|
الحرب السورية موقف ومسؤولية النظام والمعارضىة
مازن ميالة
الحوار المتمدن-العدد: 6355 - 2019 / 9 / 19 - 15:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أطلقت على صفحتي الفيسبوكية وعدا، بأن أقوم ببعض المراجعات للشأن السوري وإرتأيت أن أبدأ بموضوع الحرب، لأنه موضوع مفصلي وخلافي إلى أقصى الحدود، والموقف السياسي من الحرب هو بنفس القدر من المفصلية والأهمية. وفق قناعتي فإن قيمة أي مراجعة للحالة السورية تتحدد إلى حد بعيد إن لم أقل بالمطلق، وفق موقف هذه المراجعة من الحرب.
سأحاول في البداية أن آتي وبشكل مختصر على الحصيلة الإجمالية للحرب أي آثارها ونتائجها المادية والإجتماعية والإنسانية، ومن ثم سأتناول مواقف أطراف الصراع منها ومسؤوليتها فيها. حالة الحرب أصبحت ومنذ نهايات عام 2011 بديلاً عن النظام الذي كان يسيطر حتى ذلك التاريخ على كامل الجغرافيا السورية، كما سجلت وبنفس الأوان نهاية الإنتفاضة الشعبية السلمية ونهاية النضال السلمي للتغيير الديمقراطي. ورغم أن حقبة الحرب لم تنته الى الآن، إلا انه يمكن التأكيد على أنها أسوأ فترة في تاريخ الكيان السوري بلا منازع. وإذا كان نظام الأسد قد عاد بسوريا، وذلك بالنظر الى كمونها الإقتصادي والحضاري البشري السابق له، عشرات السنين الى الوراء، فقد حققت الحرب خلال سنواتها الثماني الماضية قدراً مضاعفا من التأخير والهدم لأسس هذا الكيان. العديد من الدراسات والتقديرات الإقتصادية تتناول الحصيلة الكارثية لهذه الحرب، وتتراوح تقديرات الخسائر المادية ما بين 300 مليار دولار الى ضعف هذا المبلغ. وإذا أخذنا بعين الإعتبار أن مجمل الناتج المحلي السنوي قبل الحرب قد بلغ تقريبا 60 مليار دولار، فإن الخسائر الإقتصادية لسوريا هي في حدودها الوسطى ما بين 5 الى 10 أضعاف الناتج المحلي لعام 2010. أما إذا أخذنا بعين الإعتبار قيمة الناتج المحلي السوري في الوقت الراهن، والذي يبلغ مقدار1/5 (الخمس) من قيمة الناتج لعام 2010 بالدولار، فلكم أن تقدروا نظرياً، كم من السنين يلزمنا، لو توقفت الحرب الآن وأخذنا بالإعتبار معدلاً عالياً للنمو، حتى نصل إلى مستوى عام 2010. مع ذلك ورغم هول الخسائر المادية للحرب، فإنها قد لا تكون بنظري الخسارة الأفدح. خسائر شبيهة تعرضت لها شعوب أخرى في أوروبا واليابان في الحرب العالمية الثانية واستطاعت بعدها أن تستعيد عافيتها وتنافس على قمم التطور مع الشعوب الأخرى، خلال عقد أو إثنين من التطور. الخسارة الأكبر حسب رأيي هي في الجانب المجتمعي والإنساني. فالحرب قد نشرت الفجائع والتهمت أرواح مئات الآلاف من السوريين ولا تكاد توجد عائلة سورية لم تفجع بأحد من أفرادها، كما شردت نصف مجموع السكان مع انعدام فرص العودة لأكثريتهم بسبب فقد وتدمير مساكنهم بحد ذاتها... مئات الآلاف من الأطفال فقدوا مدارسهم وفرص التعليم وجميع أشكال الرعاية الصحية والإجتماعية... وتسببت أخيرا بكوارث انسانية شاملة في مناطق الصراع وتدني كارثي لمستويات المعيشة في المناطق الأخرى. الحرب خلقت بيئة مثالية على الصعيد السياسي للمغامرين والإنتهازيين وتجار السياسة والدين لإستغلال الإحتقان القائم بصب الزيت على النار لرفع سوية الإحتقان وتأجيج الحرب. لا يختلف الأمر على الصعيد المجتمعي فقد خلقت الحرب أيضاً بيئة مثالية للقتلة واللصوص والمجرمين والمافيات من مختلف الأشكال والإصطفافات وعلى طرفي جبهات القتال، بينما دفع المواطنون السوريون من الفقراء والغلابة أثمانها الباهظة من أرواحهم وممتلكاتهم وحاضرهم ومستقبلهم. وهؤلاء بالإجمال لم يكن لهم خيار في هذه الحرب، فلا هم أرادوها ولا هم أشعلوها. تسببت الحرب بنزيف هائل للعقول والخبرات والكفاءات العلمية والتقنية رافقه نزيف لرؤوس الأموال الى الخارج. والكل يعرف كم قليلة هي فرص عودة هذه العقول وتلك الأموال الى سوريا في المستقبل، ما لم يعود السلام والإستقرار وتنتفي فرص عودة الحرب. الحرب سلبت المجتمع السوري بقايا قيم السلام والثقة والتعايش بين مكوناته وأفراده، ليحل محلها الحقد والكراهية على المختلف دينياً ومذهبياً، ولم تتوقف حالة الكراهية والحقد عند حدود الإختلاف الديني والمذهبي بل تعدتها إلى مجرد الخلاف في الرأي سواء الفكري أو السياسي، حتى ليبدو أنه قد انعدمت فرص جمع السوريين حتى فيما يجمعهم مصلحياً وموضوعياً. لا أستبعد أن تمتد هذه الحالة إلى أجيال أخرى ما لم يتم إجتثاث هذه الحرب وأسباب استمرارها. الحرب أوقعت ملايين جديدة من السوريين في حالة من الهوان والذل غير المسبوق، بسبب العوز إلى تأمين حاجاتهم الوجودية، فإنخفاض متوسط دخل الفرد السوري بالدولار يصل الى حوالي ثمانين بالمئة من قيمة دخله عام 2010، ما جعل جميع أصحاب الدخل المحدود الذين يفتقدون لمصادر أخرى للدخل في عداد من هم دون خط الفقر. وقائع الحرب بحد ذاتها كانت فلم رعب طويل يعج بأبشع صور البربرية والهمجية، وانتفاء القيم والأخلاق العسكرية في حدودها الدنيا ومن قبل طرفي الصراع، وهذا إن دل على شيء، فهو دليل على ماهية هذه الحرب الإجرامية بحد ذاتها، وثقافة وأخلاق الأطراف التي تقودها. الحرب بحد ذاتها بأفقها ووسائلها المفروضة، وحتى لو كانت نتائجها الميدانية عكس ما هي عليه الآن، لم تكن لتقدم أي بديل يلاقي تطلعات السوريين ومصالحهم المشتركة في نظام ديمقراطي وطني. فلو سقط النظام ميدانيا في ساحة الحرب، فلم يكن ليحل مكانه، وبالنظر الى طبيعة القوى التي قادت المعارضة المدنية والعسكرية، سوى التقسيم وإنشاء كانتونات طائفية أو إثنية، وإمارات إسلامية راديكالية، أو مناطق نفوذ لجهات إقليمية أو دولية. في كل الأحوال كانت حالة الحرب ستبقى حالة دائمة ولأمد طويل. لم أكن بصدد أن أقدم جرداً شاملاً للحصيلة الكارثية للحرب السورية، فهذا قد يحتاج إلى أبحاث علمية وإنما أردت فقط أن أساعد في تقديم صورة موضوعية شاملة عن وقعها وعواقبها ولاستنتج في النهاية أنه لو أمكن الحديث عن مؤامرة، فإن هذه الحرب هي التجلي الحقيقي لهذه المؤامرة، وهذه النتيجة هي التي يجب أن تكون مدخلا للجواب على سؤال أساسي: من هو المسؤول؟ مسؤولية ما حل بسوريا من إحلال حالة الحرب هي موضوع خلافي حاد. وسأتناول فيما يلي مسؤولية كل من النظام والمعارضة.
اولاً: مسؤولية النظام: النظام وفق خطابه الإعلامي ينفي مسؤوليته عن الحرب الدائرة، ويعتبرها مؤامرة كونية على نظامه بسبب مواقفه الممانعة المزعومة ورفضه الإنصياع الى إملاءات الغرب وإسرائيل ووقوفه الى جانب المقاومة في لبنان وغزة...الخ. أنا بفهمي ومحاكماتي العقلية التي بنيتها خلال عشرات السنين من حكم الأسد الأب ترسخت لدي قناعة بأن نظام الأسد كان النظام العربي الذي قدم بسياساته التي انتهجها أكبر خدمة لإسرائيل ومشروعها العنصري مقارنة مع بقية دول الطوق العربي (وفق تسمية قديمة للدول المحيطة بإسرائيل). وحتى لا يكون كلامي مجرد إطلاق إتهام للنظام دون دلائل، فلا بد لي من أن أذكر بالموقف الذي كان معروفاً عن الأسد الأب، المعادي للمقاومة الفلسطينية وقضيتها حتى قبل ما يسمى بحركته التصحيحية، فهو من أفشل التدخل العسكري السوري الى جانب المقاومة خلال أحداث أيلول الأسود عام 1970 في الأردن وهو من وضع كل قواه لاحقاً وشن حروباً ومجازر لأنهاء الوجود الفسطيني المسلح والمقاومة الوطنية اللبنانية في جنوب لبنان، وهو من لم يُقصّر في زرع الشقاق والإنقسام والاحتراب الداخلي في المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينيىة متى تسنى له الأمر. ولا أنسى بهذا الصدد النشرات السياسية الأسبوعية في الجيش (الذي أديت به خدمتي الإلزامية في النصف الأول من الثمانينات) والتي لم تستثن ولا مرة الهجوم وبأقذع الألفاظ على عرفات رئيس منظمة التحرير والزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، الأمر الذي كان يعكس ذلك الحقد الدفين على عرفات وقضية شعبه. الأسد هو من خذل السادات رغم إتفاقهما المسبق قبل حرب تشرين عام 1973 في مسعاه من أجل عقد تسوية سلمية شاملة مع إسرائيل تضمن عودة الأراضي المحتلة للدول العربية بناء على مقررات الأمم المتحدة وحلاً سياسيا للقضية الفلسطينية. بمقابل ذلك ضمن الأسد لإسرائيل حدوداً آمنة على أرض الجولان المحتلة طيلة فترة حكمه ولم يحرجها سوى بمطالبة لفظية لم تقترن قط بأي مسعى عملي لتحقيق استعادة الجولان أو تسوية للقضية الفلسطينية. لا أستطيع أن لا أرى أن مثل هذه السياسة التي اتبعها مؤسس النظام السوري كانت في إتساق تام مع الحاجات الإستراتيجية للسياسة الإسرائيلية، وأنها بنيت على قناعة من قبله، بأن ما يرضي إسرائيل في سياسته هو بالتالي ما يضمن لحكمه الإستقرار والإستمرار. خلال عهد الأسد الإبن نحت السياسة الخارجية السورية إلى المضي بعيداً في التحالف القائم بين النظام السوري والنظام الإيراني، ما قد يوحي بإمكانية النظام، مستقوياً بهذا الحلف الجديد إلى الإنعتاق نسبياً من الحاجة لإرضاء حاجات السياسة الإسرائيلية على النحو الذي كان سائداً أيام حكم أبيه. هذا يقود أيضاً الى نتيجة مفادها أن النظام السوري في عهد الإبن بات يحتاج من منظار مصالح السياسة الإسرائيلية الى ضغوط بين الحين والآخر تحول دون تطور علاقته مع إيران إلى حدود تقلق إسرائيل وتخرج سوريا من دائرة الإحتواء الكامل لمصالح سياستها. وحتى أشرح وجهة نظري بشكل أكثر تفصيلاً، أضيف أن مجرد العلاقة أو الحلف بين سوريا وإيران بحد ذاته لا يقلق إسرائيل، بل يقدم لها فائدة مهمة لها تتمثل أساساً بالشرخ الذي تحدثه في الجانب العربي، تماماً كما الفائدة التي يقدمها كل من حزب الله وحماس في الشروخ التي يحدثانها في الكيانين اللبناني والفلسطيني والتي تكاد تنسف الكيانين معاً. المحظور هنا هو أن تخرج هذه الأطراف بسياساتها وتحالفاتها من دائرة الإحتواء والتحكم الضامنة. هذه التقدمة كانت من وجهة نظري مهمة للحكم على مسألة التآمر الخارجي على النظام، فأنا لا أستطيع أن أنفي موضوعة التآمر على النظام، لكنه حسب رأيي، التآمر الذي يستهدف ربما إضعافه أوتعديل سياساته في جانب وحيد منها ولا يستهدفه كنظام. لا بل أستطيع الجزم بأن إسرائيل لا ترى بديلاً عن النظام حتى ولو ارتمت كل المعارضة السورية في أحضانها، كونها –اي المعارضة- لا تستطيع أن تكون ضامناً كالنظام. أيضا أود أن أضيف أن النظام قد تمكن، ليس فقط من ارضاء إسرائيل، والغرب والشرق من ورائها، وليس فقط من بناء علاقة تحالف مع إيران، بل أيضا مع تركيا أردوغان ومع قطر الأخوان والسعودية الوهابية وحركات الإسلام السياسي بطرفيها السني والشيعي والتجمع القومي العربي...الخ. كل هذه العلاقات أمّنت للنظام دوراً إقليمياً ومكانة على الخارطة السياسية، تجعل استبعاده منها أمراً عسيراً على الأقل. أعود بعد هذه التقدمة إلى مسؤولية النظام من جديد لأسجل أن النظام مع بدء الإنتفاضة الشعبية السلمية في عام 2011 وفشله في إعادة الجماهير المنتفضة الى بيت الطاعة من جديد، الأمر الذي كان يعني أنه قد خسر إحدى الدعامات الثلاث لسياسته الداخلية كنظام، بل هي الأولى والأهم والتي تتمثل بجبروت وإرهاب النظام مقابل رعب وإذعان الجماهير. سقوط هذه الدعامة كان يعني بلا شك سقوط النظام عاجلاً أم آجلاً. مع ذلك كان النظام أمام خيارين كان يملك تقريباً كل أوراقهما، أحدهما الطريق الذي سلكه وأدى إلى ما أدى إليه، أما الطريق الثاني فكان يتمثل بأن يقر النظام بأن أوان التغيير قد حان ومن ثم يقوم بإصلاحات حقيقية بنوايا صادقة تتناول طبيعته الإستبدادية ومؤسسات الأمن والفساد، وتعيد ترتيب الأمورمع مختلف القوى السياسية الموالية والمعارضىة، بحيث يتم تفويت الفرصة على أي تآمر خارجي يتناول أمن البلد ومصالحه الوطنية . طبعاً، مثل هذه الإصلاحات كانت ستجل نهاية لهذا النظام بطبيعته الإستبدادية القائمة وتحويله الى نظام آخر أفضل. مثل هذا التغيير كان من الممكن أن يتم وفق إيقاع مضبوط وآمن، وبشكل أكثر ما يكون قرباً من التجربة التونسية. أعتقد أن نظاماً كان مطلق اليد في مقدرات سوريا وشعبها ويتحكم بكل شاردة وواردة لمدة أربعين عام، كان يملك الكثير الكثير من الأوراق كي يمرر الخيار الثاني الآمن . لا أعتقد من جانب آخر، بأن النظام قد إتخذ قرار الحرب ككتلة واحدة، فقد استمر اتخاذ هذا القرار الحاسم بعض الوقت، مارس القسم المتشدد من النظام جهده خلالها، أن يحول من خلال بطشه ووحشيته في قمع الإحتجاجات دون أن تسير الأمور باتجاه أي تسوية سياسية، ولم يكن القرار في نهاية الأمر على ما أظن قرارا للسلطة السياسية وحدها، دون تدخل أو تأثير خارجي، بل أميل للإعتقاد بأن هذا التأثير هو الذي أمال كفة الميزان وقاد الى الحسم عملياً بإغتيال خلية الأزمة في حينه. خيار الحرب من قبل النظام، بعد أن تم إتخاذه، لم يكن قط في حدود الدفاع عن النفس بل أرادها حرباً شاملة تحت شعار "الأسد أو نحرق البلد" وفعل كل ما من شأنه أن يقود إلى مثل هذه الحرب الشاملة من خلال مكانته وتأثيره في محيطه الإقليمي، بل حتى من خلال تأثيره في صفوف المعارضة. ولا أستبعد بهذا الشأن أن تكون أجهزته الأمنية شريكاً فاعلاً مع أجهزة الأمن الأخرى في ترتيب الأمور كي تتسيد القوى والشخصيات الراديكالية المتطرفة والإنتهازية والمرتزقة والمغامرين صفوف المعارضات المدنية والعسكرية التي قامت فيما بعد، بكل ما يتيح له الزعم بأنه يحارب جهات أسلامية راديكالية وإرهابية وخونة، دون أن يكذب كثيراً. بينما غيب الكثير من الشخصيات التي لا تناسب أجندته إما في السجون وإما بالتصفية الجسدية. من منظار آخر، فإن خيار الحرب الشاملة المرسومة المعالم سلفاً، والتي يجب أن تكون طائفية وعنفية إلى أقصى مدى، لم يكن من جانب النظام خياراً إعتباطياً أى إنتقامياً، بل له أسبابه البراغماتية، وأهمها أن يضع جميع أتباع الأقليات الدينية والعرقية وحتى قسم كبير من الطائفة السنية الرافضين جميعاً للمشاريع الإسلامية أمام خيارين أحلاهما مر: إما النظام أو الوقوع تحت رحمة همج الجهاد والإرهاب الإسلامي. ولا داعي هنا للإستنتاج أن صراعاً من هذا القبيل لا يدع من خيار أمام جميع من ذكرت.
ثانياً: مسؤولية المعارضة: الحرب السورية حتى تتم، كانت تحتاج طرفين مستعدين لخوضها، ولم يكن ممكنا أن يخوضها نظام مدجج ضد جماهير محتجة سلميأ ورافضة للعنف، ولذلك ولأن الحرب كانت أولوية لجهات إقليمية ودولية أيضا، فقد توجب إنشاء طرف يقبل أن يكون الطرف الثاني في الحرب المرسومة، فكانت المعارضة.
بداية، أريد ان أحدد ما أقصده عندما أذكر المعارضة هنا. إنها في الجانب المدني متمثلة بالمعارضة التي بدأت بـ"المجلس الوطني السوري" ومن ثم بـ"الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" وحظي كل منهما بدعم واعتراف عربي ودولي واسع. وفي الجانب العسكري مجمل التنظيمات والتشكيلات العسكرية التي حملت السلاح وسعت إلى إسقاط النظام بقوة السلاح. لا أود أن يفهم من كلامي بأني لا أرى معارضة أو أنفي وجود معارضة خارج الإطار الذي حددته أعلاه، بل على العكس، فأنا كنت ولا أزال أقرب بقراءاتي وفهمي ومبادئي إلى المعارضة التي لم أشملها في تحديدي أعلاه. لقد كان للمعارضة موقف من الحرب، سأحاول تلخيصه من خلال قراءتي لخطابها الإعلامي. هي ترى الحرب حرباً فقط من جانب النظام "العلوي" وحلفائه الخارجيين على الشعب السوري وثورته، وترى فيها حرب إبادة ضد السنة تحديداً، للانتقام منهم كونهم هم من قام بالثورة، كما ترى فيها حربا مذهبية من الطرف الشيعي على أهل السنة. أما فيما يتعلق بالطرف الثاني للصراع أي طرفها، فهي ترى الحرب من طرفها استمراراً للثورة الشعبية السلمية التي اضطرت لحمل السلاح كرد طبيعي على العنف المفرط للنظام ضد المتظاهرين. هذا هو بإختصار مضمون الخطاب السياسي والإعلامي للمعارضة ومن يدور في فلكها بشكل عام. وبغض النظر عن السذاجة وحتى السخف الذي يقوم عليه منطق المعارضة في خطابها السياسي، فقد اعتمدت على التأييد الخارجي الواسع لها بما فيه اعتبارها ممثلا شرعيا للشعب السوري، رافقه تأييد من قبل جمهور واسع نسبياً نظراً لحالة الاحتقان الطائفي والمذهبي الشديد، الذي أمنه النظام لها بحربه الشاملة ومستوى العنف الذي مارسه. طبعاً لا ترى هذه المعارضة أي مسؤولية في طرفها عن مجمل الكارثة السورية، فالنظام هو البادئ بالعنف بينما هي في موقع الدفاع عن "الشعب السوري وثورته". لا ترى هذه المعارضة أن الحرب هي النقيض من الثورة، بل هي الثورة المضادة، التي خنقت وقبرت انتفاضة الشعب الباسلة وأهدرت دماء المنتفضين الأوائل البواسل، الذين قاوموا مساعي العسكرة والعنف والطائفية دفاعاً عن شرف ونظافة الانتفاضة. لا ترى هذه المعارضة مسؤوليتها حتى في الفشل الذريع التي حصدته، رغم الدعم الكبير الذي نالته من مختلف القوى الإقليمية والدولية، بل لا تكف عن الشكوى من أن أصدقاءها وداعميها قد خذلوها، لأنهم لم يجعلوها تنتصر على الأسد وحلفائه ، ليقدموا لها السلطة على طبق من ذهب، كما فعلوا في ليبيا مثلاً، في حين أنهم لم يتوقعوا أو ينتظروا غير ذلك. في الواقع، وهذه نقطة في غاية الأهمية، فإن المعارضة السورية لم تر ومنذ البداية سوى الطريق الليبي للوصول إلى السلطة، لأن النظام بمنطقهم لا يفهم سوى لغة القوة والعنف، ولذلك فإنهم وقفوا موقف العداء من كل مساعي التسوية السياسية مكررين بأنهم لن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات إلا على تسليم السلطة وهاجموا مبعوث الجامعة العربية في حينه وجميع مبعوثي الأمم المتحدة للسلام في سوريا من بعده، وهاجموا وخونوا حتى المعارضين الذين كانوا يرون ضرورة أن لا يستمر الحل عسكرياً، أو أنهم لا يرون فرصة لحل عسكري بالأساس، ويرون بالتالي ضرورة ملاقاة مساعي التسوية السياسية في مراحل مساعيها الأولى. وفي كل الأحوال تحملت المعارضة وزر إفشال مشاريع التسوية في آنها وفي طليعتها بيان جنيف1 برعونة منقطعة النظير، بما أعفى النظام من تحمل وزر ذلك. هذه الرؤيا التي بنت عليها المعارضة استراتيجيتها، وبدعم حلفائها الاستراتيجيين (تركيا، بعض دول الخليج وخاصة عرابة الربيع العربي دولة قطر، والغرب عموماً) ، هي تماما ما كان يحتاجه النظام لتبرير حربه بالمنحى الشامل، الذي سبق وأشرت إليه. وهكذا فقد اجتمعت أجندات كل من النظام والمعارضة والقوى الإقليمية والدولية على حرب كسر عظم بين النظام والمعارضة كعنوان، وتدمير لسوريا ومقدراتها بالمضمون. هذه الرؤيا السياسية للمعارضة السورية هي التي جعلت المعارضة الشريك الفعلي للنظام في المسؤولية عن الحرب- المؤامرة على سوريا، وهي شريك في المسؤولية عن كل الجرائم التي ارتكبت خلال هذه الحرب الدموية، بما فيها الجرائم التي ارتكبتها قوات النظام وحلفاؤه أو التنظيمات الإسلامية المتطرفة، لأنها (أي المعارضة) شريك، لم يكن يمكن بدونه أن تحل الحرب دون كل الوسائل الأخرى، طريقاً وحيداً لحل الصراع. لا يقلل من مسؤولية هذه المعارضة أي عذر من قبيل أنها خُدعت أو خُذلت من قبل حلفائها أو أنها كانت غافلة أو أنها افتقرت في ذلك الحين للتجربة السياسية. ربما كنت أجد بعض العذر، لو كانت هذه المعارضة وطنية في أدائها على الأقل... لو أنها لم تمارس الفساد... لو أنها قامت بمراجعة شريفة لأدائها طيلة فترة الحرب وحاسبت المسؤولين، ولكن لأنها لا هذا ولا ذاك فإنها تستحق التجريم دون أعذار مخفضة للجرم. تحضرني في هذا المقام استقالة الرئيس الأول للإئتلاف السيد معاذ الخطيب، وهو رجل دين إسلامي وخطيب الجامع الأموي وليس رجل سياسة متمرس، بعد ما يقرب من 4 شهور على توليه منصبه، رافضاً المشاركة في تحمل المسؤولية عما يجري من حرب، وقوله أن ما يجري على الساحة السورية هو لعبة أكبر من النظام والمعارضة بآن. وقد لا يكون الرجل قد أدرك في حينه أبعاد هذه اللعبة بالكامل، لكن موقفه هذا كان موقفاً شريفاً يُحسب له. لم أنس طبعاً حجم الهجوم الذي تعرض له الخطيب إزاء موقفه ذلك من قبل رموز هذه المعارضة وجمهورها ودفاعاً عن رؤآهم ونهجهم الرافض في حينه لأي تسوية عبر المفاوضات. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: من، وماذا يقف خلف هذه الرؤى والمواقف السياسية المتطرفة للمعارضة السورية؟. وأجيب: بأن هذه الرؤى والمواقف نشأت من مزيج من المؤثرات، وأيضا كما في حال النظام، داخلية وخارجية. - ضمن المعارضة: إنها مزيج من فقدان التجربة السياسية والقراءة الموضوعية للسياسة الدولية وطبيعتها، مقترنة مع التجربة السياسية والثقافية والمرجعية الفكرية للإسلام السياسي عامة، والأخوان المسلمين خاصةـ والتي سادت في المعارضة ضمن أجواء الصراع القائمة في حينه. ورغم أن مؤسسات المعارضة المذكورة كانت تحوي العديد من القوى والشخصيات من خارج الطيف الإسلامي، إلا أن هؤلاء قد ساروا، إما انتهازياً خلف الإسلاميين وأجنداتهم ورؤاهم طمعاً بنصيب من الكعكة بعد سقوط النظام الذي توقعوا أنه حاصل لا بد عاجلاً أم آجلاً، أو ارتزاقاً، فمنهم من نجح في قبر فِقرهِ مقابل بيع ذمته. هناك أيضا قسم معتبر وواسع إنجر وراء قناعة بأن الصراع هو طائفي ومذهبي في صلبه ومضمونه وهو بالتالي قد إنحاز إلى الطرف الذي يمثل طائفته في هذا الصراع. وحتى لا أظلم أحد، فلربما هناك من يعتقد حقاً بأن أي بديل عن نظام الأسد ولو كانت الحرب الأهلية الدائمة، هي أفضل من بقائه مع كل ما يشهده من نتائج ملموسة للحرب على الأرض. أعود للمرجعية الفكرية والسياسية للإسلام السياسي فأضيف بأنها تشترك مع مرجعية النظام بأكثر من نقطة مفصلية، فكلتا المرجعيتين بُنتا على مصلحة مشتركة في أن تكون الحرب شاملة وتحت عنوان طائفي يكون النظام فيها ممثلاً وحامياً للأقليات عموماً والعلويين خصوصاً من مخاطر "الإبادة والتهجير"، ويكون الإسلام السياسي ممثلا للأكثرية السنية ورافع لواء حقها في رفع الإضطهاد والقمع والإبادة، ومن ثم استعادة الحق في الحكم من الأقلية العلوية في حكم سوريا.. الخ، ولم يكن استثمارهما في الطائفية والعنف في السياسة إستثناءً في هذه الحرب بل تكراراً لما فعلاه أيضا في الثمانينات. من جانب آخر، المرجعيتان متحررتان من قيم الوطنية ومبادئ حقوق الإنسان وحتى المبادئ بشكل عام، وهما تمارسان المكيافيلية والكذب والنفاق والعهر السياسيين، طالما هما تعتقدان بأن هناك مردود لذلك. - التأثير الخارجي: بما أن المعارضة بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية كانت تعيش على الدعم والتمويل الخارجيين، فقد كانت بالتالي محكومة بالإرتهان لجهات الدعم وأجنداتها. أما التأثير الأكبر في العامل الخارجي فهو يرجع في الحالة السورية، وخاصة في المراحل الأولى، الى كل من قطر وتركيا بشكل خاص وبدرجة أقل السعودية من جانب، واميركا والغرب وإسرائيل من ورائهما من جانب آخر. هذه الأطراف مجتمعة، ليس ها أدنى مصلحة في انعتاق السوريين من الاستبداد ولا في نيلهم للحرية ولا في تقدمهم وبنائهم لدولة عصرية، بل على العكس تماماً. وباستثناء إسرائيل التي كانت الرابح الأكبر من هذه الحرب على المستوى الاستراتيجي، فقد كان كان لبقية الدول الداعمة للمعارضة مصالحها، فتركيا الأردوغانية وجدت في الحرب فرصتها لتوسيع نفوذها وتعزيز دورها الإقليمي، السعودية وجدت في الحرب فرصة لإبعاد خطر تحقيق تغيير ديمقراطي حقيقي في سوريا، بالإضافة للحد من المد الشيعي في ساحة بعيدة عنها. قطر ونظامها كانت ولا تزال الوكيل المعتمد لإسرائيل في العالم العربي، ولم تكن عراباً لما يسمى الربيع العربي إلا بتفويض منها ولتنفيذ غاياتها. أما البقية فهم معنيون بالإجمال بمصلحة إسرائيل، التي أصبحت الرابح الأكبر من الحرب السورية كما ذكرت.
أود في الختام أن أضيف أني عندما تناولت الأطراف الداخلية في الصراع وحملتها كامل المسؤولية عن هذه الحرب الإجرامية، لم أكن لأغفل عن الأدوار الخارجية وتأثيرها الحاسم ربما، سواء في التأسيس لهذه الحرب أو وضع غاياتها ووسائلها وتمويلها لتحقيق الغايات المرجوة منها، وقد أشرت إلى إفتراضي بوجود هذا التأثير في جانبي الصراع، أي النظام والمعارضة، ضمن ما سبق من تحليل. إنه بالأساس النظام الدولي الجائر والقائم على المصالح التابعة للدول أو الفئات الحاكمة فيها وصراع هذه المصالح. هذا النظام الدولي والصراع بين أقطابه على المصالح، هو الذي يشعل الحروب وبؤر التوتر والصراع، إما لخلق فرص لنفوذ جديد أو لتأبيد الهيمنه على الدول ومقدراتها، وليس في أبجديته أي مكان للإعتبارات الأخلاقية والمبدئية وحقوق الإنسان على الأطلاق. أضيف هنا بأن النظام بنواته الصلبة كان دوما يدرك ماهية النظام الدولي ويسعى للاستفاد من إدراكه هذا أقصى ما أمكن، فيما المعارضة، وسواء بإدراكها أو جهلها لطبيعة هذا النظام الدولي، فقد قبلت بأن تكون أدات هذا النظام الدولي في تنفيذ أجنداته وقبلت أن تكون طرفا في الحرب الموامرة على شعبها. وهي لا تزال تمارس العهر السياسي بتكرار أن هذا "العالم الحقير" هو من خذلها وحال بينها وقنص السلطة من النظام، وهو العالم الحقير الذي لا يكترث للضحايا والخسائر التي يتكبدها الشعب السوري.
#مازن_ميالة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض العبر من ثورتي مصر وتونس
-
الإنسان أولا - البقاء للأسوأ
-
الإنسان أولا - البعد السوري
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|