|
الثانوية التأهيلية محمد الزرقطوني: هرطقة في هرطقة
هدى الخباني
كاتبة
(Houda El Khoubani)
الحوار المتمدن-العدد: 6355 - 2019 / 9 / 19 - 07:53
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
عندما انتقلت إلى المرحلة الثانوية، لم تعجبني أجواء الثانوية، فقد كانت مظاهر التخلف والهيمنة الذكورية وثقافة التسيب رموزاََ لهذا المكان، مدير لسانه فظ، منعدم الضمير والأخلاق، غير عادل، رث في سلوكاته، غير منظم في مظهره الخارجي، لا يحترم الأساتذة والتلاميذ، كان يذكرني بشخصية أسطورية يونانية تدعى نركسوس، حين كان هذا الرجل آية في الجمال لدرجة أنه أحب نفسه حتى الموت بمجرد رؤية انعكاس وجهه في الماء، الفرق بين عبد الرحمان الجابري ونركسوس هو الجمال، أما القاسم المشترك بينهما هو الاضطراب النفسي" النرجسية". كان هذا المدير يتجنب الاعتذار في المواقف، في حال تعرضه للنقد يغضب هستيرياََ، نظرته للجميع فوقية دون استثناء، شخصيته السيكوباتية التي تعتبر أخطر أنواع الشخصيات السلبية على الإطلاق ترعب المتعلمين والأطر التربوية، عديم الرحمة، قاسي القلب، يستعمل الكلمات الجارحة في المواقف الصعبة والسهلة، عدائي ومتقلب. كان المدير عبد الرحمان الجابري يلقب كل تلميذة تضع ماكياجا أو ترتدي وزرة قصيرة ََ ب" الشيخة"، عيناه الجاحظتان توحي إلى ما لا تحمد عقباه، مدير يقدسونه كالإله، الكل يطيعه سمعا وطاعة، كنت أقرأ في هذه الطاعة حقيقة النفاق وانعدام الثقة بالنفس عند رؤيته وليس الاحترام، الاحترام يقوم على الشجاعة، الصراحة والوضوح، فاحترم الذات سبيل إلى احترام الآخر، حيث يكون متبادلاََ بين الطرفين، يخلو من التنفيذ دون نقاش أو مجادلة وجرعات الفوبيا. كان الجابري يكره أي نشاط تربوي في المؤسسة، مدير ضد التغيير والحلم، رافل في التقاليد السالفة، لا يريد منا أن نثور، نبدع، نعبر عن مواقفنا وآرائنا، ما يخالج ذواتنا، ما يجيد إتقانه هذا الرجل هو القمع، قمعنا، السخرية منا، هدفه أن نصبح بهائم تأتي إلى المؤسسة لترعى الهعخع ثم تعود إلى ديارها. أما بالنسبة للأساتذة، معظمهم اعتدى على شرف المهنة، لوث سمعتها، منهم من لطخها بطيشه، حيث يدخل إلى حجرة الدرس ليجسد دور المهرج أو الكوميدي، منهم من يشرع في كتابة جملة عند بداية الدرس ويتبعها بقصة جيرانه، أصدقائه وعائلته التي قست عليه كما يقسو الزمن على الإنسان، منهم من يجلس على الكرسي واضعا رجلا على رجل وعلى شفتيه عبارته المفضلة " قراو، مَا تقراوش، شغَلکُم هَاداک، انَا خَلصتِي کَاتشَدهَا"، أتذكر أستاذا كتب " اتبع" على الشكل التالي " التبع"، قام أحد الطلاب بتصحيح الفعل، بدت عليه سمات الانزعاج، أردف: " بحال بحال، الله يرزق غير الصحة والسلامة ".. منهن من تميل إلى تفضيل الذكور وتسمح لهم بالغش في الامتحانات، متظاهرة بأنها لم تلاحظ حالة غشهم، تنفجر حسداََ من التلميذات الجميلات، المهذبات والمثقفات، لا تميل إلى أن تكون موضوعية مع نفس الجنس وتزيح أمراضها النفسية جانباََ، وهذا عائد إلى عقد نفسية خطيرة، منهم من يميل إلى تفضيل الإناث على الذكور، حيث يرى فيهن رمزا للجنس لا التعليم والتثقيف، يتم استغلال هؤلاء الغبيات عن طريق التواصل في العالم الافتراضي بهدف إشباع رغبات مكبوتة مقابل الحصول على التقييم الجيد، وبالتالي نكون أمام فوضى غير أخلاقية وسيبة مبالغ فيها يمارسها مجموعة من الأساتذة الذين يفتحون الباب أمام اللاتكافؤ وانتشار ثقافة التطرف والتميبز جراء اضطرابات وعقد نفسية يعانيها هؤلاء المرضى. عندما يتغيب التلاميذ، يضطرون إلى الولوج للإدارة السافلة التي يترأسها ويتعين شؤونها رجل عجوز لا يحمل شهادة معينة ولا يميز بين الألف والزرواطة، يتعالى على كل تلميذ، خاصة النجباء الذين يفوق مستواهم المعرفي والثقافي مستوى أساتذتهم ومديرهم. عَلّال عمل في البداية حارساََ لباب المدرسة، سرعان ما تحول إلى حارس عام، صحيح أن كلمة " حارس" بقيت ثابثة، لكن هناك فرق بين " بابِِ" و"عام"، وإذا أغمضنا عيوننا على هذه المعضلة، فإننا نسهم في المشاركة في جريمة بشكل غير مباشر داخل فضاء تعليمي يزيد سوء فشله وديكتاتوريته. كان علال رجلاََ بسيطاََ عندما كان حارساََ لباب الثانوية، ثيابه رثة، عيناه حزينتان، شفاهه الصامتة التي لا تنطق تبوح بأسرار لا يعرفها إلا هو، مقموع، كان يقوم بمهمته على أكمل وجه، ولكن هل ظل علال على حاله وحافظ على مبادئه عندما أصبح حارساََ عاماََ في الإدارة ؟ كنت كلما تصادفت معه في الساحة، تخاطبني نفسي وتقول: " لو كنت صحفية، لحاربت هذا الفساد، لأدخلت مديرك السجن. كيف تحصل على منصب لم ينله حامل الشهادات العليا ؟ أين العدل يا الله ؟ كل ما أعرفه عنك أنك عادل، فلماذا أرى الجور والظلم والزيف ؟ يرتدي علال كل يوم بذلة رسمية، نظارات بيضاء، يضع أصبعه على الإطار ويقوم بتحريكها يمينا وشمالا دلالة على أنه رجل مثقف عميق وجدير بالاحترام وكلمته شرف، وضع نظارات ليس لضعف بصره، بل لأنه يقلد ما يراه على قناة الصرف الصحي دوزيم، حركات أبطال مسلسل سامحيني. يناديه التلاميذ بالأستاذ، مناداة ليست غاية في ذاتها، بل هي وسيلة من أجل الفوز بورقة السماح، كانت عيون علال زائغة، تجحظ وتفقد صوابها عند رؤية مؤخرة كبيرة أونهدين بارزين أو" الغاشوش" كما يسميهما، أمثال هذا النموذج لا يحتاج إلى وسيلة المناداة، الصدر والمؤخرة يكفيان. قطعت على نفسي وعدا بأن لا أتغيب يوماََ كي لا أقع في همجية علال وحيوانيته، وأتفادى الدخول في معركة قد أكون الخاسرة فيها لأن مواقفي حقيقية وهم تعودوا على الزيف. حواريو المدير وأتباعه لا يقلون حيوانية وهوساََ بممارسة لعبة فرض السلطة والهيمنة الذكورية داخل المؤسسة، حيث كان الحب يعتبر جريمة ومحرم بين الذكور والإناث، يمنع منعا كليا تشابك الأيدي ولمسها، كل ما علمونا كتل من النفاق والكره والحقد، العيب، الحرام، الحلال، والثوابت، المبرر الوحيد الذي يبرهن سلوكاتنا هو المرجعية الدينية. نائب المدير الذي أصبح مديراََ الآن، والذي ينهج نهج مديره السابق، ولكن مع ماكيافيلية أكبر، متحفظ الشخصية، يرتدي اللون الرصاصي باعتباره لون رجال الأعمال، لون الوقار والرسمية، يلقبونه ب" جونغوما"، يقف كل صباح أمام باب المؤسسة ليراقب وجوه الفتيات وملابسهن، ومن تخالف القوانين المريضة تدعى ب" القحبة" ثم تطرد، لسانه وذماغه يقولان هذا، لكن قضيبه ينزف استمناءاََ نفسيا وجنسيا لهذه التلميذة الموصوفة بالقحبة. قوة رمزية تمارس على الجسد بشكل مباشر، الرجولة ذاتها تأخذ بعداََ عنيفاََ حينما يتم التعامل مع العضو التناسلي كسلاح، حيث يأخذ التفاوت بين الذكور والإناث بعدا طبيعيا وجوهريا في المنظومة التعليمية الفاشلة. الذكور يرتدون ما يريدون والإناث يرتدين وزرة لأن النظرة إليهن نظرة عورة، ولهذا يجب أن تغطي صدرها ومؤخرتها، فليتم تحجيب الرجل ليداري مفاتنه ؟ أنا لا أريد أن أشتري حجابا بمائة وستون درهما وأدخل الجنة بمائة وخمسون درهما، أريد أن أدخل إلى الجنة بسلوكي لا قماش وتغطية رأس. هذه العنصرية عشناها في المدرسة وترسخت في الأذهان وتم قبولها في اللاوعي، الأساتذة الوثوقيون لا يؤمنون بثقافة الاختلاف وقبول الآخر. يدعون ذلك في قالب الدعوة إلى الدين الإسلامي باعتباره الدين الصحيح وباقي الأديان مجرد كلام فضفاض. حتى النقد يعتبر جريمة مشينة في حق الأساتذة، ما يدفع التلاميذ إلى ارتداء عباءة النفاق مع الذات والتملق مع الأساتذة. مازالت ذاكرتي تحتفظ بهذه الأحداث المستعصية وتشعر بالقيء والوقاحة من مؤسسة تدعي التغيير، وتغييرها بلا تغيير .. مؤسسة واقعة في الهرطقة... هرطقة في هرطقة.
هدى الخباني/ الرحمة_ المغرب.
#هدى_الخباني (هاشتاغ)
Houda_El_Khoubani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الله: الحنين إلى مجهول
-
حبنا يا حبيبي
-
لقاء
-
يوميات
-
نص شعري: مسافة عشق
-
نص شعري: امرأة
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|