الطعام عند اليهود
-
صندوق العجائب 7: الخمر في الإسلام 4
-
صندوق العجائب 6: الخمر في الإسلام 3
-
صندوق العجائب 5: الخمر في الإسلام 2
-
صندوق العجائب 4: الخمر في الإسلام (1)
-
صندوق العجائب 3: الخمر في المسيحية
-
صندوق العجائب 2: الخمر في اليهودية
-
صندوق العجائب 1: الخمر عند سامي الذيب
-
هل الختان هو الشر الأكبر؟
-
قرار جمهورية الحمير
-
صندوق العجائب: حلقة تمهيدية
-
أنتم لا تسألون - طبيبٌ جليليّ
-
مسلم متحول للمسيحية يدافع عن جريمة الختان
-
فقرات من الحلقة 43 حول مؤامرة الصمت: ختان الذكور والإناث
-
خواطر حول الختان ودعوة للشهادة
-
شهادة مختون (3)
-
شهادة مختون (2)
-
شهادة مختون (1)
المزيد.....
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|