|
الصراع الإيراني/الأمريكي في الساحات العربية
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 6353 - 2019 / 9 / 16 - 16:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الواضح أن الهيمنة الأمريكية تتعرض للتحدي القوي والسافر منذ بدايات "الربيع" العربي. لا بد أن الولايات المتحدة قد عاشت وهماً جميلاً فحواه أن ذلك الربيع سيدشن أخيراً عصر الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كونداليزا رايس وإدارة جورج بوش الابن منذ مطلع الألفية الثالثة. تعرفون أن حزب الله قد وقف باب غرفة الولادة مقسماً أغلظ الأيمان أنه سيقتل المولود المنتظر قبل أن تبصر عيناه النور. وقد كان له ذلك، خصوصاً بعد فشل حملة أولمرت لحساب كونداليزا في العام 2006 والتي برهنت على قدرة حزب الله الخارقة على البقاء، ثم التمدد على الرغم من جسامة الحرب وما وظف فيها من إمكانيات إسرائيلية وأمريكية وخليجية. بعد ساحة لبنان جاءت ساحة سوريا لتختبر القوة الأمريكية. ومن جديد فشل الرئيس الديمقراطي أوباما ثم الرئيس الشعبوي الجمهوري ترامب في ربح هذه المعركة. وقد كان للروس والإيرانيين وحزب الله بالذات دور لا يتسهان به في إفشال المسعى الأمريكي للهيمنة على سوريا. وعلى الرغم من ضخامة المجهود الذي وصل إلى تمويل يزيد على 300 مليار دولار، ومئات الآلاف من المجاهدين من أصقاع الدنيا المختلفة، وتضافر جهود الدول المجاورة جميعاً، إلا أن المشروع قد فشل فشلاً ذريعاً. أخيراً جاء الحراك الشعبي في اليمن الذي أدى إلى نتيجة كارثية بالنسبة لأمريكا وحلفائها في جزيرة العرب تجسدت في هيمنة "الحوثيين" أصدقاء إيران على صنعاء. وهو ما قاد إلى شن حرب سعودية/إماراتية بمباركة أمريكية ضد حركة أنصار الله الذراع السياسي والعسكري للحوثيين. وقد كان فشل الحلف في إلحاق الهزيمة بالحوثيين نموذجياً بالقياس إلى التجربتين السابقتين في لبنان وسوريا. منذ يومين وقع حدث مفصلي فيما نتوهم قد يشكل بداية النهاية للحلم الأمريكي في بناء الشرق الأوسط الجديد، وقد يقود إلى إقرار الولايات المتحدة ببديل "واقعي" يقوم على تقسيم مناطق النفوذ بما يعني الاعتراف بإيران قوة إقليمية لا يمكن تجاورها ولا بد من الإقرار لها بالحقوق " المشروعة" أو حقوق الأمر الواقع في هذه المنطقة. في هذه الحال ربما ستكتفي السعودية بأن تكون مجرد بلد منتج للنفط الخام تحت الرعاية الأمريكية/الإسرائيلية التي تكفل لها "الحماية" من الخطر الإيراني. إذن، قد تشكل الضربة الأخيرة لمصفاة البجيج أكبر مصفاة للنفط في العالم منعطفاً استراتيجياً. ولعل ما يعزز هذا القول هو توعد الناطق باسم أنصار الله بأن عملياتهم المقبلة سوف تكون أشد حتى من هذه العملية التي هزت العالم أجمع. سوف يرد مجاهدو أنصار الله بالسبل الأشد إيلاماً ضد العدوان السعودي على الأرض اليمنية وسكانها الأبرياء. في مواجهة قوة العملية وإتقانها المذهل سارع بومبيو إلى اتهام إيران بشكل هزلي بأنها تقف وراء الهجوم. فقد قال إنه لا يوجد أي دليل على أن الطائرات المسيرة قد جاءت من اليمن. وهكذا يستنتج الرجل في غياب أي دليل أن إيران هي المسؤولة عن الهجوم. بالطبع هنا مغالطة منطقية فجة وصريحة، ولكن بومبيو على حق من ناحية مبدئية: بغض النظر عن المكان الذي انطلق منه الهجوم، اليمن أو العراق أو إيران نفسها، فإنه ما كان ليتم في الأحوال كلها بدون الدعم والرعاية الإيرانية الكاملة. إنه جزء لا يتجزأ من الحرب الاسترايتجية بين الولايات المتحدة وإيران التي تذكر في الواقع بحروب القوى الأوروبية ضد ألمانيا في الوقت الذي كان المستفيد الرئيس هو أمريكا التي كانت على وشك أن ترث الهيمنة البريطانية. هنا أيضاً نذهب إلى الزعم بأن الجهود المبذولة كلها إنما تخدم استراتيجياً صعود الصين على حساب الجميع وخصوصاً الولايات المتحدة بالذات. لكن تلك قصة أخرى لا نهدف إلى معالجتها في هذه العجالة. من ناحية السعودية لم تذهب حتى اللحظة إلى اتهام إيران بالمسؤولية عن الهجوم، وهو ما يذكر بصمتها التام تقريباً تجاه العمليات الإماراتية في عدن ضد حلفائها عموماً، وضد قواتها ذاتها في بعض الأحيان. إنها علامات ضعف وضياع تعيشها السعودية لا يمكن أن تخطئها العين، وهي من ناحية معينة امتداد للضعف والاضطراب الذي يميز سياسة امريكا بقيادة ترامب على نحو أعم وأكبر. قبل أيام طرد ترامب مستشاره للأمن القومي صديق إسرائيل الحميم وعدو إيران اللدود جون بولتون، ثم جاءت إشارات مضطربة يصعب توقعها أو حتى فهمها حول منح إيران 15 مليار دولار لكي تعود الأمور إلى سابق عهدها...الخ وقبل ذلك كان هناك "دراما" ذات دلالات قوية على ضعف الموقف الأمريكي وارتباكه، فبعد أن احتجزت السلطات البريطانية في جبل طارق السفينة السورية اضطرت إلى التراجع –بموافقة أمريكية بالطبع- وصولاً إلى أن تفرغ تلك الناقلة النفطية حمولتها في ميناء طرطوس السوري. هكذا تنكسر الإرادة الأمريكية في كل مناسبة تقريباً منذ دخول سوريا معترك "الربيع" العربي. ليس خافياً أبداً أن التدخل في اليمن كان شكلاً من أشكال التعويض عن الفشل في سوريا، وبدرجة ما في العراق، خصوصاً أن مشروع الدولة الكردية التابعة لإسرائيل وأمريكا قد أجهض بالفعل. في سياق الصراع التنافسي "العبثي" بين دول من قبيل قطر والإمارات والسعودية والكويت تحاول إيران أن توظف ما يمكنها من هذه التناقضات لتسجيل المزيد من النقاط. وفي هذا المنحى جاءت خطوات التقارب الإيراني/الإماراتي التي تضمنت خروج الإمارات من الحلف المقاتل لأنصار الله، ومن ثم انقضاضها على حلفاء السعودية بغرض انتزاع الأرض من تحت أقدام السعودية وتحويل الجنوب إلى منطقة نفوذ إماراتية. من الواضح بالطبع أن الإمارات تعيش أوضاعاً اقتصادية مزدهرة قياساً بالسعودية التي تئن تحت وطأة انخفاض أسعار النفط إلى حد تشكيل عجز في الميزانية لأول مرة في تاريخها. ولا بد أن تعطل إنتاج نصف النفط السعودي هو آخر ما كان ينقص قيادة محمد بن سلمان التي تعاني من أسباب كثيرة للصداع منذ فضيحة نشر الصحفي الخاشقجي. ومن المؤكد أن الإمارات قد استشعرت الضعف السعودي، وقررت أن تكون هي الزعيم المتوج للجزيرة العربية. ولا بد أن محمد بن زايد لا تنقصه الطموحات الواقعية أو الوهمية التي تعشعش في راس محمد بن سلمان مع أفضلية في الدهاء والمناورة لصالح حاكم أبوظبي الفعلي الذي قد يرغب في رؤية نفسه زعيماً للعرب بشكل ما، وإن يكن تحت الإشراف الإسرائيلي أو حتى الإيراني. بالطبع لا مكان للمبادئ في أبوظبي إلا بمقدار ما يوجد من مبادئ في الرياض أو واشنطون، ومن هنا يمكن لنا أن نتوقع أي شيء من حكومات الدمى الخليجية، لكن المؤكد على أية حال هو أن إيران تتقدم بثبات نحو ترسيخ دورها ودور حلفائها في أية معادلات "شرق أوسطية" جديدة. ولا بد أن ذلك يتم بالفعل على حساب الدمى الأمريكية الخليجية، وربما على حساب الولايات المتحدة ذاتها.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضفضة في مسوغات الانتحار
-
الفراغ والبحث عن العجائب
-
المغرب يطلق العربية والعروبة
-
دردشة في الفيتشية وفي سحر المطبوع
-
أكذوبة القرن
-
تفسير الظاهرة الكويتية
-
صفقة القرن أو المحطة الأخيرة لأسلو
-
النزام الدكتاتوري ومقتل مرسي
-
صفقة القرن والخيارات الممكنة
-
فلسطين قبل عشر سنوات
-
ألمانيا والتفوق النووي الإسرائيلي
-
مازق الاعتدال الفلسطيني
-
في تقريظ التبرج العربي/الفلسطيني
-
معنى التفكير بالنسبة للاهالي والمدارس
-
آمنستي وأوهام العدالة الدولية
-
حزب الله وأمينه العام والسياق العربي المريب
-
الأجهزة الذكية والتربية الغبية
-
ماذا بعد الانتخابات الإسرائيلية؟
-
روسيا والصراع العربي/الفلسطيني ضد الصهيونية
-
تسارع الهجوم الصهيوني ونهاية أوهام السلام
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|